البحث

عبارات مقترحة:

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. يوم القيامة يوم عظيم .
  2. وصف يوم القيامة .
  3. حديث القرآن عن القيامة .
  4. أقسام الناس وأحوالهم يوم القيامة .
  5. كيف النجاة غدا من هول يوم القيامة؟ .

اقتباس

إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ عَظِيمٌ، إِنَّهُ يَوْمٌ مَهُولٌ، تَضَعُ فِيهِ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا قَبْلَ أَوَانِهِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْهَلَعِ، وَفِيهِ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، بِسَبَبِ انْشِغَالِهَا بِنَفْسِهَا، إِنَّهُ يَوْمٌ تَتَفَطَّرُ فِيهِ السَّمَواتُ، إِنَّهُ يَوْمٌ يَشِيبُ فِيهِ الْوِلْدَانُ.. إِنَّهُ يَوْمٌ عَظِيمٌ يَوْمٌ رَهِيبٌ، تُزَلْزَلُ فِيهِ الْأَرْضُ وَتَتَصَدَّعُ فِيهِ أَرْكَانُهَا، وَتُخْرِجَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ كُنُوزٍ وَأَمْوَات.. إِنَّهُ يَوْمٌ يَتْرُكُ النَّاسُ أَنْفَسَ أَمْوَالِهِمْ وَأَغْلَاهَا وَأَحَبَّهَا إِلَى نُفُوسِهِمْ، ...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الأعْلَى، الذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَحَكَمَ عَلَى خَلْقِهِ بِالْمَوْتِ وَالفَنَاءِ، وَالْبَعْثِ إِلَى دَارِ الْفَصْلِ وَالْقَضَاءِ، لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وأشَّهَدُ أَن لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شرِيكَ لهُ، وأشَّهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّىَ الله علَيهِ وَعَلَى آلِهِ وأصَّحابَهِ وَمَنْ بِهُدَاهُمُ اقْتَدَى، وَسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاحْذَرُوا غَضَبَهُ وَأَلِيمَ عِقَابِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حَيَاتَنَا مَآلُهَا إِلَى الْفَنَاءِ وَدُنْيَانَا مَصِيرُهَا إِلَى الزَّوَال،ِ فَلا بُدَّ أَنْ نُفَارِقَ هَذِهِ الْحَيَاةِ وَاحِدَاً بَعْدَ الآخَرِ حَتَّى نَفْنَى جَمِيعَا, (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26- 27].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ عَظِيمٌ، إِنَّهُ يَوْمٌ مَهُولٌ، تَضَعُ فِيهِ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا قَبْلَ أَوَانِهِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْهَلَعِ، وَفِيهِ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، بِسَبَبِ انْشِغَالِهَا بِنَفْسِهَا، إِنَّهُ يَوْمٌ تَتَفَطَّرُ فِيهِ السَّمَواتُ، إِنَّهُ يَوْمٌ يَشِيبُ فِيهِ الْوِلْدَانُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا) [المزمل: 17- 18].

إِنَّهُ يَوْمٌ تَسِيرُ فِيهِ الْجِبَالُ وَتَتَقَلَّعُ حَتَّى لا يَبْقَى مِنَّا شَيْءٌ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُفَجَّرُ الْبِحَارُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ تُسَجَّرُ فِيهَا النِّيرَانُ حَتَّى يَنْشَفَ مَاؤُهَا وَتَمُوتَ حِيتَانُهَا، وَلا يُمْكِنُ بَعْدُ الانْتِفَاعُ بِهَا، إِنَّهُ يَوْمٌ تُبَعْثَرُ فِيهِ الْقُبُورُ وَيُحَصَّلُ مَا فِي الصُّدُورِ، وَتَشْهَدُ فِيهِ الْأَعْضَاءُ عَلَى صَاحِبِهَا، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ قَالَ اللهُ –تَعَالَى- (كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة: 11- 13].

إِنَّهُ يَوْمٌ تُبَدَّلُ فِيهِ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَيَبْرُزُ فِيهِ النَّاسُ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، فَأَيْنَ الْبُيُوتُ التِي كُنَّا نَدْخُلُهَا؟ وَأَيْنَ الْمَسَاكِنُ التِي كُنَّا نَسْتَتِرُ بِهَا؟ إِنَّهُ يَوْمٌ عَظِيمٌ يَوْمٌ رَهِيبٌ، تُزَلْزَلُ فِيهِ الْأَرْضُ وَتَتَصَدَّعُ فِيهِ أَرْكَانُهَا، وَتُخْرِجَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ كُنُوزٍ وَأَمْوَات..

إِنَّهُ يَوْمٌ يَتْرُكُ النَّاسُ أَنْفَسَ أَمْوَالِهِمْ وَأَغْلَاهَا وَأَحَبَّهَا إِلَى نُفُوسِهِمْ، إِنَّهُ يَوْمٌ يُحْشَرُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، حَتَّى الْوُحُوشُ فِي الْبَرَارِي وَالْقِفَارِ، وَالْحَيَوَانَاتِ فِي الْمِيَاهِ وَالْبِحَارِ، قَالَ اللهُ –تَعَالَى-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38].

إِنَّهُ يَوْمٌ يُؤْتَى فِيهِ بِجَهَنَّمَ تُجَرْجَرُ بِالسَّلَاسِلِ، لَهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، إِنَّهَا تُنَادِي أَهْلَهَا وَتَشْوِيهِمْ وَتُحْرِقُهُمْ، (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) [المعارج: 15- 17].

إِنَّهُ يُؤْتَى بِهَا يَرَاهَا النَّاسُ وَتَرَاهُمْ وَتُكَلِّمُ أَهْلَهَا وَتَسْمَعُهُمْ وَيَسْمَعُونَهَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) [الفرقان: 12].

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، يَوْمُ الْحَاقَّةِ يَوْمُ الطَّامَّةِ يَوْمُ الصَّاخَّةِ، إِنَّهُ يَوْمُ التَّنَادِ وَيَوْمُ النُّشُورِ، وَيَوْمُ الْحَسْرَةِ، فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 35- 37].

فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَتَمَنَّى الْمُشْرِكُ وَالْكَافِرُ أَنَّ يَدْفَعَ جَمِيعُ النَّاسِ فِدَاءً لَهُ لِكَيْ يَنْجُو مِنَ النَّارِ وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، قَدْ فَاتَ الْأَوَانُ، قَالَ اللهُ- تَعَالَى-: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) [المعارج: 11- 14].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَشَاهِدُهُ عَظِيمَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، لا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهَا، وَذَلِكَ لِطُولِ الْيَوْمِ وَتَنَوُّعِ أَحْوَالِهِ وَكَثْرَةِ الْخَلَائِقِ فِيهِ، إِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَجْعَلُ اللهُ الْأَرْضَ مَمْدُودَةً لا عِوَجَ فِيهَا وَلا أَمْتَ, بَلْ مُسْتَوِيَةٌ تَمَامَا، ثُمَّ يَجْمَعُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا الْخَلائِقَ وَتَتَشَقَّقُ السَّمَوَاتُ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى وَتَنْزِلُ مَلائِكَةَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُحِيطُونَ بِالْخَلَائِقِ، ثُمَّ تَنْزِلُ مَلائِكَةُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَيُحِيطُونَ بِالْخَلَائِقِ وَبِمَلائِكَةِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا, وَهَكَذَا حَتَّى تَكُونَ سَبْعَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.

ثُمَّ يَنْزِلُ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- نُزُولاً حَقِيقِيَّاً وَيَأْتِي لِيُحَاسِبَ الْمُكَلَّفِينَ، قَالَ اللهُ- تَعَالَى-: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) [الفجر: 21- 23].

فَيَا لَهُ مِنْ مَوْقِفٍ عَظِيمٍ، وَأَحْوَالٍ مُخِيفَةٍ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة: 13- 18].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: حِينَئِذٍ يُحَاسِبُ اللهُ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَاحِدَاً وَاحِدَاً، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فِحِسَابُهُ يَسِيرٌ وَمَسْتُورٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَفْضَحُهُ اللهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

ثُمَّ إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ نَصَبَ الصِّرَاطَ عَلَى جَهَنَّمَ، وَهُوَ جِسْمٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، يَمُرُّ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ حَسْبَ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يُجُوزُوهُ إِلَى الْجَنَّةِ.

ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ يَنْقَسِمُونَ بِحَسَبِ مُرُورِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُمُ الْكُفَّارُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُلْحِدِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهَؤُلاءِ لا يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ أَبَدَاً، وَإِنَّمَا تَتَرَاءَى لَهُمُ النَّارُ مِنْ بَعِيدٍ كَأَنَّهَا السَّرَابُ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضَاً، وقَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِمُ الْعَطَشُ، فَيَنْدَفِعُونَ إِلَيْهَا فَإِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَكُبْكِبُوا فِيهَا، وَأُغْلِقَتْ عَلَيْهِمْ أَبَدَ الآبِدِينَ لا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدَاً.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَهَؤُلاءِ يَبْقَوْنَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ, وَيَنْدَفِعُونَ مَعَهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ وَمَعَهُمْ نُورٌ وَظُلْمَةٌ، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَيْهِ انْطَفَأَ النُّورُ فَكُبْكِبُوا فِي النَّارِ مَعَ رُفَقَائِهِمْ فِي الْكُفْرِ، وَيَدْخُلُ  فِي هَذَا الصِّنْفِ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْعَلْمَانِيِّينَ وَاللِّيْبَرالِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْمُنَافِقِينَ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ فَهَؤُلاءِ هُمُ الذِينَ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْسَامٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الْمُطَّهَّرَةُ، كُلٌ يَمُرُّ بِحَسَبِ مَا مَعَهُ مِنْ عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ.

فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْفَرَسِ الْجَوَادِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَرِكَابِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْدُو عَدْوًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي مَشْيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفًا وَيَنْجُو، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفًا وَيُخْطَفُ فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْجِسْرَ عَلَيْهِ كَلَالِيبُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَهَذَا الذِي يُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ لَكِنْ عِنْدَهُ مَعَاصٍ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ أَوْبَقْتَهُ وَأَهْلَكَتْهُ، فَيُعَذَّبُ فِي النَّارِ مَا شَاءَ اللهُ مِنَ الزَّمَانِ ثُمَّ يَأْذَنُ اللهُ بِالشَّفَاعَةِ فِيهِ فَيُخْرَجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يُطَهَّرَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَمَعَاصِيه، نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.

فَاللهَ أللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كُونُوا عَلَى وَجَلٍ مِنْ عَذَابِ اللهِ وَاعْمَلُوا لِلنَّجَاةِ مِنْ نَارِهِ وَدُخُولِ جَنَّتِهِ، وَذَلِكَ بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ وَتَرْكِ الشِّرْكِ، وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَالْحَذَرِ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ، وَالْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا.

اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الغَضَبِ والرِّضَا، وَنَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى, وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ.

وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَسْأَلُكَ, بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَنَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.