الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الصيام |
ومما يجب على الصائم أن يجتنبه في أثناء صومه وفي غير صومه: سماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات والتمثيليات، فقد جاء الوعيد الشديد من النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن فعل هذه المساوئ أن لا يكون...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: الصيام ركن من أركان الإسلام، فرضه الله على أمة الإسلام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:183]، وجعله النبي –صلى الله عليه وسلم- أحد أركان الإسلام وفروضه، فقال -صلى الله عليه وسلم- : "بُني الإسلام على خمس، وذكر منها صوم رمضان".
وصوم رمضان واجب على كل مسلم عاقل بالغ صحيح مقيم، وتزيد المرأة بأن تكون طاهرة من الحيض والنفاس.
ويجب صوم رمضان بأحد أمرين؛ إما برؤية الهلال، وإما بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن غُمَّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين".
وتثبت رؤية الهلال بشهادة شاهد عدل، كما ثبت ذلك عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه".
فإذا ثبت دخول رمضان فيجب على المسلمين أن يبيّتوا النية بالصيام قبل طلوع الفجر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يبيّت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له". والنية عمل قلبي لا دخل للسان فيه، فلا يجوز التلفظ بها.
ويبدأ وقت الصيام من طلوع الفجر الثاني (الفجر الصادق) إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة: 187].
ويسن للصائم أن يتسحر؛ لأن فيه بركة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تسحروا؛ فإنّ في السحور بركة"، وفيه مخالفة لأهل الكتاب كما ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر".
وإذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم".
ويستحب تعجيل الفطور؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر".
أيها الإخوة: هناك بعض الأعمال التي تفسد الصيام وتفطر الصائم وتضيع أجره، من وقع في شيء منها في نهار رمضان، فقد فسد صومه.
وهذه المفطرات المفسدات والمبطلات للصوم تنقسم إلى قسمين:
فالقسم الأول ما يبطل الصوم، ويفسده ويوجب القضاء وهي ما يلي:
أولاً: الأكل والشرب عمداً، أما إذا أكل أو شرب ناسياً، فلا يفسد صومه ولا يبطل؛ لقول رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"(متفق عليه).
ثانياً: تعمد القيء، وأما من ذرعه القيء وخرج من بغير إرادته فلا شيء عليه، وصومه صحيح؛ لقول رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ"(صححه ابن حبان).
ثالثاً: الحيض والنفاس؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- "أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ"(رواه البخاري).
رابعاً: الحقن الغذائية التي يُقصد منها التغذية، وتقوم مقام الطعام والشراب، وهي إيصال بعض المواد الغذائية إلى الأمعاء بقصد تغذية بعض المرضى، فهذا يفطر الصائم.
وأما إذا كانت الحقن للعلاج فقط، ولا يُقصد منها التغذية أو لتحليل الدم، فهذه لا تفطر الصائم، ولكن لو أخَّرها إلى ما بعد الغروب لكان أولى وأحوط لعبادته، وأما استعمال البخاخ بالنسبة للمصابين بمرض الربو فإنه لا يفطر.
خامساً: خروج المني بشهوة يقظة بمباشرة أو استمناء أو تلذذ بنظر إلى امرأة فإنه يفطر الصائم.
سادساً: خروج الدم بالحجامة؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، ويلحق به سحب الدم الكثير للتبرع فإنه يفطر الصائم.
وأما القسم الثاني: فهو ما يفسد الصوم ويبطله ويوجب التوبة والقضاء والكفارة فهو الجماع في نهار رمضان فقط، فيحرم فعله أثناء الصيام، ولا يجوز للمرأة أن تمكّنه من ذلك؛ وإن مكّنته برضاها لزمها ما يلزمه من الإثم والقضاء والكفارة.
وكفارته عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت عنه الكفارة، ولا تسقط إلا بالإعسار، والله تعالى أعلم.
أيها المسلمون: ومن لم يقع في مفسد من مفسدات الصيام ربما قادته نفسه إلى أعمال سيئة لا تناسب الصيام، وهي إن لم تفسد صومه قللت أجره، ومن المعلوم أن للصيام دورًا كبيرًا في تصفية النفوس وتزكيتها، والتخلي عن سيئ الأخلاق والأعمال، ومن الأعمال السيئة التي يقع فيها بعض الصائمين:
ومن أشدها إضاعة الصلوات حتى يخرج وقتها، فهذا ذنب عظيم يجب الحذر منه. فكيف يصوم ولا يصلي، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته؛ فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر"(رواه الترمذي وصححه الألباني).
ومنها: قول الزور وعمل الزور، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"، وقد وصف الله عباده بتركهم مجالس الزور حتى في غير رمضان فقال تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[الفرقان: 72].
ومنها: اللغو والرفث؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإذا سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم".
ومنها: سماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات والتمثيليات، فقد جاء الوعيد الشديد من النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن فعل هذه المساوئ أن لا يكون له نصيب من صومه إلا الجوع والعطش فقال عليه الصلاة والسلام: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش"، وقال: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
نسأل الله أن يحفظ صيامنا من الآثام، ويتقبله منا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أيها المسلمون: وهناك أمور أباحها الله للصائم تخفيفًا على الصائمين ورحمة من رب العالمين:
منها: أنه يباح للصائم أن يصبح جنباً فقد ورد عن عائشة وأم سلمة أنهما قالتا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جُنُب من أهله، ثم يغتسل ويصوم.
ومنها: أنه يباح للصائم السواك، سواء كان في أول النهار أو في آخره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، ولم يخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصائم من غيره.
ومنها: المضمضة والاستنشاق، بشرط أن لا يبالغ فيها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً".
ويباح للصائم أيضاً: ذوق الطعام بشرط أن لا يدخل الطعام إلى حلقه؛ لما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل إلى حلقه وهو صائم".
ويباح للصائم التبرد بالماء وهو صائم، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- "يصبّ الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر".
ويباح للصائم الكحل والقَطْرة، ونحوهما مما يدخل في العين، سواء وجد طعمها في حلقه أم لا.
كما يباح للصائم أيضاً تحليل الدم، وضرب الإبر التي لا يُقصد منها التغذية، وإن أخَّرها إلى بعد الغروب فهو أحوط وأفضل.
عباد الله: ينبغي للصائم أن يكثر من الدعاء، فالصوم مظنة إجابة الدعاء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر". وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ" وذكر منهم: "الصّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ".
لذا على المسلم أن يحرص على الدعاء طيلة يومه، وخاصة عند فطره، وأفضل الدعاء المأثور عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"(أبو داود وحسنه الألباني).
كما يحسن بالمسلم أن يفطر الصائمين؛ لما في ذلك من عظيم الأجر؛ لقول رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِه"(رواه الترمذي وصححه الألباني).
نسأل الله أن يتقبل منا الصيام وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المصدر: أحكام الصيام للشيخ منديل بن محمد آل قناعي الفقيه