الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | سعد بن عبد الله السبر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
المُلاحظ على بعض الناس الكبار والصغار الشيوخ والشباب النساء والفتيات يجد أن السب واللعن أصبح أمرا سهلا، به يتخاطبون وبه يتفاهمون، وعليه ينامون ويقومون، فأي حياة يعيشون، وبأي فكر يعقلون ويفكرون، وأين حسناتُهم التي يجمعون؟!. ذهبت لمن يسبون ويلعنون، فياخيبتهم وما أشقاهم!!....
الخطبة الأولى:
الحمد لله أمر بمحاسن الأخلاق, ونهى عن مساوئها، أحمده -سبحانه- وأشكره على نعمه العظمية وآلآه الجسيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فمن اتقى نجا وفاز وسَعُد, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها الموحدون: لقد تكلمنا في خطبة سابقة عن الكبائر وحصرها وأحكامها, وتكلمنا عن أول الكبائر وهو الشرك بالله, وفي هذا اليوم نستكمل حديثنا عن كبيرة من الكبائر وهو السب الذي اتنشر بين بعض الناس, فأصبح البعض يسب الناس ويلعنهم ويسبهم وأباءهم, فيعود سبه ولعنه عليه وعلى والديه، فيُسب والديه بسبه ولعنه للناس، فصار جالبا للسب لوالديه ولنفسه.
وإن المُلاحظ على بعض الناس الكبار والصغار الشيوخ والشباب النساء والفتيات يجد أن السب واللعن أصبح أمرا سهلا، به يتخاطبون وبه يتفاهمون، وعليه ينامون ويقومون، فأي حياة يعيشون، وبأي فكر يعقلون ويفكرون، وأين حسناتُهم التي يجمعون؟!. ذهبت لمن يسبون ويلعنون، فياخيبتهم وما أشقاهم!!.
أيها المسلمون: إن السب محرمٌ بنص الكتاب والسنة واجماع الأمة, قال الله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 108], قال القرطبي: "نهى -سبحانه- المؤمنين أَنْ يَسُبُّوا أَوْثَانَهُمْ، لِأَنَّهُ عَلِمَ إِذَا سَبُّوهَا نَفَرَ الْكُفَّارُ وَازْدَادُوا كُفْرًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لِأَبِي طَالِبٍ إِمَّا أَنْ تَنْهَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا وَالْغَضِّ منها وإما أن نسب إِلَهَهُ وَنَهْجُوَهُ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: حُكْمُهَا بَاقٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَمَتَى كَانَ الْكَافِرُ فِي مَنَعَةٍ وَخِيفَ أَنْ يَسُبَّ الْإِسْلَامَ أَوِ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوِ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسُبَّ صُلْبَانَهُمْ وَلَا دِينَهُمْ وَلَا كَنَائِسَهُمُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْثِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ".
قال النووي: "فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَسَبَّبَ فِي شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ, وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذَا عُقُوقًا لِكَوْنِهِ يَحْصُلُ مِنْهُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْعُقُوقِ", قال ابن بطال: "هذا الحديث أصل في قطع الذرائع، وأن من آل فعله إلى محرم وإن لم يقصده, فهو كمن قصده وتعمده في الإثم، ألا ترى أنه -عليه السلام- نهى أن يلعن الرجل والديه؟ فكان ظاهر هذا أن يتولى الابن لعنهما بنفسه، فلما أخبر النبي أنه إذا سب أبا الرجل وسب الرجل أباه وأمه، كان كمن تولى ذلك بنفسه، وكان كلعنه في المعنى؛ لأنه كان سببه".
قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَيِ ادْفَعْ بِحِلْمِكَ جَهْلَ مَنْ يَجْهَلُ عَلَيْكَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: هُوَ الرَّجُلُ يَسُبُّ الرَّجُلَ فَيَقُولُ الْآخَرُ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَغَفَرَ اللَّهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ. وَكَذَلِكَ يُرْوَى فِي الْأَثَرِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ نَالَ مِنْهُ".
أيها المؤمنون: إن اللعن من الأمور المنهي عنها وليس بصفة للمؤمنين, وَأَصْلُ اللَّعْنِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ. وَيُقَالُ لِلذِّئْبِ: لَعِينٌ. وَلِلرَّجُلِ الطَّرِيدِ: لَعِينٌ.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ".
ومعلومٌ أن اللعن ليس من صفات النبي, والمسلمون واجب عليهم اتباع النبي والاتصاف بصفاته، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا"، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: "مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا".
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ اللَّيْلِ، فَدَعَا خَادِمَهُ، فَكَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَعَنَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ، لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : "لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
أيها المسلمون: إن اللعن ليس خلق للمؤمن ولا جليس ولا صاحب، وإن اللعن يعود على اللعان, واللعن محرمٌ, فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: "لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا بِغَضَبِ اللَّهِ، وَلَا بِالنَّارِ". وقال: "إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها, ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها".
قال ابن المقفع: "ولا تتخذن اللعن والشتم على عدوك سلاحًا، فإنه لا يجرح في نفس, ولا منزلة, ولا مال, ولا دين".