البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الأفكار المنكوسة والمناهج المدسوسة

العربية

المؤلف عبد الله الواكد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. وسطية الإسلام وحفظه للضرورات الخمس .
  2. انتهاك أصحاب الأفكار الضالة لحرمة المساجد وقتلهم للمسلمين فيها .
  3. تاريخ الخوارج وجرائمهم عبر التاريخ .
  4. واجبات المجتمع تجاه أصحاب الأفكار الضالة .

اقتباس

لقدْ عاشتْ الأمةُ صوراً من الغلوِّ والتطرفِ، واستباحةِ الدماءِ، ونشرِ الفوضى، وزعزعةِ الأمنِ، والقتلِ والتفجيرِ والترويعِ الذي استهدفَ أمنَ المجتمعاتِ المسلمةِ واستقرارَها، الشريعةُ السمحةُ، جاءتْ بعصمةِ دماءِ المسلمينَ والمستأمنينَ، وحفظِ الضرورياتِ الخمسَ...

الخطبة الأولى:

أما بعدُ:

أيها المسلمون: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، واستمسكوا منَ الإسلامِ بالعروةِ الوثقى، فإنَّ تقوى اللهِ هي المخرجُ في الأزماتِ، وهي الملاذُ عندَ الملماتِ، وهي الطمأنينةُ عندَ الفتنِ، والسكنُ في المُدلهماتِ، فمن اتقى اللهَ وقاهُ، ومنْ راقبَ اللهَ عافاهُ.

فتقوى اللهِ –يا عبادَ اللهِ- معينٌ لا ينضب، وزادٌ لا يَقْشَب، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

عباد الله: لقد اختارَ اللهُ لأمةِ الإسلامِ منهجاً وسطاً، لتكونَ مناراتٍ يؤوبُ إليها مَن غلى وجفى، ومن فرَّط وأفرَط، فالخروجُ عن هذهِ الوسطيةِ خروجٌ عن تعاليمِ هذا الدينِ الحنيفِ، فليستِ الوسطيةُ اجتهاداً يجتهدُهُ البشرُ، بل هي نصوصٌ شرعيةٌ ثابتةٌ، أما المنحرفونَ عن هذهِ الوسطيةِ فدينُنا الحقُّ بريءٌ منهم، ولا يمثِّلُ واحدُهُم غيرَ نفسِهِ وفكرِه.

أيها المؤمنون: لقدْ عاشتْ الأمةُ صوراً من الغلوِّ والتطرفِ، واستباحةِ الدماءِ، ونشرِ الفوضى، وزعزعةِ الأمنِ، والقتلِ والتفجيرِ والترويعِ الذي استهدفَ أمنَ المجتمعاتِ المسلمةِ واستقرارَها، الشريعةُ السمحةُ، جاءتْ بعصمةِ دماءِ المسلمينَ والمستأمنينَ، وحفظِ الضرورياتِ الخمسَ، وإنَّ ما حدثَ في الجُمُعتينِ الماضيتينِ من أعمالِ تفجيرٍ في المنطقةِ الشرقيةِ منْ مملكتِنا العزيزةِ المصونةِ، استهدفتْ المصلينَ في يومِ الجمعةِ لهُ أمرٌ يتقطعُ لهُ القلبُ أسىً وحسرةً، ماذا حلَّ بشبابِناَ؟ من الذي سرقَهُم مناَّ ووظَّفَهُم لخدمةِ مآربهِ ومخططاتهِ؟ في يومِ الجمعةِ -والعياذُ باللهِ-

يومِ الجمعةِ التي أمرَ اللهُ ورسولُه بإقامةِ شعيرتِها، والتبكيرِ لها، والاغتسالِ لها، وسماعِ خُطبتِها، والدنوِّ من الإمامِ فيها، والسعيِ لها بسكينةٍ ووقارٍ، ونهيِ المصلي محادثةَ منْ يجلسُ بجانِبِهِ، والإمامُ يخطُب، تعظيماً لها، الجمعةِ التي أمر اللهُ -عزَّ وجلَّ- بإجابةِ ندائِها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة: 9].

يأتي هؤلاءِ القتلةُ فيقتلونَ من استجابوا لنداءِ اللهِ يومِ الجمعةِ، الذي قالَ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فيهِ: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ -عَلَيْهِ السَّلَام-، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ".

يومِ الجمعةِ الذي قالَ عنهُ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ" [رواه مسلم].

يومِ الجمعةِ الذي قَالَ عنهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ" [رواه ابن ماجة، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع].

يومِ الجمعةِ الذي قالَ عنهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ" [رواه مسلم].

يأتي هؤلاءِ المجرمونَ يومَ الجمعةِ إلى هذهِ الشعيرةِ العظيمةِ بأحزمةٍ ناسفةٍ، ومتفجراتٍ قاتلةٍ، أيُّ طيبٍ وأيُّ بخورٍ حملوهُ إلى بيتِ اللهِ؟ يفجرونَ أنفسَهُم، يتقربونَ إلى الشيطانِ -والعياذُ باللهِ-، ويفجِّرونَ مَنْ خرجوا من بيوتِهِم من المسلمينَ الآمنينَ المطمئنينَ، الساعينَ إلى ذكرِ اللهِ وإلى الصلاةِ، فيقتلونَهُم ظلماً وعدواناً، أيُّ إسلامٍ هذا الذي يدَّعُونَهُ؟

هذا إجرامٌ وإرهابٌ، ومحاربةٌ للهِ ورسولِهِ.

هؤلاءِ أدواتٌ لمخططاتٍ أجنبيةٍ خبيثةٍ.

هؤلاءِ يريدونَ إذلالَنا، واستغلالَ مقدراتنِا، وإعانةَ الأعداءِ علينا، لبلوغِ مقاصدِهِم.

هؤلاءِ يريدونَ إيقاعَ الأمةِ في مأزقٍ عظيمٍ، وخطرٍ جسيمٍ.

أيها المسلمون: الذي نؤمنُ بهِ ونعتقِدُهُ جميعاً وهو سائرُ معتقدِ الأمةِ الإسلاميةِ المباركةِ بحمدِ اللهِ أننا نُدينُ ونستنكرُ ونستشنعُ هذهِ الأعمالَ الإجراميةَ الإرهابيةَ، ونعزوا ذلكَ إلى فكرٍ زائغٍ ضالٍ منحرفٍ عرفَهُ أهلُ العلمِ منذُ عهدِ الصحابةِ وعرَّفوهُ، هؤلاءِ همُ الخوارجُ، مدعومٌ فكرُهُم وملقَّحٌ بأفكارِ المجوسِ، وحقدِهم وكُرهِهم للإسلامِ وأهلِهِ.

فالمجوسُ أولُ منْ تجرَّأَ على القتلِ في المساجدِ، فهم منْ قتلوا الخليفةَ عمرَ بنَ الخطابِ -رضيَ اللهُ عنهُ- وهو يؤُمُّ الناسَ في صلاةِ الفجرِ، قتلَهُ أبو لؤلؤةَ المجوسيُّ -عليهِ لعنةُ اللهِ-.

الخوارجُ هم مَن قتلوا ذا النورينِ عثمانَ -رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ- وهو يقرأُ القرآنَ في بيتِهِ.

الخوارجُ هُم مَن قتلوا عليَّ بنَ أبي طالبٍ -رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ-، قتلَه عبدُ الرحمنِ بنُ ملجمٍ الذي تربَّى في كَنفِ عليٍّ -رضيَ اللهُ عنهُ-، وأحسنَ إليهِ، وأنفقَ عليهِ، لماَّ تعاهدَ هو وثلةٌ منَ الخوارجِ على قتلِ عليٍّ ومعاويةَ وعمرو بنَ العاصِ، اختارَ هذا الكلبُ، بل الكلبُ أوفى منهُ اختارَ علياًّ الذي رباهُ وأحسنَ إليهِ، فطعنَهُ في المسجدِ وهو قائمٌ من سجودِهِ في التاسعِ عشرَ من رمضانَ، هذا الفكرُ الإرهابيُّ والمنهجُ التكفيريُّ، دخيلٌ على أُمَّتِنا، مِن صُنعِ عبدِ اللهِ بنِ سبأِ اليهوديِّ انتشرَ بينَ الشبابِ عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وعبرَ التويتر، والفيس بوك.

أيها المسلمون: دينُ محمدٍ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- براءٌ من هذهِ الأفكارِ المنكوسةِ، والمناهجِ المدسوسةِ، محمدٌ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- لم يُرسلْ جيشَهُ، فيترُكُهُ يفعلُ ما يشاءُ، إنما كانَ يأمرُهُ ويوصيهِ، ففي غزوةِ مؤتة، أوصى الجيشَ فقالَ لهم: "أوصيكم بتقوى اللهِ، وبمن معكم من المسلمينَ خيراً، اغزوا بسمِ اللهِ تقاتلونَ في سبيلِ اللهِ من كفرَ باللهِ، لا تغدُرُوا ولا تغُلُّوا، ولا تقتُلُوا وليداً ولا امرأةً ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعةٍ، ولا تقربوا نخلاً، ولا تقطعُوا شجراً، ولا تهدِموا بناءً" وقالَ: "لا تقتلوا صبياً ولا امرأةً ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً، ولا تقطعوا مُثمراً، ولا تُخربوا عامراً، ولا تذبحوا بعيراً، ولا بقرةً إلاَّ لمأكَلٍ، ولا تٌغرقوا نخلاً ولا تُحرقوه".

حتى الذي يتعبدُ بصومعتِهِ على غيرِ الإسلامِ نهى أنْ يتعرضَهُ أحدٌ بسوءٍ، وهؤلاءِ يدَّعونَ الإسلامَ، ويقتلونَ المصلينَ في المساجدِ.

عبادَ اللهِ: مجابهةُ هذا الفكرِ الضالِ والمنهجِ المنحرفِ هو بالتكاتفِ والتضافرِ، واللحمةِ والوحدةِ، أن نكونَ صفاًّ واحداً، وبنياناً مرصوصاً.

وعليكُم جميعاً مراقبةُ منْ تَلونَهُم منَ الأحداثِ الأغرارِ على الآباءِ متابعةُ أبنائِهم مع منْ يذهبونَ، ويلاحظُونهم، ويتابعونَ تصرفاتِهم، لا بُدَّ أنْ نحتويَ أبنائَنا، وننقذَهُم من استغلالِ المستغلينَ، وتحريضِ المضلينَ، وانحرافِ المنحرفينَ.

هؤلاءِ المجرمونَ الإرهابيونَ قتلوا أنفسَهم، وقتلوا غيرَهم، وهم يستلهمونَ فكراً ضالاً، ومنهجاً تكفيرياً اعتقدوهُ -والعياذُ بالله- فانساقُوا وهم لا يشعرونَ خلفَ توجيهاتِ من غَرروا بِهم، وصرفُوهم عن ولاةِ أمرِهم، فانخلعُوا عن بيعتِهم، وصرفوهُم عن علمائِهم، فعزلوهُم عن استفتائِهم فيما أشكلَ عليهِم، ثُم تولَّوا هُم إفتاءَهُم لتنفيذِ مخططاتِهم، أفتوهُم بأنَّ هذا المجتمعَ كلُّهُم كفارٌ ولاةُ أمرِهِ ورجالُ أمنِهِ وحراسُ ثغورِهِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، وأفتوْهُم بعدَ ذلكَ بأنَّ هذا العملَ الإرهابيَّ الإجراميَّ جزاؤُه الجنةُ، فهم يريدونَ الشهادةَ.

تأمَّلوا الزيغَ والضلالَ -نسألُ اللهَ لنا ولكُم ولأبنائِنا السلامةَ والعافيةَ- النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، كانَ يجدُ ما يجدُ من المنافقينَ في المدينةِ، ما يستحقُّ قتلَهُم، فيدَعُهم عليه الصلاةُ والسلامُ، لئلاَّ يقولُ الناسُ أنَّ محمداً يقتلُ أصحابَهُ.

كيفَ نرجوا من الكفارِ أنْ يُسلموا وهؤلاءِ لطَّخُوا سمعةَ دينِناَ بضلالِهِم؟ الدينُ لا يأمرُ بتكفير المسلمينَ إنما أَمَرنا بدعوةِ الكفارِ إلى الإسلامِ، قالَ تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية:

أما بعد:

أيها المسلمون: فالأمرُ خطيرٌ جداًّ ما يعتقدُهُ هؤلاءِ الأحداثُ المغرَّرُ بهم شيءٌ خطيرٌ، ولا بدَّ للناسِ جميعاً من وقفةٍ حازمةٍ مع كلِّ من يعتنقُ هذا الفكرَ الضالَ، حتى لو كانَ أقربَ الناسِ.

والسبيلُ الأمثلُ للقضاءِ على هذا الفكرِ القائمِ الذي يُولدُ لهُ في كلِّ يومٍ من يُناصِرُه من الشبابِ المُغرَّرِ بهم، هو الحوارِ، وهو الهديُ النبويُّ في معالجةِ الغالينَ، فلقد حاورَ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- "ذا الخويصرةَ" فقالَ لهُ: "ويحُكَ من يعدلْ إن لم أعدلْ؟".

وكذلكَ حاورَ ابنُ عباسٍ الخوارجَ فرجعَ منهم ألفانِ، فالحوارُ من أنفعِ الأساليبِ ذلكَ أنَّ الحقَّ ساطعٌ وبرهانَه قاطعٌ، وهو يعالجُ المشكلةَ من جذورِها -بإذنِ اللهِ تعالى-.

ثُمَّ علينا نشرَ عقيدةِ السلفِ والعلمِ الشرعيِّ، ونشرِ المنهجِ الصحيحِ في الاستدلالِ والاستنباطِ؛ لأنَّ السمةَ الغالبةَ لكثيرٍ ممن يغلو في دينِ اللهِ هي الجهلُ بعقيدةِ السلفِ ومنهجِهم في الاستدلالِ.

وعلى المجتمعِ كلِّه والشبابِ بشكلٍ خاصٍ أن يأخذوا عن العلماءِ الربانيين، ويستشيروهم في كلِّ ما أشكلَ عليهم ليكونوا على بصيرةٍ من دينِهم.

وأما ولاةُ الأمرِ -بحمدِ اللهِ- فهم على يقينٍ بأهميةِ دورِ العلماءِ والدعاةِ، ولا أدلَّ على ذلكَ من إبرازِهم والحفاوةِ بهم.

نسألُ اللهَ –سبحانه- أن يقي الأمةَ الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ، وأن يردَّ كيدَ الكائدينَ، ويكفينَا برحمتِه تربصَ المتربصينَ.

هذا، وصلوا وسلموا...