البحث

عبارات مقترحة:

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

رمضان شهر الانتصار على العوائق

العربية

المؤلف الرهواني محمد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. غزوة بدر في العشر الأواسط من رمضان .
  2. بعض عوائق النصر ومثبطاته وكيفية التغلب على ذلك .

اقتباس

سفينة النجاة التي توصل الإنسان إلى شاطئ الأمان: أن يَضبط نفسه وِفق ما شَرع الله، وأن يقودَها لا أن يجعلَ نفسَه تقودُه. والناس قسمان: قسم ظفرت به نفسُه فملكته وأهلكته فصار مطيعا لها. وقسم ظفر بنفسه فقهرها حتى صارت مطيعةً منقادةً له، وقد...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.

معاشر الصائمين والصائمات: مضت العشر الأولى من هذا الشهر الكريم، وها نحن نعيش أواخر العشر الثانية، عشرٌ تحمل بين طياتها نسائم ذكرى عظيمة ألا هي: ذكرى غزوة بدر، تلك الغزوة التي تُعَدَّ مفخرةً مُشرقة في تاريخنا، ومجدا رائعا من أمجادنا، وستظل محطة فياضة بالعبر والعظات، يتوارثها الأجيال بعد الأجيال غزوة بدر التي كانت بدايةَ العزة والتمكين للمؤمنين، ويوم الفرقان المبين فأعز الله يومها الإسلام، وظهر تحقيق وعد الله في إحقاق الحق وإبطال الباطل: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال: 8].

وهذه الخطبة -معاشر المؤمنين والمؤمنات- لن تكون سردا لأحداث هذه الغزوة المباركة، فذلك -والحمد لله- متاحٌ في محله من أمهات كتب السيرة.

وإنما موضوعها هو الوقوف على بعض العوائق أو النقائص أو المثبطات التي إن لم ينتصر فيها المسلم ويتغلبْ عليها، فهو مهزوم مسبقا قبل أن يدخل أي معركة ميدانية على الأرض.

أول هذه العوائق: النفس وشهواتها؛ فالله -عز وجل- فطر النفس البشرية على حب الشهوات والميلِ إليها، وذلك من أجل أن يؤدي دورَه المنوطِ به في هذه الحياة، ومن أجل تحقيق ما يَجلُب له الخير ويَدفع عنه الشر.

لكن هذه الدوافعُ الفطرية إن لم تخضع لميزان المنهج الرباني القويم الذي يضمن الكرامة والعفة والاستقامة، يجعل النفسَ الإنسانيةَ تنجرف مع تيار الشهوات والهوى، وتَفقد مُقوماتِ إنسانيتها وكرامتها، مما يجعلها تنحرف وتُسقط صاحبها في وحل الرذيلة والانحطاط والفساد.

فسفينة النجاة التي توصل الإنسان إلى شاطئ الأمان: أن يَضبط نفسه وِفق ما شَرع الله، وأن يقودَها لا أن يجعلَ نفسَه تقودُه.

والناس قسمان: قسم ظفرت به نفسُه فملكته وأهلكته فصار مطيعا لها. وقسم ظفر بنفسه فقهرها حتى صارت مطيعةً منقادةً له، وقد ذكر الله القِسمين فقال: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 37 - 41]، فالنفس تدعو صاحبها إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب -سبحانه- يأمر عبده بخوفه ونهي النفس عن الهوى، فإما أن يُجيب العبد داعي النفس فتختلُّ موازينُه وقيَمه وشعورُه وسلوكه فيُهلَك، وإما أن يجيب داعي الرب، فيُخضِعُ نفسَه ويجاهدُها لردها إلى أمر الله ومراده والالتزام بحكمه فينجو.

لذلك فاتباع هوى النفس وشهواتها على غير شرع الله أساس الانحراف عن الصراط المستقيم، وركيزةُ الانجراف في حمأة الباطل والفساد.

وهذا شهر رمضان وهو إحدى الوسائلِ في تحقيق تربية نفس المسلم وتقويمها ومجاهدتها حتى تلتزم الصلاح والاستقامة، وهذا أعظم انتصار يحققه المسلم.

عوائق اللسان وآفاته؛ فالله خلق اللسان في الإنسان ليتكلم به في أمور الخير، وليُعبر به عما يحتاج إليه في أموره، ولكنْ للأسف الشديد فإن الكثير من الناس لم يستعملوا هذا العضو فيما خُلق له، بل وكثيرٌ من المسلمين في هذا الزمان، أصبحت نعمة اللسان عليهم نقمة، وأصبحت ألسنتُهم يُعصى بها الله أكثرَ مما يُطاع.

فكثير من الأمراض الاجتماعية من غيبة ونميمة وسب وشتم وقذف وخصام وكذب وزور وغير ذلك، فللسان فيها أكبر النصيب.

ومن هنا جاء التأكيد العظيم على حفظ اللسان: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، ومن هنا أيضا جاءت تلك الوصية العظيمة من النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ قال له: "امسك عليك هذا"، وأشار إلى لسانه قال: يا رسول الله أو نؤاخذ بما نتكلم به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناس في جهنم على مناخِرِهم إلا حصائدُ ألسنتِهم؟"، وفي صحيح الجامع بسند حسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ الِّلسانَ فتقول: اتَّقِ اللهَ فينا، فإنما نحن بك، فإن استقَمتَ استقَمْنا، وإن اعوَجَجْتَ اعْوجَجْنا"، وفي صحيح البخاري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أحدَكم ليتَكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللَّهِ، ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت، فيَكتبُ اللَّهُ لَه بِها رضوانَه إلى يومِ يلقاه، وإنَّ أحدَكم ليتَكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللَّهِ، ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت، فيَكتبُ اللَّهُ عليهِ بِها سخطَه إلى يومِ يلقاهُ".

وإذا أمعنا النظر أدركنا أهمية الانتصار على اللسان في شهر رمضان، فمن لم يستطع أن ينتصر على لسانه ويَضبطَه، خاصة وهو صائم، لا يمكنه أن ينتصر في معركته مع شهواته وعدوه، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس والهلاك؛ لذلك كان الصيام تدريبا عمليا للعبد على ممارسة عبادة: "أمسك عليك لسانك"، وامتلاك القدرة على التحكم فيه، وتوظيفِه في الخير.

عوائق القلوب وأمراضها؛ فالقلب السليم هو العملة الرابحة التي تنفع صاحبها يوم القيامة، وتُنقذَه من عذاب الله، قال ربنا: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88 - 89].

والقلَب المريض هو ذاك القلب الأسود المظلم بأمراض الحقد والبغضاء والكراهية والحسد والكِبر والاستعلاء على الناس وظلمهم.

فمعركة الانتصار على أمراض القلوب معركة فاصلة في تحديد قيمة العبد ومقامه عند مولاه، وما تفاضل من تفاضل من الصالحين إلا بذلك. لذا أحرى بالعبد المؤمن أن لا يتهاون في تطهير قلبه.

فسيد القومِ من لا يحمل في قلبه لا حقدا ولا غلا ولا حسدا ولا كراهية لإخوانه في الدنيا، فما بالكم في الآخرة التي قال الله -عز وجل- في حق أهل جنته: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) [الحجر: 47].

وشهر الصيام فرصة ذهبية لتنظيف وتطهير القلوب والتخلص من الأمراض والانتصار عليها؛ لأنه متى صلُح القلب انفتح باب الإصلاح العام: "أَلا وإنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله وإذا فسدت فسَد الجسد كله، ألا وهي القلب".

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

من العوائق كذلك: الرياء؛ فالرياء يُحبط الأعمال ويُبطلها، قال ربنا: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23].

الرياء سبب لمقت الله للعبد وطرده من رحمته، وهو من كبائر المهلكات، وقد عده النبي -صلى الله عليه وسلم- شركا أصغر؛ ففي الحديث الصحيح: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ، الرياءُ، يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ إذا جزى الناس بأعمالِهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندَهم جزاء"، وفي صحيح الترغيب: أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: "من قام مقامَ رياء وسمعة راءى اللهُ به يومَ القيامةِ وسمَّعَ".

فجدير بالمسلم أن يجاهد نفسه بالابتعاد عن الرياء، وأن يُخلِص لله في نيته وأقواله وأفعاله وأموره كلها، ورمضان هو شهر الإخلاص بلا منازع، وقد توفرت كلُّ عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابِه، وتنميةِ عنصر المراقبة والتجرد لله -عز وجل- لديه.

عوائق الشح والبخل؛ لقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الداء العضالِ، وعَدَّهُ من المهلكات، فقال: "إيَّاكم والشُّحَّ فإنَّهُ أَهْلَكَ مَن كانَ قبلَكُم، أمرَهُم بالظُّلمِ فظَلَموا وأمرَهُم بالقَطيعةِ فقَطعوا وأمرَهُم بالفُجورِ ففَجَروا" فتطهير النفس من داء الشح والبخل من مقاصد الصيام المهمة؛ لذلك كان رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناسِ، وكان أجودُ ما يكونُ في شهرِ رمضانَ، فهو أجودُ بالخيرِ من الريحِ المرسَلة.

فالصيام مدرسة يتعود فيها العبد على السخاء، وإطلاق اليد بالعطاء، عطاءً صادقا لا يحُدُّه حد، ولا يُقيِّدُه شرط، عطاءً لمن يحبُّ ومن لا يحبُّ، قال ربنا: (وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن: 16].

ففيه يتعمق لدى المسلم الشعور بمعاناة المحرومين والمحتاجين، فيترفع على أنانيته وحبه لذاته، فيأخذ بأيديهم ويسد حاجاتهم، ويُدخِلُ الأملَ والفرحَ على قلوبهم.

وتحقيق الانتصار في هذا الجانب هو ديدن العبد الصائم في شهر السخاء والجود، والهزيمةُ في هذه المعركة أدعى لتوالي الهزائم فيما عداها.

فلنجعل -معاشر الصالحين والصالحات- هذا الشهر شهر انتصار على هوى النفس وشهواتها، وعلى آفات اللسان وأمراض القلوب والرياء والبخل.

لنجعله شهر انتصار على العجز والكسل والغفلة.

لنجعله شهر انتصار على تسويف التوبة.

لنجعله شهر انتصار على الذنوب والمعاصي بكل أصنافها.

عندها نصل إلى ما وصل إليه الأولون، ونحقق مثل انتصاراتهم وأمجادهم.