البحث

عبارات مقترحة:

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

السياحة بين المشروع والممنوع

العربية

المؤلف عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الأمر بالسير في الأرض للاعتبار .
  2. ثمرة السياحة في الأرض وحكمتها .
  3. واقع السياحة اليوم .
  4. المرأة والسياحة .
  5. حكم عمارة البيوت التراثية لأجل السياحة .

اقتباس

فإنَّ من المؤسف عمارة البيوت التراثية بالأموال الطائلة بدون غرض السكن فيها, إنما تبنى لأجل السياحة, في حين تجدون من الناس من لا يستطيع بناء بيت يؤويه ويؤوي أسرته؛ لقلة ذات يده, فلو بذلت تلك الأموال لبناء بيوت للمحتاجين لكان في ذلك أجراً عظيماً, وفوائد جمة على الفرد والمجتمع, وصلاحاً لحال الفقراء والمساكين...

الخطبة الأولى:

الحمدلله الذي هدانا للإسلام, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون- واعتبروا بما جرى للأمم السابقة من قصصٍ وأحداث, قصَّها القرآنُ الكريم علينا, وما بقي من آثارهم, مما نشاهدُه في مدنهم التي سكنوها؛ قومُ ثمود, وقومُ فرعون, وغيرهما, وعلى من زار ديارهم أن يعتبر من حالهم, وما حلَّ بهم من غضبِ الله وسخطه؛ لمَّا عصوه فطغوا وتجبَّروا وعتوا واستكبروا.

قال -تعالى-: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137], قال الإمام السعدي -رحمه الله-: (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) بأبدانكم وقلوبكم (فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خوت ديارهم، وتبين لكلِّ أحدٍ خسارَهم، وذهبَ عِزُّهم وملُكهم، وزالَ بذخهم وفخرهم، أفليس في هذا أعظمَ دليلٍ، وأكبرَ شاهدٍ على صدق ما جاءت به الرسل؟". وقال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) [فاطر: 44].

أيها المسلمون: إنَّ السيرَ في الأرض للنظر في عاقبة الذين كذَّبوا رسلهم وخالفوا ما أُمروا به, مع قوتهم التي لم تُغن عنهم شيئاً ولا نفعهم ما خلَّفوا من آثار؛ لأنهم كذبوا بالحق الذي جاءت به رسلهم, فالسياحة في آثارهم إنما هو سيرٌ في آثار أممٍ بائدةٍ أهلكهم الله ودمَّرهم, فجعلَ منازلهم موحشةً خراباً بعدهم.

إنَّ السياحةَ في الأرض إنَّما هي للنظر والاعتبار والتفكرِ والاستبصار, ليس لاقتراف المعاصي, ولا للهوِّ والغفلة, ولا للتمتع بما حرَّم الله.

أيها المسلمون: في هذا الزمن اهتمَّ الناسُ بالمواقع الأثرية, والأماكن السياحية التراثية, مما لم يُعرف له نظير عندنا من قبل, فانشغلَ الناسُ بها, وجعلوها مُتنفساً لهم, وتجارةً تُدرُّ عليهم الأموال, وقد تَكلَّف أقوامٌ بتحديد المواقع الغابرة, مما لا يُعلم صوابه من خطئه.

وانصرافُ أقوامٍ إلى هذه الأمور, إنَّما هو لأجل الرفاهية التي يعيشونها, والرخاء الذي مدَّ ظلاله, فساروا إليها متلهِّفون, ومن التفكر والاعتبار غافلون, وهذا نذيرُ خطرٍ يدقُّ الأبواب, فما السياحة إلا لأجل أخذ العظةِ من حال السابقين.

عباد الله: إنَّ صناعة السياحة في البلدان الإسلامية وعلى رأسها الدولة السعودية -حرسها الله- يجبُ أن تكونَ مضبوطةً بضوابط الشرع المحمدي, ولا يصحُ أنْ تسايرَ السياحة الغربية, مما فيه مخالفة للدين, فلا لأماكن اللهو التي يخالطها ما حرَّم الله, ولا للاختلاط بين الرجال والنساء, خصوصاً إذا كانت النساءُ كاشفاتٍ وجوهَهُن, أو خالعاتٍ لحجابهنَّ, فإنَّ في الاختلاط من الشرور ما لا يخفى على ذي لبٍّ, وإذا كنَّ نساءً يزاولن مهنةَ الإعلام فيلتقينَ بالرجال وقد كسرنَ حاجزَ الحياءِ وشاركن الرجالَ فيما هو من خصائصه لا من خصائصهن, فيجب عليهن أن يتقين الله وأن يحافظن على دينهن وحيائهن.

وكذلك فإنَّ بعضاً من السائحات من الإعلاميات وغيرهن, يسافرن للأماكن السياحية بدون محرم, وقد نهى الإسلام عن ذلك, بل نهى المرأة أن تَحُجَّ بدون محرم, وأسقطَ عنها هذا الركن العظيم بمجرَّدِ عدمِ توفُّرِ المحرم في الحج, وهؤلاء النساء لا يسافرن لأداء ركن الحج؛ بل للسياحة والنزهة والتغطية الإعلامية, وقد جمعن إلى حرمة الاختلاط بالأجانب حرمةَ السفر بلا محرم, وهذا الصنيعُ منهنَّ يجبُ إنكاره وعدمُ إقراره, في الحديث المتفق عليه أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تسافر المرأةُ إلا مع ذي محرم، ولا يدخلُ عليها رجلٌ إلا ومعها محرم", فقال رجل: يا رسول الله! إني أريد أن أخرج في جيشِ كذا وكذا، وامرأتي تريدُ الحج، فقال: "اخرج معها".

عباد الله: لقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجل بأن يتركَ الجهادَ في سبيل الله والذي هو ذروة سنام الإسلام؛ ليخرج مع زوجته محرماً لها, كلُّ ذلك حرصاً على حفظ المرأة وصيانتها وحمايتها ورعايتها, فلا ينالُها أحداً بسوء, أو يتعرَّض لها متعرِّضٌ بأذى, فكيف تخرجُ المرأةُ للسياحة سفراً بدون محرم؟! وكيف تدخلُ على الرجال ويدخلونَ عليها بدون محرم, وكيف تخاطبُ الأجنبي عنها بخضوعٍ في القول ورِقَّةٍ في الكلام, وتبسُّطٍ في الحديث, إنَّ هذا المنكرَ يجبُ إنكارُه إذا وقع, والرفع للمسؤولين عنه, من باب إنكار المنكر الذي أمرنا الله ورسوله بإنكاره, لا أن يسكتَ المرء كأنَّ الأمرَ لا يعنيه, قال لقمان لابنه: (يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان: 17].

أيها المسلمون: وكذلك فإنَّ من المؤسف عمارة البيوت التراثية بالأموال الطائلة بدون غرض السكن فيها, إنما تبنى لأجل السياحة, في حين تجدون من الناس من لا يستطيع بناء بيت يؤويه ويؤوي أسرته؛ لقلة ذات يده, فلو بذلت تلك الأموال لبناء بيوت للمحتاجين لكان في ذلك أجراً عظيماً, وفوائد جمة على الفرد والمجتمع, وصلاحاً لحال الفقراء والمساكين, وكذلك فليس في بناء المساجد الأثرية حفظاً لها لكونها من الآثار فحسب, لا لأجل إقامة الصلاة فيها, فليس في بنائها أجراً؛ لأنها بُنيت حفظاً للآثار لا لإقامة الصلاة, فلو صرفت أموال ترميمها في بناء أو ترميم مساجد يُصلى فيها لكان في ذلك أجراً عظيماً لمن بناها.

عباد الله: إننا في زمنٍ كثرت فيه دواعي الشر, وكثرتْ فيه مواطنُ الفتن, فعلينا جميعاً التعاون على البر والتقوى, والتناصح فيما بيننا, أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر, بهذا يستقيمُ حالُنا ويصلحُ مآلنا, وكذلك فإنَّ من الواجب علينا أن تكونَ جميعُ الفعالياتِ والبرامجِ السياحية خالية من اللهو والطربِ والاختلاط, وغيرها مما هو ممنوعٌ شرعاً.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه غفور رحيم.