البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
في هذه المرحلة الأخيرة من تاريخ الأمة وتاريخ صراعها المرير يطل علينا من خندق الأعداء أناس من بني جلدتنا؛ ينتسبون للإسلام في العموم بالنسبة لهم، لم يسبق أن أقام مخالفوهم مؤتمرًا يدعى إليه من كل حدب وصوب بالتنديد بهم أو إخراجهم من دائرة أهل السنة، أولئك هم الصوفية الخرافيون الغلاة، ومن صف معهم من أهل الكلام والفلسفة من ضعاف القلوب والنفوس.. فاتحد الغرب الصليبي مع الكيد الصفوي المجوسي، والصوفي الخرافي؛ على حرب منهج السلف الصالح...
الخطبة الأولى:
إن الحمد؛ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الانتباه إلى ما يحاك لأمة التوحيد منذ فترة من الزمن وبدأ يتضح اليوم بجلاء الانتباه لا يشعر به إلا من يملك صفتين: الصفة الأولى الاهتمام، والصفة الثانية الوعي.
فمن المشاهد انقسام الناس إلى قسمين؛ قسم لاهٍ مشغول بخاصة أمره، ومغلق عقله على اهتماماته الشخصية من أهواء وشهوات صغرت هذه الأهواء أو كبرت.
وقسم آخر لم تشغله أموره الخاصة عن متابعة ما يدور حوله وحول مجتمعه وأمته ذهنيًّا ومعرفيًّا، ولم يختر لنفسه أن يكون آخر من يعلم فتراه مع اشتغاله بشؤون أهله وأعماله اليومية يتبع أدق وأصدق ما يتوفر من مصادر المعلومة والبيان والخبر حتى يكون بما يدور قدر استطاعته.
أيها الإخوة: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) [النساء:102]؛ فأخذ الحذر أمر إلهي واجب على المسلمين (وَخُذُواْ) ولا يمكن أخذ الحذر إلا بعد التنبه والوعي بكيد العدو ومن ثم الإعداد لتجنب أخطار ذلك الكيد وقد أمر الله أيضا بالإعداد في قوله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60].
التدافع -أيها الإخوة- سنة جارية، يقال: تدافع القوم أي دفع بعضهم بعضًا، والتدافع يحمل معنى التزاحم والحركة والتموج، لكنه لا يحمل بالضرورة معنى التناحر والقتال والإفناء.
سنة التدافع قدر هذه الخليقة وسنة ربانية ورد ذكرها في كتاب الله تعالى في قوله سبحانه (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) [البقرة: 251]، جاء هذا الاستثناء (وَلَوْلاَ) بعد ذكر قتل داود لجالوت في المعركة بين بني إسرائيل وأعدائهم من العمالقة.
الآية تدل على ضرورة اختلاف البشر وأن الصراع بينهم قائم إلى يوم الدين، ولو شاء الله تعالى لما كان هذا الصراع، ولكن الله تعالى أراده ولهذا قال تعالى في رسله: (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253].
نعم أراد الله تعالى هذا الصراع والتدافع لحكم عديدة أهم هذه الحكم (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، وليبتلي خلقه وليظهر في الواقع في واقع الحال من يرفع راية الحق ويدافع عنها حقًّا ممن يرفع راية الباطل، والأصل أن المسلم يسأل الله السلامة والعافية هذا هو الأصل كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا".
إذاً المطلوب هو الصبر والدفاع والإعداد، القدر مجهول، والاحتياط واجب، التدافع لابد منه معلنًا ظاهرًا للعيان أو مستترًا مبطنًا من خلف الستار سواء كان هذا التدافع سياسيًّا أو ثقافيًّا أو اقتصاديًّا أو عسكريًّا أو غير ذلك، ولذا فإن الحذر والإعداد واجبان على جميع المسلمين أولاً؛ كي يحافظوا على دينهم من شوائب الشرك والبدع، وثانيًا كي يحافظوا على أنفسهم وبلادهم وأعراضهم وأموالهم؛ كلٌّ بحسب مكانه ومساحة تأثيره وقدرته.
وقد قال تعالى محذرًا (وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 93]، ولهذا أعود وأقول: إنه لا يتنبه إلى ما يحاك لأمة التوحيد اليوم إلا من يملك صفتين الاهتمام والوعي، ولهذا لزم على المنبر أن يسهم في البيان، والله ولي التوفيق والسداد.
أيها الإخوة الموحدون: بالأمس كان اليهود والنصارى يحاربوننا من منطلق عقلي واضح صريح كيد يهودي وحملات صليبية على مدى العصور، ثم جاءت العلمانية لتستر البعد الديني، وتعيد صياغة الصراع في شكل آخر، وهو المصلحة المادية المجردة، وغاب البعد الديني عن لغة الخصومة لدى القوم؛ إذ من مبادئ العلمانية حرية التدين.
ولكن الإنسان -أيها الإخوة- هو الإنسان مهما حاول أن يخفي تعصبه لدينه بلسانه فسوف يظهر التعصب في مواقفه وأفعاله ولن تمنعه حضارته المادية ولا علمانيته من ذلك التعصب ولا حتى زرقة عينيه ولا صفار شعره.
والناس في هذا يتفاوتون ولكن السواد الأعظم هكذا كلهم عند المحك يعودون للتعصب، ولذلك كانت الآية في كتاب الله العزيز آية محكمة فاعلة ممتدة إلى يوم القيامة والله عليم خبيرا بعباده وطبيعة البشر (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120]، كلمة (وَلَن) هي حرف نفي ونصب واستقبال تدخل "لن" على المضارع فتنفي معناه وتنفي حدوثه وتحول النفي من الحاضر إلى المستقبل، بل لن تفيد نفي المستقبل (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وحرف (حَتَّى) بمعنى إلى أن أي لغاية أن تتبع ملتهم فهل ستنتع ملتهم؟ معاذ الله.
إذاً لن يكون منهم رضا عنا أبدًا حقيقة قرآنية ثابتة، وأعيد وأؤكد أنه يمكن لنا أن نتعايش معهم مع وجود هذه الحقيقة يمكن أن نتعايش معهم، فالسياسة الشرعية مع وجود هذه الحقيقة يمكن أن نتعايش معهم، فالسياسية الشرعية تتسع لهذا الخلاف وأكثر.
لكن هذا التعايش لا يعني الوثوق بهم ولا الأمن من مكرهم وغدرهم، فهم عُباد دنيا، ولئن كنا لا نزال نمتلك شيئًا من المثُل الأصيلة المحمودة في طبيعتنا كالشهامة والوفاء بالعهد فهذه القيم عندهم تذوب أمام وهج المصلحة المادية والنزعة الاستعمارية والتعصب العرقي والديني.
معاشر الإخوة: في هذه المرحلة الأخيرة من تاريخ الأمة وتاريخ صراعها المرير يطل علينا من خندق الأعداء أناس من بني جلدتنا؛ ينتسبون للإسلام في العموم بالنسبة لهم، لم يسبق أن أقام مخالفوهم مؤتمرًا يدعى إليه من كل حدب وصوب بالتنديد بهم أو إخراجهم من دائرة أهل السنة، أولئك هم الصوفية الخرافيون الغلاة، ومن صف معهم من أهل الكلام والفلسفة من ضعاف القلوب والنفوس.
وإذا أراد المتابع الفطن أن يربط بين المراحل لوجد أن التوقيت جد مناسب لمكرهم، فالشام تشتعل والعالم الغربي مجمع على تشويه من رفع راية الإسلام هناك، سواء إن كان من خوارج العصر الدواعش ومن لف لفهم، أو من انتهج الجهاد الصافي الخالص بشوائب الغلو كلهم في نظرهم سواء، ثم فكروا وقدَّروا فقُتلوا كيف قدروا، ثم نظروا فقالوا: إن مصدر الإسلام الصافي هو هذه البلاد ففيها الحرمان الشريفين، وهي تنهج منهج السلف الصالح الذي أطلقوا عليه الوهابية حتى صدَّعوا بهذا المسمى رؤوسنا فأوعزوا إلى الصفوية المجوس وأتباعهم من العرب للنفخ في هذا البوق.
ثم جاء الدور على الخرافيين ليقوموا بدورهم في هذا المسعى الغربي الصفوي، فاتحد الغرب الصليبي مع الكيد الصفوي المجوسي، والصوفي الخرافي؛ على حرب منهج السلف الصالح؛ منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، فلو جاء رجل من غير أهل هذه البلاد وادعى أنه منها بلا أيّ دليل أو إثبات هل نقبل قوله؟
لو قال رجل: ما أنا طبيب أعالج الناس وهو في الحقيقة عامل أو مهندس أو أي شيء أخر هل نقبل كلامه؟ قيسوا على هذا.
لو زعم انتحاري مكفر أن منهجه سلفي أو انه يتبع منهج السلف الصالح هل يُصدق؟ ليس كل من ادعى فدعواه صادقة، فمنهم الدعي ومنهم الواهم، ومنهم الكاذب، ومنهم الجاهل، وهذا الادعاء الباطل بمثابة الصيد الثمين لكل مبتدع أو عدو بحيث يأخذه ويطير به في كل مكان ينسب كل سني على منهج الصالح إلى الدواعش.
طبعًا الوهابية مصطلح مخترع من قبل الخرافيين من قديم الزمان فبالتالي نسبوا التكفير والقتل لمن كل من صنَّفوه وهابيًّا، فهما في نظرهم وجهان لعملة واحدة، ونسي الخرافيون أو أولئك المجوسيون الصفويون معتقداتهم المفزعة، ولعل أن يكون في العمر سعة فنفصل تفصيلاً آخر إن شاء الله.
نخلص إلى أن الوعي والحذر مطلوبان لاسيما في هذا الزمان..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين،