البحث

عبارات مقترحة:

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

التنبيهات في تعظيم المحرمات

العربية

المؤلف خالد بن علي أبا الخيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. وجوب تعظيم حدود الله وحكمه وشرعه .
  2. تعظيم المحرمات والزواجر المنهية .
  3. ذم التعدي على حدود الله وحرماته .
  4. خطورة التأويل الفاسد للنصوص وتحريفها .
  5. مفاسد التساهل في محقرات الأعمال وصغائرها. .

اقتباس

ولذا تجد مَن يترخص في صلاة الجماعة؛ فيُصليها في البيت ويسمع الموسيقى والغناء، ويتعامل في بعض مسائل الربا، ويأخذ ما زاد على قبضة من اللحى ويُسبل لغير الفخر والخُيلاء وهكذا في سلسلة جميع المسائل مختلفٌ فيها؛ ليترخص في الأخذ منها والأخذ بها مع أن النصوص الصريحة تُخالفها، ولكنه يترخص ويُتبع نفسه هواها وشهوته مرادها. وكذا الغلو الذي يتجاوز بصاحبه حدود الله ويتنطع في حرمات الله؛ فيتنطع في مسائل الغلو ويتشدد ويجفو؛ حتى يؤول به إلى التكفير والتبديع والتفسيق...

الخطبة الأولى:

الحمد لله القائل: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام:91]، أحمده سبحانه على فضله وكرمه ومنّه، وأشهد أن لا إله إلا الله حرّم الحرام، وحذر من فعله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أعظم مَن عظّم ربه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وخُص منهم الأئمة الأربعة وبقية العشرة وسائر مَن كان لهم مُتأسيًا وقدوة.

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا ربكم تفوزوا وتفلحوا وعظموا الحرمات تسعدوا وتنجحوا واتبعوا رسولكم تَصلحوا وتُصلحوا، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل هذه اللحظات في ميزان الحسنات، وأن يرفع لنا الدرجات، ويُكفّر عنَّا السيئات وأن يغفر للآباء والأمهات والإخوة والأخوات وسائر القرابات والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.

عباد الله يقول الله جل في علاه: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام:91]، وقال المولى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13]، ومن أعظم تعظيم العظيم: تعظيم حدوده وحكمه وشرعه تركًا واجتنابًا تأدبًا وابتعادًا، وكلما عَظِمَ تعظيم الله عَظِمَ تعظيم شرعه وترك حرماته والبعد عن منهياته، ولما انفتحت الدنيا وكثرت المُلهيات واستغرق كثيرٌ من الناس في المُباحات وعانقوا الشبهات عند ذلك سهل الوصول إلى المُحرمات.

ومن علامات تقوى القلوب وصلاح العيوب:  تقوى علام الغيوب (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

ومن علامات الخيرية: تعظيم المحرمات والزواجر المنهية، قال رب البرية: (حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج:30].

أيها المسلمون إن الله حدَّ حدودًا يجب الوقوف معها وتعظيمها (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا) [البقرة:229] بل نهى عن قربانها مما هو أعلى من عملها فقال -جل وعلا- فيها: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا) [البقرة:187]، والنهي عن القرب أعم وأشمل فالمعنى: كل ما يُقرب إلى الحرام ويهون الحرام يجب البعد والاجتناب كما قال سبحانه في الزنا: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى) [الإسراء: 32].

فكل وسيلة تُقرب للزنا وتوصل إليه جاء النهي عنه؛ كالنظر عن المُحرّم، والخلوة بالمرأة الأجنبية كالخادمة ونحوها، والسائق مع المرأة بدون مَحرم، وتحريم السفر بدون مَحرم، والاختلاط المُحرّم بين الرجال والنساء، وخضوع المرأة بالقول أو الفعل وكشف الحجاب والتبرج والسفور والطيب أمام الرجال كل ذلك من حماية الشريعة للمرأة وصيانتها.

ومثله قوله: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:34]، البعد عن ما يُسبب إتلافه وضياعه؛ لأن النظر فيه لمصلحة المال لا لمصلحة الناظر عليه والولي، فيجب حفظه من ذهابه وإهماله فتجد مَن يتساهل في أموال اليتامى والمجانين والمعتوهين والقاصرين، فيقترضه ويُساهم فيه ويضعه في غير موضعه ضياعًا وإهمالاً في غير مصلحته وحفظه.

وتعظيم ما عظمه الله؛ دليلٌ على تعظيم الله ومحبته -جل في علاه- قال سبحانه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة:36].

وأثنى الله على مَن حفظ حدوده ولازم شرعه وعظم أمره فقال -سبحانه وبحمده-: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ)، ثم قال سبحانه: (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة:112].

إن التعدي على حدود الله وحرماته وانتهاك زواجره ومنهياته من ظلم العبد لنفسه، قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق:1]، ومَن تعدَّ حدود الله فقد عرّض نفسه لعقوبة الله قال جل في علاه: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء:14].

وجاء السياج المنيع في الحفاظ على حقوق الأسرة؛ لأنه يغلب التساهل في حقوق الزوجين والتهاون في الحقين فلما ذكر سبحانه حكم الطلاق (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق:1].

وتعظيم المحرمات -أيها الإخوة والأخوات- اجتناب المرء ما أمر الله باجتنابه، والاجتناب قدرُ زائد على الترك والبعد فهو كالحماية عن الحرام بالمنع عن كل ما يوصل إلى ذلك، ولهذا قال سبحانه: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:30]، وقال سبحانه: (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36]، وقال سبحانه: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) [المائدة:90].

فالاجتناب؛ البعد عن الوسائل الموصلة إليه وعن قربانه، وتعظيم الأمر والنهي لا يُعارضا بترخصٍ جازم ولا يُعارضا بتشددٍ غانم لا إفراط ولا تفريط، وهذين مما يُنافي تعظيم الأمر والنهي؛ الترخص الذي يمنع صاحبه عن كمال الامتثال.

ولذا تجد مَن يترخص في صلاة الجماعة؛ فيُصليها في البيت ويسمع الموسيقى والغناء، ويتعامل في بعض مسائل الربا، ويأخذ ما زاد على قبضة من اللحى ويُسبل لغير الفخر والخُيلاء وهكذا في سلسلة جميع المسائل مختلفٌ فيها؛ ليترخص في الأخذ منها والأخذ بها مع أن النصوص الصريحة تُخالفها، ولكنه يترخص ويُتبع نفسه هواها وشهوته مرادها.

وكذا الغلو الذي يتجاوز بصاحبه حدود الله ويتنطع في حرمات الله؛ فيتنطع في مسائل الغلو ويتشدد ويجفو؛ حتى يؤول به إلى التكفير والتبديع والتفسيق، والابتداع في دين الله ما ليس منه فيتعبد لله بعباداتٍ ما أنزل الله بها من سلطان، فالأول تفريط والثاني إفراط.

ولا تغلو في شيءٍ من الأمر واقتصد

كلا طرفي قصد الأمور ذميم

عليك بأوساط الأمور فإنها

نجاةٌ ولا تركب ذليلا ولا صعبًا

ومما يُسهل المحرمات هذه الأجهزة والتواصلات؛ كتويتر والواتس والسناب شات؛ فيقع بصره على ما حرم الله ويسمع مقاطع محرمة ويفتح روابط أثمة بدون قصدٍ واختيار ليقرأ، أو يسمع ويعلم ما أُرسل إليه، فيستمرئ الحرام ويتساهل في الآثام بحُجة أنه ليس عليه إثمٌ ولا ملام.

وإذا كثر الإمساس قلّ الإحساس؛ فهذه التواصلات سهلت المحرمات من النظر والسماع والأخذ والإعطاء، فخذوا حِذركم عباد الله من التساهل في المحرمات نظرًا وسماعًا، وعلموا أزواجكم وأولادكم مراقبة الله سرًا وإعلانا، بالأمس الإنسان يخاف ويوجل، ولما كثر النظر في الأجهزة نقص عن الأكمل.

ومما يُسهل المحرمات: ألا يُحمل النهي على علةٍ توهن الانقياد والإذعان والاستسلام؛ فيتعلل بعللٍ واهية أوهى من بيت العنكبوت.

ومما يوهن ويؤدي إلى عدم تعظيم الحرام التأويل الفاسد للنصوص وتحريفها على ما يُحب ويشتهي؛ فيُقدم عقله على النص ويُقدم منصبه ودنياه على ما تشتهيه النفس، وهو يعلم في قرارة نفسه أنه حرام فالإثم ما حاك في نفسك وتردد في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس، ومحرمات الله لها حمايةٌ فمَن وقع في الشبهات والتأويلات يوشك أن يقع في المحرمات "كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وأن لكل ملِكٍ حمى ألا وإن حمى الله محارمه"، فالحذر من التساهل في المحرمات، وتتبع المسائل الشاذة والفتاوى الزائفة فإنما هذا دين مَن قام به وحافظ عليه حفظه الله وتولاه ومَن تهاون به وتساهل فيه ضيعه الله وأشقاه.

ومما يُسهل الحرام: فضول النظر والسماع والخلطة والكلام، وكذا حب الدنيا وإثارها على ما يبقى في الدار الأخرى.

ومما يُسهل الحرام: نسيان الموت وعدم ذكره والاستعداد له فهو أبلغ زاجر وأعظم رادع، وقلة الخوف من الله وضعف مراقبة الله ونسيان الله من أسباب اقتحام محرمات الله.

وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ

والنفس داعيةٌ إلى الطغيانِ

فاستحي من نظر الإله وقل لها

إن الذي خلق الظلام يراني

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.

ومن التساهل في الحرام: التساهل في محقرات الأعمال وصغائرها، ولهذا قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إياكم ومحقرات الأعمال؛ فإن لها من الله طالبا"، فاستحقار المعصية تورث الوقوع والممارسة بحُجة هذه صغيرة ولا تصل إلى حد الكبيرة، وأن الله غفورٌ ذو رحمة وعفوه أوسع من عقوبته، وفي هذا يقول بلال بن سعد -رحمه الله-: لا تنظر إلى صِغر الخطيئة، ولكن انظر إلى مَن عصيت.

وتأملوا إخوتي في الله قول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله.

فاحذروا محقرات الأعمال لاسيما في هذه التواصلات والجوال؛ فقد يُحرم العبد رزقًا ساقه الله إليه بذنبٍ فعله، فقد صح في صحيح السُنة عند أحمد في مسنده إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه، واسمع إلى آثارٍ سلفية، وأقوالٌ ذكية ممَن عظم الله وقدره حق قدره في جوارحه وقلبه علها تكون مُنبهةٌ وزاجرة وللخير باعثةٌ وداعية.

قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، ولا ما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، قلة حياءك ممَن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانعٌ بك أعظم من الذنب وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فات أعظم من الذنب وخوفك من الريح إذا حركت سِتر بابك وأنت على الذنب لا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عملته" (رواه أبو نُعيم في الحِلية).

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن المؤمن يرى ذنوبه وأنه قاعدٌ تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ على أنفه فقال به وأشار بيده هكذا". (رواه البخاري).

وقال -رضي الله عنه-على قوله سبحانه: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25]، لو أن رجلًا أراد بإلحادٍ فيه بظلمٍ وهو بعدنٍ؛ لأذاقه الله من العذاب الأليم.

ولما نظر ابن عمر -رضي الله عنهما- إلى الكعبة قال: ما أعظمكِ وأعظم حرمتكِ والمؤمنون عند الله أعظم حرمةً منكِ. وقال: من ورطات الأمور التي لا مخرج لمَن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حِلّه.

وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: لو رأيت الظباء ترتع في المدينة ما دعرتها؛ أي: ما أفزعتها. رواه مسلم.

وفي البخاري عن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- قال: "كنت قائمًا في المسجد فحصبني رجلٌ فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين. فجئته بهما فقال: مَن أنتما؟ ومن أين أنتما؟ قال: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!".

وقال أنس -رضي الله عنه-: "إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الموبقات" (رواه البخاري).

ويقول أبو بكر -رضي الله عنه- فيما رواه عنه الشيخان: "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعمل به إلا عملت به إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ".

هكذا سلفنا الصالح على أوامر الله يُحافظون وعن مناهيه ينزجرون ويبتعدون وهذا باعثٌ عن قوة الإيمان بالله وكمال حبه وخوفه ورجائه مع كمال الإذعان والاستسلام وتمام العبودية للقدوس السلام، فعظموا شرعكم وامتثلوا أمر ربكم واجتنبوا ما نهاكم عنه ربكم تدخلوا جنة ربكم.