الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | علي بن يحيى الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن الجمال مطلب من المطالب البشرية التي جبلت النفوس على استحسانها. والتجمل والتزين من الأمور التي عنيت بها الشريعة الإسلامية عناية بالغة؛ لأن الانحراف فيها ذو عواقب وخيمة على الفرد، وعلى المجتمع، وفي الدنيا وفي الآخرة. فمن الزينة المطلوبة شرعاً...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
إن الجمال مطلب من المطالب البشرية التي جبلت النفوس على استحسانها، ولما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال له رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة" قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال" (الحديث رواه مسلم).
والتجمل والتزين من الأمور التي عنيت بها الشريعة الإسلامية عناية بالغة؛ لأن الانحراف فيها ذو عواقب وخيمة على الفرد، وعلى المجتمع، وفي الدنيا وفي الآخرة.
فمن الزينة المطلوبة شرعاً:
أولاً: إعفاء اللحى، في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب".
وفي الرواية الأخرى لهما عنه: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى".
وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس".
ومعنى: إعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها، ترك الشعر الذي ينبت على الخدين والعارضين، كما خلقه الله -تعالى- فلا يحلق، ولا يقص منه.
وتوفير اللحى من هدي النبيين، قال هارون لموسى: (يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي) [طـه: 94].
وعن أبي معمر قال: "قلنا لخباب: "أكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: بم كنتم تعرفون ذاك؟ قال: باضطراب لحيته" (أخرجه البخاري).
كما أن حلقها من هدي المشركين والمجوس، كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين". "خالفوا المجوس".
وليس معنى ذلك: أن من حلقها كان مشركاً أو مجوسياً، وإنما المقصود أن من فعله فقد تشبه بهم، وخالف هدي نبيه -صلى الله عليه وسلم- المخالفة المحرمة.
وإذا كان الشيء حراماً، فالإعانة عليه محرمة.
فالنصيحة لأصحاب محلات الحلاقة أن يجتنبوا الإعانة على هذا المنكر طلباً للكسب والربح، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
ثانياً: قص الشارب وجزه، قال صلى الله عليه وسلم: "جزوا الشوارب".
"احفوا الشوارب"؛ فيقص الشارب ولا يتركه ينزل على شفته.
وكذلك يخفف من كثافته وكثرته، لكنه لا يحلقه، بمعنى لا يستأصله بالموسى، كرهه مالك، بل وعدّه مُثله.
ثالثاً: نتف الإبط، في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس" وذكر منها: "نتف الإبط".
لأن بقاء الشعر في الإبط من أسباب انبعاث الروائح المستكرهة، فيكون في ذلك عنت ومشقة على من يخالطهم كزوجه وأولاده وأصحابه، وغيرهم.
والنتف ليس شرطاً، ولكنه الأفضل لمن قدر عليه، وإن أزاله الرجل أو المرأة بغير النتف كالحلق، أو غيره، فلا بأس، لكن فائدة النتف أنه يضعف أصول الشعر فلا يكثر.
رابعاً: حلق العانة، والعانة هي الشعر الذي ينبت حول الفرج، وإن أزاله بغير الحلق، فلا بأس؛ لأن القصد إزالته.
ولا يتولى حلق العانة إلا المرء نفسه، أو من يحل له الاطلاع على عورته، والذي يحل له الاطلاع على العورة الزوجة والأمة.
وهكذا أيضاً بالنسبة للنساء لا يحل للمرأة أن تمكن أخرى من الاطلاع على عورتها بدعوى تزييينها وتنظيفها، ونحو ذلك مما يقع في صوالين التجميل، أو في البيوت، فهذا منكر قبيح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" (رواه الترمذي وغيره).
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد".
خامساً: تقليم الأظفار، أظفار أصابع اليدين والرجلين، فتقليمها من الفطرة، ولأن تركها يؤدي طولها واجتماع الوسخ تحتها، وربما آذى نفسه أو غيره بها بقصد وبدون قصد.
ورويت أحاديث في تحديد أيام لقص الأظافر، والحث على دفنها، لكنها لا تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير أن الإمام أحمد استحب أن تدفن الأظفار لفعل ابن عمر -رضي الله عنه-.
وقد يطيل بعض النساء ذكوراً أو إناثاً أظفارهم، أو بعضاً منها من باب التقليد والمحاكاة، وهذا من التشبه المذموم، فلا هدي خير من هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين والناصح المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
ومن الزينة المطلوبة شرعاً: العناية بشعر الرأس، وذلك بدهنه وترجيله، قال صلى الله عليه وسلم: "من كان له شعر فليكرمه".
ولكن تربية الشعر بقصد التشبه بغير المسلمين، أو تربيته اتباعاً لما يسمى بالموضة، هذا قصد سيء، وفي الحديث: "إنما الأعمال بالنيات".
وهكذا اللعب بالشعر بقصه على الأشكال والهيئات المستوردة، كل هذا من المنكر، قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم".
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- له شعر يبلغ شحمة أذنيه، وقد يبلغ منكبه، وكان يدهنه ويرجله، وكان يفرقه صلى الله عليه وسلم.
ومن الزينة المستحبة: تغيير الشيب بغير السواد، عن جابر بن عبد الله قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد" (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم".
وأما تغييره باللون الأسود، فلا يجوز للحديث المتقدم، ولحديث ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة" (رواه أبو داود).
ثم اعلموا: أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.