البحث

عبارات مقترحة:

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

أيام معلومات وليال عشر

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الحج رحلة مصغرة لحياة الإنسان .
  2. رحلة الحج تذكر بالسير إلى الله .
  3. المصابرة على فعل الطاعة .
  4. سرعة انقضاء الدنيا .
  5. فضل العمل في عشر ذي الحجة .

اقتباس

في هَذِهِ العَشرِ المُبَارَكَةِ عِبَادَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَقُرُبَاتٌ جَلِيلَةٌ، لا تَجتَمِعُ في غَيرِهَا مِن أَيَّامِ العَامِ، فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ، وَمُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ وَالآثَامِ، وَسَبَبٌ لِلغِنَى في الدُّنيَا وَدُخُولِ الجَنَّةِ في الآخِرَةِ...

 

 

 

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: بَعدَ يَومٍ أَو يَومَينِ، تَمُرُّ بِالمُسلِمِينَ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا عَشرٌ اختَارَهَا الخَالِقُ سُبحَانَهُ فَجَعَلَهَا أَكثَرَ أَيَّامِ العَامِ بَرَكَةً وَأَعظَمَهَا فَضلاً، وَقَدَّرَ أَن تَكُونَ الحَسَنَاتُ فِيهَا مُضَاعَفَةً وَالقُرُبَاتُ فَاضِلَةً، أَقسَمَ بها العَظِيمُ تَعظِيمًا لَهَا فَقَالَ: (وَالفَجرِ * وَلَيَالٍ عَشرٍ) [الفجر: 1، 2].

وَفِيهَا أَكمَلَ تَعَالى الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَى عِبَادِهِ النِّعمَةَ، عَن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ: لَو عَلَينَا أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا) [المائدة: 3] لاتَّخَذنَا ذَلِكَ اليَومَ عِيدًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: "إِني أَعلَمُ أَيَّ يَومٍ أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ، أُنزِلَت يَومَ عَرَفَةَ في يَومِ الجُمُعَةِ". رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

في هَذِهِ العَشرِ المُبَارَكَةِ عِبَادَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَقُرُبَاتٌ جَلِيلَةٌ، لا تَجتَمِعُ في غَيرِهَا مِن أَيَّامِ العَامِ، فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ، وَمُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ وَالآثَامِ، وَسَبَبٌ لِلغِنَى في الدُّنيَا وَدُخُولِ الجَنَّةِ في الآخِرَةِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجُّ البَيتِ، وَصَومُ رَمَضَانَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَعَن أَبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ العَمَلِ أَفضَلُ؟! قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟! قَالَ: "الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟! قَالَ: "حَجٌّ مَبرُورٌ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَن حَجَّ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ مِن ذُنُوبِهِ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "العُمرَةُ إِلى العُمرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا، وَالحَجُّ المَبرُورُ لَيسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "تَابِعُوا بَينَ الحَجِّ وَالعُمرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنفِيَانِ الفَقرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيسَ لِلحَجَّةِ المَبرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ". رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ عَشرَ ذِي الحِجَّةِ سُوقٌ لِلمُتَاجَرَةِ مَعَ اللهِ، وَمَوسِمٌ لِلرِّبحِ الأُخرَوِيِّ، إِنَّهَا مَيدَانٌ لِلمُسَابَقَةِ إِلى الخَيرَاتِ وَالإِكثَارِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، لَحَظَاتُهَا أَنفَسُ اللَّحَظَاتِ، وَسَاعَاتُهَا أَغلَى السَّاعَاتِ، وَأَيَّامُهَا هِيَ أَفضَلُ الأَيَّامِ وَأَحَبُّهَا إِلى اللهِ تَعَالى، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِن أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِن هَذِهِ الأَيَّامِ". يَعني أَيَّامَ العَشرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: وَلا الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ؟! قَالَ: "وَلا الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ فَلَم يَرجِعْ مِن ذَلِكَ بِشَيءٍ". رَوَاهُ أَحمدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وَكَيفَ لا تَكُونُ أَيَّامُ العَشرِ كَذَلِكَ وَفِيهَا يَومُ عَرَفَةَ، يَومُ العِتقِ مِنَ النَّارِ وَيَومُ خَيرِ الدُّعَاءِ، اليَومُ الَّذِي يُبَاهِي فِيهِ اللهُ مَلائِكَةَ السَّمَاءِ بِعِبَادِهِ في الأَرضِ، رَوَى مُسلِمٌ وَغَيرُهُ أَنَّهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- قَالَ: "مَا مِن يَومٍ أَكثَرَ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا أَو أَمَةً مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ فَيَقُولُ: مَاذَا أَرَادَ هَؤُلاءِ؟!". وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ، وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ". رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

ورَوَى أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الحَجُّ عَرَفَةُ".

في هَذَا اليَومِ يَقِفُ الحُجَّاجُ بِصِعَيدِ عَرَفَاتٍ، ضَاحِينَ مُلَبِّينَ عَلَى رَبِّهِم مُقبِلِينَ، وَيَصُومُهُ مَن لم يَحُجَّ مِن المُسلِمِينَ تَطَوُّعًا وَالتِمَاسًا لِعَظِيمِ الأَجرِ، في صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعدَهُ".

وَكَيفَ لا تَكُونُ العَشرُ فَاضِلَةً وَخِتَامُها يَومُ النَّحرِ، أَفضَلُ الأَيَّامِ وَأَعظَمُهَا عِندَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- صَحَّ عِندَ الإِمَامِ أَحمَدَ وَغَيرِهِ أَنَّهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- قَالَ: "أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ".

إِنَّهُ يَومُ الحَجِّ الأَكبَرِ، وَفِيهِ يَقَعُ مُعظَمُ أَعمَالِ الحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ، مِن رَميِ جَمرَةِ العَقَبَةِ وَالحَلقِ وَذَبحِ الهَديِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعيِ، وَفِيهِ يَجتَمِعُ المُسلِمُونَ لِصَلاةِ العِيدِ ثم يَذبَحُونَ ضَحَايَاهُم.

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ في تَفسِيرِهِ: "وَبِالجُملَةِ، فَهَذَا العَشرُ قَد قِيلَ: إِنَّهُ أَفضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الحَدِيثُ، فَفَضلُهُ كَثِيرٌ عَلَى عَشرِ رَمَضَانَ الأَخِيرِ؛ لأَنَّ هَذَا يُشرَعُ فِيهِ مَا يُشرَعُ في ذَلِكَ، مِن صِيَامٍ وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيرِهِ، وَيَمتَازُ هَذَا بِاختِصَاصِهِ بِأَدَاءِ فَرضِ الحَجِّ فِيهِ. وَقِيلَ: ذَاكَ أَفضَلُ لاشتِمَالِهِ عَلَى لَيلَةِ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ. وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَيَّامُ هَذَا أَفضَلُ، وَلَيَالي ذَاكَ أَفضَلُ. وَبِهَذَا يَجتَمِعُ شَملُ الأَدِلَّةِ". وَاللهُ أَعلَمُ".

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ فَضَائِلَ العَشرِ كَثِيرَةٌ وَقَدرَهَا جَلِيلٌ، وَيَكفِيهَا أَنَّهَا أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا عِندَ اللهِ، فَهَل نَحنُ عَلَى استِعدَادٍ لاستِقبَالِ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ؟! هَل قُلُوبُنَا مُتَهَيِّئَةٌ لِدُخُولِ أَفضَلِ أَيَّامِ حَيَاتِنَا؟! أَينَ الَّذِينَ يَسعَونَ إِلى مَا يُحِبُّهُ اللهُ فَلْيَجِدُّوا؟! أَينَ العَامِلُونَ المُخلِصُونَ فَلْيُعِدُّوا؟! أَينَ الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا فَلْيُشَمِّرُوا؟! أَينَ المُنفِقُونَ والمُتَصَدِّقُونَ فَلْيُكثِرُوا؟! أَينَ مَن يَقضُونَ الحَاجَاتِ وَيُفَرِّجُونَ الكُرُبَاتِ فَلْيَبذُلُوا؟! أَينَ السَّاعُونَ لِلدَّعوَةِ وَنَشرِ الخَيرِ فَلْيَنشَطُوا؟!

كَانَ ابنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- يَخرُجَانِ إِلى السُّوقِ في أَيَّامِ العَشرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكبِيرِهِمَا، وَكَانَ سَعِيدُ بنُ جُبَيرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ العَشرِ اجتَهَدَ اجتِهَادًا شَدِيدًا حَتى مَا يَكَادُ يَقدِرُ عَلَيهِ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَاعمَلُوا صَالِحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ، أَكثِرُوا مِنَ التَّكبِيرِ وَالتَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ، وَاقرَؤُوا القُرآنَ فَإِنَّهُ أَفضَلُ الذِّكرِ، وَتَزَوَّدُوا مِن نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ بَعدَ الفَرَائِضِ وَوَاظِبُوا عَلَيهَا، وَخُذُوا حَظَّكُم مِن قِيَامِ اللَّيلِ وَصَلاةِ الضُّحَى وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَاتِ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الإِكثَارَ مِنَ النَّوَافِلِ بَعدَ استِكمَالِ الفَرَائِضِ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ، في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ، قَالَ اللهُ تَعَالى: "وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرَضتُهُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها، وَإِن سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَإِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ".

إِنَّهَا لَخَسَارَةٌ مَا بَعدَهَا خَسَارَةٌ، أَن تَمُرَّ هَذِهِ العَشرُ وَالعَبدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ مِن سَابِقِ حَالٍ قَد لا تُرضِي اللهَ، وَأَيُّ إِعرَاضٍ أَشَدُّ مِن أَن يُحِبَّ اللهُ مِنكَ العَمَلَ الصَّالِحَ ثُمَّ لا تَعمَلَهُ، بَل تَترُكُهُ تَهَاوُنًا وَتَكَاسُلاً، أَو تَظَلُّ عَلَى مَا أَنتَ عَلَيهِ مِن أَخطَاءٍ وَمُنكَرَاتٍ، وَتُصِرُّ عَلَى مَا أَوقَعَكَ فِيهِ عَدُوُّكَ مِن كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ؟!

أَينَ أَنتُم يَا مَن تَمُرُّ عَلَيكُم الأَيَّامُ لا تُؤَدُّونَ صَلاةَ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ؟! هَل أَنتُم عَازِمُونَ عَلَى التَّوبَةِ مِن هَذَا المُنكَرِ في هَذِهِ العَشرِ؟! أَينَ أَنتُم أَيُّهَا القَاطِعُونَ لأَرحَامِكُم؟! هَل سَتُرَاجِعُونَ أَنفُسَكُم فَتُسَامِحُوا مَن هَجَرتُم طَاعَةً لِرَبِّكُم؟! يَا مَنِ امتَلأت بُيُوتُكُم بِأَجهِزَةِ اللَّهوِ وَسَيِّئِ القَنَوَاتِ: هَل سَتُخرِجُونَ هَذِهِ المُفسِدَاتِ مِن بُيُوتِكُم وَتُطَهِّرُوا مِنهَا مَنَازِلَكُم؟! يَا أَكَلَةَ الرِّبَا، يَا مَن بَخَستُمُ العُمَّالَ وَجَحَدتُم حُقُوقَ الأُجَرَاءِ، وَتَعَدَّيتُم عَلَى النَّاسِ في أَموَالِهِم أَو أَعرَاضِهِم: هَل لَكُم في الرُّجُوعِ إِلى رُشدِكُم وَالانتِهَاءِ عَن غَيِّكُم؟! هَل لَكُم في إِصلاحِ قُلُوبِكُم لَتُرفَعَ أَعمَالُكُم وَتُقبَلَ قُرُبَاتُكُم؟!

في الصَّحِيحَينِ وَغَيرِهِمَا أَنَّهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- قَالَ: "أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلبُ".

أَلا فَأَصلِحُوا القُلُوبَ تُقبَلِ الأَعمَالُ، وَعَمِّرُوا البَوَاطِنَ بِالتَّقوَى تَصلُحِ الظَّوَاهِرُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلا أَمَانِيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيرًا * وَمَن أَحسَنُ دِينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً) [النساء: 123- 125].

 

 

  

الخطبة الثانية:

 

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم؛ فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى.

وَاعلَمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَن دَخَلَت عَلَيهِ العَشرُ وَهُوَ يُرِيدُ أَن يُضَحِّيَ أَن لا يَأخُذَ مِن شَعرِهِ وَلا بَشَرَتِهِ شَيئًا؛ فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا رَأَيتُم هِلالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَن يُضَحِّيَ فَلْيُمسِكْ عَن شَعرِهِ وَأَظفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ". وَفي رِوَايَةٍ: "فَلا يَمَسَّ مِن شَعَرِهِ وَبَشَّرتِهِ شَيئًا".

وَهَذَا الحُكمُ خَاصٌّ بِمَن يُضَحِّي، أَمَّا مَن يُضَحَّى عَنهُ مِن أَهلِ البَيتِ فَلا يَلزَمُهُم ذَلِكَ.

وَمَن لم يَعزِمْ عَلَى الأُضحِيَةِ إِلاَّ في أَثنَاءِ العَشرِ وَقَد أَخَذَ شَيئًا مِن ذَلِكَ مِن قَبلُ فَلا بَأسَ أَن يُضَحِّيَ وَأُضحِيَتُهُ تَامَّةٌ إِن شَاءَ اللهُ؛ لأَنَّ الأَخذَ مِن ذَلِكَ لا يَنقُصُ الأُضحِيَةَ وَلا يَمنَعُ مِنهَا بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الأَحوَالِ.