العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
إذا لم يحرص المسلم على قراءة القرآن في هذا الشهر فمتى يحرص؟! وأي فضل وأي خير يحرم الإنسان نفسه منه لتركه قراءة القرآن؟! تصور -أيها المسلم- كم من حسنات عظيمة وأجور وفيرة تحصلها لختمة واحدة لكتاب الله -عز وجل- فكيف بعدة ختمات وفقك الله لها في هذا الشهر المبارك شهر الصيام والقرآن، فلا تحرم نفسك من هذه الأجور الوفيرة والحسنات العظيمة فليأتين يوم عليك تتمنى فيه أن يثقل ميزانك بحسنة واحدة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله -عز وجل- في جميع ما تأتون وتذرون؛ فإن حقيقة التقوى ملازمة الطاعة، وترك المعصية في الأقوال والأفعال، اتقوه سبحانه في الأحوال كلها؛ فإنه مطَّلِع عليكم عالم بما تأتون وتذرون، فاتقوه حيث ما كنتم؛ فلا تأتوا من الأفعال والأقوال إلا ما يحبها الله -عز وجل- واجتنبوا كل ما يبغضه الله ويكرهه من الأقوال والأفعال.
هذه هي حقيقة التقوى التي من اتصف بها كان من عباد الله المفلحين وأولياء الله الصالحين الموعودين في الدين والآخرة بالفوز والفلاح والنعيم والكرامة، هدانا الله -سبحانه وتعالى- للتقوى، ويسَّر لنا أسبابها، وأعاننا على مقتضياتها ولوازمها.
أيها الإخوة المسلمون: ها هو شهركم أوشك على الانتصاف، فاحرصوا على اغتنامه قبل رحيله، وليحاسب كل منا نفسه عن الأيام والليالي الماضية ومدى اغتنامه لها.
من وجد خيرًا وحرصًا على الطاعة فليحمد الله على التوفيق والهداية، وليواصل عمله المبارك؛ فإن الأعمال بالخواتيم، ومن وجد تقصيرًا وتفريطًا وإضاعة وإهمالاً فليبادر بتلافي هذا التقصير، وليتدارك تفريطه وإهماله؛ فإن الأيام والليالي لا تنتظر أحدًا، والندم بعد الفوات لا ينفع شيئًا، وما دام العبد في زمن المهلة وأيام الشهر ولياليه بقي منها الكثير فليحرص على اغتنامها، وليضاعف جهده فيما بقي لعل الله -عز وجل- يمنُّ عليه بالقبول والرضا فيفوز في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة في الله: هناك مظاهر في شهرنا ينبغي أن نتلافاها؛ أول هذه المظاهر وأخطرها: التساهل بأداء بعض الصلوات مع الجماعة، وبخاصة صلاة الظهر والعصر؛ فإن بعض الناس في شهر رمضان يتخلف عن أداء هاتين الصلاتين مع الجماعة ولا شك أن هذا منافٍ للتقوى التي من أجلها شرع الله -عز وجل- الصيام.
فليس من التقوى في رمضان ولا في غير رمضان التخلف عن أداء الصلاة جماعة لغير عذر شرعي، وأشنع من ذلك النوم عن صلاة الظهر حتى يخرج وقتها، وهذا لو حصل للإنسان مرة من غير تعمد ولا تفريط فنرجو أن يعفو الله عنه كما جاء في الحديث "ليس في النوم تفريط"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك".
وأما أن يكون ديدن الإنسان النوم عن صلاة الظهر حتى يخرج وقتها فلا يصليها إلا في وقت العصر، فهذا والله منكر عظيم ومعصية كبيرة يخشى على صاحبها منها.
أرأيتم لو كان عند الإنسان موعد في المستشفى أو موعد مهم في مكان آخر وقت صلاة الظهر ألستم ترونه يستعد لذلك، ويستيقظ قبل الظهر، ويتهيأ للموعد، فلماذا في فريضة الصلاة التي جعل الله لها وقتًا محددًا لا تقبل إلا فيه لا يبالي الإنسان بوقتها ويغلب النوم والله -عز وجل- يقول (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103]، ويقول -جل وعلا- محذرًا من هذا الفعل (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4- 5]، وقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59].
فاحذروا -أيها المسلمون- من الوقوع في هذه المعصية الكبيرة، وجاهد نفسك وأهل بيتك على إقامة الصلاة في وقتها.
وكما تشرف الطاعة بشرف الزمان والمكان؛ فإن المعصية أيضًا قد تعظم ويعظم أثرها وعاقبتها بشرف الزمان والمكان.
ومن المظاهر السيئة في شهرنا عدم مبالاة كثير من الناس في هذا الشهر بقراءة القرآن الكريم، وهذا الشهر هو شهر القرآن الذي أنزله الله فيه، فإذا لم يحرص المسلم على قراءة القرآن في هذا الشهر فمتى يحرص، وأي فضل وأي خير يحرم الإنسان نفسه منه لتركه قراءة القرآن، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف".
تصور أيها المسلم كم من حسنات عظيمة وأجور وفيرة تحصلها لختمة واحدة لكتاب الله -عز وجل- فكيف بعدة ختمات وفقك الله لها في هذا الشهر المبارك شهر الصيام والقرآن، فلا تحرم نفسك من هذه الأجور الوفيرة والحسنات العظيمة فليأتين يوم عليك تتمنى فيه أن يثقل ميزانك بحسنة واحدة.
ومن الأخطاء كذلك: حصر قراءة القرآن في نهار رمضان، وعدم العناية بقراءته في الليل وهذا خطأ، وقد جاء في السنة أن جبريل -عليه السلام- كان يدارس النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان كل ليلة.
ثم بالله عليكم -أيها الإخوة الكرام- من الأمور التي يقضي الناس فيها ليالي رمضان لو كان الخلود للراحة والنوم لكان أمرًا حسنًا، وبخاصة العشرين الأولى من الشهر، ولكن المشاهد أن كثيرًا من الناس إنما يقضون ليلهم في أمور أقل ما يقال عنها إنها أمور مباحة من قيل وقال وكلام لا فائدة فيه.
فصن وقتك يا مسلم واعرف لهذه الليالي فضلها، واعرف لهذه الليالي شرفها، ولا تخلها من قراءة القرآن وذكر الله -عز وجل-.
ومما له علاقة بهذا الموضوع كذلك عدم قراءة القرآن في المنزل، وهذا من الأخطاء كذلك بل ينبغي أن نعمِّر بيوتنا ومنازلنا ومساجدنا بقراءة كلام ربنا -عز وجل- الذي هو أشرف كلام وأفضل ونحث أهل بيتنا من النساء والأولاد كذلك على قراءة القرآن في منازلنا، ونرغِّبهم ونشجعهم في ذلك.
ومن الأخطاء في شهرنا عند كثير من الناس: الإسراف في المآكل والمشارب، وهذا والله منكر عظيم، وسبب من أسباب زوال النعمة وعمل من أعمال الشياطين، وما شرع الصيام من أجل التفنن بالمطاعم والمشارب وملء السُّفَر بها.
ثم إن المبالغة في الأكل تؤدي إلى استثقال الطاعة والتكاسل عنها.
تذكر أيها الصائم وأنت تعرض على سفرتك من أنواع الأطعمة ما لا تحتاج وما لا يؤكل كله أن هناك من يحتاج إلى الطعام إلى الشراب والغذاء فلا يجدونه، فاشكر ربك بهذه النعمة وقيِّدها بعظيم الشكر والبعد عن الإسراف والتبذير (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء: 26- 27].
ومما له علاقة بهذا الموضوع أن الإسراف وصل إلى موائد تفطير الصائمين؛ حيث الإسراف فيها بعرض ما يزيد عن حاجة من يراد تفطيرهم، وفي بعض الموائد تفاخر واستعراض في الوقت الذي توجد فيه بعض الأسر المتعففة بحاجة إلى المواساة في هذا الشهر للطعام.
ألا فاتقوا الله عباد الله اتقوه في شهركم، اتقوه في صيامكم واستحضروا المقصد الرئيس من فرضية صيام هذا الشهر، ألا وهو تحقيق التقوى فلا ترتكبوا من الأعمال والأفعال ما يتناقض ويتعارض مع هذا المقصد العظيم الشريف من فرضية الصيام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شد في النار.
عباد الله: من المظاهر السيئة في شهرنا أنه صار موسمًا لكثير من القنوات الفضائية التي تتاجر في العفة والفضيلة لعرض المسلسلات والتي لا تخلو من منكرات عظيمة سيعكف كثير من الصائمين عليها، ويقضون معظم ليله في تتبعهم، والانتقال من قناة لأخرى.
ويزداد الأمر سوءًا إذا كانت هذه القنوات السيئة بمسلسلاتها تروِّج لأفكار باطلة، وتشكك في الثوابت، وتطعن في المسلَّمات، وتسخر من الشعائر والأحكام الشرعية، وتهزأ بقيم المجتمع الحميد.
أي صيام هذا الذي يُطلق فيها الصائم بصره للنظر إلى الحرام، وسمعه لسماع الحرام؟! الصوم النافع -يا عباد الله- ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب في النهار وإطلاق العنان للجوارح للحرام في الليل.
أخي الصائم: الزمن أشرف من أن يُقضَى في مثل هذا العبث، ليالي الشهر ليالٍ شريفة فلا تدنِّسها بالعكوف على ما لا يحل من هذه المسلسلات، دقائقك ولحظاتك املأها بخير، املأها بالتسبيح والتحميد، املأها بذكر الله ودعائه والتضرع إليه.
وليأتين يوم تقف فيه أمام ربك، وتُسأل فيه عن عمرك، وعن وقتك، وعن شبابك فيما قضيته فيا تعاسة من كان جوابه بأنه قضى شبابه وقضى ساعات عمره وقضى أيام حياته في العكوف على هذه المسلسلات الهابطة التي يبغضها الله -عز وجل- ورسوله، والتي لا تشجع على زيادة الإيمان ولا زيادة التقوى، ولا على التمسك بالأخلاق الفاضلة وإنما تحرك الغرائز وتحرك وتسير الشهوات وتدعو إلى الفتن وإلى الحرام.
نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا جميعا إلى العمل الصالح، وأن يأخذ بنواصينا بالبر والتقوى، وأن يجنبنا أسباب الردى إن ربي على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا".. اللهم صل وسلم وبارك...