الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
يخوضُ أعداءُ الإسلامِ حرباً شرسةَ ضدَّ بلادِ الحرمينِ الشريفينِ في كلِّ اتجاهِ، عن طريقِ إدخالِ المخدراتِ بجميعِ أشكالِها وأنواعِها؛ للفتكِ بشبابِها، وتخديرهِم، وشلِّ قوتِهم، وسَلبِ أموالِهم، ومحاربةِ دينهِم، وتدميرِ الاقتصادِ، وإهدارِ الطاقاتِ، والقضاءِ على المستقبلِ الزاهرِ الواعدِ، ويبذلُونَ من أجلِ ذلكَ قُصارى جُهدِهم، في تنوُّعٍ نوعي للوصولِ إلى غايتِهم الكبرى، وأمنيتِهم العُظمى.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشْهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشْهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليماً مزيدا.
أما بعدُ: فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ -جلَّ وعلا-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: المخدراتُ بلاءٌ عظيمٌ، ومشكلةٌ كبيرةٌ تؤرِّقُ العالمَ، وهي من أخطرِ ما يتخذهُ الأعداءُ ضدَّ عالمنا الإسلامي في وقتنا الحاضر، وخاصةً أن العالمَ أصبحَ كالقريةِ الواحدةِ، وهذا شيءٌ مشاهدٌ وملموس.
وفي هذه الأجواءِ ظَهرَ أقوامٌ من بني جلدتِنا دفعهم الطمعُ والجشعُ فروَّجوا لهذه السمومِ، وساعدوا الأعداءَ في خوضِ حربٍ على بلادنا.
إنها حربٌ ضروسٌ فتاكةٌ، عواقبُها وخيمةٌ، ونتائجُها أليمةٌ، هدفُها هدمُ الإسلامِ، وقتلُ الأنفسِ، وهتكُ الأعراضِ، وإهلاكُ الأموالِ، وتدميرُ العقولِ، ضحاياها أعزُّ ما تملكُه الأمةُ من الشبابِ والفتياتِ؛ لأنهم أعظمُ المقدَّراتِ والطَّاقاتِ النافعةِ -بإذن الله- للمجتمعِ والأمةِ.
فملايينُ الحبوبِ المخدرةِ، وأنواعُ الكوكايينِ والهيروينِ والحشيشِ، سمومٌ مهلكةٌ تُذهب الرجالَ والأجيالَ، ووراءَ هذه المخدراتِ قصَصٌ تَحزنُ معها النفوسُ المؤمنةُ، وأحداثٌ مؤسفةٌ، وأهوالٌ تهتزُّ لها الجبالُ، ومآسٍ تقشعرُّ منها الجلودُ والأبدانُ، ونهاياتٌ يشيبُ منها الولدانُ، تلك التي نسمعُها عن عالمِ المخدراتِ والإدمانِ.
عباد الله: لقد أوجبَ اللهُ -جلَّ وعلا- حمايةَ الضرورياتِ الخمسِ التي هي أصلٌ في ديننا الحنيف، وهي: الدينُ، والنفسُ، والعقلُ، والعرضُ، والمالُ. وهذه المخدراتُ -عافانا الله وإياكم منها- تهدمُ تلك الضرورياتِ، وتقضي عليها؛ لأن من آثارِها المحسوسةِ أنَّ كلَّ من تعاطاها يُضيِّعُ حقَّ ربِّه من الصلاةِ والصيامِ وسائرِ العباداتِ، ويقعُ في سائرِ المحرماتِ والمنكراتِ، دون رادعٍ أو خجلٍ أو حياءٍ، كما أنها تُزهقُ النُفوسَ؛ إذْ إن كثيراً ممن يتعاطاها ينتحرونَ أو يموتُونَ موتةً شنيعةً، أو يقتُلُ بعضُهم بعضاً.
أما تضييعُها للعقلِ فهو معروفٌ ومشاهدٌ، فإنَّ من غاب عقلُه فَعلَ الأفاعيلَ وهو لا يدري، وهانَ عليه عرضُه والعياذُ بالله.
أما إتّلافُها للمالِ فحدِّث ولا حرج؛ فكم من غنيٍّ باتَ بسبب تعاطيها فقيراً، وكم من مالكٍ لمسكنٍ خرجَ من مسكنِه، وكم من راكبٍ نزل عن مركوبه بسببها.
وقد ثبتَ طبياً أن للمخدراتِ أضراراً على الصحةِ، بل تؤدي إلى الجنونِ، وربما الوفاةِ، وقد نصَّ على ذلك الأطباءُ والعلماءُ والمختصون.
إنَّ كلَّ شخصٍ تمتدُّ يدُه إلى هذه السمومِ الفتَّاكةِ، زراعةً وتجارةً وبيعاً وشراءً وتهريباً وتناولاً، يُعتبر مجرماً في حقِّ نفسِه وفي حقِّ الآخرين، يجب الأخذُ على يديه؛ حفاظاً على المجتمعِ كلِّهِ من أن يعبثَ بِه العابثون، ويتلاعبَ به المجرمون.
عباد الله: إنَّ هذه المخدراتِ لها أضرارٌ كثيرةٌ جداً على الفردِ والمجتمعِ، ومن ذلك ما يلي:
أولاً: أنَّها تَذهبُ بأموالِ متعاطيها سفهاً بغير علمٍ، فيفقدُ مالَه، وتسُوءُ أحوالُه، ويصبحُ عالةً على أسرتِهِ ومجتمعِه، وربما كان في يومٍ من الأيام عوناً للمتاجرين بها فيصبحُ بعد ذلك من إخوانِ الشياطين.
ثانياً: أنَّها تُفسدُ عقلَ وجسدَ صاحبِها حتى يصيرَ متخنثاً أو ديوثاً، أو يصيرَ محمَّلاً بالأمراضِ المستعصيةِ والخطيرةِ.
ثالثاً: أنَّ متعاطيها ينتهي به الأمرُ غالباً إلى إدمانِها، فيصابُ بانهيارِ العاطفةِ وعدمِ الإحساسِ بالمسؤوليةِ، وضعفِ الإرادةِ، والجبنِ، وكراهيةِ العملِ، واضمحلالِ جسمِه، وشحوبِ وجهِه، وتعثرِ مشيتهِ، وضعفِ أعصابِه.
رابعاً: أنَّها تُحوِّلُ المدمنَ إلى شخصٍ عصبيٍ وغيرِ أمينٍ، فاقدٍ للقدرةِ على التفكيرِ وقلةِ النومِ، وضعفِ القلبِ، ومناعةِ الجسمِ، وربما وَصلَ به الأمرُ إلى فقدانِ الذاكرةِ.
خامساً: سُوءُ أخلاقِه، كاتصافِه بالعصبيةِ والتوترِ والانفعالِ، ووقوعِه في السرقةِ والاحتيالِ وخيانةِ الأماناتِ.
سادساً: المدمنُ يعيشُ حياةً قلقةً مضطربةً، يُهملُ شؤونَ أسرتِه، وتربيةَ أبنائِه، يُنفقُ أغلبَ ما يملكُ للحصولِ على المخدراتِ مما يؤثِّرُ على الحالةِ المعيشية لأسرتِه.
أما أضرارُهَا على المجتمعِ فمنها:
أولاً: أنَّها تَتسببُ في إهدارِ مالِ الدولةِ من خلالِ مكافحةِ الإدمانِ وعلاجِه.
ثانياً: أنَّها تُسبِّبُ انتشارَ الفوضى والفسادِ وتفشي الآفاتِ الخطيرةِ والأوبئِة.
ثالثاً: تُضعفُ من إنتاجِ الفردِ المتعاطي، وبالتالي يقلِّ إنتاجُ المجتمعِ الاقتصادي.
رابعاً: تُسهم في انتشارِ الجرائمِ بجميعِ أنواعِها، فالمتعاطي يكونُ غيرَ مدركٍ لتصرفاتِه؛ فيرتكبُ الجرائمَ بلا وعي.
خامساً: من أقوى عواملِ تحطيمِ المتعاطينَ صحياً ونفسياً وأخلاقياً.
سادساً: تتسبَّبُ في خرابِ البيوتِ، وتشتِّتِ الأسرِ، وضياعِ الأولادِ.
سابعاً: من أعظمِ أسبابِ إفسادِ العلاقاتِ بين الناسِ، وخاصةً الأقارب والأرحام.
عباد الله: يخوضُ أعداءُ الإسلامِ حرباً شرسةَ ضدَّ بلادِ الحرمينِ الشريفينِ في كلِّ اتجاهِ، عن طريقِ إدخالِ المخدراتِ بجميعِ أشكالِها وأنواعِها؛ للفتكِ بشبابِها، وتخديرهِم، وشلِّ قوتِهم، وسَلبِ أموالِهم، ومحاربةِ دينهِم، وتدميرِ الاقتصادِ، وإهدارِ الطاقاتِ، والقضاءِ على المستقبلِ الزاهرِ الواعدِ، ويبذلُونَ من أجلِ ذلكَ قُصارى جُهدِهم، في تنوُّعٍ نوعي للوصولِ إلى غايتِهم الكبرى، وأمنيتِهم العُظمى.
ومنْ فضلِ اللهِ -تعالى- على بلادِنا -حرسَها اللهُ- أنْ مَنّ عليها برجالٍ مخلصينَ يَقفونَ بالمرصادِ لهؤلاءِ المتربصينِ الذينَ يُريدُونَ الإفساد في الأرضِ، والإضرار بالخلقِ، وجمعَ المالِ، وإغراقَ البلادِ بهذهِ السمومِ المدمرِة.
والدولةُ -حرسَها الله- لا تألوا جهداً في الوقوفِ أمامَ هذه الهجمةِ الشرسةِ، عن طريقِ رجالِ مكافحةِ المخدراتِ المرتبطينَ بالمديريةِ العامةِ لمكافحةِ المخدراتِ التي تبذلُ جهوداً مشكورةً في صدِّ هذهِ الحربِ الشعواءِ، وتساعدُها في ذلك جهاتٌ حكوميةٌ أخرى، منها حرسُ الحدودِ، والجوازاتُ، ورجالُ الأمنِ، وهيئاتُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، والمباحثُ العامةُ، وغيرُها من القطاعاتِ الأمنيةِ، في منظومةٍ متكاملةٍ تعملُ جميعاً كَيَدٍ واحدةٍ، ونحسبُ أنَّهم على خيرٍ ما داموا يستحضرونَ النية الصالحة ويخلصون العمل لله؛ لأنهم في رباط وجهاد ضد هؤلاء المجرمين، لا كثّرهم الله.
وقد نوَّه المتحدثُ الأمنيُ باسمِ وزارةِ الداخليةِ بالجهودِ الأمنيةِ التي بُذِلتْ طوالَ الفترةِ الماضيةِ من العام الماضي، والعام الجاري، فيما يتعلقُ بتهريبِ المخدراتِ إلى المملكةِ وترويجِها في الداخلِ، مؤكداً أنَّ هذه الجهودَ حقَّقتْ نجاحاتٍ كبيرةً مضطردةً، أسهمتْ في الحدِ من دخولِ الموادِ المخدرةِ إلى بلادِنا، وأجبرتْ مُستهدفي شبابِ هذا الوطنِ بهذهِ الآفةِ من مهربينَ ومروجينَ على الوقوفِ عاجزينَ عن مواصلةِ أعمالِهم الإجراميةِ، والتضييقِ عليهم بجميعِ الأساليبِ التقليديةِ التي طَالما اعتمدُوا عليها أو الأساليبِ الجديدةِ التي يبتكرونها والتي لم تُحققْ نتائجَ أو نجاحاتٍ يرجونها. فالحمدُ للهِ الذي وفَّقَ رجالَ أمنِنَا في مهمتِهم؛ لحفظِ البلادِ والعبادِ من مخططاتِ أعدائِهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير) [الحج:78].
بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ. أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكم؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه الداعي إلى جنتهِ ورضوانِه، صلى الله عليه وآله وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -جل وعلا-، واعلموا أنَّ تحكيمَ شرعِه والعملَ بسنَّةِ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- من أعظمِ أسبابِ حفظِ البلادِ والعبادِ.
عباد الله: ها نحنُ نسمعُ ونشاهدُ عبرَ وسائلِ الإعلامِ المسموعةِ والمرئيةِ عن ملايينِ الحبوبِ التي تُضبطُ هُنَا وهُناك، والكمياتِ الرهيبةِ من أنواعِ المخدراتِ الأخرى، فلنتنبهْ ولنكنْ على حذرٍ، فالوقايةُ خيرٌ من العلاجِ، وعلينا بتوعيةِ من نتحمَّلُ مسؤولياتِهم، وتحذيرِهم من مروِّجي المخدراتِ، وتبصيرِهم بأساليبِهم ومكرهِم، فكثيرًا ما يُؤتى الواحدُ منَّا من جهلِه وغفلتِه، ومن تساهُلِه وتقصيرِه، فانتبهوا يا شبابَ الأمةِ، واحذروا ممن يدسُّ السُّمَّ بالعسلِ، كُونُوا أذكياءَ، وخُذوا الحذرَ والحيطةَ، وفرُّوا منْ جليسِ السوءِ، فهذَا أحفظُ لكُم ولبلادِكم.
وأنتم أيها الآباءُ والأمهاتُ، أحسنوا تربيةَ أولادِكم ومتابعتهم، وحذِّروهم من رفقاءِ السوءِ، وبعضِ وسائلِ الإعلامِ الفاسدةِ، وقوموا بمنعهم من السفرِ للخارجِ لوحدهم.
ويا معاشر الشباب، اعلموا أنَّ بلادَكم -حرسها الله- تُشنُّ عليها حربٌ خطيرةٌ، تقودُها عصاباتٌ دوليةٌ خبيثةٌ؛ بُغيةَ إفسادكِم، وتعطيلِكم عن العملِ والإنتاجِ، وتحويلِكم إلى مدمنينَ وعالةٍ على مجتمعِكم، فاحذروا منهم قبلَ فواتِ الأوانِ.
وكُونوا سداً منيعاً أمامهم، بالتمسكِ بدينكِم، والعملِ بسنَّةِ نبيِّكم -صلى الله عليه وسلم-، ففي ذلك النجاةُ لنا ولكم بإذنِ الله -تعالى-.
وعليكم -أيضاً- بالالتفافِ حولَ ولاةِ أموركِم، ورجالِ أمنِكم، وبلِّغوا عن كلِّ مشتبهٍ تلمسون منه أذيةَ البلادِ والعبادِ، واحرصوا على نفعِ مجتمعِكم بالعملِ الجادِ الدؤوبِ الذي يعودُ عليكم وعلى أمتِكم بالخيرِ.
أسألَ الله -جلَّ وعلا- أن يحفظَ علينا دينَنا وأمنَنا واجتماعَ كلمتِنَا ووحدةَ صفِّنَا، وأن يحفظَ شبابَنا وفتياتِنا من شرِّ الأشرارِ، ومكرِ الفجَّارِ، إنهُ وليُّ ذلكَ والقادر عليه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].