النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | مرشد الحيالي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - الدعوة والاحتساب |
إنَّ الله أنزل علينا كتابَه الكريم لأجل أن يكون هدايةً للناس، وليخرجَهم به من ظلمات الجهل إلى نور العِلم والإيمان، وقد بيَّن -سبحانه- الغايةَ من نزول كتابه فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص:29]، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "تكفَّل الله لمن قرأ القرآنَ وعمل بما فيه ألاَّ يضلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة".
الخطبة الأولى:
الحمد لله، والصلاة على خاتم أنبيائه ورسلِه محمد وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
وبعد: فإذا أراد الخطيبُ أو الواعِظ أن يَجعل محورَ خطبته تفسيرَ سورة معيَّنة من سور القرآن الكريم، وأن يتناول معانيها ودلالاتها، وما تتضمَّنه من حِكَم وعظات، وحِكَم وإشارات، لا بدَّ من مراعاة ما يلي؛ ليكون موفَّقًا في خطبته، ومسدَّدًا في حديثه:
أن يتناول تفسيرَ القرآن بالقرآن، فإن لم يَجد فبسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن لم يَجد فيَستند إلى أقوال مَن شهدوا التنزيلَ، وعاشَروا عصرَ النبوَّة والتأويل؛ وهم الصَّحابة الأجلاَّء، والفقهاء الأتقياء؛ الأربعة الخلفاء، وكذلك ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، وغيرهم.
بما أنَّ وقت الخطبة قَصير، فيَنبغي على الخطيب أن يَختار مواقفَ معيَّنة من السورة، وآيات واضحة منها، ويسلِّط الضوء عليها، ويبيِّن معانيها، وما تدل عليه من إشارات، ويربطها بواقع النَّاس ومَعاشهم ومعادِهم؛ بمعنى أن يَربط بين الآيات في موضوعٍ واحد؛ لأنَّ تناول السورة كامِلة وسردها وتفسيرها، وبيان أسباب نزولها، وبيان الناسخ والمنسوخ منها، لا يتَّسع له وقت الخطبة، خاصَّة السور الطوال؛ والخطبة إنَّما شرعَت للتذكير، ولا بأس من التعريجِ على بعض الفوائد التفسيريَّة أثناء تفسير الآيات.
ليس معنى تفسير القرآن في الخطبة هو الاستطراد في ذِكر أقوال المفسِّرين، والاستشهاد بالغريب من شعر الشعراء، أو ذِكر الأحكام الفقهيَّة المستنبَطة من الآيات الكريمة، أو بيان المباحث اللغويَّة والصرفية والنَّحوية، ولكن المقصود أن تكون آيات الكتاب العزيز مصدرَ هداية ونور؛ لأجل أن يَنتفع المسلمُ في حياته العملية، ويكون ارتباطه بالقرآن، وعلى صلة وثيقة بكتاب الله علمًا وعملاً، وهداية وتوفيقًا.
يفضَّل أن يبيِّن في مقدِّمة خطبته وبشكلٍ موجز الغرَضَ من نزول القرآن على نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنَّ المقصود من تفسير القرآن هو تلاوته وتدبُّره، وتعقُّله وتفهُّمه، ومِن ثمَّ العمل به وتطبيقه، وأنَّ سَرْد القصص والأمثال في القرآن الكريم جاء لأجل أخذ العِبَر والعظات، والحِكَم البيِّنات.
ينبغي أن يكون التفسير ميسَّرًا سهلاً يناسِب جميعَ المستويات، بعيدًا عن التعقيد المسجع، والتكلُّف المبتدع، وليخاطِب الجمهور بلُغتِهم ما استطاع؛ فإنَّه أدعى إلى قبول ما يقوله، والانتفاع بما يرشِد إليه.
من المستحسن تلاوة الآيات المباركة التي يتم تفسيرها وعَرض معانيها للنَّاس في الصلاة، فيكون سماعه للآيات المباركات تَذكِرة لِما سمعه ووعاه من المنبر.
وهذا نموذج من خطبةٍ في تفسير سورة الكهف، وبعض ما تضمَّنته من حِكَم وعظات، وفوائد ومسائل ودلالات، بعد المقدمة والديباجة.
أيُّها المسلمون: إنَّ الله أنزل علينا كتابَه الكريم لأجل أن يكون هدايةً للناس، وليخرجَهم به من ظلمات الجهل إلى نور العِلم والإيمان، وقد بيَّن -سبحانه- الغايةَ من نزول كتابه فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص:29]، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "تكفَّل الله لمن قرأ القرآنَ وعمل بما فيه ألاَّ يضلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة".
من السور المبارَكة الكريمة الطيبة التي أَمرنا -سبحانه- أن نَتلوَها ونتدبَّر معانيها، ونتغلغل في مقاصدها ومراميها: سورة الكهف، وسَبب تَسميتها بهذا الاسم المبارك الجليل أنَّه ورد فيها ذِكر شأن أَصحاب الكهف، وما حصل لهم من التضيِيق والابتلاء من أقوامهم، وأنَّهم هجروا بلادَهم خوفًا على دِينهم وهربًا من الفتنة، قال -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) [الكهف:9-10].
ثمَّ قال -جلَّ شأنه- في بيان قوَّة إيمانهم وتعلُّقهم بحَبل الله واعتصامهم بالتوحيد: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) [الكهف:13-14].
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) وشباب، وطاقة وحيويَّة؛ وهو يدلُّ على دور الشَّباب واستقامتهم وصلاحهم وسلوكهم المنهجَ الوسط في صلاح المجتمع، (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) هداهم اللهُ للحقِّ وبصَّرَهم به، واستخدموا طاقاتهم في خدمة الإيمان والدِّين والمجتمع.
لقد حثَّنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على قِراءة سورة الكهف وتلاوتها، وخاصَّة في يوم الجمعة المبارَك؛ لِما احتوَته من التمسُّك بالعقيدة والتوحيد ونَبْذ الشِّرك، ومدح التواضع وذمِّ التكبُّر، وفائدة العلم وطلبه، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النُّور ما بين الجمعتين" رواه النسائي.
بل إنَّ حِفظها وتلاوتها والعمل بها يَعصم الإنسانَ من أعظم فِتنة على الإطلاق؛ ألا وهي فِتنة المَسيح الدجَّال، جاء في الحديث عن أبي الدَّرداء، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قرأ العشرَ الأواخر من سورة الكهف، عُصِم من فتنة الدجَّال" رواه مسلم.
أيها المسلمون: من الحِكَم والإشارات التي تَضمَّنَتها السورةُ المبارَكة الحثُّ على طلب العلم، والحرص على تَحصيله، فقد رحل موسى -عليه السلام- وهو نَبيٌّ من الأنبياء إلى رجلٍ صالِح ليَطلب منه ثلاثَ مسائل، وتواضَع له وقطع مسافةً طويلة من أجل الوصول إليه، قال -سبحانه- في هذا الشأن: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) [الكهف:65-69].
علينا أن نعلِّم أبناءنا وبناتنا معاني الإسلام وأصولَ الإيمان، ومحبَّةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن نَجلس معهم ونَقرأ عليهم تلك السورة المباركة، ونبيِّن لهم ما تَحويه من مقاصد ومنافِع، وقد حثَّنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على العِلم وتحصيله والاستفادة من العلماء، فقال في الحديث: "مَن سلَك طريقًا يَلتَمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنَّة"، وعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من يُرد اللهُ به خيرًا، يُفقِّهه في الدِّين".
ومن الحِكم والإشارات أهمِّية حفظ العبد لأوامر الله ونواهِيه وحدوده، ويستدل من السورة على هذا المعنى الجليل والهدف النَّبيل بقوله -سبحانه-: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) [الكهف:82]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "فيه دليل على أنَّ الرجل الصَّالح يُحفظ في ذرِّيَّته، وتَشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعتِه فيهم ورَفْع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنَّة؛ لتقرَّ عينُه بهم".
بل إنَّ الله ليَرفع درجةَ الأبناء والبنات، ويُعلي مقامَهم في الدار الآخرة بسبب صلاح الآباء وتقواهم، ولزومهم الصِّراط المستقيم، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21].
وقد فهم الصالحون من عِباد الله هذا المغزى، وعقلوا عن القرآن ذلك المعنى، وعملوا من القرآن بهذا المَبنى؛ فكانوا يسارِعون في العمل الصَّالح لأجل أن يمتدَّ ذلك الأثر إلى أبنائهم وذرِّيتهم، قال سعيد بن المسيب: "إنِّي لأصلِّي فأذكر ولدي، فأزيد في صلاتي".
فلنحرص على قراءة تلك السورة المباركة، وخاصَّة في يوم الجمعة، ولنعلِّم أولادنا فضلَها وأجرَها وما فيها من القصص القرآني، وما دلَّت عليه من المعاني، ولنتمسَّك بسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونَهتدِ بهَديه، ونستن بسنَّته ونَقتفِ أثرَه.
أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية:
أيها المؤمنون: من الحِكم والمعاني التي تضمَّنَتها سورةُ الكهف المباركة أثَرُ الكلمة على حياة الإنسان، وأنَّها قد تحدِّد سعادتَه أو شقاوته، سواء كانت صالحَة أم سيئة؛ ولذا جاء قوله -سبحانه- في بيان خطورة الكلمة الباطلة السيِّئة، وأنَّها كبيرة في ميزان الشَّرع، وإن كان صاحبُها يَحسبها هيِّنة: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف:5]؛ ولأجل ذلك وجب على الإنسان أن يُحصي ألفاظَه، ويراقب لسانَه، ويتقيَّد بالشَّرع في سائر أقواله، فعن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يَرفعُه اللهُ بها درجاتٍ، وإنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالاً يَهوي بها في جهنَّم".
وأخيرًا وليس آخرًا: لقد دلَّت السورةُ المباركة وعلَّمتنا الاستعداد ليوم المعاد، وأنَّ الناس يحاسَبون على أعمالهم؛ إنْ خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وأنَّ هناك من يُحصي الأعمال، ويَكتب الأقوال، وسوف تُعرض على رؤوس الأشهاد، قال -تعالى-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47].
وتأتي الملائكة بصحائف الأعمال؛ فمنهم من يأخذ كتابَه بيمينه، ومنهم من يَستلمه بشمالِه، وهنا يصاب المجرمون بالذُّهول والحيرة ممَّا يرَون من هول الأمور وخطورة الموقف، فلا مال ولا جاه، ولا سلطان ولا عشيرة، بل ولا ستر ولا ثياب، فلا يَنفع الإنسانَ سوى ما قدَّم من عمل؛ (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49].
ومن هنا حثَّنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وحضَّنا على محاسَبَة النَّفس قبل يوم الحساب؛ عن أبي يَعلى شدَّاد بن أوس -رضي الله عنه-، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الكيِّس مَن دَان نفسَه وعمل لِما بعد الموت، والعاجِز من أَتْبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني" رواه الترمذي.
أيها المسلمون: تلك السورة المباركة ابتدأَت بالتوحيد وإفراد الله بالعبوديَّة، فقال -سبحانه-: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) [الكهف:1]، وختمَت بالتوحيد ونَبذ الشِّرك وبيان خطورته فقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110]، بعد بيان الله مآل الصَّالحين، وأنَّه لهم الفوز المبين، وبيان مآل الخاسرين، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) [الكهف:107].
فانتظمَت السورة أولَ الإسلام وآخره؛ فأول الإسلام ما دعَت إليه الرسلُ والأنبياء من التوحيد وإفراد الله بجميع أنواع العبادة، وآخر الإسلام شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ مَن مات عليها دخل الجنَّة.
هذا، وصلُّوا على الحبيب المختار، كما أمركم الله -عزَّ شأنه- وتجلَّت قدرتُه في القرآن الكريم، فإنَّ الله قال قولاً كريمًا تعظيمًا لشأن نبيِّنا وتفهيمًا لنا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].