البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

العين.. آية إلهية

العربية

المؤلف أيمن عبد العظيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. تأملات في خلق عين الإنسان .
  2. من عجائب أعين المخلوقات .
  3. من وسائل الإبصار .
  4. شكر الله تعالى على نعمة البصر .

اقتباس

نقف اليوم وِقفةَ تفكر واعتبار، وتأمل وادّكار، مع العينِ التي هي آلةٌ من آلات الإبصار، فهي آية من آيات الله، بل إن كل جزء من أجزائها آية من آيات الله، داعية للإيمان به -تعالى-، وشكره، وحسن عبادته..

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق فسوّى، والذي قدر فهدى.

سبِّحْ لِمَن الدنيا صوّرْ

اللهِ المتْعالِ الأكبرْ

سوّى ما فيها تسويةً

وهدى ما من قبلٍ قدّرْ

قيّومُ الكون وحافظُه

لم يعْيَ بخَلْقٍ أو يفتُرْ

وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للورى، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه مصابيح الدجى، وعلى من سار بهداه واقتفى.

صلاة ربي على المختار ما اتصلَتْ

  رؤيا بروحٍ وقلبٍ أو بعينينِ

عباد الله: أينما ينظرِ الإنسان في هذا الكون الفسيح الممتد بعين باصرة، يرَ قدرة الله القادرة، ومشيئته القاهرة، فكل شيء في هذا الكون دالٌّ عليه -سبحانه-، فهو البديعُ الذي يخلق الخلق على غير مثالٍ سابقٍ، وهو الخالق الذي خلق كل شيء في كتابٍ من قبل أن يخرجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، وهو المصوّر الذي جعل لما خلق صورةً مرئية محسوسة ملموسة، فسبحان اللهِ البديعِ الخالقِ المصوّر!.

فيا عجبا كيف يُعصَى الإله

أم كيف يجحده الجاحدُ

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه الواحد

عباد الله: نقف اليوم وِقفةَ تفكّر واعتبار، وتأمل وادّكار، مع العينِ التي هي آلةٌ من آلات الإبصار، فهي آية من آيات الله، بل إن كل جزء من أجزائها آية من آيات الله، داعية للإيمان به -تعالى-، وشكره، وحسن عبادته.

فمن أجزائها هذا الغشاء الخارجي الذي يتميز بأنه شفاف، حيث لا يتغذي بشبكة شعيرات دموية كغيره، ولو كان كذلك لأعاقت شعيرات الدم الرؤيا، ولكن تتم تغذية هذا الغشاء الخارجي الشفاف بطريقة عجيبة يتم فيها تسرب الغذاء عبر خلاياه من خلية لأخرى، فهذه الشفافية من عجيب صنع الله -تعالى-.

ومن أجزاء العين تلك الدائرة التي نراها وسط العين، وفي داخلها عضلتان تتحكمان في كمية الضوء الداخل للعين بانقباضهما وانبساطهما، هذا الجزء من العين مثل بصمة الأصبع، لا يتطابق أبداً عند شخصين، ولقد أصبحت بصمة العين مستخدمة مثل بصمة الأصبع.

كما خلق الله -تعالى- عدسةً تُشبه عدسة الكاميرا، تعمل على تجميع الضوء وإرساله ليمر عبرها إلى جسم هلامي شفاف يملأ فراغ العين، يتركب من سائل مخصوص، لا يُفرز، وضياعه لا يُعوَّض، ينتقل الضوء عبره إلى جزء من أجزاء العين اسمه الشبكية، فيه مائة مليون مستقبِل ضوئي، وهو بمثابة الفيلم الحساس في الكاميرا، لتتم عملية تحليل الإشارات الضوئية في تفاعل كيميائي، وشحنها في شكل شحنات كهربائية عبر العصب البصري للدماغ، ليقوم بتحويل تلك الشحنات الكهربائية إلى الصور التي نراها.

ليست هذه كلَّ أجزاء العين، فأجزاء العين كثيرةٌ، وكل جزء من هذه الأجزاء يتكون من أجزاء، فسبحان الله القائل: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) [البلد:8]!.

وعين الإنسانِ ليست الأكثر غرابة ولا الأكثر جودةً من أعين بقية المخلوقات، فبعض الصقور يرى إلى مسافة أربعين كيلو مترا، ويرى فريسته بوضوح على بعد ثلاثة كيلومترات تقريباً، فينقضّ عليها بتركيز وبسرعة هائلة تصل إلى أربعمائة كيلو متر في الساعة، هذه السرعة كفيلة بأن تجعل ذرة من التراب تخترق تلك العين وتثقبها؛ لأجل ذلك فقد وضع الله -سبحانه وتعالى- أمامها ما يشبه النظارة، وهذا الجزء من عين الصقر شفاف وفي غاية الصلابة يحميها تماماً.

وعيونُ الطيور مزودة بما يشبه النظارات الشمسية، فلا تتأثر بالتحديق في وهج الشمس، ولا بالغبار وذرات التراب.

الجملُ يسير في الصحراء متعرضاً للأتربة والعواصف الرملية، ولقد جعل الله -تعالى- له أهدابا طويلة كثيفة تقوم بتصفية التراب، كما جعل له جفناً داخلياً إضافياً شفافا يتحكم فيه، حيث يقوم بإغلاقه فيحجب عنه الغبار، ولا يحجب عنه الرؤية، فيسير بصورة طبيعية وسط تلك العواصف وهو مغلِقٌ ذلك الجفن.

بعض الحيوانات أعينها تشبه المرآة، إذ بها طبقة تجعل العين تعكس الضوء الذي يسقط عليها؛ ولذا تتألق في الظلام، كأعين القطط والنمور.

بعض الأسماك في البحار المظلمة مزود بمثل هذه الأعين المتوهجة القادرة على تركيز ضوء النجوم الخافت أو القمر أو أي ضوء بعيد، ولقد حاول الإنسان تقليد هذه الأعين في تطوير أجهزة الرؤية في الظلام.

أما في أعماق البحار، حيث الانعدام التام للضوء، تلجأ أسماك الأعماق إلى كشافات ضوئية تضعها فوق رأسها، ووسيلتها في هذا السبيل أن تحمل بعض الطفيليات المضيئة من نباتات أو حيوانات، كما أن بعض تلك الأسماك مزود بكشافات ذاتية تديرها بقوة كهربائية غريبة لم يكشف عن سرها بعد.

وأوضاع العيون تتباين أيضا، وترينا قدرة الخالق -سبحانه-، فبعض الزواحف عينها موضوعة على ساق متحركة ترفعها وتخفضها بما يتناسب مع وضع المرئيات، وبعض الحيوانات ترى في جميع الاتجاهات، وبعضها يرى في اتجاهين. كما أن بعض الحشرات عيونها في أرجلها.

إن الأعين ليست وسيلة الإبصار الوحيدة، فالجراثيم، والديدان التي تعيش داخل الأرض، أو داخل أجسام الحيوانات، ترى جيدا، ولكن بغير عيون! بل بآليات لا يستطيع العلم أن يقطع بطرقها.

بل الإنسان نفسه يرى أحياناً بلا عين، فالحلم الذي يراه النائم هو رؤية حقيقية، بدليل انطباعه على الذاكرة، وهو قطعاً لم يره الإنسان النائم بعينه!.

(هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [لقمان:11].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي الكريم.

عباد الله: علينا أن نشكر الله على هذه الرحمات، (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].

وعدم شكر النعم كفر بها، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان:3]، (قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

وأقل الشكر أن نستعمل ما حبانا الله فيما يريده الله، فمن نظر بعينه إلى حرام لم يؤدّ شكر هذه النعمة العظيمة، بل كفر بها، والله -تعالى- يقول لنا: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور:30]، (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) [النور:31].

بل ينبغي أن نتعبد الله تعالى بهذه العين، بحيث ننظر بها في ملكوت الله ونتدبر في مخلوقاته. ثم إن هناك شكراً لله -تعالى- باللسان، وشكراً له بالقلب.

وإن مثل هذا الاجتهاد منا قد يرضي الله عنا، فربنا غفور شكور، فهذا قَسْمُنَا فيما نملك، ذلك لأننا مهما فعلنا فلن نستطيع أن نشكر الله -سبحانه- كما ينبغي.

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "خرج من عندي خليلي جبريل آنفا فقال: يا محمد، والذي بعثك بالحق، إن لله عبدا من عباده عَبَدَ اللهَ خمسمائة سنة على رأس جبل في البحر، عرضه وطوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا، والبحر محيط به، أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية، وأخرج له عينا عذبة بعرض الأصبع، تفيض بماء عذب فيستنقع في أسفل الجبل، وشجرة رمان تُخرج له في كل ليلة رمانة، يتعبد يومه، فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء، وأخذ تلك الرمانة فأكلها، ثم قام لصلاته.

فسأل ربه عند وقت الأجل أن يقبضه ساجدا، وأن لا يجعل للأرض ولا لشيءٍ يفسده عليه سبيلا، حتى يبعثه الله وهو ساجد. قال: ففعل، فنحن نمر عليه إذا هبَطنا وإذا عرجنا.

فنجد له في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله، فيقول له الرب :أدخلوا عبدي الجنة برحمتي. فيقول: رب، بل بعملي! فيقول: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: رب، بل بعملي! فيقول الله: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله؛ فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة، وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه. فيقول: أدخلوا عبدي النار، فيجر إلى النار، فينادي: رب برحمتك أدخلني الجنة! فيقول: ردوه.

فيوقف بين يديه، فيقول: يا عبدي، من خلقك ولم تك شيئا؟ فيقول أنت يا رب. فيقول: من قواك لعبادة خمسمائة سنة؟ فيقول: أنت يا رب! فيقول: من أنزلك في جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح وأخرج لك كل ليلة رمانة وإنما تخرج مرة في السنة، وسألتَه أن يقبضك ساجدا ففعل؟ فيقول: أنت يا رب! قال: فذلك برحمتي، وبرحمتي أدخلك الجنة. أدخلوا عبدي الجنة؛ فنعم العبد كنت يا عبدي! فأدخله الله الجنة! قال جبريل: إنما الأشياء برحمة الله يا محمد".

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة، صُبّها علينا صَبا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وعاف مبتلانا. اللهم احفظ بلادنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]. فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.