الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | عاصم محمد الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
شكرا لأفواج القابضات على الجمر.. لا تُخرِج وجهها رغم كونها جميلة، وتستطيع إغراء مجموعة من الشباب بفتنة لباسها وساحر جمالها، وما فعلت ذاك إلا لأنها خافت الله رب العالمين، فما تخاف من غيره بأسًا ولا طلبًا. لا تتخفف من حجابها رغم أن بنات جنسها وصديقاتها يعاتبنها على ذلك، ويصل الأمر لاتهامها بالتشدد والتزمت، ومع ذا فهي قلعة صابرة من الثبات والكرامة. أبلغوها إذا رأيتم حماها أن ربي لن يضيع جزاها.
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدا كثيرا والله أكبر بكرة وأصيلاً، الحمد لله الذي:
سبَّحت له أرض وسبَّح كوننا أبداً | وليس لغيره السبحانُ |
سبحان من لا شيء يحجب علمه | فالسر أجمع عنده إعلانُ |
سبحان من تجري قضاياه على ما | شاء منها غائب وعيانُ |
سبحان من هو لا يزال برزقه | للعالمين به عليه ضمانُ |
سبحان من في ذكره طرق الرضا منه | وفيه الروح والريحان |
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا بن عبدالله عبد الله ورسوله.
اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
جرت عادة الخطب أن تشهر في وجه الكرب، وأن تبحث عن المسيء لتقول له: أسأت وأخطئت المسير، ولم تكن أصبت، فبادر بالمتاب وأصلحِ.
جرت عادة الخطب أن تصرخ في وجه المناكير: انقلي ركابك عنا وارحلي ثم روحي.
نعم فنحن كما لنا أن نقول للمسيء أسأت فإنه يجب أن نقولها لمن أحسن أحسنت، فأتعس الناس ما بين الورى رجلاً يرى الجميل بتبصار القبيحات.
فالله الذي قال (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) هو الذي قال (وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا) [فصلت: 46] والذي بشر الكفار بقوله (مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) هو الذي قال بعدها عن الذين آمنوا (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [يونس:9]، والذي قال "بئس أخو العشيرة"، هو الذي قال "نعم الرجل عبدالله".
موازين الشكر يحسن أن تكون موازية لموازين النصح، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله والشاكرون لربي أفضل الناس.
أبلغوا أصواتنا بالشكر لهؤلاء، فهذا المقام مقام شكر، ولما كنا في زمن القبض على الألم على الجمرة الحمراء يصطلي بلهيبها قلوب، ولولا الله ذوبنا على الجمر.
شكرا لأفواج القابضين، شكرًا لقبض الثابتين الصابرين الصامدين الصالحين، يتضعضع الزمان ويكلح المكان، ولا يزالون يعيشون على الوثيقة الخالدة، اختلفت البيئات أم أقفرت البلدان أم تفرق الصحب القديم بهم.
تصيبك ارتعاشات الفخار وإشعاع النهار، يصيبك الانتشاء تصيبك العزة، تصيبك الغبطة وأنت تسمع عن قصص الذين ثبتوا فلا تلبث إلا أن تُوقِن بعزة هذا الدين عزةً خالدة، وأنه الباقي على مكر العدى.
قد تصيبك حالة من الوهن فترة من الزمن؛ لأنك طينة من الطينات؛ لأنك بشر من البشر يصلاك الكرب، ويغشاك الخطب، وتظن بالله الظنون؛ فإذا تذكرت أن الله منزل هذا الدين وهو الذي تكفَّل بالبقاء له اعتزازًا، فإذا بك انجلت عنك الغمة، وانحلت عنك الكربة، وسكن جأشك وطاب قلبك.
شكرًا لأفواج القابضين، شكرًا لأطواد الثابتين، هناك حالة في هذا المجتمع الذي يعيش على أكناف قدسية ليست لغيره إذا رأيتها أحسست أنها بخير، وأن هذا التشاؤم مكسور في صخرة العزم الأبي، وبربنا باقون فهو الخالق الحق العلي.
شكرا لأفواج القابضين، ثبتوا لما بدَّل الناس، وقبضوا لما أفلت الناس، وتقدموا لما تضعضع الناس قبلوا المساومة إلا في هذا الدين، وماكسوا إلا في اجتراء المواقف، فهم قد اشترى الله منهم.
إذا سمعت الله أكبر رأيتهم يحيون الصفوف الأولى، وإذا قرع أسماعهم منكر سعوا في تغييره بالحسنى، وإذا سمعوا بمظلمة أو نكبة تداعت له سائر أحزانهم، تشتكي أعضاء غيرهم فيحسون وتصاب أعين غيرهم فيدمعون، وتدمى أجساد سواهم فيسلّون.
إذا قلت الوجوه المؤمنة فلا يستوحشون ولا يفجعون، بل يصمدون ويثبتون ويقبضون، لله درهم ودر عصابة كانت كعربين الجبال المعتلي.
قرؤوا (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) [الجن: 16]، فاستقاموا على الطريقة، عرفوا أن بقاء هذا الدين حقيقة، وأي حقيقة فاستمسكوا بالحقيقة؛ رجال كالسنابل في عطاء يُرون وكالشموس منورين، إذا ثبتوا فباسم الله ربي إذا أبصرت زيغ الزائغين مراكبهم على الجوزاء فخرًا يجبون الكواكب شامخين إذا حادت بركبان الركاب رأيت على عراهم قابضين.
روى الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا شداد بن أوس! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة، فاكنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك".
رجال ونساء، شباب وأشبال، إذا انتكس البعض فهم الثابتون، وإذا خارت القلاع فهم الشامخون، وإن تخطفت غيرهم الشهوات، فهم المحاربون تجدهم في حِلَق الذكر وفي دور القرآن، وفي محاضن العلم وساحات المساجد وفي القلاع المؤمنة.
لا أستثني رجلاً ولا امرأة، الرجال في ثغور الخير والنساء على ثغور العز والفخر، أبلغوا أصواتنا بالشكر لهؤلاء تدور عيناك في الناس فإذا بحثت عنهم تلقوك هناك حيث الثغور الصامدة يحفظون أوقاتهم إذا انسكبت أصوات غيرهم في الشوارع وتشع وأصواتهم بالنور إذا بحت حناجرهم بكلام الغرام الآثم، والله لست بالكذاب ولا المرتاب.
بقاء أحدهم يرتل الآي في قرآنه شغفًا إذا انتشى غيره من لحن الموسيقى، وبقاء إحداهن في الدور القرآنية أشهى إليهن من تزويق منحرف في السوق يتلو الغرام الحلو تزويقًا.
هي فتوحات ليست أعطيات فحسب (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [إبراهيم:27]، أي: شعور يستطيع اهتزازك غير أفواج الطالعين بعد صلاة العصر من الشباب والأشبال يلوذون بأقرب مجمع قرآني يحفظون أوقاتهم إذا ساومت الأبالسة أوقات المتسكعين.
أي قشعريرة تتمكن منك وأنت ترى الدور النسائية صباح مساء ملئ بالمؤمنات والنساء المسلمة يحفظن الأوقات ومسالك الثبات، والله يفتتح الرضا في قلبهن، فربنا كريم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أبلغوا أصواتنا بالشكر لهؤلاء (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد: 17]، تعلم علم اليقين وتجزم تمام الجزم أن جملة هائلة من الشباب الصالح والنسوة المهتدية لو أرادوا لبدَّلوا واستبدلوا وأوغلوا وانتقلوا وانتكسوا، ولكنهم لا يزالون مخلصين لهذا العهد الأول، ولا يزالون مستمسكين بالعروة الوثقى.
يرى أحدهم معالم المنتكسين فينشد حيّ على الثبات، فالدين درب المكرمات، والله ناصرنا وناصرها بذي الحياة وذي الممات.
والأخرى لما رأت حفلات الموت البطيء للحجاب بين بنات جنسها فتقول تالية:
ماضون والأهوال تضربنا | ونحن ندافع الأهوال |
ماضون رغم الدرب درب | الجمر يحرقنا ظلما ونكالا |
ماضيات على الحجاب | وربي سابغ بالرضا قلوب الهداة |
ماضون بثباتنا في زمن الانقلاب، وفي زمن انصداع الآداب، وفي زمن حشرجة الألباب والتواء كلمة الحق وغربة دين الله.
ماضون وهم يتلون: "يا عباد الله فاثبتوا، يا عباد الله فاثبتوا".
أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: شكرا لأفواج القابضات على الجمر.. لا تُخرِج وجهها رغم كونها جميلة، وتستطيع إغراء مجموعة من الشباب بفتنة لباسها وساحر جمالها، وما فعلت ذاك إلا لأنها خافت الله رب العالمين، فما تخاف من غيره بأسًا ولا طلبًا.
لا تتخفف من حجابها رغم أن بنات جنسها وصديقاتها يعاتبنها على ذلك، ويصل الأمر لاتهامها بالتشدد والتزمت، ومع ذا فهي قلعة صابرة من الثبات والكرامة.
أبلغوها إذا رأيتم حماها أن ربي لن يضيع جزاها.
لا تخرج إلى السوق لغير حاجة رغم أنها قادرة على الذهاب مع السائق كل يوم، وتستطيع بأدنى مجهود تنفيذ كمائن الشهوة لأيّ شاب يعترضها في الطريق، ولكنها مع ذاك خافت الله رب العالمين فما تخاف من غيره بأسًا ولا طلبًا.
تسمع النداءات المنحرفة تتلقاها عاطفيًّا، وتطالبها وجدانيًّا بالتحرر من هويتها، ولكنها مع ذاك كانت تقول لهم: أنا حرة بالله أو أمة له، مال العبيد بشأن نفسي.
تسمع من يقول لها: كوني حرة، وانتفضي من هذه الأغلال، لكنها كانت تقول لهم: حريتي ديني، وما حرية خرجت عليه فإنها تعبيد لا أبتغي عبث اللصوص لكلمة معسولة يتلو بها عربيد.
لا تسمع لحديث المنحرفين في قنوات التواصل والشاشات، رغم أنها تتلقى عشرات الدعوات من الإيحاءات اليومية تدعوها يوميًّا للخروج على شريعة ربها.
ترى في مواقع اسناب وتواصل وتطبيقات التواصل نساء يتحللن من حجابهن ثم ينلن الشهرة بأسرع طريق بمجرد خلع الخمار عن الوجه، ولكنها كانت تحتقر تلك الموضة التي بدأت بالرواج ولسان حالها يقول: وماذا ينفع الناس اشتهار إذا كانت أواخره ندامة؟!
صامدات ملايين من نساء وطني يقدرن بأسهل حيلة الانفلات من المكرمات، ولكنهن غير طايعات، بل قانتات تائبات عابدات سائحات ثابتات.
نعم لا تجعل معنى دور الأم والأب والذكر والأنثى رغم أن النداءات المنحرفة تتكرر عليها يوميًّا بشعارات المساواة بين الرجل وبين المرأة.
تسمع بدعوات إسقاط الولاية والحسابات المجهولة التي لقيت صدًى في بعض الأوساط لكنها امرأة بلغت من الوعي مبلغًا يكفيها لفرز خبث النداء من خناجر الأعداء، ولأنها تعلم أن الولاية والقوامة تكليف للرجل وتشريف للأنثى، وأمر رباني يقتضي صيانتها لا التسلط عليها، وأن أيّ تطبيق خاطئ فالذنب ليس في النظام الرباني، وإنما في التطبيق الإنساني.
لا تترك الدُور القرآنية فهي ابنة حلقات الذكر، وصاحبة التلاوات الخضر، رغم أن كثيرًا من أخواتها قد انسحبن من تلك المحاضر مللاً أو كسلاً.
شكرًا لكل امرأة تسبح في هذا العصر ضد تيار الزمن، فهي تصبر على دهرٍ يؤزها ويؤز بناتها نحو الشياطين.
شكرًا لكل أخت عرفت أن هذا الطريق صعب، ولكنه آمِن النهايات.
شكرًا لكل أم احترقت من أجل بناتها خائفة عليهن من الانسلاخ في زمن الصراخ على القيم، شكرًا لكل أم ما بدلت ولا تحولت ولا استنكفت.
أبلغوا أصواتنا بالشكر لتلك العظيمات، شكرًا لكل فتاة عظيمة تسمع العواء، لكنها لا ترد عليه؛ لأن الكلب أحقر من جواد، وما أمات الكلب شيء كالسكوت.
شكرًا لهذا الزمن الذي أرانا صورة تطبيقية هائلة لمعنى القبض على الجمر، أتعجبون.. الشهوات والشبهات، والنعرات والإلحاد، والإفساد والإجهاد، ومع ذا فإني أرى شبابًا ساطعًا يخرج من بين البيوت يحكي عن قصص عظيمة في الثبات مروية في السماوات.
شكرا لكل أم ما كان لها أن تقر في بيتها لولا أنها عرفت أنها عبادة من العبادات وأنها العبادة المنسية في هذه الأعصار القرار في الديار رغم تتابع الإعصار وانكشاف قناع الفجار.
شكرًا لكل شاب عرفته حلقات التحفيظ فعرفته عصرًا ثم زفته إلى بيته مساءً لم يروح روحاته من أجل أبيه، ولا من خوف أمه وإنما راح طيعًا وجاء طيعًا.
شكرًا لكل شاب مستقيم تنازل أصدقاؤه عن بعض مظاهر الاستقامة، فبقي مشتريًا رضا خالقهم.
شكرًا لكل شاب مقصِّر على نفسه بالمعاصي، ويعلم أن له ربًّا رحيمًا لكنه إذا انتهكت محارم الله تأسد كالآساد في زأرة الهدى إذا ماج في عصر التهافت غربانُ.
شكرًا لكل معلم حلقة راعته الصروف، وأنهكته الظروف يعلم أن بقاءه في مسجده هو الخير الباقي، والإغراءات المادية تناديه فلا هشّ ولا نشَّ ولا بشَّ، وإنما انتفش لهذه السكنات المنبعثة من أرجاء هذه المساجد.
شكرًا لكل معلم مدرسة يذكر بالخير لطلابه، لكل معلمة يبني أصحاب الفتن خيوطًا في أذهان الطالبات فتفككها، برفق ولين يبنون سنوات ثم تهدمه عليهم ببضع كلمات.
لن يضيع الله إيمانكم، والله لن يضيع الله إيمانكم ثقةً بموعود الله وظنًّا بكرم الله، الثبات على دين الله ولزوم الصراط المستقيم أعظم أوسمة الدنيا كلها.
بل هو عنوان الملة الإلهية (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17].
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- في الحديث القدسي أن الله –عز وجل- يقول: "يا عبادي كلكم ضالّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم"، وكان أبو إدريس الخولاني -رحمه الله تعالى- وهو الذي روى هذا الحديث إذا حدَّث به جثا على ركبتيه، نعم كلنا ذاك الضال إلا من هدى الله، وكلنا الزائغ إلا من استهدى بالله فاستهدوا بالله وحده.
يحدث ابن سرين -رحمه الله تعالى- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول في آخر عمره: "اللهم إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل بكبيرة في الإسلام"، فقال له بعض أصحابه: يا أبا هريرة! ومثلك يقول هذا ويخافه وقد بلغت من السن ما بلغت؟! فلِمَ تخشى على نفسك الزنا والكبيرة وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبي -صلى الله عليه وسلم- وبايعته وأخذت عنه. فقال أبو هريرة: "ويحكم وما يؤمنني وإبليس حي؟! وما يؤمنني وإبليس حي؟!".
تذكروا هذا الأمر العظيم تطير له ألباب العقلاء وتنفطر منه قلوب الأتقياء وتتصدع له أكباد الأولياء، كيف لا والخاتمة مغيبة، والعاقبة مستورة، والله غالب على أمره والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".
ويقول كما رواه أحمد والطبراني: "لقلب ابن آدم أشد انقلابًا من القدر إذا اجتمعت غليانًا".
اللهم ثباتًا وإخباتًا، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، اللهم ارزقنا التمسك بكتابك وبسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.