الحيي
كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...
العربية
المؤلف | صلاح الدين بورنان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
فنحاسب أنفسنا ونتضرع إلى الله أن يتجاوز عن سيئاتنا وأخطاءنا, وأن نتوب إليه, نرجع إلى الله مادام في الوقت الإمكان, إنّه لابد من الأسف ولاينفع الأسف, ولابد من الندم ولا ينفع الندم؛ حين نقف بين يدي الله -جلا وعلا-, فأما المحسنون فإنهم سيندمون لماذا لم يكثروا من الأعمال الصالحة, وأمّا المسيئون فإنهم سيندمون على تفريطهم وإهمالهم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: اتقوا الله -سبحانه وتعالى- وأطيعوه, وامتثلوا أمره ولا تعصوه, وتفكروا في واقع حياتكم, تفكروا في مرِ الليل والنهار, وتعاقب الساعات والدقائق وغير ذلك, (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].
هذه الآية لو وقفنا عند قوله -سبحانه-: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ) لوتأملنا في معنى من معاني هذه الآية؛ لوجدنا أن عمر الإنسان من أوله إلى آخره يتكون من الليل والنهار, يتكون من الدقائق يتكون من الساعات, يتكون من فصول السنة, يتكون من العام الذي نطويه عاما بعد عام.
يا عبادالله: إذا تفكرنا في حقيقة الأمـر فإننا نودع في كل لحظة قطعة من الزمان في كل وقت وفي كل ليلة, ويوم نودع جزءً من الزمان الذي هو قطعة من أعمارنا؛ الساعات والدقائق والليالي والأيام والشهور والسنين كلها من أعمارنا, نودعها ونطويها على ما فيها من خير أو شرّ, وكذلك نستقبل عاما جديدا بدقائقه وساعاته وأيّامه ولياليه وفصوله الأربعة, وكذلك نودعه كما استقبلناه, وهكذا دواليك..
إننا إذا فكرنا في هذا الأمر جيدا جعلنا نفكر فيما تنطوي عليه هذه الأوقات, وما تنطوي عليه هذه الأيام، وإننا جميعا -ولله الحمد- نؤمن بهذه الحقائق: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18], فالله -سبحانه وتعالى- وكّل بنا من يكتب مانلفظ به, (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء: 13، 14], (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: 12], نؤمن بهذه الحقائق, ونصدق بهذه الحقائق, ونؤمن كذلك (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) [فصلت: 46], ونؤمن أنّ (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) [القيامة: 14، 15], ونؤمن أنّ (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].
كل هذه الحقائق التى نؤمن بها ونعتقدها, تحتم علينا أن نحاسب أنفسنا, وأن نقف عند نهاية الأيام والليالي, عند نهاية الشهور والسنين؛ نقف وقفة من يحاسب نفسه ويعلم أنّه إن لم يحاسب نفسه؛ فإنّه محاسب لابد, إنّه لابد أن يقف تلك الساعة بين يدي الله -جلا وعلا- لايملك قوة, ولايملك مالا, ولايملك جيشا, ولايملك حسبا ولا نسبا, (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88، 89].
إنّ هذه الساعة لابد أن تمرّ بكل واحد منّا, "لَا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟" هذه الحقائق نعتقدها ونؤمن بها جازمين بإذن الله -جلا وعلا-, ليس لدينا شك أو تردد؛ وإنّما هو الغفلة والنسيان, وإنّما هو الجهل أو التجاهل.
عباد الله: علينا أن نقف وقفة مع أنفسنا, وقفة من يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا, فنحاسب أنفسنا ونتضرع إلى الله أن يتجاوز عن سيئاتنا وأخطاءنا, وأن نتوب إليه, نرجع إلى الله مادام في الوقت الإمكان, إنّه لابد من الأسف ولاينفع الأسف, ولابد من الندم ولا ينفع الندم؛ حين نقف بين يدي الله -جلا وعلا-, فأما المحسنون فإنهم سيندمون لماذا لم يكثروا من الأعمال الصالحة, وأمّا المسيئون فإنهم سيندمون على تفريطهم وإهمالهم.
فتدبروا الأمر -عباد الله- تدبروا الأمر, واعلموا أنكم محاسبون ومجزيون على أعمالكم صغيرها وكبيرها, الأقوال منها والأفعال, الاعتقادية وأعمال الجوارح.
فعلينا أن نتوب إلى الله, وأن نحاسب أنفسنا, وأن نرجع إليه رجوعا حقيقيا, يقول -سبحانه وتعالى-: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49].
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إِحسانِه، والشّكرُ له على توفيقِه وامتِنانِهِ، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شَريكَ لَه تعظيمًا لشأنِه، وأَشهَد أنّ نبيَّنا وسيّدنا محمَّدًا عبده ورسولُه الداعِي إلى رضوانِه، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأَصحابه وإخوانِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أيها المؤمنون: كل واحد منّا لا بد أن يكون عنده تقصير في جانب من الجوانب؛ إما في أوامر الله كالصلاة والصيام والزّكاة والحج, وغير ذلك مما أمر به الله, أو عنده انتهاك لحرمات الله, أو تساهل في النّواهي كالمكروهات والمحرّمات, فهلا يحاسب كل واحد منّا نفسه, ويتوب إلى الله -سبحانه وتعالى- من تفريطه وتقصيره الذي حصل له في عمره الماضي الذي مرّ كلمح البصر، بالأمس القريب هو طفل صغير يلعب في الشارع مع الأطفال, واليوم كهل أو شيخ, وقد مضى هذا العمر, فليتب إلى الله -سبحانه-.
الله -جلا وعلا- ليس بحاجة إلى طاعتنا ولا عبادتنا, وإنما هو صاحب الفضل والكرم والإحسان قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56], "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"
فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزينوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا, ويقيناً صادقاً, وتوبةً قبلَ الموتِ, وراحةً بعد الموتِ, ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة, ولا فتنةً مضلة,
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ, واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين, يا ربَّ العالمين.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور, وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين, وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.