الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | يوسف بن محمد الدوس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين - أهل السنة والجماعة |
ومن أعظم معاني العيد يا عباد الله، ومن أعظم آثاره: أنه يوم انطلاقة جديدة بمشاعر وهمة متجددة، انظر لهذا اليوم ما أروعه! شُرعت فيه صلاة العيد في هذا الوقت لتتوهج بداياته لعبادة عظيمة، هنا في البقاع الطاهرة ليفيض بالبركات والسرور فخرج بهذا عن مألوف الأيام من أوقات الصلوات، وابتعد عن الرتابة والنمطية، فيبدأ يوم عيدنا في الصباح النير، وبصلاة جامعة ليوقظ بواعث الخير، ويغلق أبواب الكسل والخمول واليأس والاعتزال؛ ليرهف أحاسيس البر والصلة، فالأذن لا تسمع إلا التهاني وجميل العبارات والعين لا ترى إلا بشاشة الابتسامات...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أظهر دينه المبين، ومنعَه بسياج متين، فحاطه من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ سخَّر لدينه رجالاً قام بهم وبه قاموا، واعتز بدعوتهم وجهادهم، وبه اعتزوا.
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله؛ كان يربِّي ويعلم، ويدعو ويصوم ويقوم، ويغزو؛ صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر على ما هدانا، والله أكبر على ما أعطانا، والله أكبر على ما أولانا، ولله الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، ولله الحمد كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه، ولله الحمد لا نحصي ثناءً عليه؛ كما أثنى هو على نفسه، فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد: عباد الله فاتقوا الله -جل وعلا-، واعملوا أن التقوى نور القلب إلى خشية القلب ومشكاتها وسبيل محبته ومرضاتها وبرهان رحمته ودلالتها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: ها هو العيد يطل من جديد، ها هو العيد يأتي فيملأ الدنيا بالسرور ويملأ الحياة بالابتسامات الصادقة واللقاءات الحارة، فيلبس أفراحنا هدًى ونورًا..
مرحباً يا عيد ضيفاً لا يُرَدُّ | وجهه طلق وفي عينيه وُدّ |
أقبل العيد يشدو ويكبّر | أقبل العيد روضا يتفتّق ويزهر |
من مثلنا اليوم يا عباد الله! من مثلنا على وجه البسيطة في نقاء السريرة وصفاء المشاعر وروح الأخوة، ووحدة الجسد وسمو المقصد.
إنه الله -جل وعلا-، إنه الله الذي منَّ علينا وهدانا له صلاتنا له طاعاتنا، له محيانا ومماتنا، أي شيء أجمل منا؟! من مثلنا نحن من يتباهى الله بهم فرحًا بنا حين أطعناه واجتمعنا على أمره وشرعته وفي بيته، نولِّي قلوبنا إليه نرفع أكفنا نستجلب أفضاله والمزيد من خيره، ونسأله الثبات على دينه وهديه وأن يديم ألفتنا ومحبتنا فيه، وأن يثبتنا على صراطه المستقيم.
يشرق العيد كالصباح جميلاً | كلما أشرقت به مقلتاك |
فلتكن أيها القريب قريبا | إن عيدي أراه حين أراك |
إنكم يا عباد الله في يوم تبسمت لكم فيه الدنيا؛ أرضها وسماؤها، شمسها وضياؤها، صمتم لله ثلاثين يومًا، وقمتم ثلاثين ليلة، ثم جئتم اليوم إلى مصلاكم، تكبرون الله ربكم على ما هداكم إليه؛ فالحمد لله الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أيها الصائمون، أيها المكبرون: شرع الله العيد للفرح ومكافأة لعباده الذين قضوا شهرهم في طاعته؛ فقد جاء في الأثر أن يوم عيد الفطر يسمى يوم الجوائز، وأهم هذه الجوائز وأغلاها وأعلاها قدرًا: مغفرة الذنوب والفوز برضوان علام الغيوب.
جاء عن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأُمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة" (رواه الطبراني والحديث فيه ضعف لكن له شواهد، ومعناه صحيح، والله أعلم).
ومن أعظم معاني العيد يا عباد الله، ومن أعظم آثاره: أنه يوم انطلاقة جديدة بمشاعر وهمة متجددة، انظر لهذا اليوم ما أروعه! شُرعت فيه صلاة العيد في هذا الوقت لتتوهج بداياته لعبادة عظيمة، هنا في البقاع الطاهرة ليفيض بالبركات والسرور فخرج بهذا عن مألوف الأيام من أوقات الصلوات، وابتعد عن الرتابة والنمطية، فيبدأ يوم عيدنا في الصباح النير، وبصلاة جامعة ليوقظ بواعث الخير، ويغلق أبواب الكسل والخمول واليأس والاعتزال؛ ليرهف أحاسيس البر والصلة، فالأذن لا تسمع إلا التهاني وجميل العبارات والعين لا ترى إلا بشاشة الابتسامات.
كل شيء في يوم عيدنا مختلف يا عباد الله؛ إذًا ليكن يومًا للتغيير الحقيقي، وكسر قيود التقاعس والعادات المثبطة، والسلوك الخامل، فجمال الحياة يا عباد الله جمال الحياة ببكورها، وطريق النجاح في المبادرة، ومكمن القوة في الجماعة والاجتماع.
وخير البدايات ما كان أوله في طاعة وذكر وتسبيح، ولجوء إلى الله سبحانه..
هذا الصباح الذي يبدي شراحته | لولا تبسمكم لم يبدُ منشرحًا |
رأى بكم بعد جهد الليل راحته | فلتفرحوا كي تروه مشرقًا فرحًا |
هل العيد ليشعل اللحظة النابضة لأيام الفرح التي انعقدت هذه الأيام، لاسيما وقد عصفت بنا رياح الفتن الهوجاء، وأحدقت بنا عصابات متمردة فارغة العقل والضمير تسلطت بعدوانها على المساجد والآمنين وعلى أشرف بقعتين على وجه الأرض.
ولكن مهما يكن يا عباد الله، مهما فعلوا فلا ينبغي أن يحمل ذلك على الإدلاج في سراديب الإحباط والولوج في غياهب الشمات والشماط، لاسيما ونحن اليوم في عيد، نحن اليوم في عيد، دعوهم وما فعلوه، فما ذاك إلا قرين الذباب ورجال أمننا وراءهم بالمرصاد، وحكومتنا تدرك أبعاد القضية وخطرها، والله -جل وعلا- غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فرحك اليوم -أيها المبارك-، فرحك في هذا اليوم أنت مأجور عليه وسعيك لإدخال السرور هو من دواعي الشريعة (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين، نعم السرور في يومنا هذا من شعار ديننا؛ يبين هذا خبر عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث –قالت: وليستا بمغنيتين-، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك في يوم عيد. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يا أبا بكر! إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا"، وفي رواية أخرى: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة؛ إني بعثت بالحنفية السمحة".
فهذه مشاهد الفرح والسرور بالعيد، والشعور بالبهجة تُقام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيبررها ويفرح بها هذا، هو العيد رغم ما هو محتمله عليه الصلاة والسلام من أعباء الأمة وهمها وهمّ نصرة الدين لم يمنعه ذلك من الفرح.
تنطلق السجايا في يوم العيد على فطرتها، وتبرز العفوية والبساطة، وتظهر الأريحية على حقيقتها، ولكنك تعجب أمام هذا الهدي النبوي الكريم حين ترى ذلك الذي يحاول قتل أفراح الناس في أعيادهم والتضييق على مشاعرهم عندما يتذكر أحداث الأمة ويحيي المآسي ويستحدث الذكريات المؤلمة.
ويا للعجب يا عباد الله هل سيكون علاج المآسي بالهجوم والتحازن؟ لا ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد.
ولو أننا قتلنا كل فرحة وأطفأنا كل بسمة، ولبسنا الحزن، وتلفعنا بالغم، وتضرعنا بالهم ما حررنا بذلك شبرًا، ولا أشبعنا جوعة، ولا أغثنا لهفة، وإنما زدنا الطين بلة، فبهذا نكون قد فتحنا بوابة اليأس واليأس سدفة من حلك الظلام؛ لذلك نهانا عنه الواحد العلام: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) وقال -جل وعلا- (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) [الحجر:56].
بالتفاؤل والأمل -يا عباد الله- تتدفق روح العزيمة، وتتألق نسمات النبوغ، وتتألق بواعث الثقة والتحدي، وهذه القوة الأخاذة والقوة النورانية هي من أزاهير الشريعة الربانية والسيرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام.
الذي قال: "عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" (رواه مسلم).
أيها الآباء أيتها الأمهات: أبناءنا بحاجة إلى تربية ناضجة؛ تقوم على دعائم الإيمان والوعي والإحساس الجميل، وإن أعظم ما نحتاجه اليوم الأب القدوة والأم القدوة هما سر التأثير الحقيقي في الأبناء، ليست التربية أوامر ونواهي، وليست مثاليات كاذبة وادعاءات مزيفة، بل واقع يجدونه في الوالدين يتجلى في جمال الأخلاق وقوة الإيمان وحكمة الأفعال، ورقي الاهتمام؛ مع قرب حميم وتواصل لطيف، واحتواء رحيم ومشاركة متفاعلة جادة مع قضاياهم وهمومهم، وإلا فسوف يتلمس الأبناء والبنات لهم قدوات من هنا وهناك؛ فيقعون فريسة التضليل والأكاذيب لشخصيات تافهة ساقطة يروج لها عبر وسائل التواصل، أو يكونون ضحية التبذل الأخلاقي والاستدراج العاطفي، أو غنيمة سائغة لأرباب التطرف الفكري المدمر.
نعم عباد الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
معاشر النساء: اتقين الله يا معاشر النساء عظموه -جل وعلا-، صلين الخمس، وأطعن الأزواج بالمعروف، وانبذن السفور، ولا تكثرن اللجاج، واحذرن كفر العشير واللعن والسباب، الزمن البيوت وتذكرنا يا معاشر النساء أن زينة المرأة في حياءها (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ).
ولئن كان العيد أيتها الأخوات المباركات يوم فرح وإظهار للسرور، فهذا لا يعني التبذل في اللباس والتكشف المخزي، ولو كان الجلوس بين النساء والمحارم، بل عليكن بالتناصح واحتساب الأجر بالتحشم والتستر والاعتزاز بالمبادئ والقيم التي عرفنا بها في مجتمعاتنا وربانا عليها ديننا، وتذكرن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها؛ قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت".
أيها الصائمون أيها الذاكرون المكبرون بإيمانكم ووحدتكم: أنتم شموع العيد وشذاه العابق، كل عام وأنتم أيها الإخوة والأخوات إلى الله أقرب، والعيد بكم أجمل، وعلى العمل الصالح أدوم، تقبل الله أعمالكم وبلغكم الفردوس بفضله ورحمته.
وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنّك وفضلك يا رب العالمين.