الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن محمد السعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم...
الخطبة الأولى:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيما أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن مقتضيات خيريتها، ومن سنن المرسلين، وخلال أهل الإيمان، وسهم من سهام الإسلام، وفرض من فرائض الله على عباده: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110]، (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ) [الحـج: 41]، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].
والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر مرحومون برحمة الله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) [التوبة: 71].
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر من أهل الفلاح والصلاح والتقوى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]، (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 113 - 115].
وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علو التوحيد، وظهور السنن وشرائع الإسلام، وإقامة العدل، وإعزاز الحق، ورد الباطل، ونصرة المظلوم، وردع الظالم، وتطهير المجتمع من الفواحش والمعاصي، ونشر الفضيلة، وحفظ الضرورات، وبسط الأمن، وإرغام أهل النفاق، والإعذار إلى الله، فهوصمام الأمان، وسفينة النجاة، وركن الإصلاح.
وفي ضده ضده، فما فشا شرك، ولا ذاعت بدعة، ولا ظهر فساد، ولا وقع ظلم إلا وكان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسبابه، ولهذا توعد الله على تركه باللعنة والهلاك في العاجل والآجل، يقول تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78 - 79]، ويقول جل شأنه: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ) [هود: 116].
قال بعض أهل العلم في كلام جامع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وهو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد" [إحياء علوم الدين].
ولما يتحصل بالأمر بالمعروف من خير عظيم، ودفع شر خطير؛ أطلق الله الأجر في جزاء أهله، فقال تعالى: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
قال ابن جرير "9 / 202": "ولا حدَّ لمبلغ ما سمى الله: (عَظِيمًا) يعلمه سواه".
وقد اتفقت الأمة على وجوبه بلا خلاف بين أحد منهم؛ كما حكاه ابن حزم -رحمه الله-، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ) [المائدة: 8].
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ".
قال ابن النحاس: "وأما الإنكار بالقلب وهو كراهة تلك المعصية وبغضها، فلا يسقط عن مكلف بوجه من الوجوه، إذ لا عذر يمنعه".
وفي هذا المقام أذكر الإخوة الكرام أمور:
أحدها: خطأ بعضهم في فهم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة: 105] إذ توهم بعضهم أن فيها دليلا على عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن هذا غير صواب، ذلك أن الآية جاء فيها: (إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ومن ترك الأمر بالمعروف فلم يهتد؛ لأنه لم يفعل ما أمر به، والاهتداء إنما يكون بفعل المأمورات وترك المنهيات، ولكن إذا أمر المكلف ونهى فلم يستجب له فلا يضره بعد ذلك ضلال من ضل، ويشهد له ما رواه البخاري عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل القائم في حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً".
قال ابن القيم -رحمه الله-: "بل ما أكثر من يتعبد لله -عز وجل- بترك ما أوجب عليه فيتخلى وينقطع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قدرته عليه ويزعم أنه متقرب إلى الله -تعالى- بذلك مجتمع على ربه تارك ما لا يعنيه فهذا من أمقت الخلق إلى الله -تعالى-، وأبغضهم إليه مع ظنه أنه قائم بحقائق الإيمان وشرائع الإسلام، وأنه من خواص أوليائه وحزبه" [إغاثة اللهفان (2 / 180)].
وثانيها: يصور الشيطان لبعض الناس: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في شؤون الناس وحرياتهم الشخصية، وما هذا إلا رد على الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإن هذا لو علم ما في هذه الشعيرة من صلاح للقلوب والأعمال والمجتمعات، لم يتفوه بهذا، بل هذا من التعاون على البر والتقوى، وإقامة العدل، والتقريب بين القلوب، وتحقيق التآلف، فياليتهم يعلمون.
وثالثها: أهل الحسبة قوم من صلحاء الأمة، وليسوا بمعصومين، وما لهم من الحسنات كثير ظاهر لا ينكر، وإعانتهم والذب عنهم والدعاء لهم مسلك أهل الرشاد، وأما منابذتهم، وغمر حسناتهم في خطأ غير مقصود من آحادهم، فمسلك أهل الغي والجهل.
الخطبة الثانية:
أيها المؤمنون: ثمة أمران ننبه عليهما:
أحدهما: أننا نرى بجوار هذا الجامع وغيره سوق البيع والشراء قائما بعد الأذان الثاني للجمعة، وهذا من المحرمات التي ورد النهي عنها في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة: 9]، فيحرم على البائع البيع، وعلى المشتري الشراء، ومن رأى ذلك فعليه إنكاره.
وثانيها: أن التعاون على العمل الذي يتحقق به مصالح للمسلمين في الدين والدنيا من أعظم القربات إلى الله -تعالى-، والتعداد والإحصاء سبيل إلى التخطيط المثمر، والعمل النافع، فلهذا كان التعاون مع الجهات المختصة والصدق في المعلومة قربة لمن ابتغى وجه الله، ونفع المسلمين؛ لدخوله في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].