البحث

عبارات مقترحة:

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

المسجد الأقصى فضائله ومكانته

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. دَعُونَا نُشَنِّفُ آذَانَنَا بِمَكَانٍ قَدَّسَّهُ اللهُ وَشَرَّفَهُ، وَعَظَّمَهُ وَكَرَّمَهُ؛ إنه مَسْجِدٌ يَسْكُنُ قَلْبَ كُلِّ مُسْلِمٍ، مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ، وَبَعُدَتْ بَينَنَا وَبَينَهُ الشّقَّةُ، مَهْمَا تَسَلَّطَ الأعْدَاءُ، وَتَخَاذَلَ المُسْلِمُونَ واسْتَسْلَمُوا وَأسْلَمُوهُ، إلَّا أنَّ اللهَ يَذْكَرَهُ لَنَا فِي القُرَآنِ العَظِيمِ بِلَفْظِ التَّقْدِيسِ، وَالأَرْضِ المُقَدَّسَةِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى. .

اقتباس

1/ من فضائل المسجد الأقصى 2/ أحداثُ منع المسلمين الصلاة في المسجد الأقصى 3/ دروس من تلك الأحداث 4/ التصاق نسَب الأقصى بوَرَثَتِهِ المسلمين 5/ السبيل للأقصى وفلسطين

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ تَعَالى وَتَقَدَّسَ، اصْطَفَى الحَرَمَينِ وَبيتَ المَقْدِس، نَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ لا شَريكَ لَهُ، جَعَلَ الأَيَّامَ دُولاً، والأُمَمَ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ عِبَراً وَمَثَلاً.

ونَشهدُ أنَّ محمَّداً عَبدهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ، وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابعينَ، وَمَن تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدين.

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -يَا مُؤمِنُينَ- وَراقِبوهُ، وَأَطِيعُوا أَمْرَهُ ولا تَعْصُوهُ، فَمَا اسْتُجْلِبَتِ الخَيرَاتُ إلَّا بِالطَاعَاتِ، ولا مُحِقَتِ البَرَكَاتُ إلَّا بِالمَعَاصِي، وَ"إنَّ العَبْدَ لَيُحرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِّ يُصِيبُهُ".

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: قَبلَ أَن يَكُونَ في الأَرضِ كَنِيسَةٌ أَو مَعبَدٌ، كَانَت قَوَاعِدُ البَيتِ الحَرَامِ قَد أُرسِيَت على يَدِ إبْرَاهِيمَ -عليهِ السَّلامُ-، وَبَعدَ أَربَعِينَ سَنَةً بُنِيَ بَيتٌ مُقَدَّسٌ بِأَمرٍ مِنَ اللهِ -تَعَالى-، فَعَن أَبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسجِدٍ وُضِعَ في الأَرضِ أَوَّل؟ قَالَ: "المَسجِدُ الحَرَامُ"، قُلتُ: ثم أَيّ؟ قَالَ: "المَسجِدُ الأَقصَى"، قُلتُ: كَم كَانَ بَينَهُمَا؟ قَالَ: "أَربَعُونَ سَنَةً".

وَسُبْحَانَ اللهِ! كَمَا تَتَابَعَ على عِمَارَةِ المَسجِدِ الحَرَامِ أَخْيَارٌ وَفُضَلاءُ، فَقَد عَمَرَ الأَقصَى عَدَدٌ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالخُلَفَاءِ، مِن أَشهَرِهِم إِبرَاهِيمُ الخَلِيلُ -عليهِ السَّلامُ- وَأَبنَاؤُهُ وَذُرِّيَّتُهُ، وَعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَبدُ المَلِكِ بنُ مَروَانَ، وَصَلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ، وَغَيرُهُم.

عبَادَ اللهِ: دَعُونَا نُشَنِّفُ آذَانَنَا بِمَكَانٍ قَدَّسَّهُ اللهُ وَشَرَّفَهُ، وَعَظَّمَهُ وَكَرَّمَهُ؛ إنه مَسْجِدٌ يَسْكُنُ قَلْبَ كُلِّ مُسْلِمٍ، مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ، وَبَعُدَتْ بَينَنَا وَبَينَهُ الشّقَّةُ، مَهْمَا تَسَلَّطَ الأعْدَاءُ، وَتَخَاذَلَ المُسْلِمُونَ واسْتَسْلَمُوا وَأسْلَمُوهُ، إلَّا أنَّ اللهَ يَذْكَرَهُ لَنَا فِي القُرَآنِ العَظِيمِ بِلَفْظِ التَّقْدِيسِ، وَالأَرْضِ المُقَدَّسَةِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى.

نَعَمْ، لَقَدْ بَارَكَهُ وَبَارَكَ مَا حَوْلَهُ؛ فَفَاضَتْ بَرَكَتُهُ الدِّينِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة، حَتَّى بُورِكَ مَا حَوْلَهُ. لَمْ تُذكَرْ الأرْضُ المُقَدَّسَةُ في كِتَابِ اللهِ إِلاَّ مَقرُونَةً بِوَصفِ البَرَكَةِ؛ قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ) [الإسراء:1]. وَقَالَ -تَعَالى- عَلَى لِسَانِ مُوسَى -عليهِ السَّلامُ-: (يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَّسَةَ) [المائدة:21]. وَقَالَ حِكَايَةً عَن إِبرَاهِيمَ: (وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالَمِينَ) [الأنبياء:71]. بَلْ أَقْسَمَ اللهُ بِثَمَرَتِهِ فَقَالَ: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [التين:1]. قَالَ كَعْبٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيهِمْ-: هُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد ظَلَّ المَسجِدُ الأَقصَى قِبلَةَ الأَنبِيَاءِ، بَل كَانَ القِبلَةَ الأُولَى لِلمُسلِمِينَ أَربَعَةَ عَشَرَ عَامًا، فَمُنذ مَبعَثِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلى سِتَّةَ عَشَرَ شَهرًا مِن هِجرَتِهِ يُصَلِّي نَحوَ بَيتِ المَقدِسِ. عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَهُوَ فِي مَكَّةَ نَحوَ بَيتِ المَقدِسِ وَالكَعبَةُ بَينَ يَدَيهِ، وَبَعدَمَا هَاجَرَ إِلى المَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهرًا، ثُمَّ صُرِفَ إِلى الكَعبَةِ.

وَفي المَسجِدِ الأَقصَى صَلَّى النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَيلَةَ الإِسرَاءِ رَكعَتَينِ، ثم عُرِجَ بِهِ إِلى السَّمَاءِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ في صَحِيحِ مُسلِمٍ.

وَكَمَا كَانَ الأَقصَى هُوَ مَبدَأَ مِعرَاجِهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فَسَتَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ أَرْضَ المَنشَرِ وَالمَحشَرِ!.

عبَادَ اللهِ: وَمِن فَضَائِلِ المَسجِدِ الأَقصَى أَنَّهُ ثَالِثُ المَسَاجِدِ الَّتي لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَيهَا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسجِدِ الحَرَامِ، وَمَسجِدِ الرَّسُولِ، وَمَسجِدِ الأَقصَى".

وَعَن أَبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: تَذَاكَرنَا وَنَحنُ عِندَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَيُّهُمَا أَفضَلُ: مَسجِدُ رَسُولِ اللهِ أَو بَيتُ المَقدِسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: "صَلاةٌ في مَسجِدِي هَذَا أَفضَلُ مِن أَربَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعمَ المُصَلَّى! وَلَيُوشِكَنَّ أَن يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرضِ حَيثُ يَرَى مِنهُ بَيتَ المَقدِسِ خَيرٌ لَهُ مِنَ الدُّنيَا جَمِيعًا". وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ".

أيُّها المُؤمِنُونَ: وَمِثْل مَا تَذَاكَر الصَّحَابَةُ الكِرَامُ مَعَ رَسُولِ اللهِ، نَحْنُ اليومَ مَرَّتْ عَلَى قُدْسِنَا أَحْدَاثٌ جَعَلَتْنَا نَسْتَفِيقُ مِنْ غَفْلَتِنَا، وَنَصْحُو مِنْ سُبَاتِنَا، وَنَتَذَاكَرُ شَأنَ قُدْسنَا، وَحَقَّاً: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة:216]. فَحِينَ رَأَى اليَهُودُ الصَّهَايِنَةُ الأنْجَاسُ فِي عَصرِنَا ضَعْفَنا وَتَفَرُّقَنَا، عَادُوا إلى اسْتِفْزَازِ مَشَاعِرِ المُسْلِمِينَ فَاحتَلُّوا الأَقصَى، وَاستَولَوا عَلَى أَجزَاء مِنهُ، وَحَاوَلُوا وَضْعَ بَوَّابَاتٍ إلكْتُرُونِيَّةٍ عَبَثَاً لِيَتَحَكَّمُوا في الأقْصَى دُخُولاً وَخُرُوجَاً فَيَفْتَحُوا لِمَنْ شَاؤوا مَتى شَاؤوا!.

وَلَمْ يَكُونُوا يَتَوَقَّعُونَ أنْ تَكُونَ هَبَّةُ الشُّعُوبِ الإسْلامِيَّةِ والدُّولِ العَرَبِيَّةِ والإسْلامِيَّةِ بِهذِهِ الدَّرَجَةِ القَوِيَّةِ، فَقَدْ أصْدَرَتْ حُكُومَةُ خَادِمِ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ اسْتِنْكَاراً لِعَمَلِ الصَّهَايِنَةِ وَعَدَّتْ ذَلِكَ انْتِهَاكَاً لِحُرُمَاتِ المَسْجِدِ الأقْصَى، وَتَعَدِّيَّاً سَافِراً، وَقَالتْ قِيَادَتُنَا بِلِسَانٍ وَاحِدٍ: الأَقْصَى فِي قُلُوبِنَا لا يُمْكِنُ أنْ نُفَرِّطَ فِيهِ.

نَعَمْ، لَقَدْ امْتَنَعَ إخْوَانُنَا المَقْدِسِيُّونَ مِن الدُّخُولِ عَبْرَ بَوَّابَاتِهِمْ، واعْتَصَمُوا خَارِجَ المَسْجِدَ الأقْصَى احْتِجَاجَاً عَليهِمْ، وَأبْشِروا؛ فَإنَّهُمْ مَنْصُورُونَ بِإذْنِ اللهِ -تَعَالى-! فــــ (إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].

هَذِهِ الأحْدَاثُ نِدَاءٌ تَقُولُ: فَتَعَلَّمُوا

يَا مَنْ خَضَعْتُمْ لِشُذَّاذِ اليَهُودِ وَمَنْ

أَرْخَيْتُمُ الرَّأْسَ فِي ذُلٍّ وَفِي هُوْنِ

هَذِي فِلَسْطِينُ مَازَالَتْ تُعَلِّمُكُمْ

مَعْنَى الإبِاءِ وَإِقْدَامِ المَيَامِينِ

اللهُمَّ طَهِّرَ الأقْصَى مِن رِجْسِ اليَهُودِ وَأَذْنَابِهِمْ وَأتْبَاعِهِمْ، وَرُدَّهُ إلى المُسْلِمِينَ رَدَّاً جَمِيلاً. بَارَكَ اللهُ لَناَ فِي القُرَآنِ العَظِيمِ، وَسُنَّةِ الهَادِي الأمِينِ، وَسَلامٌ على المُرْسَلِينَ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

الخطبة الثانية:

الحَمدُ للهِ الذي هَدَانَا لِلإسْلامِ، وَمَنَّ عَلَينَا بِبعْثَةِ خَيرِ الأَنَامِ، نَحْمَدُهُ -تَعَالى- عَلى نِعَمِهِ العِظَامِ، وَنَشْكُرُه على آلائِه الجِسَامِ.

وَنَشهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ العَلاَّمُ، وَنَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ القُدْوَةُ الإمَامُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَنَصَحَ لِلأُمَّةَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وَعلى آلِه وَأصْحَابِهِ وَالتَّابِعينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ. وَاعلَمُوا أَنَّ المَسجِدَ الأَقصَى حَقٌّ لِلمُسلِمِينَ؛ لأَنَّهُم وَرَثَةُ الرِّسَالاتِ، وَرِسَالَتُهُم هِيَ خَاتِمَتُهَا، وَكِتَابُهُم هُوَ المُصَدِّقُ لِمَا قَبلَهُ، وَالمُهَيمِنُ عَلَيهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ) [المائدة:48].

وَإِنَّمَا كَتَبَ اللهُ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ لِبَنِي إِسرَائِيلَ في أَوقَاتِ أَنبِيَائِهِم؛ لأَنَّهُم كَانُوا إِذ ذَاكَ أَحَقَّ مَن في الأَرضِ بِهَا؛ لِمَا هُم عَلَيهِ مِن إِيمَانٍ وَصَلاحٍ وَتُقى، وَاللهُ -تَعَالى- يَقُولُ: (وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء:105].

أَمَا وَقَدْ زَاغُوا وَبَدَّلُوا وَحَرَّفُوا دِينَ اللهِ -تَعالى-، فَقَد نَزَعَ اللهُ مِنهُمُ الحَقَّ؛ لأَنَّهُم لم يَكُونُوا لَهُ أَهلاً، وَنَسَخَ الشَّرَائِعَ بِالإِسلامِ وَجَعَلَهُ عَلَيهَا مُهَيمِنًا.

وَإنَّ صَلاةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِالأَنْبِياءِ جَمِيعَاً فِي بَيتِ المَقْدِسِ لَيلَةَ الإسْرَاءِ لَهِيَ إعْلانٌ بِأَنَّ الإسْلامَ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ الأَخِيرَةُ، وَأنَّ آخِرَ صِبْغَةٍ لِلْمَسْجِدِ الأَقْصَى هِيَ الصِّبْغَةُ الإسْلامِيَّةُ؛ فَالتَصَقَ نَسَبُ المَسْجِدِ الأَقْصَى بِهَذِهِ الأُمَّةِ الوَارِثَةِ.

كَيَف لا يَكُونُ أهْلُ الأقْصَى كَذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ قَالَ: "إذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلا خَيرَ فِيكُمْ".

إنَّهُمْ أهْلُ الطَّائِفَةِ المَنْصُورَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتي ظَاهِرِينَ عَلى الحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ"، قِيلَ: فَأَينَ هُمُ يَا رَسُول اللهِ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ المَقدِسِ"، أَوْ: "بِأَكْنَافِ بَيتِ المَقْدِسِ".

عِبادَ اللهِ: إنَّ فِلَسطِينَ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ أَرْضٍ دَخَلَتْ تَحْتَ سُلْطَانِ المُسْلِمِينَ يَومَا وَيُمْكِنُهَا فِي يَومٍ آخَر أنْ تَكُونَ خَارِجَهُ، فَهِيَ مَهْدُ الأَنْبِياءِ، وَمَوطِنُ الشَّرَائِعِ والرِّسَالاتِ، والمُسْلِمُونَ هُمُ الوَارِثُونَ الحَقِيقِيُّونَ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ سَمَاوِيَّةٍ سَابِقَةٍ، وَهُمُ الأَوْلَى بِكُلِّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) [البقرة:285].

أيُّها المُؤمِنُونَ: إنَّ فِلَسْطِينَ تَارِيخَاً وَأَرْضَاً وَمُقَدَّسَاتٍ وَمَعَالِمَ إرْثٌ وَاجِبُ القَبَولِ، مُتَحَتّمُ الرِّعَايَةِ، لازِمُ الصَّوْنِ والحِفَاظِ، فَلا وَاللهِ لا يَسُودُ الأَرضَ سَلامٌ وَهُم يُحَاوِلُونَ اغتِصَابَ الأَقصَى مِن أَهلِهِ! وَلا وَاللهِ لا يَتَحَقَّقُ أَمنٌ إِلاَّ بِعَودَتِهِ إِلى المُسلِمِينَ! وَلا يَأسَ وَلا قُنُوطَ مِن ذَلِكَ؛ فَقَدِ احتَلَّ النَّصَارَى المَسجِدَ الأَقصَى مِن قَبلُ، وَتَوَقَّفَتِ الصَّلاةُ فِيهِ تَسعِينَ عَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ بِقُوَّتِهِ عَودَتَهُ لإهْلِهِ، قَيَّضَ لَهُ صَلاحَ الدِّينِ فَطَهَّرَهُ مِن رِجسِهِم.

وَلَئِن تَوَلَّى مِنَ المُسلِمِينَ اليَومَ مَن تَوَلَّى أَو ضَعُفَ مِنهُم مَن ضَعُفَ؛ فَلَيَجعَلَنَّ اللهُ الفَتح يَومًا مَا عَلَى أَيدِي قَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ، أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ، يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ، فَأبْشِرُوا! فَإنَّ رَسُولَنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ فَيَقتُلُهُمُ المُسلِمُونَ، حَتَّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسلِمُ، يَا عَبدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي فَتَعَالَ فَاقتُلْهُ".

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: الوَاجِبُ المُتَحَتِّمُ فِي زَمَنِنا اليَقَظَةُ وَالاجْتِمَاعُ، وَالعَمَلُ الجَادُ، وإعْدَادُ القُوَّةِ وَالائْتِلافِ، وَتَرْك الخِلافِ؛ فَلا يَلِيقُ بِأُمَّةِ الإسْلامِ أنْ تَغْرَقَ فِي خِلافَاتٍ جَانِبِيَّةٍ، وَنَظَرَاتٍ إقْلِيمِيَّةٍ، يَجِبُ أنْ نُقَدِّمَ مَصَالِحَ الأُمَّةِ الكُبْرَى على كُلِّ مَصْلَحَةِ فَرْعِيَّةٍ، وَأَنْ نَسْمَعَ نِدَاءَاتِ الحَقّ وَالعَدْلِ، وَمُبَادَرَاتِ الحَزْمِ وَالعَقْلِ؛ فَالطَّرِيقُ إلى فِلَسْطِينَ عَبْرَ قَولِ اللهِ -تَعالى-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللِّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران:103]، وَقَولِهِ -تَعَالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال:60]، وَقَولِهِ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد:7].

فَاللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذل الشرك والمشركين، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهمَّ أَصْلِحْ أَحوَالَ المُسلمينَ، واجْمَعْهُم على الهُدَى والدِّينِ. اللهمَّ انْصُرْ المُسْتَضْعَفِينَ مِن المُسلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، انْصُرْهُمْ فِي فِلَسْطِينَ، اللهمَّ انْصُر المُرَابِطِين فِي أَكْنَافِ بَيتِ المَقْدِسِ يا ربَّ العالمينَ عزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَتَقَدَّسَتْ أَسمَاؤكَ، يَا مَنْ لا يُهْزَمُ جُنْدُهُ، وَلا يُخْلَفُ وَعْدُهُ، اللهمَّ إنَّ الصَّهَايِنَةَ قَد بَغَوا وَطَغَوا، فَهيئ لَهُمْ يَدَاً مِن الحَقِّ حَاصِدَة؛ اللهمَّ أَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ وَرِجْزَكَ إلَهَ الحَقِّ.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم..