الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
فالاعتصام بحبل الله وعدم التنازع والفرقة هو الحجر الأساس في بناء صرح الأمة، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- في هذا السياق: "عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة".
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الإسلام مصدر عزنا، وفخرنا، ومجدنا، وشرفنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يقبل من العباد إلا الإسلام ديناً، كما قال جل وعلا (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله الذي أرسله الله جل وعلا للعالمين نذيراً وبشيراً، وختم به الأنبياء والمرسلين، فجمع به شتات العباد على دين الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يود الدين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
عباد الله: إن دين الإسلام هو الدين القيِّم الذي فيه صلاح البلاد والعباد، وهو من أعظم مِنَن الله -جل وعلا- على خلقه، وقد تكفَّل الله لمن تمسَّك به، وعمل بما فيه، وحكَّمه بين عباده بِنَيْل السعادة في الدنيا والآخرة؛ لأنه الدين الحق المنزل من الله -جل وعلا-، ففيه علاج مشاكلنا، وحل قضايانا، وتيسير أمورنا، ورفعة شأننا، وحفظ كرامتنا، فحق علينا أن نفتخر به، وأن ندعو الناس إليه، وأن نصبر على الأذى في سبيل تبليغه للعالمين. وأن نتشرف بالانتساب له، قال تعالى مخاطباً نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44]، أي: شرفٌ لك وشرفٌ لقومك وشرفٌ لأتباعك إلى يوم القيامة، -فلله الحمد والمنة الذي جعلنا مسلمين ومن خير أمة أخرجت للناس -.
عباد الله: لقد أدرك سلفنا الأول عظمة هذا الدين، فقدَّموا أنفسهم وأموالهم رخيصة من أجل إعلاء كلمته، ونصرته، ونشره بين العالمين. فكان الإسلام شرفهم، وغاية آمالهم، فأثنى الله عليهم في كثير من آيات كتابه العزيز، قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ..) [الفتح: 29].
إنه وصف خالد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الأبرار، فهم الطليعة المؤمنة التي حملت عبء الرسالة، وضربت أروع الأمثلة في الصبر على البلاء، والتضحية والفداء، وقوة العقيدة، والثبات على المبادئ مهما كانت الصعاب والعقبات.
وإن من خير ما رسمه ديننا الإسلامي الحنيف من أهداف، وأمر به، وأكد عليه، وحاسب على تركه والتهاون به هو اجتماع الكلمة، وترابط المسلمين، وتساندهم للعمل جميعاً في صالح الجماعة المؤمنة رفعة لشأنها، واستدامة لعزها ومجدها وصدق الله العظيم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا..) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105].
فالاعتصام بحبل الله وعدم التنازع والفرقة هو الحجر الأساس في بناء صرح الأمة، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- في هذا السياق: "عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة".
إن بلاد الحرمين -المملكة العربية السعودية، ولله الحمد والمنة- منذ عهد الإمام محمد بن سعود -طيَّب الله ثراه- ومن خَلَفَهُ من أبنائه وذريته هي البلاد الوحيدة التي تقوم على التوحيد والعقيدة الصحيحة، وتحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتحارب الشرك وأهله، والبدع والمذاهب الهدَّامة، والنِّحَل الضالة، وتساعد المسلمين في كل بقاع العالم، وتنشر فيهم العقيدة الصحيحة، والمبادئ الإسلامية الخالدة، وهي حامية للإسلام ورافعة للوائه، وداعية إلى منهجه، وتربية الأجيال على حبه وإعزازه ونصرته، وفيها من خيرة علماء أهل السنة، ودعاة التوحيد والحق، ومعلمي الخير والفضيلة. وهي التي تقوم على رعاية الحرمين الشريفين والحجاج والمعتمرين.
عباد الله: ومن يرى الأمن والأمان في ربوعها يلمس بصدقٍ عظمة هذا الدين وعظمة رسالة التوحيد التي استمدت تلك الدولة شرعيتها منها.
وكل ذلك يغيظ أعداء الإسلام، ويجعل قلوبهم تمتلأ حقداً وحسداً على هذه البلاد، وبالتالي يكيدون لها ويدبرون لها مخططات إجرامية يظنون أنهم من خلالها يزعزعون أمن هذه البلاد، واجتماع كلمتها، ووحدة صف مجتمعها، ولن يكون هذا أبداً -إن شاء الله تعالى-، وسوف تعيش بلادنا حياة هادئة مستقرة في ظل قيادتها الواعية الرشيدة التي تعلن دائماً وأبداً تمسكها بشرع الله المطهر، وتفتخر به في كل المحافل الدولية، وترفض كل ما يخالفه من أنظمة وأعراف.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 102، 103].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد.
عباد الله: لقد انفرد الإسلام عن غيره بنظام البيعة؛ وهي: اختيار أهل الحل والعقد رجلاً ليتولى أمر الناس لجلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار عنهم، وقمع الفتن وإقامة الحدود، ونشر العدل بينهم، وردع الظالم ونصر المظلوم.
ويشترط في المختار أوصاف منها: أن يكون ذكراً، حراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، عدلاً، كافيا لما يتولاه من سياسة البلاد ومصالحها. فإذا اختاروه على هذه المواصفات، فقد تمت البيعة له من قبلهم، ولزمهم طاعته، وتنفيذ ما أمر به، وترك ما نهى عنه، إلاّ إذا أمر بمعصية الله، فلا يطاع؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" (متفق عليه).
ولقد بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته أكثر من بيعة: كبيعتي العقبة الأولى والثانية، وبيعة الرضوان، وكانت كل طوائف المسلمين يُبايعونه من رجال ونساء وحتى الأطفال.
وتعتبر البيعة: هي بيعة أهل الحل والعقد، من الأمراء، والعلماء، والرؤساء، ووجوه الناس الذين يتيسر حضورهم ببلد الإمام. فإذا بايعوه ثبتت ولايته، ولا يجب على عامة الناس أن يبايعوه بأنفسهم ، وإنما الواجب عليهم أن يلتزموا طاعته في غير معصية الله –تعالى-.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "ومن مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية" (رواه مسلم)، وقال أيضاً -صلى الله عليه وسلم-: "ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" (رواه مسلم).
وقد طُبقت البيعة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حيث تمت البيعة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من قبل الصحابة، وأما عمر -رضي الله عنه- فكان قد نصبه وعينه أبو بكر، وتمت له البيعة بعد ذلك، ولعثمان -رضي الله عنه-، ثم لعلي -رضي الله عنه-، ثم للحسن -رضي الله عنه-.
ويجب الوفاء بالبيعة ولو كان فاسقاً؛ درءاً للفتنة حتى لا يؤدي إلى تفريق كلمة الأمة والاحتراب فيما بينها، ولقد تأسَّى المسلمون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأضحت البيعة ركنًا هاماً في منظومة البلاد الإسلامية، ودليلاً على مشاركة الرعية كلها في مبايعة الإمام، وهي لا توجد الآن إلا في بلاد الحرمين الشريفين -حرسها الله-.
عباد الله: ولقد صدر الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وهي خطوة مباركة وقرار تاريخي لما يتميز سموه من شخصية فَذَّة وقيادة واعية، وهو بمثابة صمام أمان -بعد الله- لهذا الوطن وتحصينٍ لمكانة الدولة محلياً وإقليمياً وعالمياً، وهذا يؤكد على حكمة قيادة بلادنا الرشيدة وحرص خادم الحرمين الشريفين على وحدة الوطن وتماسكه وتلاحمه قيادة وشعباً وترسيخ واستمرار ثوابت التي قامت على أساسها المملكة من الاعتصام بحبل الله جميعاً وتحكيم الشريعة الإسلامية، وتحقيق مبدأ الشورى الذي هو ديدن قيادة المملكة العربية السعودية.
ولقد بايع سموَّه أيضاً سماحةُ المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وسائر العلماء والأمراء والوجهاء سائلين المولى -جل وعلا- له أن يمده بعونه وتوفيقه ويسدد على طريق الخير خطاه، وأن يلبي تطلعات أبناء الوطن لما فيه الخير والصلاح لوطننا الغالي.
اللهم احفظ بلادنا ومقدساتنا وولاة أمرنا وعلمائنا وسائر شعبنا من كيد الكائدين وحقد الحاقدين.
اللهم أيد بالحق ولاة أمرنا، واقمع بهم الباطل وأهله، اللهم أصلح بهم البلاد والعباد واجمع بهم كلمة المسلمين، واحفظهم بالإسلام قائمين قاعدين وأعنهم على أمور دينهم ودنياهم يا كريم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:٥٦].