البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

العربية

المؤلف عبد الملك بن محمد القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد
عناصر الخطبة
  1. لبس الحلقة والخيط وحكمهما .
  2. إقامة الحجة على المشركين .
  3. أقسام أسباب الشفاء وحكمه .
  4. النهي عن كل ما يعلق واعتقاد الشفاء به .

اقتباس

وربما انحرف بعض الناس عن اللجوء إلى هذا الرب العظيم ذي القوة والجبروت، فيتجهون إلى أمور محرمة ظنًا منهم أنها تحميهم وتحمي أولادهم ونعمهم، وتحافظ على محبوباتهم؛ ومن ذلك: لبس الحلقة والخيط ونحـوهما، لرفع البلاء أو دفعه، والحلقة: كل شيء استدار من صُفْر وغيره، والخيط ونحوهما: كالودعة والتميمة والمسمار والخرزة ونحو ذلك؛ لرفع البلاء أو إزالته بعد نزوله، أو دفعه ومنعه قبل نزوله

 

 

 

 

 الحمد لله حمدًا يليق بجلاله، والشكر له على جزيل إنعامه وجميل أفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته وأفعاله، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله الصادق في فعاله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس ونفسي- بتقوى الله؛ فاتقوه -رحمكم الله- تقوى من أناب إليه، واحذروه حذر من يؤمن بيوم العرض عليه، واعبدوه مخلصين له الدين، وراقبوه مراقبة أهل اليقين، وعلى الله فتوكلوا إنْ كنتم مؤمنين.

عباد الله: لما كان الإنسان في حياته ومعيشته يطلب السلامة والنجاة، ويحذر الشرور والآفات، كان له ملجأ وملاذٌ يستعين به على حفظ نفسه وولده ونعمه ومحبوباته، وذلكم هو رب العالمين -جل جلاله-.

وربما انحرف بعض الناس عن اللجوء إلى هذا الرب العظيم ذي القوة والجبروت، فيتجهون إلى أمور محرمة ظنًا منهم أنها تحميهم وتحمي أولادهم ونعمهم، وتحافظ على محبوباتهم، ومن ذلك: لبس الحلقة والخيط ونحـوهما، لرفع البلاء أو دفعه، والحلقة: كل شيء استدار من صُفْر وغيره، والخيط ونحوهما: كالودعة والتميمة والمسمار والخرزة ونحو ذلك؛ لرفع البلاء أو إزالته بعد نزوله، أو دفعه ومنعه قبل نزوله.

ويجمع ذلك شيء واحد وهو الطلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله؛ واتخاذ تلك الأشياء ونحوها من أعمال الجاهلية، وكانوا يعلقونها على أولادهم ودوابهم، وذلك شرك أكبر ينافي التوحيد بالكلية، أو شرك أصغر ينافي كماله الواجب؛ لأنه الشافي الكافي من كل شيء هو الله -سبحانه- وطلب الشفاء والبركة بالحلق والخيوط وغيرها؛ هضم لجناب التوحيد.

ولبسها على قسمين: اعتقاد أنه سبب، فشرك أصغر، أو يدفع أو ينفع فشرك أكبر؛ لأنه اعتقد أن هناك متصرفًا بالنفع والضر غير الله -سبحانه-.

وقد أمر الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للمشركين: (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) [الزمر] أي: أخبروني عن الذين تدعون من دون الله، وتسألونهم من الأنداد والآلهة، إن أصابني مرض أو فقر أو بلاء أو شدة (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ) أي: أنتم تعلمون أنهم لا يقدرون على ذلك أصلاً، وتعترفون بذلك؛ (أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ) صحة وعافية وخير: (هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) أي: أنتم تعلمون أنهم لا يستطيعون شيئًا من الأمر، وتعترفون أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك، فإذا علمتم أنهم لا يقدرون على ذلك؛ فلم تعلقون عليهم من دون الله؟!

ثم أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) أي: الله كاف من توكل عليه، وفوض أمره إليه واعتمد عليه، فإذا كانت آلهتهم التي يدعون من دون الله لا قدرة لها على كشف ضر أراده الله بعبده، أو إمساك رحمة أنزلها على عبده، فيلزمهم بذلك أن يكون الله -سبحانه وتعالى- هو معبودهـم وحـده، المفـوض إليه جميع أمورهم، لزومًا لا محيد لهم عنه.

وهذا في القرآن كثير، يقيم -تعالى- الحجة على المشركين بما يبطل شركهم بالله، وتسويتهم غيره به في العبادة، بضرب الأمثال وغير ذلك مما يعلمون به أن ذلك لله وحده، ويقرون به، على ما يجحدونه من عبادته وحده، هذا وهم إنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر: 3] لا على أنهم يكشفون الضر، ويجيبون دعاء المضطر، كما قال -تعالى-: (إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل: 53]

قال مقاتل: "سألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فسكتوا، لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها؛ وإذا كان ذلك كذلك بطلت عبادتهم الآلهة مع الله، وإذا بطلت فلبس الحلقة والخيط ونحوهما كذلك".


وهذه الآية وأمثالها تبطل تعلق القلب بغير الله في جلب نفع، أو دفع ضره، وأن ذلك لا يكون إلا بالله وحده، وأن جميع أنواع العبادة لا يصلح منها شيء لغير الله، كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وكذلك لا يصلح شيء من أنواع التعلقات بغير الله -عز وجل-.

عباد الله: يتخذ الناس أسبابًا للشفاء من الأسقام والأمراض، وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين:

الأول منها: أسباب مباحة؛ وهي ما ثبت بطريق مشروع أو مباح؛ كالرقية والعسل، والحبة السوداء، أو الأدوية المباحة؛ مع وجوب تعلق القلب بالله -سبحانه- وعدم الاعتماد عليها.

الثاني: أسباب محرمة، وهي تلك الأسباب التي يتعلق بها بعض الناس؛
كـلبس الحلقة والخيط وغيرهما، وهي تضر ولا تنفع، وحـكمها إن اعتقـد أنها تنفع بذاتها فهذا شرك أكبر ينافي التوحيد بالكلية، وإن اعتقد أنها سبب من الأسباب فهذا شرك أصغر ينافي كمال التوحيد الواجب.

وفي الحديث عن عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صُفْر، فقال: "ما هذه؟" قال: من الواهنة، قال: "انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنًا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا" رواه أحمد.

ونبي هذه الأمة -صلى الله عليه وسلم- لا خير إلا دلها عليه، ولا شر إلا حذرها منه، والحديث يدل على محاربة الشرك والإنكار على فاعله، فقد أبصر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يلبس حلقة من صُفْر لتعصمه من المرض، فأمر -صلى الله عليه وسلم- بالمسارعة إلى طرحها، لأن هذا مُنكر يجب إزالته ويحرم بقاؤه، وأخبره بأنها لا تنفعه بل تضره، وأن هذا المرض الذي لبسها له لا يزول، بل تزيده ضعفًا معاملة له بنقيض قصده؛ لأنه علق قلبه بما لا ينفعه، ولا يدفع عنه الضر، وهي دليل على الخيبة والخسران.

وكذا كل أمر نهى -صلى الله عليه وسلم- عنه فإنه لا ينفع غالبًا، وإن نفع بعض النفع فضرره أكبر من نفعه؛ وابتلاء من الله وامتحان، وهكذا شأن الأمور الشركية، ضررها على أصحابها في الدنيا في الغالب والآخرة، وذلك من أجل التفات قلوبهم إلى غير الله، ومن تعلق شيئًا وُكِّلَ إليه، ومن وُكِّلَ إلى غير الله هلك، وإذا كان هذا في الشرك الأصغر الذي يجامع أصل التوحيد، فكيف بالشرك الأكبر الذي ينافيه بالكلية.

وبعد أن طلب الرسول -صلى الله عليه وسلم- منه أن ينزعها، وأنها لا تزيده إلا وهنًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فإنك لو مِتّ وهي عليك ما أَفلحت أَبدًا".

نفى عنه -صلى الله عليه وسلم- الفلاح لو مات وهي عليه؛ لأنه شرك والحالة هذه، والفلاح من أجمع الكلمات التي نطقت بها العرب، وهو الفوز والظفر والسعادة.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: "فيه شاهد لكلام الصحابة: أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وأنه لم يُعذر بالجهالة؛ والشاهد منه إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه دليل على المنع من لبس الحلقة والخيط ونحوهما لذلك؛ وفيه إنكار المنكرات الشركية".

عباد الله: عن عقبة بن عامر مرفوعًا: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له"، التميمة: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم، يزعمون أنها تقي من العين؛ وتعليق التمائم شرك لما في ذلك من تعلق القلب، واعتماده على غير الله في طلب النفع، أو دفع الضر.

فدعا -صلى الله عليه وسلم- على من علق تميمة عليه أو على غيره من طفل أو دابة أو غير ذلك؛ متعلقًا بها قلبه في طلب خير أو دفع شر أن يعامله الله بنقيض قصده، أن لا يتم له مقصوده من تعليقها؛ وهو السلامة من العين؛ بل دعا عليه أن تتسلط عليه العين معاملة له بنقيض قصده؛ ودعاؤه -صلى الله عليه وسلم- على متعلقها يفيد أنه مُحرم، وتحريمه يفيد أنه من المحرمات الشركية، وإنما كان شركًا لما يقوم بقلبه من التعلق على غير الله، في جلب نفع أو دفع ضر، وكمال التوحيد لا يحصل إلا بترك ذلك.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"، الودعة: شيء أبيض يُجلب من البحر، يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم، وقيل يشبه الصدف، يتقون به العين، وكانوا يتلمحون من اسمها الدعة والسكون؛ فدعا -صلى الله عليه وسلم- على من تعلق ودعة أن لا يجعله في دعة وراحة وسكون؛ بل يحرك عليه كل مؤذٍ معاملة له بنقيض قصده.

وفيه وعيد شديد لمن فعل ذلك، يفيد أنه مُحرم وإذا تقرر أنه مُحرم، فالرواية الثانية: "من تعلق تميمة فقد أشرك" بينت أنه من لمحرمات الشركية.

فقد أقبل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وأمسكت عن هذا، فقال: "إن عليه تميمة" فأدخل يده فقطعها فبايعه، وقال: "من تعلق تميمة فقد أشرك" رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر.

وإنما جعلها -صلى الله عليه وسلم- شركًا، لأنه أراد رفع القدر المكتوب، وطلب دفع الأذى من غير الله -تعالى- الذي هو النافع الضار؛ والتعلق يكون بالفعل كمن يلبس تميمة على صدره أو يده، أو بالقلب كمن يضع التميمة تحت الوسادة أو في مكان آخر مُعلقًا قلبه بها، أو بالفعل والقلب معًا؛ كمن يلبس التميمة معلقًا قلبه بها.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "من تعلق قلبه بمخلوق بالمخلوق عاجز، وهو من الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة، وذلك أن يرجو العبد قضاء حاجته من غير ربه، وصرف القلب عن التعلق بالمخلوق؛ بمعرفة أن لا خالق إلا الله، فلا يستقل سواه بإحداث أمر من الأمور، بل ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فإذا تحقق العبد ذلك كان سببًا لأن ينال مطلوبه".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ) [الأنعام: 17].

 

 

 

 

  

  الخطبة الثانية:

 

 الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، -صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: لابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف: 106]

حذيفة -رضي الله عنه- الصحابي الجليل رأى رجلاً ربط في يده خيطًا يتقي به مرض الحمى بزعمه، فقطعه منكرًا عليه ذلك؛ لأن التمائم والخيوط التي يعلقها الجهال شرك يجب إنكاره، وإزالتها بالقول والفعل.

وروى وكيع عن حذيفة أنه دخل على مريض يعوده فلمس عضده، فإذا فيه خيط، فقال: "ما هذا؟ قال: شيء رُقي لي فيه، فقطعه، وقال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك"؛ وفيه وجواب إزالة المنكر مع القدرة على ذلك، وإن كان يعتقد أنه سبب، فإنه لا يجوز من الأسباب إلا ما أباحه الله، مع عدم الاعتماد عليه، وأن تعليق الخيوط والحروز والطلاسم والتمائم ونحو ذلك شرك يجب إنكاره؛ وإزالته بالقول والفعل، وإن لم يأذن فيه صاحبه، بل يفيد شرعية المثابرة في قطع المنكرات، والمبادرة إلى إزالتها بلا ممالاة لأحد، لقوله -عليه الصلاة والسلام- كما روى ذلك مسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الإيمان" هذا حكم ما يوجد من المنكرات، وأهمها الأمور الشركية.

عباد الله: المشركون يقرون بتوحيد الربوبية، ولكنهم يشركون في الألوهية، فيعبدون مع الله غيره. فإقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، لذا قال الله عنهم: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ) أي: بتوحيد الربوبية (إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) أي: بتوحيد الألوهية.

وفي إستدلال حذيفة -رضي الله عنه- بهذه الآية على أنه شرك دليل على حجة الإستدلال على الشرك الأصغر بما نزل في الأكبر لشمول الآية؛ فعاب حذيفة -رضي الله عنه- على الرجل الذي في يده خيط من الحمى مشابهته المشركين في تعلقه بالخيط لرفع الضر عنه.

فالله وحده كاشف الضر، كما قال -سبحانه-: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 17]

هذا، وصلوا على نبيكم محمد بن عبد الله.