البحث

عبارات مقترحة:

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

أفضل أيام الدنيا أيام العشر

العربية

المؤلف سعد بن سعيد الحجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الحج
عناصر الخطبة
  1. من فضائل الله علينا .
  2. من فضائل أيام العشر من ذي الحجة .
  3. ما يشرع للمسلم فعله فيها . .

اقتباس

وفضائل الله عظيمة؛ لأنها من عفو يحب العفو، ويثيب عليه، ويرفع درجة أهله، خيره إلينا نازل، وشرنا إليه صاعد، يتحبب إلينا بالنعم، ونتبغض إليه بالمعاصي، يعفو عن السيئات وهو قادر على المؤاخذة عليها، ويفرح بتوبة العبد أشد من فرح العبد بها وهو غني عنه، ويتوب على من تاب، وباب التوبة مفتوح ما لم يغرغر العبد وما لم تطلع الشمس من مغربها، ويبدل سيئات التائبين حسنات

 

 

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، أسبغ النعم، ودفع النقم، وأزال السقم، ولو عددنا نعم الله لم نحصها، إن الإنسان لظلوم كفار.

واعلموا أن فضائل الله علينا عظيمة لأنها من عظيم، والعظيم من العظيم عظيم، يقول تعالى: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الشورى:12]، ويقول تعالى عن المنافقين: (هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) [المنافقون:7].

وفضائل الله عظيمة؛ لأنها من غني، يده سخاء الليل والنهار، أنفق على الخلق من أولهم إلى آخرهم ولم ينقص ذلك مما عنده شيئا، ونفقته ليست للانتفاع بطاعة المطيع ولا التضرر بمعصية العاصي، فإنه الغني ذو الرحمة، يقول تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:55-58]، ويقول الرسول فيما يرويه عن ربه عز وجل: "يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".

وفضائل الله عظيمة؛ لأنها من عليم، يعطي الطائع تكريماً له، ويعطي العاصي استدراجاً له، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7]، ويقول فيما يرويه عن ربه عز وجل: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

وفضائل الله عظيمة؛ لأنها من عفو يحب العفو، ويثيب عليه، ويرفع درجة أهله، خيره إلينا نازل، وشرنا إليه صاعد، يتحبب إلينا بالنعم، ونتبغض إليه بالمعاصي، يعفو عن السيئات وهو قادر على المؤاخذة عليها، ويفرح بتوبة العبد أشد من فرح العبد بها وهو غني عنه، ويتوب على من تاب، وباب التوبة مفتوح ما لم يغرغر العبد وما لم تطلع الشمس من مغربها، ويبدل سيئات التائبين حسنات، ويمهل العبد المذنب ست ساعات لعله أن يتوب، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، يقول الله تعالى: (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان:70]، ويقول: "إن صاحب الشمال ليرفع القلم عن العبد المسلم المخطئ ست ساعات، فإن تاب ألغاها، وإلا كتبها سيئة واحده".

وفضائل الله عظيمة لأنها عميمة، عمت البر والبحر والجو، وعمت جميع الأزمنة، ساعة المؤمن كيوم، ويومه كأسبوع، وأسبوعه كشهر، وشهره كعام، وعامة عمره يجمع الفضائل ليكون يومه خيراً من أمسه، وغده خيراً من يومه، وشبابه حفظاً لهرمه، وصحته حفظاً لمرضه، وغناه حفظاً لفقره، وعمت جميع الأمكنة لتدوم العبادة عملاً بقول الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]، ولتدوم مراقبة الرب عملاً بقول الله تعالى: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:218، 219]، وقوله: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"، وتتضاعف الحسنات أضعافاً كثيرة، يقول الرسول: "الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه"، ويقول: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض".

وفضائل الله علينا لا تعد بعدد ولا تحصى بإحصاء؛ لأنها كثيرة ولأنها دائمة ولأنها ملازمة للعبد، قال تعالى: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34]، ويقول تعالى: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية:12، 13].

ومن فضائل الله علينا أنه ضاعف أجورنا بأسباب، منها شرف الزمان، وجعل من الزمن الفاضل ساعة في جوف الليل، وساعة في الأسبوع يوم الجمعة، وليلة في العام وهي ليلة القدر، ويوما في الأسبوع وهو يوم الجمعة، وشهرا في العام وهو شهر رمضان، وجعل أفضل الزمن على الإطلاق هو أيام عشر ذي الحجة، فهي أيام فاضلة للفضلاء، وأيام عظيمة للعظماء، وأيام صالحة للصالحين، وأيام غنيمة للسابقين، وأيام ربح للمتنافسين، وأيام جد للمجتهدين، وأيام عمل للعاملين، وهي أيام تقبل النية الحسنة من المحسنين، وتقبل القول الطيب من الطيبين، وتقبل العمل الصالح من الصالحين، وتقبل الخلق الحسن من الصادقين.

ولهذه العشر فضائل كثيرة، منها أن الله تعالى أقسم بها في كتابه، والقسم للتعظيم، ولا يقسم الله إلا بعظيم، أقسم بالعظيم من مخلوقاته، فأقسم بالسموات والأرض وبالشمس وبالقمر وبالنجوم وبالرياح، وأقسم بالعظيم من الأمكنة إذ أقسم بمكة فقال: (وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ) [التين:3]، وأقسم بالطور فقال: (وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) [الطور:1، 2]، وأقسم بالعظيم من الأزمنة إذ أقسم بالليل والنهار والفجر والضحى والعصر والعشر ونحوها، يقول تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1، 2]. وتعظيم الله لها يستدعي منا تعظيمها ومعرفة قدرها.

ومن فضائلها أن الله قرنها بأفضل الأوقات لفضلها، قرنها بالفجر الذي هو حفظ للعبد في ليله وحفظ له في نهاره، يقول: "من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله"، ويقول: "من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي". والفجر علامة الإيمان التي يدخل بها المؤمن الجنة، ويحظى بالنظر إلى وجه الله الكريم، ويجتمع بالملائكة، يقول: "من صلى البردين دخل الجنة". وقرنها بالشفع والوتر وهما العددان اللذان تتكون منهما المخلوقات، وقرنها بالليل الذي قدمه الله على النهار في الزمان وفي القرآن، وأودع فيه ساعة للإجابة كل ليلة، وجعل الصلاة فيه صفة المؤمنين أهل الجنة، وأجاب دعاء من دعاه فيه، وهو أقرب الأزمنة للرب تعالى؛ إذ ينزل تعالى إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله فيقول: هل من داع فأجيبه، هل من سائل فأعطيه.

ومن فضائلها: أن الله تعالى أكمل فيها الدين ليكون العمل كاملا والعامل كاملا والحياة كاملة، فيحظى بالحياة الكاملة التي لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ولا فقر، وبكمال الدين تتنصر السنة وتهزم البدعة ويقوى الإيمان ويموت النفاق، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء، لتكون نفسا مطمئنة تعبد الله كما أراد، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على شيطانه الذي ضل ضلالا مبينا، وقد أكمل الله لنا الدين حتى تركنا رسول الله على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال، قال حبر من أحبار اليهود لعمر: آية في كتابكم لو علينا ـ معشر اليهود ـ أنزلت لاتخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا، وهي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) [المائدة:3]، قال عمر: "إني أعلم أين نزلت، نزلت على رسول الله في عرفة".

ومن فضائلها: أن الله أتم فيها النعمة نعمة الإسلام الذي أخرجنا الله به من الضلال، وجعلنا به خير الأنام، وحفظ به الليالي والأيام، وغفر به الذنوب والآثام، وفتح الله به قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما. ومن تمام النعمة أن الله أظهر دين الإسلام على جميع الأديان، ولقد كان في جزيرة العرب اليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنية والنفاق فأبادها الله بالإسلام، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح:28]. ومن تمام النعمة تحريم مكة على الكفار وتطهيرها منهم ومن أوثانهم ورجسهم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) [التوبة:28]، ويقول: "لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان".

ومن فضائلها: أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال واجتماع العبادات فيها؛ لأن فيها التوحيد يظهر في الأقوال والأفعال، وفيها الصلوات الخمس، وفيها الصدقة على من يريد الحج أو الأضحية أو صدقة المحظور، وفيها الصيام لتسع ذي الحجة وصوم عرفة وصوم المحظور، وفيها الحج إلى البيت الحرام الذي هو من أفضل الأعمال، وهو جهاد النساء وجهاد كل ضعيف، وهو الحفظ لصاحبه والموجب لدخول الجنة، وفيها كثرة الذكر والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن فضائلها: أنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق؛ لفضل زمنها وفضل عملها وفضل العامل فيها، فساعاتها فاضلة، وأيامها فاضلة، ولياليها فاضلة، يقول: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر"، ويقول: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام", أي: أيام العشر, قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"، وروي عن الأوزاعي أنه قال: "بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بشهادة"، وكان سعيد بن جبير إذا دخلت العشر يجتهد فيها اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

ومن فضائلها: أن فيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود، قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، وهو أفضل الأيام"، ويقول: "أفضل الأيام يوم عرفة". وهو يوم أفضل الدعاء يقول: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة". وهو يوم إظهار التوحيد يقول: "وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير". وهو اليوم الذي يذكر باجتماع الخلائق في عرصات القيامة، وهو اليوم الذي ما رئي الشيطان أصغر ولا أحقر منه في مثل ذلك اليوم، وهو اليوم الذي يباهي الله بأهله أهل السماء، وصيامه يكفر سنتين: سنه ماضيه وسنة مقبلة، وفضائله كثيرة.

ومن فضائلها: أن فيها يوم النحر، وهو أعظم أيام الدنيا، يقول: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر". وفيه معظم أعمال الحج من الرمي والحلق والهدي والطواف والسعي، وفيه صلاة العيد وذبح الأضحية.

ومن فضائلها: أنها الأيام المعلومات التي قال الله فيها: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:28].

ومن فضائلها: تشبه المضحي فيها بالحاج، فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئا. ومنها اجتماع الصلاة والنسك فيها، وقد جمع الله بينهما في قوله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) [الأنعام:162]، وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2]، وفضائلها كثيرة.

ويشرع للمسلم في هذه الأيام أن يتقرب إلى الله بأنواع القربات ويكثر من الطاعات، ومنها الذكر وهو التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج:28]، وقال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"، وكان أبو هريرة وابن عمر إذا دخلت العشر يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما كل وحده. ويكثر من قراءة القرآن ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى, ويكثر من نوافل الصلوات؛ لأن الزمن فاضل، ولأن الصلاة خير موضوع، ولأن العبد لا يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، ولأن كثرة النوافل من صفات أولياء الله، قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: "وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه"، ويكثر من الصدقة لحاجة الناس إلى النفقة في الحج، والنفقة على الأهل وذي الحاجة للأضحية وفدية المحظورات وترك المأمورات، ويكثر من الصوم، والأفضل أن يصوم أيام تسع ذي الحجة؛ لأن الصيام من العمل الصالح، ولأن النبي كان يصوم تسع ذي الحجة، أما قول عائشة: ما صام العشر قط، فإنه يجاب عنه أن عائشة أخبرت بحاله عندها وهو عندها ليلة من تسع، بالإضافة إلى أنه كان يترك العمل وهو يحبه خشية أن يفرض على الأمة، ويتركه لوجود العذر من سفر أو مرض أو جهاد أو نحوه، أو أن المراد: ما صام الذي لا يجوز صومه كيوم العيد، بالإضافة إلى أنه إذا تعارض حديث مثبت والآخر ناف نقدم الثبت على النافي؛ لأن عنده زيادة علم.

ويحرص المسلم على أداء الحج في أيام العشر وأيام التشريق؛ لأنه ركن من أركان الإسلام، وبره من أفضل الأعمال، وفي الحديث: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، ويقول: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذلك كيوم ولدته أمه".

وينبغي للمسلم إذا أراد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا؛ لحديث أم سلمة قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا". وهذا المنع على القيِّم رب الأسرة، وأما أولاده فإن أمسكوا فحسن حتى يحظوا بالأجر، وإن أخذوا فلا حرج عليهم إن شاء الله.