الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
إِنَّ النَّاظِرَ فِي أَحْوَالِ شَبَابِنَا ذُكُورَاً وَإِنَاثَاً، بَلْ وَحَتَّى كِبَارِ السِّنِّ مِنَ الْجِنْسَيْنِ يَرَى أَمْرَاً مُفْزِعَاً وَشَيْئَاً مُؤْلِمَاً مِنَ الانْكِبَابِ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ بِشَكْلٍ يَصِحُّ أَنْ نُسَمِّيهِ (هِسْتِيرْيَا)، فَبَرَامِجَ مُتَنِوَّعَةً، وَأَشْكَالاً مُتَعَدِّدَةً، انْشَغَلَ بِهَا الْكِبَارُ قَبْلَ الصِّغَارِ وَالرِّجَالُ قَبْلَ النِّسَاءِ، إِنَّهَا بَرَامِجُ تُضِيعُ الْأَوْقَاتَ وَتُفْنِي الْأَعْمَارَ، إِنَّهَا وَسَائِلُ فِي غَالِبِهَا تَدْعُو لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَتَنْشُرَ الْخَنَا وَالرَّذِيلَةَ، فَكَمْ مِنَ الصَّلَوَاتِ ضَيَّعَتْ وَكَمْ مِنَ السَّاعَاتِ أَهْدَرَتْ؟ وَكَمْ سَقَطَ مِنْ عَاقِلٍ فَصَارَ فِي عِدَادِ السُّفَهَاءِ؟ وَكَمِ انْحَدَرَتْ مِنْ عَفِيفَةٍ حَتَّى صَارَتْ مَحْسُوبَةً عَلَى الْفَاجِرَاتِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ!..
الخطبة الأولى:
اللهُ أَكْبَرُ (9 مرات).
الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْقَوِيِّ الْمَتِينِ, رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْأَرَضِينَ, يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ، يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَخَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى.
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبُّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَخَالِقُ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ، وَمُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وِأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْ أَعْظَمِ أَيَّامِ اللهِ وَفِيهِ تُقَامُ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْبُلْدَان، وَمِنْ ذَبْحِ الْأَضَاحِي وَالْقُرْبَانِ، وَفِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَقَفَ الْحُجَّاجُ مُلَبِّينَ وَمُكَبِّرينَ، وَفِي مِنَى يَرْمُونَ الْجَمْرَاتِ، وَيَذْبَحُونَ الْهَدْيَ وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، ثُمَّ يَحْلِقُونَ رَؤُوسَهُمْ وَيُقَصِّرُونَ تَذَلُّلَا لَهُ وَتَعَبُّدَاً، يَدْعُونَ اللهَ مُبْتَهِلِينَ وَيَسْأَلُونَهُ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى مَا تَكَرَّمَ بِهِ وَتَفَضَّلَ وَلَهُ الشُّكْرُ وَالْعِرْفَانُ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْغُفْرَانَ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ زِنَةَ عَرْشِهِ وَرِضَاءَ نَفْسِهِ وَعَدَدَ خَلْقِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: افْرَحُوا بِعِيدِكُمْ، وَأَدْخِلُوا الْفَرَحَ عَلَى آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ فَبَرُّوهُمْ وَصِلُوا أَرْحَامَكِمْ وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ وَمَعَارِفِكُمْ، وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى أَهَالِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ بِالْهَدَايَا وَالتُّحَفِ وَاللَّهْوِ الْمُبَاحِ مَعَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ حُسْنِ الرِّعَايَةِ وَمِنْ حَقِّهِمْ عَلَيْكُمْ، وَتَوَاصَلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمُدُّوا أَيْدِيَكُمْ لِتُصَافِحَ الْيَدِ التِي هَجَرَتْ، وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى الْقُلُوبِ التِي كُسِرَتْ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّهِ الْحَمْدُ.
أُمَّةَ الْإِسْلَامِ: إِنَّ إِجْلَالَ الْعُلَمَاءِ وَاحْتِرَامَهُمْ وَتَقْدِيرَهُمْ وَإِكْبَارَهُمْ مِمَّا تَكَاثَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ وَالآثَارُ السَّلَفِيَّةُ، فَهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلُ خَشْيَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَهُمْ حَمَلَةُ الشَّرِيعَةِ وَأَمَنَةُ وَحْيِ اللهِ، أَمْضَوْا أَوقَاتَهُمْ مَعَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَفْنَوْا أَعْمَارَهُمْ فِي تَعْلِيمِ وَنُصْحِ الْأُمَّةِ، فَحَقُّهُمْ عَلَيْنَا كَبِيرٌ وَمَنْزِلَتُهُمْ فِينَا عَظِيمَةٌ، فَنَأْخُذَ الْعِلْمَ عَنْهُمْ وَنَتَأَدَّبَ بِأَدَبِهِمْ وَنَنْتَهِجَ مَنْهَجَهُمْ، فَإِنَّ عَلِمْنَا خَطَأَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ اجْتَنَبْنَا خَطَأَهُ وَأَخَذْنَا بِالْحَقِّ، وَلَكِنَّنَا نَعْتَذِرُ لَهُ وَنَلْتَمِسُ الصَّفْحَ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَإِنَّهُ مِمَّا يُحْذَرُ مِنْهُ مَا صَارَ يَتَرَدَّدُ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ، وَيُتَنَاقَلُ فِي وَسَائِلِ التَّوْاصُلِ مِنْ انْتِقَاصٍ مِنْ مَنْزِلَةِ الْعُلَمَاءِ، وَتَهْوِينٍ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ قُدْسِيَّةٌ بِحَيْثُ لا يُخْطِئُونَ، فَإِنَّ هَذِهِ كَلِمَاتُ حَقٍّ وَلَكِنْ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لا أَحَدَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ يَقُولُ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ مَعْصُومُونَ، وَلا أَنَّهُمْ لَا يُخْطِئُونَ، فَهُمْ بَشَرٌ رُبَّمَا أَخْطَأُوا، وَأَرَادُوا الْحَقَّ وَلَمْ يُصِيبُوا، لَكِنْ لا يَجُوزُ أَنَّ نُهَوِّنَ مِنْ شَأْنِ عُلَمَائِنَا وَلا نَتَكَلَّمُ عَنْهُمْ كَمَا لَوْ كُنَّا نَتَكَلَّمُ عَنْ مَنْ لَا شَأْنَ لَهُ.
بَلْ يَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ كَلامِنَا إجْلَالُهُمْ، وَيَبْرُزَ مِنْ خِطَابِنَا تَقْدِيرُهُمْ وَاحْتِرَامُهُمْ، وَنَذْكُرَ مَنَاقِبَهُمْ وَنُبْرِزَ مَحَاسِنَهُمْ, وَنَعْتَذِرَ عَنْ زَلَّاتِهِمْ، كَيْفَ لَا؟ واللهُ تَعَالَى قد قَالَ فِيْهِمْ (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير) [المجادلة: 11]، وَقَالَ: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ مُسْتَهْدَفُونَ مِنْ قِبَلِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ دِينِيَّا وَسِيَاسِيَّاً وَعَسْكَرِيَّاً، إِنَّهُمْ يُحَارِبُونَنَا فِي أَمْنِنَا، وَيُحَارِبُونَنَا فِي عَقِيدَتِنَا، وَيُحَارِبُونَنَا عَلَى أَرْضِنَا، فَهَا هِيَ حَرْبُ الْيَمَنِ لَمْ تَزَلْ قَائِمَةً وَسَبَّبَتْ لَنَا اسْتِنْزَافَاً وَأَشْغَلَتْ دَوْلَتَنَا عَنِ الاهْتِمَامِ بِالتَّطْوِيرِ الدَّاخِلِيِّ، وَسَبَّبَتْ نَقْصَاً فِي الاقْتِصَادِ وَالْمَعِيشَةِ، مَعَ أَنَّ الْحُوثِيِّينَ وُجُنُودَ صَالِحٍ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَصْمُدُوا شَهْرَاً وَاحِدَاً أَمَامَ قُوَّاتِنَا الْمُتَطَوِّرَةِ، لَكِنَّهُ الْإِمْدَادِ الْغَرْبِيِّ الْإِيرَانِيِّ الصُّهْيُونِيِّ الذِي يُذْكِي هَذِهِ الْحَرْبَ وَيَدْعَمُهُمْ مَادِيَّاً وَمَعْنَوِيَّاً، فَهَلْ آنَ لَنَا أَنْ نَسْتَفِيقَ؟
ثُمَّ هَا هُمْ يُحَارِبُونَنَا مِنَ الدَّاخِلِ فِي تَخْرِيبِ أَفْكَارِ أَبْنَائِنَا وَشَبَابِنَا حَتَّى حَمَلُوا السِّلَاحَ عَلَيْنَا وَفَجَّرُوا مَسَاجِدَنَا، فَضْلَاً عَمَّا يَفْعَلهُ الرَّافِضَةُ فِي مَنَاطِقِهِمُ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ قَتْلٍ لِلْعَسْكَرِيِّينَ وَهَجَمَاتٍ بَيْنَ الْحِينِ وَالآخَرِ عَلَى دَوْرِيَّاتِ الْأَمْنِ وَغَيْرِهَا.
ثُمَّ أَخِيرَاً: هَا هُوَ ذَا مُؤْتَمَرٌ يُعْقَدُ فِي دَوْلَةِ الشِّيشَانِ الْفَقِيرَةِ مُحَارَبَةً لِدَوْلَتِنَا وَعُلَمَائِنَا وَمَنْهَجِنَا، فَاجْتَمَعَ فِي هَذَا الْمُؤْتَمِرَ الْخَاسِرِ مَائَتَانِ مِمَّنْ سَمَّوْهُمْ بِعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، لِيُقَرِّرُوا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ هُمُ الصُّوفِيَّةُ وَالْأَشَاعِرَةُ وَالْمَاتِرِيدِيَّةِ، وَنَحْنُ نَتَعَجَّبُ مِنْ هَذَا الْخَلْطِ الْمُتَعَمَّدِ لِلْمَفَاهِيمِ وَمِنَ الْكَذِبِ الْوَاضِحِ، حَيْثُ جُعِلَ أَهْلُ الْبِدْعَةِ هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ، وَلَكِنْ إِذَا عَرَفْنَا أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنَ الْمُؤَامَرَةِ الْعَالَمِيَّةِ عَلَى دَوْلَتِنَا وَعَلَى عُلَمَائِنَا وَعَلَى مَنْهَجِنَا فَإِنَّ الْعَجَبَ يَزُولُ.
إِنَّنَا بِحَمْدِ اللهِ نَمُثِّلُ بِحَقٍّ الْمَنْهَجَ السَّلَفِيَّ الصَّافِيَ الْوَاضِحَ، الْمَبْنِيَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَعَلَى مَا صَحَّ عَنْ رُسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّنَا نَسِيرُ عَلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِي مِنَ الشِّرْكِ وَعَلَى السُّنَّةِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْفِرَقَ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ لَدَيْهِمْ مِنَ الْبِدَعِ مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ مُسَمَّى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَبْقَى عَلَى حَذَرٍ مِمَّا يُرَادُ بِنَا وَمِنَ الْحَرْبِ الْمُعْلَنَةِ وَغَيْرِ الْمُعْلَنَةِ عَلَى بِلَادِنَا.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ دَينَنَا وَأَمْنَنَا وَبَلادَنَا، وَأَنْ يَكْفِينَا كَيْدَ الْفُجَّارِ وَشَرَّ الأَشْرَارِ إِنَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32- 33].
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النَّاظِرَ فِي أَحْوَالِ شَبَابِنَا ذُكُورَاً وَإِنَاثَاً، بَلْ وَحَتَّى كِبَارِ السِّنِّ مِنَ الْجِنْسَيْنِ يَرَى أَمْرَاً مُفْزِعَاً وَشَيْئَاً مُؤْلِمَاً مِنَ الانْكِبَابِ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ بِشَكْلٍ يَصِحُّ أَنْ نُسَمِّيهِ (هِسْتِيرْيَا)، فَبَرَامِجَ مُتَنِوَّعَةً، وَأَشْكَالاً مُتَعَدِّدَةً، انْشَغَلَ بِهَا الْكِبَارُ قَبْلَ الصِّغَارِ وَالرِّجَالُ قَبْلَ النِّسَاءِ، إِنَّهَا بَرَامِجُ تُضِيعُ الْأَوْقَاتَ وَتُفْنِي الْأَعْمَارَ، إِنَّهَا وَسَائِلُ فِي غَالِبِهَا تَدْعُو لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَتَنْشُرَ الْخَنَا وَالرَّذِيلَةَ، فَكَمْ مِنَ الصَّلَوَاتِ ضَيَّعَتْ وَكَمْ مِنَ السَّاعَاتِ أَهْدَرَتْ؟ وَكَمْ سَقَطَ مِنْ عَاقِلٍ فَصَارَ فِي عِدَادِ السُّفَهَاءِ؟ وَكَمِ انْحَدَرَتْ مِنْ عَفِيفَةٍ حَتَّى صَارَتْ مَحْسُوبَةً عَلَى الْفَاجِرَاتِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ!
إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَفِيقَ مِنْ غَفْلَتِنَا وَأَنْ نَسْتَيْقِظَ مِنْ رَقْدَتِنَا قَبْلَ أَنْ نَجِدَ أَنْفُسَنَا انْسَلَخْنَا مِنْ دِينِنَا وَتَخَلَّيْنَا مِنْ عَفَافِنَا وَطُهْرِنَا، وَتَرَكْنَا عَادَاتِنَا وَتَقالِيدَنَا، إِنَّهُ عَلَيْنَا –كُلٌّ بِحَسَبِهِ – أَنْ نُرَشِّدَ اسْتِخْدَامَ هَذِهِ الْوَسَائِلَ، وَأَنْ نُوَظِّفَهَا فِيمَا يَخْدِمُ دِينِنَا وَيَرْقَى بِدُنْيَانَا.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّهِ الْحَمْدُ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
اللهُ أَكْبَرُ (7 مرات).
الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ هُوَ ذَبْحُ الْأَضَاحِي تَقُرَّبَاً إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْقَادِرِ، وَلابُدَّ أَنْ تَكُونَ الذَّبِيحَةُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَلا بُدَّ أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعَاً وَهِيَ خَمْسُ سِنِينَ لِلْإِبِلِ وَسَنَتَانِ لِلْبَقَرِ وَسَنَةٌ لِلْمَعْزِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ لِلْضَأْنِ.
وَلا تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ بِأَرْبِعِ أَنْوَاعٍ مِنَ الضَّحَايَا، عَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا, وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا, وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي" (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ).
وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ مِنْ صَلاةِ الْعِيدِ إِلَى غُرُوبِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ، فَأَيَّامُ الذَّبْحِ إِذَنْ أَرْبَعةٌ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِكَ وَتُهْدِي لِأَقَارِبِكَ وَجِيرَانِكَ وَتَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّهِ الْحَمْدُ.
أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَاتُ الْمُؤْمِنِات: إِنَّ الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا فَلْتَدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ! إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ: الأُمُّ الحَنُونُ، وَالزَّوْجَةُ العَطُوفُ، وَالبِنْتُ الرَّقِيقَةُ، وَالأُخْتُ الحَانِيَة!
إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ إِنْ صَلَحْتِ صَلَحَ الْمُجْتَمَع، وَإِنْ فَسَدْتِ فَعَلَى الأُسْرَةِ السَّلام! إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ مُسْتَهْدَفَةٌ مِنْ الشَّيْطَانُ وَمِنْ حِزْبِهِ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ! إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِخْرَاجَكِ مِنْ بَيْتِكِ لِتَكُونِي سِلْعَةً مُبْتَذَلَةً، وَآلَةً رَخِيْصَةً! تَعْمَلِينَ فِي الْمَصَانِعِ، وَتَخْتَلِطِينَ مَعَ الرِّجَال!
إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ نَزْعَ حِجَابِكِ، وَتَقْصِيرَ ثِيَابِكَ، وَتَعْرِيَةَ بَدَنِكِ! إِنَّهُمْ يُرِيدُونَكِ كَنِسَاءِ أُورُبَّا، تَلْهَثِينَ وَرَاءَ كُلِّ مَا أَنْتَجَهُ الغَرْبَ وكُلِّ مَا صَنَعَهُ الشَّرْقُ مِنْ مُتَعِ الْحَيَاةِ وَأَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ وَمُودِيْلاتِ اللِّبَاس، لِكَيْ تَنْشَغِلِي عَنْ دِيْنِكِ, وَيُلْهُونَكِ عَنْ مُهِمَّتِكِ فِي الْحَياة، مِنْ خِدْمَةِ زَوْجِكِ وَإِصْلاحِ بَيْتِكِ! فَكُونِي عَلَى حَذَرٍ، حَفَظَكِ اللهُ، وَسَدْدَ عَلَى طَرِيقِ الحَقِّ خُطَاكِ!
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْعِيدِ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْجِيرَانِ مِنَ التَّزَاوِرِ وَالسَّلامِ وَتَبَادُلُ التَّهَانِي بِالْعِيدِ، مِمَّا لَهُ الأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى النُّفُوسِ فِي نَشْرِ الْمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الأَقَارِبِ، وَهَذِهِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [الرعد: 21]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئَاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرَاً مِنْهُ! إِنَّ صِلَةِ الرَّحِمِ طَرِيقٌ لِلسَّعَادِةِ فِي الدُّنْيَا وَطَرِيقٌ لِلْجَنَّةِ فِي الآخِرَةِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي إلى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: "تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ"، فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أَمَرْتُهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ وَوَحِّدْ صُفوفَهُمْ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ.
اللَّهُمَّ أَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرِ أَعْدَاءَ الدِّينِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ, إِنَّكَ أَنْتَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ احْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلَ هَذَا الْبَلَدَ آمِنَاً مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ بِرِضَاكَ، وَارْزُقْهُمْ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ وَابْعِدْ عَنْهُمْ بِطَانَةَ السُّوءِ يَا رَبَّ الْعَالِمِينَ.
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ اللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدِبيرَهُ تَدْمِيرَاً لَهُ يَا رَبَّ الْعَالِمِينَ, اللَّهُمَّ كُنْ لَنَا وَلا تَكُنْ عَلَيْنَا, وَانْصُرْنَا وَلا تَنْصُرْ عَلَيْنَا, سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ, وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!