الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - فقه النوازل |
أيها المسلمون: إن أعداء الإسلام يكيدون له من كل وجه، ويغزونه من كل ناحية، غزوه من ناحية الفكر والعقيدة، فصرفوا الأفكار عن اعتدالها، وغيروا العقيدة عن وجهها، وأدخلوا على الدين قوانين وأحكاما، تناقض أحكام الإسلام وقوانينه. وغزوا الإسلام من ناحية الأخلاق والمثل العليا، فـ...
الحمد لله: (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)[الفتح: 28].
والحمد لله الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، وتصريف الأمور كما يشاء تصريفا لا يخرج عن فضله أو عدله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو أن نكون بها ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وكل من اهتدى بهديه، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: (اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119].
فاصدقوا الله في نياتكم، واصدقوا الله في أقوالكم، واصدقوا الله في أعمالكم.
عاملوا الله بصدق وعزيمة، اعبدوه حق عبادته، قوموا بأمره ما استطعتم، وانصروا الله ينصركم، ولا تتخلوا عن طاعته، فيتخلى عنكم: (فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)[الزمر: 41].
(وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)[فصلت46].
أيها المسلمون: إن أعداء الإسلام يكيدون له من كل وجه، ويغزونه من كل ناحية، غزوه من ناحية الفكر والعقيدة، فصرفوا الأفكار عن اعتدالها، وغيروا العقيدة عن وجهها، وأدخلوا على الدين قوانين وأحكاما، تناقض أحكام الإسلام وقوانينه.
وغزوا الإسلام من ناحية الأخلاق والمثل العليا، فأفسدوا الأخلاق، وهدموا المثل.
وغزوا الإسلام من الناحية العسكرية، فقاتلوا المسلمين وحاربوهم، ولم يزالوا كذلك كلما حانت لهم الفرصة، ووجدوا الغفلة من المسلمين.
أيها المسلمون: وإن علينا أن نحذر، وعلينا أن ننتبه، وعلينا أن نعرف الداء لنعرف الدواء.
علينا أن نقف لهؤلاء الأعداء، لنرد كيدهم في نحورهم مستعينين في ذلك بالله، ومستعملين جميع الأسباب المادية والمعنوية لقمع تحركاتهم، ودحر مكايدهم.
إن علينا أن نلتزم عند مجابهة هؤلاء الأعداء بأمور:
أولها: إخلاص النية لله، بأن ننوي بذلك إعلاء كلمة الله، وتثبيت شريعته، وتحكيم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإن هذه هي النية الخالصة الصادقة.
وثانيها: صدق العزيمة، وقوة التنفيذ لأوامر الله -تعالى-، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، كما حصل للصحابة -رضي الله عنهم- مع نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، فلقد حصل عليهم في غزوة أحد ما حصل من التعب والجهد والمشقة، واستشهاد من استشهد منهم، ولما هم المشركون بعد انصرافهم أن يرجعوا إليهم، ليقضوا عليهم؛ ندب النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين إليهم، فأجاب المسلمون إلى ذلك، مع ما فيهم من الجراح والتعب، استجابوا لذلك طاعة الله ورسوله، ورجاء لفضل الله ورضوانه، فأنزل الله -تعالى- فيهم: (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 172].
وهكذا جرى لهم عندما رجعوا من غزوة الأحزاب بعد طول الحصار والمشقة، ودخلوا المدينة مقبلين على الأهل والراحة، وعزم النبي -صلى الله عليه وسلم- على غزو اليهود بني قريظة، قال: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة".
فخرجوا في الحال إلى بني قريظة.
وهكذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- في صدق العزيمة لا يثنينهم التعب والنصب عن امتثال أمر الله ورسوله، ولذلك حقق الله لهم النصر على عدوهم، فكانت العاقبة لهم: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف: 128].
أيها المسلمون: هذا أمران: إخلاص النية، وصدق العزيمة.
الأمر الثالث: اجتناب معصية الله -تعالى-، فإن المعصية من أكبر أسباب الخذلان في الدنيا والآخرة.
ولقد حصل للصحابة -رضي الله عنهم- في أحد ما حصل من جراء معصية واحدة فقط، حصلت من بعضهم حين قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبرحوا مكانكم".
فلما رأوا المسلمين هزموا الكفار تخلى بعضهم عن هذا المكان الذي عينه لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحصلت الهزيمة، وفي ذلك يقـول الله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 152].
هذا ما حصل من أجل معصية واحدة من البعض، فكيف بمن عصوا الله في كثير من أمورهم، بل اعتقدوا أن التزام الدين والتمسك به رجعية تنافي التقدم؟.
الأمر الرابع: أن لا نعجب بأنفسنا بقوتنا أو بكثرتنا، فإن الإعجاب بالنفس سبب للحرمان؛ لأن معناه اعتماد الإنسان على قوته ونسيانه الله -تعالى-.
والإنسان مهما بلغ من القوة فهو ضعيف إلا بتقوية الله له.
ولقد كانت كلمة قالها بعض الصحابة يوم حنين حين بلغوا اثنى عشر الف مقاتل، فقالوا: "لن نغلب اليوم من قلة" فأراهم الله -تعالى- أن النصر من عنده، فقال: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[التوبة: 25 - 27].
الأمر الخامس: أن نعد العدة لأعدائنا بما استطعنا من قوة معنوية وحسية، وأن يكون إعدادنا بصمت وحكمة، حتى تأتي الحاجة.
ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعد العدة لأعدائه، وإذا أراد أن يغزو غزوة ورى بغيرها، حتى لا يعلم أعداؤه بما يريد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين | الخ |