الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
إنَّ هذا الشهرَ شهرُ مغفرةِ الذنوب، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام: "مَن صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه"، فما أعظمها من مَكْرُمة! وما أجلها من عطية! صيام رمضان يُغْفَرُ به ما تقدم من الذنوب والخطايا ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: أيها المؤمنونَ عبادَ اللهِ، اتَّقُوا الله تعالى؛ فإن من اتقي الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقْوَى الله -جل وعلا- أن تعمل بطاعة الله، على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله.
عباد الله: إننا نعيش في هذا الوقت أياما كريمة فاضلة، وموسما عظيما شريفا مليئاً بالخيرات، متعددة فيه العطايا والهبات، موسمٌ ميَّزَهُ الله -تبارك وتعالى- على بقية الأيام والشهور، وفضَّلَهُ بفضائلَ عديدةٍ، وخصائصَ متنوعةٍ.
في هذا الموسم المبارك، شهر رمضان، تُفتَح أبوبُ الجنة وتغلق أبواب النيران، في هذا الموسم الكريم المبارك، لله -تبارك وتعالى- عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة من ليالي هذا الشهر، في هذا الموسم الكريم المبارك، تصفّد الشياطين ومرَدة الجن، فلا يستطيعون أن يَخلُصُوا إلى مَن كان يخلصون إليهم قبل رمضان وبعده، وفي هذا الموسم الكريم المبارك ينادي منادٍ كلَّ ليلة: يا باغيَ الخيرِ أقْبِلْ، ويا باغي الشَّرِّ أقْصِرْ.
وهذا -عبادَ الله- فيه دلالةٌ على كثْرة الخير في هذا الشهر، وعِظَمِ إقبال الناس، وتأكُّد انصراف كُلِّ مُسْلِمٍ عن الشَّرِّ، وأسبابه، وموجباته، وإن كان هذا الأمر متأكداً في كُلِّ وقتٍ وحينٍ، إلا أنه في شهر رمضان أشد تأكيداً، وأعظم لزوما.
عباد الله: إن من الواجب على مَن أكرمه على الله -عز وجل- بإدراك هذا الشهر وبلوغه أن يغتنم خيراتِه، وأن يظفر ببركاته، وأن يجاهد نفسه مجاهدة تامة على أن ينال فيه الصفح والغفران والعتق من النيران، وأن يكون من عباد الله المتقين الذين تعتق رقابهم من النار في هذا الشهر الكريم المبارك.
عباد الله: إنَّ هذا الشهرَ شهرُ مغفرةِ الذنوب، يقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه"، فما أعظمها من مَكْرُمة! وما أجلها من عطية! صيام رمضان يُغْفَرُ به ما تقدم من الذنوب والخطايا.
وتأمَّل -عبد الله- هذه الفضيلة العظيمة، فهي لا تُنال إلا بشرطين بيّنهما -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث العظيم، الشرط الأول أن يكون صيامك لرمضان إيمانا بالله وبرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتصديقا بفريضة الصيام وما أعدّه -تبارك وتعالى- لأهل الصّيام من أجور عظيمة، وعطايا كريمة، وثواب جزيل في الدنيا والآخرة؛ والشرط الثاني -عباد الله- أن يكون صيامُكَ لرمضان احتسابا لما عند الله -تبارك وتعالى- من الأجر والثواب، تصومه محتسبا به ثواب الله، تبتغي به وجه الله، وتطمع بأدائه في ثواب الله، وتريد بقيامك به تحصيلَ ثواب الله الذي أعده الله -تبارك وتعالى- للصائمين.
والله -جل وعلا- قد أعد للصّائمين من الأجور العظيمة والعطاء الجزيل ما لا يخطر ببال، وإلى هذا الإشارة في قول الرب -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: "الصيام لي وأنا أجزي به"، ادّخر تعالى للصائمين ثوابا جزيلا، وعطاء عظيما، بغير عدٍ ولا حساب: (إِنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
عباد الله: وينبغي على الصائم أن يتذكَّر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّراتٌ لما بينهنَّ، ما اجتُنِبَت الكبائر"، فعليه أن يتقي الله -جل وعلا-، وأن يجانب الكبائر وعظائم الذنوب، وأن يتوب من الذنوب كلِّها، صغيرها وكبيرها.
ولتعلم -أخي المسلم- أن تكفير رمضانَ للذنوب، وهكذا الصلوات الخمس، والجمعة، ونحو ذلك مما ورد في الأحاديث، إنما هو خاص بالصّغائر، أما الكبائر فإنه لابد فيها من توبة نصوح، توبة صادقة، توبة نصوح من الذنب الذي اقترفته، والخطيئة التي اجترحتها.
فعلينا -عباد الله- أن نعيش هذا الشهر تائبين إلى الله، منيبين إليه -سبحانه-، مقبلين عليه -جل وعلا-، مستغفرين من الذنوب والخطايا، لعلّنا -عباد الله- نكون من عتقاء الله -تبارك وتعالى- من النار، علّنا عباد الله نكون ممن حُطَّت عنهم الأوزار، ورُفِعَتْ لهم الدرجات، وغفرت لهم الذنوب.
عباد الله: إن المحروم حقّا مَنْ يُدْرِكْ مواسم الخير، ومواطن الفضل، وأماكن الفضيلة، فلا يغنم خيرها، ولا يُحصِّل بركتها، يقول -عليه الصلاة والسلام- عن رمضان: "لله فيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألف شهر، مَن حُرم خيرها فقد حُرم"؛ هذا هو الحرمان حقا عباد الله، أن يدرك العبد مواسم الخيرات وهو بصحة وعافية وأمن وأمان ورغد وهناءة عيش، ثم لا ينال مغفرة الذنوب، ولا ينال العتق من النار.
تأملوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام أحمد في مسنده وغيرُه عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: صَعِدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين"، ثم قضى خطبته، فقال له الصحابة -رضي الله عنهم-: سمعناك يا رسول الله تقول شيئا لم تكن تقوله قبل ذلك، قال: "أتاني جبريل آنفا فقال: يا محمد، مَن أدرك من أمّتك رمضان وخرج فلم يغفر له فأبْعَدَهُ الله فأدخله النار، قل: آمين! فقلت: آمين، وقال: يا محمد، من ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فأبعده الله فأدخله النار، قل: آمين، فقلت: آمين -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: يا محمد مَن أدرك عنده أبواه الكبر ولم يُدخِلاه الجنة فأبعده الله فأدخله النار، قل آمين فقلت آمين".
جبريل يدعو ومحمد -صلى الله عليه وسلم- يُؤمِّن، ومما دعا به جبريل وأمَّن عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من أدرك رمضان وخرج ولم يغفر له فأبعده الله فأدخله النار، ما أعظمها من مصيبة! وما أشد فداحتَها من رزية! يدرك العبد موسم الخير والعتق من النار، يدرك العبد موسم مغفرة الذنوب ثم يستمر في غيِّه، ويتمادى في باطله، ويداوم على سفهه وضلاله.
نسأل الله العافية، ونسأله -جل وعلا- أن يمنحنا جميعا توبة نصوحا، وأن يعتق رقابنا جميعا من النار، وأن يوفقنا لاغتنام مواسم الخيرات، وأن يهدينا جميعا سواء السبيل، إنّ ربي لَسَمِيعُ الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: عباد الله، نحن الآن في شهر رمضان، شهر الله المبارك الذي كان يهنئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصّحابة بمقدمه، ويبارك لهم في مجيئه، كما في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "هذا رمضان قد جاءكم، -أو قال، عليه الصلاة والسلام- أتاكم رمضان شهر مبارك تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفَّد فيه مردة الشياطين، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة".
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاكم شهر رمضان، أتاكم رمضان شهر مبارك"، فيه دلالة -عباد الله- على بشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بمقدم هذا الشهر العظيم، فلتهنأوا -عباد الله- بشهركم العظيم، وموسمكم المبارك، ولتقبلوا فيه على الله -عز وجل- بطاعته، والإنابة إليه.
عباد الله: وهذا الشهر موسم الغفران، فلْنُكْثِرْ فيه من الاستغفار؛ فإن الاستغفار شأنه عظيم، ولاسيما في هذا الموسم الكريم، ولقد كان -عليه الصلاة والسلام- أشد الناس استغفارا، يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: ما رأيت أحدا أكثر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولاً: "أستغفر الله وأتوب إليه".
وقد رأى أبو هريرة -رضي الله عنه- الصحابة الكرام، والجيل المبارك الذي لقي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم ير أكثر من النبي -صلى الله عليه وسلم- ملازمة للاستغفار، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
عباد الله: والاستغفار فوائده عظيمة، وعوائده كثيرة على المستغفرين، يقول الله -تعالى- فيما ذكره عن نوح -عليه السلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].
هذه -عباد الله- بعض فوائد الاستغفار وبركاته في الدنيا، وأما في الآخرة فإن خيراته وبركاته لا حصر لها ولا عدّ، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "طوبى لِمَن وُجِدَ في صحيفته يوم القيامة استغفارا كثيرة".
ومن بركات الاستغفار -عباد الله- نزول الأمطار، وتوالي الخيرات، وتعدد العطايا والهبات، وكلكم يعلم -عباد الله- تأخَّر نزول المطر عن إبّان وقته، مما سبب جفافا في الأرض، وهلاكا في الماشية، وتأثرا في الزروع؛ فأقبِلوا -عباد الله- على الله -جل وعلا- تائبين إليه، مستغفرين من كل ذنب وخطيئة، لعلَّ الله -عز وجل- أن يتغمدنا جميعا برحمته، ويوسِّع علينا بمــَنِّه وفضله وعطائه.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأَرْسِل السماء علينا مدرارا، وارفعوا أيدكم -رعاكم الله-، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلّه، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتب على التائبين، اللهم واغفر لنا أجمعين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، إلهانا، إن منعتنا فمن الذي يعطينا؟ وإن طردتنا فمن الذي يؤوينا، إلهنا لا تكلنا إلا إليك، إلهنا رحمتك نرجو فلا تكلنا إلا إليك، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم إنا نسألك غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحا طبقا نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل.
اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت القائل يا الله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]، اللهم لك استجبنا، وبك آمنا، وإليك مددنا أيدنا ورفعنا إليك دعواتنا، اللهم لا تخيبنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم لا ترد أيدينا يا رب العالمين صفرا.
اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صَلَّى علَيَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...