الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة |
هذه جملةٌ من الأحاديث العظيمة في بيان حرمة المدينة وعظيم شأنها ورفيع قدرها وعلو مكانتها. وهذه دعوةٌ من خلال هذا المنبر إلى إشاعة هذه الأحاديث ونشرها بين أهل المدينة وساكنيها وزائريها وقاصديها، ليقف الجميع على ما لهذه البلدة من حرمة، وليقفوا على ما لها من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة؛ ليلزم الجميع الأدب في هذا البلد، وليرعى الجميع حرمته تقوًى لله -عز وجل- وخوفًا منه -جل في علاه-، فإن عقوبة انتهاك حرمة المدينة عقوبة عظيمة؛ لأن الجناية فيها جناية فظيعة شنيعة.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله ربكم، وراقبوه في سائر شؤونكم وأعمالكم؛ مراقبة عبدٍ يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: المدينة النبوية دار الإيمان دارٌ محرمة وبلدةٌ آمنة، لها حرمتها وقدرها ومكانتها، حرَّمها رب العالمين جل في علاه، هي -أيها العباد- مهبط الوحي ومتنزَّل الرسالة ومأرز الإيمان وعاصمة الإسلام الأولى، دارٌ مباركة لها خصائص عظيمة وفضائل كريمة ومناقب متعددة؛ ويجب على أهل الإسلام أن يعرفوا للمدينة حرمتها، وأن يرعوا لها قدرها ومكانتها، فإنه -أيها العباد- قد جاء في تحريم المدينة وبيان حرمتها أحاديث متكاثرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث وجوامع السنة ينبغي على كل مسلم أن يقف عليها ليعرف لهذا البلد قدره ومكانته.
فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا؛ أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ" (رواه مسلم).
وعن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- قال : أَهْوَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ" (رواه مسلم).
وعن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا" (متفق عليه).
وفي رواية لأبي داود "لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا، وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ" (رواه مسلم).
وعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (رواه البخاري).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول : «لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا»، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ» (رواه البخاري).
وعن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "رَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ" (رواه أحمد).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ؛ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلاَ الدَّجَّالُ" (رواه البخاري ومسلم).
وعن سعد -رضي الله عنه- قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : "لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ" (رواه البخاري).
ورواه مسلم بلفظ: "وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ".
ورواه البزار بلفظ: "اللَّهُمَّ اكْفِهِمْ مَنْ دَهَمَهُمْ بِبَأْسٍ-يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ- وَلَا يُرِيدُهَا أَحَدٌ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ".
وعن جابر -رضي الله عنه- أَنَّ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ الْفِتْنَةِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُ جَابِرٍ، فَقِيلَ لِجَابِرٍ: لَوْ تَنَحَّيْتَ عَنْهُ، فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ فَنُكِّبَ، فَقَالَ: تَعِسَ مَنْ أَخَافَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ ابْنَاهُ - أَوْ أَحَدُهُمَا -: يَا أَبَتِ وَكَيْفَ أَخَافَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ مَاتَ!! قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَدْ أَخَافَ مَا بَيْنَ جَنْبَيَّ" (رواه أحمد).
وعن السائب بن خلَّاد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَخَافَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا" (رواه أحمد).
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : "اللَّهُمَّ مَنْ ظَلَمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَأَخَافَهُمْ فَأَخِفْهُ، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ" (رواه الطبراني في الأوسط والكبير).
أيها المؤمنون: هذه جملةٌ من الأحاديث العظيمة في بيان حرمة المدينة وعظيم شأنها ورفيع قدرها وعلو مكانتها. وهذه دعوةٌ من خلال هذا المنبر إلى إشاعة هذه الأحاديث ونشرها بين أهل المدينة وساكنيها وزائريها وقاصديها، ليقف الجميع على ما لهذه البلدة من حرمة، وليقفوا على ما لها من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة؛ ليلزم الجميع الأدب في هذا البلد، وليرعى الجميع حرمته تقوًى لله -عز وجل- وخوفًا منه -جل في علاه-، فإن عقوبة انتهاك حرمة المدينة عقوبة عظيمة؛ لأن الجناية فيها جناية فظيعة شنيعة.
نسأل الله -عز وجل-أن يوفقنا أجمعين لرعاية هذه الحرمة لهذا البلد المبارك الآمن، وأن يوفقنا للزوم الأدب في بلد الرسول المصطفى والنبي المجتبى عليه الصلاة والسلام وأن يوفقنا لكل خير.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى، فإن في تقواه خلَفًا من كل شيء، وليس من تقوى الله خلَف.
أيها المؤمنون: وعندما يتلوث العقل ويُخسف به لا يرعى لهذا البلد حرمته ولا يعرف له مكانته، وما حادثة التفجير في المدينة عنا ببعيد، فإن الآثم الجاني الذي قام بتلك الفَعلة الشنيعة لم يرعَ للمدينة حرمتها، ولا للشهر المعظم مكانه، ولا للصائمين الآمنين المطمئنين قدرهم؛ فقام بتلك الفعلة الشنيعة في وسط المدينة وإلى جوار مسجد رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-، فانتهك حرمة المدينة، وقد عرفنا ما في انتهاك حرمتها من وعيد، وانتهك حرمة الشهر المعظم خير الشهور وأفضلها، وانتهك حرمة أهل الإيمان إخافةً للمؤمنين وإزهاقًا لأنفسٍ معصومة محرمة، فما أعظمها من جريمة، ولكن تلك الأفكار الملوثة لا ترعى لهذه النصوص -نصوص الوعيد- قدرا ولا ترفع بها رأسا ولا تقيم لها وزنا، لأن الذي يقودها فكرها الخبيث وعقلها المتلوث.
نسأل الله -عز وجل-أن يحمي المدينة وأهل المدينة والمسلمين في كل مكان من كيد الفجار وأن يعيذهم من شر الأشرار بمنِّه وكرمه إنه سميع الدعاء.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، اللهم احفظه في حله وترحاله يا رب العالمين، اللهم وفقه ونائبيه لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بشرعك وتحكيم كتابك واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة على رعاياهم يا رب العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.