البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

فقه الابتلاء

العربية

المؤلف ماهر بن حمد المعيقلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. الابتلاء سنة ماضية في جميع الخلائق .
  2. صور من ابتلاءات الأنبياء والصالحين .
  3. الحث على التفاؤُل والأمل رغم الجراح .
  4. النصر للإسلام والمستقبل لهذا الدين .
  5. أهمية حسن الظن بالله تعالى. .

اقتباس

إن حُسنَ الظنِّ بالله عبادةٌ قلبيَّةٌ جليلةٌ لا يتمُّ إيمانُ العبدِ إلا بها، وهو ما تقتَضِيه أسماءُ الله الحُسنى وصفاتُه العُلَى، ومن أحسَنَ ظنَّه بالله آتاه الله إياه؛ ففي الحديثِ المُتَّفقِ على صحَّته: «يقولُ الله تعالى: إن عند ظنِّ عبدِي بي»، قال عبدُ الله بن مسعُودٍ - رضي الله عنه -: "والله الذي لا إله غيرُه؛ ما أُعطِيَ عبدٌ مُؤمنٌ شيئًا خيرٌ من حُسنِ الظنِّ بالله، والذي لا إله غيرُه؛ لا يُحسِنُ عبدٌ بالله - عزَّ وجل - الظنَّ إلا أعطَاه الله - عزَّ وجل - ظنَّه؛ ذلك بأن الخيرَ في يدِه". ولئِن كانت الحاجةُ إلى حُسن الظنِّ بالله مطلَبًا في كل الأحوال، فإنها حالَ المصائِبِ والشدائِد تعظُمُ الحاجةُ وتتأكَّد.

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله، الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرضَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له عظيمٌ في ربوبيَّته وألوهيَّته وأسمائِه وصفاتِه، حكيمٌ في مقاديرِه وأحكامِه، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه ابتُلِيَ بالسرَّاء فشَكَر، وبالضرَّاء فصَبَر، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه، والتابِعِين لهم بإحسانٍ إلى يومِ لِقائِه.

أما بعدُ .. معاشر المؤمنين: فاتَّقُوا الله حقَّ التقوَى، واستمسِكُوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد: 28].

أمةَ الإسلام: لم يجعَل الله تعالى مقرًّا دائمًا لعبادِه، ولا دارَ نعيمٍ لأوليائِه، ولكنه أرادَها بحكمتِه دارَ ابتِلاءٍ واختِبار، يُمحِّصُ عبادَه فيها بالبلايا، ويختبِرهم بالمِحَن والرَّزايَا، (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].

وما من مُؤمنٍ بالله واليومِ الآخر إلا كان له نصيبٌ من الابتِلاء، كما أخبرَ بذلك ربُّ الأرض والسماء، فقال - جلَّ جلاُه، وتقدَّسَت أسماؤُه -: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 2، 3].

الابتِلاءُ يكون على قَدر العطاء؛ فعن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ - رضي الله عنه - قال: قُلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: «الأنبياءُ، ثم الأمثَلُ فالأمثَلُ، فيُبتَلَى الرجلُ على حسبِ دينِه؛ فإن كان دينُه صُلبًا اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دينِه رِقَّة ابتُلِيَ على حسبِ دينه، فما يبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتى يترُكَه يمشِي على الأرض ما عليه خطيئة» (رواه الترمذي، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ").

فلذا كان الأنبياءُ - عليهم السلام - مع ما هم فيه من البلاء - أشرَحَ الناس صدرًا، وأكثَرَهم تفاؤُلاً:

فخليلُ ربِّ العالمين إبراهيم - عليه السلام - لما أُلقِيَ في النار قال: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173].

وهذا كليمُ الله مُوسى - عليه السلام - حُصِرَ مع قومِه بين بحرٍ مُتلاطِمٍ وعدوٍّ غاشِمٍ، فقال أصحابُه: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 61، 62].

ولما فقَدَ يعقوبُ - عليه السلام - أحبَّ أبنائِهِ إليه قال: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87].

وأما نبيُّنا - صلواتُ ربي وسلامُه عليه - فقد لقِيَ من البلاء ما لقِي؛ أذَاه قومُه وطرَدُوه من بلدِه، وتآمَرُوا على قتلِه: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30]، فكان - صلى الله عليه وسلم - أجملَ الناس صبرًا، وأحسنَهم بالله ظنًّا.

وفي معركةِ أُحُد كُسِرَت رَباعيتُه، وجُرِحَ وجهُه، وشُجَّ رأسُه، فلم تزَل دماؤُه الزكيَّةُ تسِيلُ على وجهِه الطاهِر، فجعلَ يسلُتُ الدمَ عنه ويقول: «كيف يُفلِحُ قومٌ شجُّوا نبيَّهم؟!»، وكسَروا رباعيتَه وهو يدعُوهم إلى الله. (متفق عليه).

وأُصيبَ - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحُدٍ في أصحابِه، وفي أعزِّ الناس عليه وأقرَبِهم إلى قلبِه: عمِّه حمزة - رضي الله عنه وأرضاه - وقد بُقِرَ بطنُه، وجُدِعَ أنفُه ومُثِّلَ به، فدُفِن في سَفْح الجبل مع سبعين رجُلاً من خِيرَة أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

حتى تمنَّى - صلى الله عليه وسلم - أن لو كان شهيدًا يوم ذاك معهم؛ ففي "مسند الإمام أحمد" بسندٍ حسنٍ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أما واللهِ لودِدتُ أني غُودِرتُ مع أصحابِي بحضنِ الجبَل».

بَيْدَ أن التسليمَ لله لم يلبَث هذه الأحزانَ العارِضَة، وعادَ - صلى الله عليه وسلم - يتفقَّدُ أصحابَه ويُخفِّفُ مُصابَهم، ويُظهِرُ الرِّضا لقضاءِ الله وقدَرِه فيما أصابَهم.

ففي "مسند الإمام أحمد" وغيره بسندٍ صحيحٍ، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرَغَ من دَفن الشُّهداء يوم أُحُدٍ قال لأصحابِه: «استَوُوا حتى أُثنِيَ على ربِّي»، فصَارُوا خلفَه صفُوفًا، فوقفَ طويلاً يُثنِي على الله تعالى بما هو أهلُه.

وكان مما قال - عليه الصلاة والسلام -: «اللهم لك الحمدُ كلُّه، اللهم لا قابِضَ لما بسطتَ، ولا باسِطَ لما قبضتَ، ولا هادِيَ لمن أضللتَ، ولا مُضلَّ لمن هدَيتَ، ولا مُعطِيَ لما منَعتَ، ولا مانِعَ لما أعطَيتَ، ولا مُقرِّبَ لما باعدتَ، ولما مُباعِدَ لما قرَّبتَ، اللهم ابسُط علينا من بركاتِك ورحمتِك وفضلِك ورزقِك».

وفي السنة الخامسة من الهِجرة النبوية اجتمَعَ الأحزابُ لقتالِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاءُوا من كل صَوبٍ وحدَبٍ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صابِرٌ مُحتسِبٌ مع شدَّة الأمر والكربِ.

ففي "صحيح البخاري"، عن البراء - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ينقُلُ الترابَ يوم الخندَقِ حتى اغبَرَّ بطنُه يقولُ: «واللهِ لولا الله ما اهتَدينَا، ولا تصدَّقنَا ولا صلَّينَا، فأنزِلَنْ سكينةً علينا، وثبِّت الأقدامَ إن لاقَينَا، إن الأُلَى قد بغَوا علينا، إذا أرادُوا فتنةً أبَينَا»، ورفعَ بها صوتَه: «أبَينَا، أبَينَا».

وبينما هم كذلك في حفرِهم للخندَقِ، وقد مكَثُوا في حفرِه نصفَ شهرٍ، أنهكَهم الجوعُ فيها وأرهقَهم السهرُ؛ إذ عرضَت لهم صخرةٌ شديدةٌ كسَرَت معاوِلَهم، وأوهَنَت قُواهم.

يصِفُ ذلك الحالَ جابِرٌ - رضي الله عنه - بقولِه: "إنا يوم الخندَقِ نحفِرُ، فعرَضَت كُديةٌ شديدةٌ" أي: صخرة، "فجاءُوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: هذه كُديةٌ عرَضَت في الخندَقِ، فقال: «أنا نازِلٌ»، ثم قام وبطنُه معصُوبٌ بحجَرٍ - أي: من الجُوع -، ولبَثنَا ثلاثةَ أيامٍ لا نذُوقُ ذواقًا.

فأخذَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المِعوَلَ فضرَبَ، فعادَ كثيبًا أهيَل"؛ رواه البخاري.

ولما اجتمعَ الأحزابُ حول المدينة النبوية - وكان ذلك في ليالٍ بارِدة -، وهم أكثرُ من عشرة آلافِ مُقاتِلٍ، وأصحابُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يزيدُون عن ثلاثة آلاف؛ إذ نقَضَ يهودُ بني قُريظةَ عهدَهم مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

فضاقَ الخَطبُ، واشتدَّ الكربُ، وظهرَ الخوفُ مع الجُوع والبردِ، وانقطَعَت الأسبابُ الظاهرةُ للنصر؛ فلا عددَ ولا عُدَّة، فكانت شدَّةٌ وأيُّ شِدَّة؟! وصفَها الله - عز وجل - بقولِه: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) [الأحزاب: 10، 11].

ومع ذلك كلِّه كان - صلى الله عليه وسلم - يُبشِّرُ أصحابَه بموعُودِ ربِّهم، وتفريجِ كربِهم، وهلاكِ عدوِّهم.

ففي "السنن الكبرى" للبيهقي: لما اشتدَّ البلاءُ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه، نافقَ ناسٌ كثيرٌ، وتكلَّمُوا بكلامٍ قبيحٍ، فلما رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما فيه الناسُ من البلاءِ والكربِ، جعلَ يُبشِّرُهم ويقولُ: «والذي نفسِي بيدِه؛ ليُفرَّجنَّ عنكم ما ترَونَ من الشدَّة والبلاء، فإني لأرجُو أن أطُوفَ بالبيتِ العتيقِ آمنًا، وأن يدفعَ الله - عز وجل - مفاتِحَ الكعبة، وليُهلِكنَّ الله كِسرَى وقيصَر، ولتُنفقنَّ كنوزُهما في سبيلِ الله».

وما انفرَجَت الكروبُ - يا عباد الله - إلا بالتوحيدِ؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - حالَ حِصارِهم يُكثِرُ من قولِ: «لا إله إلا الله وحده، أعزَّ جُندَه، ونصَرَ عبدَه، وغلَبَ الأحزابَ وحدَه، فلا شيءَ بعدَه» (رواه البخاري ومسلم).

وأما المُنافِقون والذين في قلوبِهم مرضٌ فحالُهم كما هو في كل زمانٍ ومكانٍ، يُرجِفُون ويُخذِّلُون؛ لينشُرُوا الخوفَ والضعفَ في صفُوفِ المُؤمنِين، فكان بعضُهم يقولُ: يعِدُنا محمدٌ كنوزَ كِسرَى وقيصَر، وأحدُنا لا يأمَنُ أن يذهبَ إلى حاجتِه!

بل أخذَ بعضُهم يستأذِنُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالرُّجوع إلى الدُّور ويقولُ: (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) [الأحزاب: 13]، (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12].

وأما المُؤمنون الصادِقون فإنهم لا يفقِدُون صِلَتهم بربِّهم، وثِقَتَهم بخالِقِهم، مهما أُصِيبُوا في سبيلِ الله؛ فالصحابةُ - رضي الله عنهم وأرضاهم - أحسَنُوا الظنَّ بالله فثبَتُوا، وتوكَّلُوا عليه فنُصِرُوا.

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "غزوةُ الأحزاب نصَرَ الله فيها عبدَه، وأعزَّ فيها جُندَه بغير قتالٍ؛ بل بثباتِ المُؤمنين بإزاءِ عدوِّهم، (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22].

بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم من كلَّ ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله رب العالمين، إلهِ الأولين والآخرين، وقيُّوم السماوات والأرَضين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملِكُ الحقُّ المُبين، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعدُ .. معاشر المُؤمنين:

إن حُسنَ الظنِّ بالله عبادةٌ قلبيَّةٌ جليلةٌ لا يتمُّ إيمانُ العبدِ إلا بها، وهو ما تقتَضِيه أسماءُ الله الحُسنى وصفاتُه العُلَى، ومن أحسَنَ ظنَّه بالله آتاه الله إياه؛ ففي الحديثِ المُتَّفقِ على صحَّته: «يقولُ الله تعالى: إن عند ظنِّ عبدِي بي»، قال عبدُ الله بن مسعُودٍ - رضي الله عنه -: "والله الذي لا إله غيرُه؛ ما أُعطِيَ عبدٌ مُؤمنٌ شيئًا خيرٌ من حُسنِ الظنِّ بالله، والذي لا إله غيرُه؛ لا يُحسِنُ عبدٌ بالله - عزَّ وجل - الظنَّ إلا أعطَاه الله - عزَّ وجل - ظنَّه؛ ذلك بأن الخيرَ في يدِه".

ولئِن كانت الحاجةُ إلى حُسن الظنِّ بالله مطلَبًا في كل الأحوال، فإنها حالَ المصائِبِ والشدائِد تعظُمُ الحاجةُ وتتأكَّد.

ففي "صحيح البخاري"، عن خبَّاب بن الأرَتِّ - رضي الله عنه - قال: شكَونا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مُتوسِّدٌ بُردةً له في ظلِّ الكعبَة -، فقُلنا: ألا تستنصِرُ لنا؟ ألا تدعُو لنا؟ فقال: «قد كان من كان قبلَكم يُؤخذُ الرجُلُ فيُحفَرُ له في الأرض فيُجعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنشار فيُوضَعُ على رأسِه، فيُجعَلُ نصفَين، ويُمشَطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دُون لحمِه وعظمِه فما يصُدُّه ذلك عن دينِه، والله ليتمَّنَّ هذا الأمرُ حتى يسيرَ الراكِبُ من صنعَاءَ إلى حضر موتٍ لا يخافُ إلا الله والذئبَ على غنَمِه، ولكنَّكم تستعجِلُون».

وفي تاريخِ أمَّتِنا الطويلِ أحداثٌ جِسام، وواقِعاتٌ عِظام، كشَفَها الله تعالى بالتوبةِ إليه والرُّجوعِ إلى كتابِه وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، في القرآن الكريم: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51].

والمُؤمنُ - يا عباد الله - قد يشتَدُّ عليه الكربُ والخَطبُ، وتُحيطُ به الفتنُ والمِحَن، ويُخيِّمُ عليه الهمُّ والغمُّ، ولكنَّه مُؤمِّلٌ في ربِّه، واثِقٌ بنصرِه، مُستبشِرٌ بتأيِيدِه، مُترقِّبٌ لفرَجِه وكرَمِه، آخِذٌ بأسبابِ النصر والتمكينِ كما أمرَه.

أمة الإسلام: إن ما يحدُثُ في بلاد المُسلمين اليوم يُوجِبُ عليهم أن يقِفُوا بكل حزمٍ وعزمٍ أمام كل ما يُهدِّدُ استِقرارَهم، أو يعتَدِي على مُقدَّساتهم، أو يُسبِّبُ الفُرقةَ بينهم.

وما أحوجَ المُسلمين اليوم إلى التعاضُدِ مع قادَتهم وولاةِ أمرِهم؛ لتجتمِعَ كلمتُهم، ويقِفُوا صفًّا واحدًا أمامَ عدوِّهم، وصدَقَ الله إذ يقولُ: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

ثم اعلَمُوا - معاشر المؤمنين - أن الله أمرَكم بأمرٍ كريمٍ ابتَدَأ فيه بنفسه، فقال - عزَّ مِن قائلٍ -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك اللهم على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وجُودِك ومِنَّتِك يا أرحمَ الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، واحْمِ حوزَةَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً سخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.

اللهم أصلِح أحوالَ إخوانِنا المسلمين في سُوريا، وفي العراق، واليمَن، وفي فلسطين، وأراكان، وفي كلِّ مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرِّج همَّهم، اللهم فرِّج همَّهم، ونفِّس كربَهم، اللهم احقِن دماءَهم، واحفَظ أعراضَهم، واشفِ مرضاهم، وتقبَّل شُهداءَهم.

اللهم عليك بعدوِّك وعدوِّهم يا قويُّ يا عزيز، اللهم شتِّت شملَه، وفرِّ جمعَه، واجعَل دائِرةَ السَّوء عليه بقوَّتِك وجبَرُوتِك يا قويُّ يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألُك بفضلِك ومنَّتِك وجُودِك وكرمِك أن تحفَظَ بلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكرُوه، اللهم احفَظ بلادَ الحرمَين، اللهم احفَظها بحفظِك، واكلأها برعايتِك وعنايتِك يا أرحم الراحمين، اللهم أدِم أمنَها ورخاءَها واستِقرارَها، اللهم زِدها خيرًا ونماءً وبركةً، برحمتِك وفضلِك يا أرحم الراحمين.

اللهم من أرادَ بلادَ الحرمين بسُوءٍ فاجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه يا قويُّ يا عزيزُ، يا ذا الجلالِ والإكرام.

اللهم وفِّق خادمَ الحرمين لما تُحبُّه وترضَاه، واجزِه عن الإسلام والمُسلمين خيرَ الجزاءِ، اللهم اجمَع به كلمةَ المُسلمين يا رب العالمين، اللهم وفِّق جميعَ وُلاةِ أمور المسلمين لما تحبُّه وترضَاه.

اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدودِ بلادِنا، اللهم أيِّدهم بتأيِيدك، واحفَظهم بحفظِك، اللهم سدِّد رميَهم، اللهم سدِّد رميَهم، وثبِّت أقدامَهم، وقوِّ عزائِمَهم، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تدَع لنا ذنبًا إلا غفرتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مُبتلًى إلا عافيتَه، ولا ضالاًّ إلا هديتَه، ولا ميتًا من أمواتِنا إلا رحِمتَه برحمتِك يا أراحم الراحمين.

اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلِمات، والمُؤمنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانطين، اللهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانطين، اللهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، برحمتِك وفضلِك وجُودِك وكرمِك ومنَّتك يا أرحم الراحمين.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.