البحث

عبارات مقترحة:

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

من سعادة العبد حفظ لسانه

العربية

المؤلف أحمد شريف النعسان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. محاسبة الإنسان على كلامه يوم القيامة .
  2. أثر الكلمة وخطرها .
  3. وجوب التثبت قبل الكلام .
  4. تحذيرات شرعية للمتكلمين في أعراض الناس .

اقتباس

لقدِ اهتمَّ الإسلامُ بالكلمةِ ورَعَاها حَقَّ الرِّعايةِ، وذلكَ للأثرِ الذي تُحدِثُهُ الكَلِمَةُ, فَبِكَلِمَةٍ واحِدةٍ لا يَخلُدُ صاحِبُهَا في النَّارِ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ لا يَدخُلُ صاحِبُها الجنَّةَ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ يُرفَعُ العبدُ أعلى الدَّرجاتِ في الآخرةِ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ يَهوي بها العبدُ سبعينَ خريفاً في نارِ جَهَنَّم! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ يُطفِئُ العبدُ نارَ فتنَةٍ! وبِكَلِمَةٍ....

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عباد الله: يقولُ اللهُ -تباركَ وتعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 16 - 18].

ويقولُ اللهُ -تباركَ وتعالى-: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].

وأخرجَ الإمامان البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضيَ الله عنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ".

وأخرجا كذلكَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضيَ الله عنهُ- قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ, أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خيرٌ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".

يا عبادَ الله: نحنُ مُكلَّفونَ ومسؤولونَ يومَ القِيامةِ, قال تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات: 24].

ويقول تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون) [الحجر: 92 - 93].

ومن جُملَةِ ذلكَ: السُّؤالُ عن كلِّ كلمةٍ تصدُرُ مِنَّا ولو كانت صِدقَاً, قال تعالى: (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ) [الأحزاب: 8].

يا عبادَ الله: لقدِ اهتمَّ الإسلامُ بالكلمةِ ورَعَاها حَقَّ الرِّعايةِ، وذلكَ للأثرِ الذي تُحدِثُهُ الكَلِمَةُ, فَبِكَلِمَةٍ واحِدةٍ لا يَخلُدُ صاحِبُهَا في النَّارِ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ لا يَدخُلُ صاحِبُها الجنَّةَ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ يُرفَعُ العبدُ أعلى الدَّرجاتِ في الآخرةِ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ يَهوي بها العبدُ سبعينَ خريفاً في نارِ جَهَنَّم! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ يُطفِئُ العبدُ نارَ فتنَةٍ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ يُشعِلُ نارَ فتنَةٍ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ تُعَمَّرُ بُيوتٌ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ تُهَدَّمُ بُيوتٌ! بِكَلِمَةٍ واحدةٍ تُسفَكُ الدِّماءُ! وبِكَلِمَةٍ واحدةٍ تُحقَنُ الدِّماءُ!

يا عبادَ الله: إنَّ الأمَّةَ تعيشُ أيَّاماً قاسِيَةً وصعبَةً وأحداثاً مُؤلِمَةً ولا تَسمَعُ فيها من يُذَكِّرُكَ بالله تعالى -إلا من رَحِمَ ربُّك-.

ما أَحوَجَنا في هذِهِ الأيَّامِ إلى من يُذَكِّرُنا باللهِ -تعالى-! إلى من يُذَكِّرُنا بسيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-! إلى من يُذَكِّرُنا بما يُطَمئِنُ قُلُوبَنَا! إلى من يُحاوِلُ إطفاءَ نارِ الفِتنَةِ التي حَرَقَتِ الأخضرَ واليابِسَ, وذهبَ ضَحِيَّتَها الأبرياءُ!

يا عبادَ الله: لُزومُ الصَّمتِ خيرٌ من كَلامٍ يزيدُ النَّارَ ناراً! ويزيدُ القتلَ قتلاً! ويزيدُ الدَّمارَ دَماراً! إطلاقُ اللسانِ بالحديثِ بدونِ تَثَبُّتٍ قد يُؤذي المُسلمينَ، ويزيدُ الطِّينَ بِلَّةً كما يُقالُ في المَثَلِ, ولا تشفعُ لك صلاتُكَ ولا صِيامُكَ ولا صَدَقَتُكَ إذا أطلقتَ لِسانَكَ بالحديثِ الذي تكونُ نتيجتُهُ إيذاءً للمُسلمينَ؛ روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضيَ الله عنهُ- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا, قَالَ: "هِيَ فِي النَّارِ".

اِسمع يا مَن يُلقِي الكلامَ جُزافاً, واسمع يا مَن يُحَدِّثُ النَّاس بِكُلِّ ما سَمِعَ -وهذا ينطبِقُ على أجهِزَةِ الإعلامِ بِجَمِيعِ صُوَرِهَا- واسمع يا من اتَّخَذَ كَلِمَةَ -زعموا- مَطِيَّةً لحديثِهِ:

أولاً: يقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "كفى بالمَرءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ" [رواه الإمام ُمسلم عنْ أبي هُريْرة -رضي اللهُ عنْهُ-].

إِن لم يَكُنِ المرءُ كذَّاباً إلا أنَّهُ يُحَدِّثُ بِكُلِّ ما سمِع فيكفيهِ هذا بأن يكونَ كذَّاباً.

ثانياً: يقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا" [رواه الإمام أحمد عن أبي قُلابَةَ -رضيَ الله عنهُ-].

بئسَ قولُ الرَّجُلِ -الذي يُلقي القولَ جُزافاً ولا يدري ما هوَ أثَرُهُ في نُفوسِ الأُمَّةِ- زعموا, بِئست تلكَ الكَلِمَةُ التي جَعَلَهَا العبدُ مَطِيَّةً لإلقاءِ الكلامِ جُزافاً ظَنَّاً منهُ بأنَّ ذِمَّتَهُ بِذلِكَ تكونُ بريئَةً.

ثالثاً: يقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" [رواهُ الإمامُ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضيَ الله عنهُ-].

رابعاً: يقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, يَكْتُبُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, يَكْتُبُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [رواه الإمام أحمد عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ -رضيَ الله عنهُ-].

يا عبادَ الله: قَبلَ الكلامِ استشعِروا بوُجودِ مَلَكٍ عن يمينِكُم يكتُبُ الحَسَناتِ, ومَلَكٍ عن شِمالِكُم يكتُبُ السَّيِّئاتِ وبعدَ ذلكَ أقِلِّوا من الكلامِ أو أكثِروا, تذكَّروا وأنتم تَتَحدَّثونَ بأنَّ كلامَكُم مَحصِيٌّ عليكُم, ولا يَضيعُ منهُ فَتيلٌ ولا قِطمِيرٌ, وأنَّكم سَتَجِدونَ ذلِكَ في صَحيفَةِ أعمالِكُم, وهُناكَ من يقولُ: (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49].

يا عبادَ الله: قولوا خيراً تَغنَموا, وإلا فَسوفَ تندَمونَ -لا قدَّرَ اللهُ تعالى- واعلَموا أنَّ ما قَبلَ اللِّسانِ شَفَتانِ وأسنانِ, فهل يَحجِزاكُم عنِ الكلامِ.

يا عبادَ الله: تذكَّروا حديثَ سيِّدِنا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وهوَ يقولُ لسيِّدِنا معاذٍ -رضيَ الله عنهُ-: "كُفَّ علَيْكَ هذا" قُلْتُ: يا رسُولَ اللهِ, وإنَّا لمُؤَاخَذون بمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فقَال: "ثَكِلتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وَجُوهِهِم إلا حصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟" [رواه الإمام أحمد والترمذي عن معاذ بن جبل -رضيَ الله عنهُ-].

وفي روايةٍ للطبراني زاد فيها: "إنَّكَ لن تَزالَ سَالِمَاً ما سَكَتَّ، فإِذا تَكَلَّمتَ كُتِبَ لَكَ أَو عَليكَ".

وتذكَّروا حديثَ سيِّدِنا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- الذي رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضيَ الله عنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ, فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ, وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ اللهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي".

أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.