البحث

عبارات مقترحة:

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

ما هو الحج المبرور؟

العربية

المؤلف خالد بن علي الغامدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحج - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. ما أروعَ عبادةَ الحج! .
  2. تهنئة الحجيج بختام المناسك .
  3. عظم أجر الحج المبرور وثمراته .
  4. أعظم مقاصد تشريع الحج .
  5. أهمية وحدة المسلمين واعتصامهم بالكتاب والسنة. .

اقتباس

إن الله - سبحانه وتعالى - هو صاحبُ الفضلِ والنعمةِ ابتداءً وانتهاءً، إيجادًا وتوفيقًا وإمدادًا؛ فهو الذي حرَّك قلوبَكم شَوقًا وحُبًّا إلى الحجِّ والمشاعرِ المقدسة، ويسَّر لكم الوصولَ إلى هذه البلادِ المباركة، وهو الذي وفَّقَكَم وأعانَكم على أداءِ مناسِكِ الحجِّ والوقوف بهذه المشاعرِ المقدسة، التي هي إِرثٌ من إرثِ الخليلَين الكريمين: إبراهيمَ ومحمدٍ - صلَّى الله عليهما وسلَّم -، وذلك فضلُ الله يُؤتِيه من يشاء، فاشكُرُوا له - سبحانه -، واحمَدُوه على نعمهِ الدينية والدنيوية، الظاهِرةِ والباطِنةِ...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي جعلَ الحجَّ منارةَ التوحيدِ الكُبرى، ومعلَمةَ الإيمانِ والتربيةِ العُظمى، هدمَ به شعائِرَ الجاهليةَ والوثنيةَ، وأقامَ به الملَّةَ الإبراهيميةَ الحنيفيةَ، لتهتَدِي بها جموعُ البشرية، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُ له، وأُثنِي عليه وأُمجِّدُه، أتمَّ على الحجاج نعمتَه، وأعانَهم على أداء نُسُكهم بفضلِه ومنَّتِه.

 وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى أهلِ بيتِه الطيبين، وعلى الصحابةِ الأبرارِ المُعظَّمين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله - وراقِبُوه، واستشعِروا معيَّتَه وقُربَه، ونظرَه واطِّلاعَه، فإن ذلك هو واعِظُ اللهِ في قلبِ المؤمن، يزجُرُه عن السيئاتِ، ويُقرِّبُه إلى الطاعاتِ والصالحاتِ، ويملؤُه بالإخباتِ والخشيةِ والإنابة، (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [ق: 31- 33].

حُجَّاجَ بيتِ اللهِ الحرام .. أمةَ الإسلام: ما أروعَ عبادةَ الحج، وما أسمَى نفحاتِها، وأزكَى أوقاتها، وأنفع مقاصِدَها، تجرَّد فيها الحُجَّاجُ من حُظوظِ الدنيا ونعيمِها ومُتَعهِا الزائِلة، وأخلَصُوا لله قصدَهم وأعمالَهم، وتوجَّهوا لبيتِه الحرام، مُلبِّين طائِفِين خاضِعِين، راجِين رحمةَ ربهم ورِضوانَه.

سكَبوا دموعَ المحبةِ والتوبةِ في صعيدِ عرفات، ولهَجَت ألسنتُهم بذكرِ الله وتعظيمه في مُزدلِفة ومِنَى وحين رَمي الجمرات، وطمَحَت نفوسُهم واشتاقَت إلى رحمة ربهم ومغفرتِه وعظيمِ عَفوِه، وهي تتنزَّلُ على أهل تِيك المواقف والمشاعر، الذين لبُّوا نداءَ إبراهيم - عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والتسليم -.

فأقبَلُوا زُرافاتٍ ووحدانًا من كل فجٍّ عميقٍ، ليشهَدُوا منافعَ لهم، ويذكروا اسمَ الله في أيامٍ معلوماتٍ، شريفاتٍ عظيمات.

فهل ترون أنَّ الكريم - سبحانه - يردُّهم أو يُخيِّب سعيَهم؟! وماذا تظنُّون بربِّكم - يا حُجَّاج بيتِ الله -، بعد أن حجَجتُم وطُفتُم وسعَيتُم؟!

سبحانك ربَّنا ما أكرَمَك، وما أوسَعَ رحمتك، لا نظُنُّ بك إلا خيرًا، ولا نتوقَّعُ منك إلا بِرًّا وجُودًا وإحسانًا.

فأبشِرُوا - يا حُجَّاج بيت الله -، وأمِّلُوا خيرًا؛ فإنكم قد قدِمتُم على الربِّ العظيمِ عفوًا وغُفرانًا، الكثيرِ البرِّ والإكرام، الواسعِ الرحمةِ والفضلِ والإحسان. وأنتم وفدُ الله، وضُيُوفُه، وزُوَّارُه، فأكرِم بكم وافِدِين، وزُوَّارًا، وأضيافًا، وأنعِم به - سبحانه - ربًّا كريمًا يُجازِي الحسنةَ بعشرِ أمثالِها، وبأضعافٍ كثيرة، ولم يرضَ - سبحانه - جزاءً للحجِّ المبرورِ إلا الجنَّة.

فهنيئًا لكم - يا حُجَّاج بيت الله الحرام -، هنيئًا لكم عفوُ الله ومغفِرَتُه ورِضوَانُه، وعودًا حميدًا إلى دِياركم سالِمِين غانِمِين، وأنتم مشكورٌ سعيُكم، موفورٌ أجرُكم، تستأنِفُون صفحةَ العمر بيضاءَ نقيَّة، وتستقبِلُون حياةً جديدةً، استلهَمتُم صفاءَها ونقاءَها، وروحانيَّتها من بين جَنَبَاتِ البيت الحرام، وزمزمَ والحَطيم، والمشاعر المقدسة، ونفَحَات المدينةِ النبويةِ المنورة.

فلتفرَحُوا بهذا الفضلِ العظيم الذي خصَّكُم الله به، وأكرَمَكم ببُلوغِه والانتهاءِ منه. فواللهِ الذي لا إله غيرهُ؛ إنه خيرٌ لكم من الدنيا وما فيها، وأزكَى لكم من حُظُوظِها ولذَّاتِها وزخارفِها، ولتسكُبُوا دموعَ الفرحِ والابتهاج، بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم  «من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق، رجعَ من ذنوبِه كيومِ ولَدتْه أمُّه»، وبقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة».

تَداعت حَجيجٌ بالرَّحيلِ فما ترَى

سوى حُزنِ قلبٍ بالدموعِ مَزجنَاه

لفُرقةِ بيتِ الله والحجِّ الذي

لأجلِهما صَعبَ الأمور سَلكنَاه

وودَّعَت الحُجَّاجُ بيتَ إلهِها 

وكلُّهُمُ تجرِي من الحُزنِ عَينَاه

حُجَّاج بيت الله الحرام:

إن الله - سبحانه وتعالى - هو صاحبُ الفضلِ والنعمةِ ابتداءً وانتهاءً، إيجادًا وتوفيقًا وإمدادًا؛ فهو الذي حرَّك قلوبَكم شَوقًا وحُبًّا إلى الحجِّ والمشاعرِ المقدسة، ويسَّر لكم الوصولَ إلى هذه البلادِ المباركة، وهو الذي وفَّقَكَم وأعانَكم على أداءِ مناسِكِ الحجِّ والوقوف بهذه المشاعرِ المقدسة، التي هي إِرثٌ من إرثِ الخليلَين الكريمين: إبراهيمَ ومحمدٍ - صلَّى الله عليهما وسلَّم -، وذلك فضلُ الله يُؤتِيه من يشاء، فاشكُرُوا له - سبحانه -، واحمَدُوه على نعمهِ الدينية والدنيوية، الظاهِرةِ والباطِنةِ، وعلى أن وفَّقَكم وأعانَكم على أداءِ مناسِككم في سابغةٍ من الأمنِ والأمانِ، واليُسرِ والراحةِ.

هذا وإنَّ من شُكرِ اللهِ تعالى: شُكرَ من كان سببًا - بعونِ اللهِ وقُدرتِه - في تيسير مناسكَ الحجِّ للحُجَّاج، والقيامِ بخِدمتِهم ورعايتهم، والحِفاظِ على أمنِهم وسلامتِهم؛ من وُلاةِ أمرنا - وفقَّهم الله وسدَّدهم -، ورِجال الأمن الأوفِيَاء، والمسؤولين، و«من لا يشكُر الناسَ، لا يشكُر اللهَ»، كما صحَّ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -.

حُجَّاج بيت الله: إن الحجَّ المبرورَ في الحقيقة هو منشُورُ الولاية، ومِفتاحُ دار السعادة، وميلادُ فجرٍ جديدٍ للعبدِ الصادقِ، يعيشُ بعده حياةً طيبةً مُشرِقةً بنُورٍ من الله، عامِرةً بطاعتِه - سبحانه -، مُكتسِيَةً حُللَ العبودية والرِّضا به - عزَّ وجل -.

إن الحجَّ المبرورَ هو الذي يُحدِثُ في النفسِ أثرًا ملمُوسًا، وتغيِيرًا إلى الأكمَلِ والأفضَلِ، عبادةً وسُلُوكًا، فيخرُجُ العبدُ الصادقُ من الحجِّ، وهو أقوىَ إخلاصًا وصِدقًا، وبُعدًا عن الشرك ووسائلهِ وأهلِه، وأعظمُ إخباتًا للهِ وخُضوعًا وخشيةً وإنابةً وذِكرًا لله تعالى.

ومن هنا نعلَمُ سرَّ الإتيان بوَصف المُخبِتِين في أثناءِ آياتِ الحج، كما قال - سبحانه -: (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [الحج: 34، 35].

ولقد أبانَ سيِّدُ التابعين في زمانِه: الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -، أبانَ عن أثرِ الحجِّ المبرورِ، حينما سُئِل عن حقيقتِه، فقال - رحمه الله -: "الحجُّ المبرورُ: أن تعُود بعد الحجِّ زاهِدًا في الدنيا، راغِبًا في الآخرة".

ولعَمرُ الحقِّ؛ لقد أوجَزَ هذا الإمامُ في العبارة، وأبلَغَ في الإشارة، وكشَفَ عن الميزانِ الحقيقيِّ الذي لا يعُولُ؛ حيث يتبيَّنُ به المؤمِنُ الصادِقُ ممن أسَرَتْه الدنيا ومطامِعُها.

فالزُّهدُ في الدنيا - يا عباد الله، يا حُجَّاج بيت الله -، الزُّهدُ في الدنيا، وقوةُ الرَّغبة في الآخرةِ عُنوانُ الأتقِيَاء الأخفِيَاء، وعلامةُ الصادقين الحُنَفَاء، وهو من أكبر وسائل الثَّباتِ على الدين، والاستمرار والمُداوَمةِ على عمل الصالحات، واجتِنَابِ السيئات، والتي هي - أعني: المُداوَمَة على الصالحات - من أبيَن الدلائل الصادقة على رِضَا الله وقبولِ العمل، كما قال - سبحانه -: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82].

فلم يكتفِ - سبحانه وتعالى - في حُصولِ الغفران والرِّضا بالتوبةِ والإيمان والعملِ الصالحِ فقط؛ بل قال: (ثُمَّ اهْتَدَى)، يعني: ثم ثبَتَ على الهداية ولُزُوم الاستقامة، وسلَكَ سبيلَ الصالحين في الحياةِ وحتى الممات.

فيا مَن وفَّقه الله لأداءِ المناسِك، ويسَّر له قصدَ بيتِه الحرام المُعظَّم! ليكُن حجُّك هذا مُنطلَقَ الثَّباتِ على الخيرات، وأولَ تباشير السعادة ورُقِيِّ الدرجات .. ليكُن حجُّك هذا هو فجرَك الصادق، وإشرَاقةَ يقينك وإيمانك، وسببًا لفتح أبوابِ الهداية لك، كما قال - سبحانه -: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) [مريم: 76]، وقال - سبحانه -:  (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) [النساء: 66- 68].

بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِرُوه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، الحمدُ لله الكريمِ المنَّان، العظيمِ العفوِ والجُودِ والإحسان، والصلاةُ والسلامُ على الهادِي البشير، والسراجِ المُنير، وعلى أهل بيتِه الأخيارِ الأطهار، وعلى الصحابةِ الكرامِ الأبرار، والتابعين لهم بإحسانٍ ما غرَّدَتْ الأطيَار، وتعاقَبَ الليلُ والنهار.

أما بعد .. فيا حُجَّاج بيت الله الحرام:

إنَّ من أجلِّ المقاصِدِ الشرعية والحِكَم المرعِيَّة، التي من أجلِها شرَعَ الله الحجَّ، وتكرَّر في كل عام: ترسِيخَ مبدأ وحدة المسلمين، واجتماعِ كلمتهم وتآلُفِهم، وتأكيد معاني الأخوَّةِ الإيمانية وإشاعَتها بين المسلمين؛ بحيث تنتَفِي الفوارِقُ بين المؤمنين في الحجِّ، وتختَفِي مظاهِرُ التمايُزِ بينهم؛ فلا شِعاراتٌ سياسيةٌ حزبِيَّة، ولا راياتٌ مذهبِيةٌ طائفية.

ومنذ أن وضع النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أمورَ الجاهليةِ ومسائِلَها كلها تحت قدَمَيه الشريفَتَين، في حجَّة الوداع إلى يومِنا هذا، والمُسلِمُون يحُجُّون بيتَ الله الحرام، تَشيعُ بينهم روحُ المودَّة والمحبَّة، واجتِماع الكلمة وتوحُّدِ الصفِّ، وتلكَ نعمةٌ - يا حُجَّاج بيت الله -، تلك نعمةٌ من أجلِّ النعم التي امتنََّ الله بها على عبادِه، وجعَلَها من أعظمِ مقاصِدِ الشريعة، وأفخَمِ غاياتِ البِعثةِ النبوية، كما قال - سبحانه -: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].

وقال - صلى الله عليه  وآله وسلم -:«كونُوا عبادَ الله، إخوانًا، كما أمَرَكم الله، المسلمُ أخو المسلم، لا يخذُلُه ولا يحقِرُه» (متفقٌ عليه).

إن وحدةَ المسلمين واتِّحادَ كلمتِهم واجتماعَ صفِّهم على منهجٍ واحدٍ، وسُنَّةٍ واحدة، من أهمِّ المعالمِ المُنجِية من الفتن المُدلهِمَّة، والأخطار المُحدِقة بالمسلمين في هذا العصر، الذي كثُرَ فيه قُطَّاعُ الطريق، والمُرجِفُون، والمفتُونُون من شياطينِ الإنس الذين يُوحِي بعضُهم إلى بعضٍ زُخرُفَ القول غرورًا.

إن الاعتِصامَ بالكتاب والسنَّة ومنهجَ الصحابة - رضي الله عنهم - من مُحكَمَات الشريعة، التي لا يُمكنُ التنازُلُ عنها أبدًا؛ بل هي ضرورةٌ مُلِحَّةٌ في عصرِنا هذا أكثرَ من ذي قبل؛ لأن المسلمين اليوم يُواجِهُون تحدِّيًا عالميًّا، وحَربًا ضَرُوسًا، ضدَّ عقائِدِهم وسُنَّة نبيِّهم - صلى الله عليه  وآله وسلم -، ووحدَة كلمتهم، وأصولِ شريعتهم وثوابِتِها وأهلِها، خُصُوصًا ضد هذه البلاد المُبارَكة، التي هي حامِيَةُ الحرمين، وراعِيَةُ الشريعةِ والسنةِ النبوية.

أمة الإسلام .. حُجَّاج بيت الله:

إن هذا الهجوم المأفُون يتشكَّلُ في أشكالٍ مُختلفة، وأساليب مُتنوِّعة، واجتماعاتٍ مُتعدِّدة، ويسعَى لإلصاق تُهمة الإرهاب والتطرُّف والتكفير بالمُسلمين عُمومًا، وببلادِ الحرمين خُصوصًا، مما كان له أثرٌ سيءٌ في مُحاولة إضعاف المسلمين وتفريقِهم، وتمزيقِ وحدتهم لتحقيق توجُّهاتٍ سياسية، وتقوِيةِ انتِماءاتٍ فكريةٍ ومذهبِيَّة، وإثارةِ نَعَراتٍ طائفية حزبية.

في وقتٍ نحن أحوَجُ ما نكون فيه إلى اجتماعِ الكلمة، وتوحُّد الصفوف، ونَبذِ الخلافاتِ والنِّزَاعات، لا أن يكون البعضُ وَقودًا وحطَبًا، يزيدُ النارَ حريقًا واشتعالاً، ليخدِمَ توجُّهات الأعداءِ وخِطَطهم ضد عقائِدِ المسلمين وسُنَّة نبيِّهم - صلى الله عليه وآله وسلم - التي تربَّى عليها المسلمون منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، ونادَى بها كلُّ علماء السلفِ الراسِخِين إلى يومِنا هذا.

إن اجتماعَ المسلمين - يا أمة الإسلام - في هذه الأيامِ المُبارَكة في عبادةِ الحج، ووحدتهم وتآلُفهم، ورعاية المملكة العربية السعودية للحُجَّاج، واحتِضَانَها لهم، وحِرصَها على أمنِهم، ونجاحَها الباهِر في إدارةِ هذه الحشود المباركةِ - بفضل الله - لهو ردٌّ عمليٌ ناصِعُ البيان في أرضِ الواقع، على كل القلوبِ المريضة، والأبواقِ الموتُورَة، التي تمنَّت السُّوءَ والفشَلَ لحجِّ هذا العام.

وهو في الحقيقةِ أيضًا رسالةٌ واضِحةٌ قويَّةٌ، تخترِقُ الحُجُب بأنه مهما كادَ الكائِدون والحاقِدُون، وتنادَوا وتآمَرُوا وائتَمَرُوا على المسلمين وبلادِ الحرمين؛ فإن ربَّك لهم بالمِرصَاد، ولن يجعَلَ الله لهم على المؤمنين سبيلاً، وسوف يُهيِّئُ الله من عندِه رجالاً وأحداثًا يحفَظُ بهم الإسلامَ وأهلَه، ويُعلِي شأنَ سُنَّةِ نبيه - صلى الله عليه  وآله وسلم - والمُتمسِّكين بها، السالِكِين منهجَ الصحابة - رضي الله عنهم - وطريقَهم، الذي هو المنهجُ الحقُّ، والصراطُ المستقيم، وهو عمادُ الوسطيةِ والاعتدالِ ورُكنُها.

كما ثبَتَ عند أبي داود وغيره، أنه سُئِل - عليه الصلاة والسلام - عن الفِرقةِ الناجيةِ، من هي؟ فقال - عليه الصلاةُ والسلام -: «من كانَ على مثل ما أنا عليهِ اليوم وأصحابي».

وثبَتَ عند ابن نصرٍ في السُّنة وغيره، أن النبي - عليه الصلاة والسلام -: «إن من ورائِكم أيامَ الصبر، للمُتمسِّكِ فيهن يومَئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين مِنكم»، قالوا: يا نبيَّ الله! أو منهم؟ قال: «بل منكم».

ثم صلُّوا وسلِّموا على سيِّد البشرية وهادِيها وسِراجِها المُنير، فإن الله - عز وجل - قد أمرَنا بالصلاةِ والسلام عليه؛ حيث قال في محكمِ تنزيلِه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وثبتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «من صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».

فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبِنا وسيِّدنا وقُدوتِنا محمد، وعلى آلهِ وأزواجه وذريَّاته الطيبين الطاهرين، وسائرِ صحابتِه الكرامِ الأبرارِ الأطهارِ، وخُصَّ منهم: أبا بكرٍ الصدِّيقَ، وعُمرَ الفاروقَ، وعُثمانَ ذا النُّورَين، وعليًّا أبا الحسنَين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، وفي الشام، وفي العراق، وفي اليمن، وفي أراكان، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.

اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهِدين المُرابِطين على الحُدود، اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهِدين المُرابِطين على الحُدود، اللهم كُن لهم عونًا ونصيرًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا بقوَّتِك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم اجعَل بلدنا هذا بلدًا آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادَ المسلمين يا أكرم الأكرمين.

اللهم وفِّق ولِيَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه، اللهم وفِّق ولِيَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه، وفِّقه ونائبَيه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، اللهم اجعَلهم مفاتيحَ للخيرِ مغاليقَ للشرِّ برحمتِك يا أرحمَ الراحمين، ووفِّق جميعَ وُلاة المُسلمين للعملِ بكتابِك وسُنَّة نبيِّك يا رب العالمين.

اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا، اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين.

اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم، اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم، اللهم اجعل حجَّهم حجًّا مبرُورًا، وسعيًا مشكُورًا، وعملاً صالحًا مُتقبَّلاً مبرُورًا، اللهم رُدَّهم إلى دِيارِهم سالِمِين غانِمِين مأجُورين يا ربَّ العالمين.

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابِه أجمعين.