الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية - الحكمة وتعليل أفعال الله |
اعلموا: أن الله -تعالى- له تمام الملك، وكمال الحمد. فمن تمام ملكه وكماله: أنه لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، وأنه ما من شيء في السماوات والأرض إلا وهو خالقه ومالكه ومدبره. ومن تمام حمده وكماله: أنه لم يقدر شيئا، ولم يشرع مشروعا، إلا ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم المولى ونعم النصير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد والمصير، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا: أن الله -تعالى- له تمام الملك، وكمال الحمد.
فمن تمام ملكه وكماله: أنه لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، وأنه ما من شيء في السماوات والأرض إلا وهو خالقه ومالكه ومدبره.
ومن تمام حمده وكماله: أنه لم يقدر شيئا، ولم يشرع مشروعا، إلا لحكمة، وعلى وفق الحكمة.
ومن ذلك: ما يقدره الله -تعالى- من الآيات الدالة على صدق الرسل، تأييدا لهم، وإقامة للحجة على أممهم، فهذه النار الحارة المهلكة كانت بردا وسلاما على إبراهيم، نبي الله وخليله -عليه الصلاة والسلام-، حين ألقاه فيها كفار قومه، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لولا أن الله قال: (وَسَلَامًا)[الأنبياء:69] لآذى إبراهيم بردها".
وهذا نبي الله موسى -صلى الله عليه وسلم- ضرب بعصاه البحر، فانفلق اثني عشر طريقا، حتى ظهرت أرض البحر يبسا، وكان الماء السائل من بين هذه الطرق كالجبال راكدا، لا يسيل.
ولما استسقى لقومه أمر أن يضرب بعصاه الحجر، فتفجر الحجر عيونا اثنتي عشرة عينا، وكان يضع عصاه فتنقلب حية تسعى، فإذا أخذه رجع على حاله الأولى.
وهذا عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم-كان يحيي الموتى -بإذن الله-، فيأتي إلى القبر فيدعو صاحبه فيخرج -بإذن الله-، وكان يخلق من الطين على صورة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا يطير -بإذن الله-.
وهذا رسول الله وخليله محمد -صلى الله عليه وسلم- جرى له من الآيات الدالة على صدقه شيء كثير، فمن ذلك: أن أهل مكة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين، حتى رأوا حراء بينهما، ثبت ذلك بطرق متواترة، قطعية، واتفق عليه العلماء والأئمة، وكان إذا قحط المطر يستسقي، فما ينزل، حتى يجيش كل ميزاب، قال أنس -رضي الله عنه-: "رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه يستسقي، وما رأينا في السماء قزعة، فو الذي نفسي بيده ما وضعها، حتى ثار سحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره، حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، قال: فمطرنا إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا".
فما يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، حتى صارت المدينة في مثل الإكليل والمطر حولها يمينا وشمالا"[البخاري ومسلم وغيرهما].
وعطش الناس يوم الحديبية.
وبين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ركوة رضي الله عنه الركوة إناء من جلد يشرب منه الماء".
يتوضأ منها، فجهش الناس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قيل لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مئة ألف لكفانا، كنا ألفا وخمسمائة، أو قال ألفا وأربعمائة.
وكان المسلمون في سفر مع نبيهم -صلى الله عليه وسلم- فاحتاجوا إلى الطعام، فدعا ببقايا طعام كانت معهم، فدعا الله فيها بالبركة، ثم أمرهم أن يأتوا بأوعيتهم، فجاؤوا بها فملأها وفضل فضل كثير، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني عبد الله ورسوله، ومن لقي الله -عز وجل- بهما غير شاك؛ دخل الجنة".
وكان له صلى الله عليه وسلم جذع نخلة يسند ظهره إليه يوم الجمعة، فلما صنع له المنبر، وخطب عليه، جعل الجذع يئن كما يئن الصبي، حتى نزل النبي -صلى الله عليه وسلم-فسكنه، كما يسكن الصبي، حتى سكن.
ولله -تعالى- من الآيات وخوارق العادات؛ ما يشهد بتمام ملكه وقدرته، وما هو أعظم برهان على علمه وحكمته؛ قال الله -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[فصلت: 53].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...