المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
فنحن منذ ما يزيد على عشرة أشهر، ونحن نخالط الذنوب ونبتعد عن الطاعة، وها قد أقبلت أيام المصالحة والتوبة؛ فإن هذا القلب الضعيف، تغطيه الذنوب والسيئات، ويعلوه الران، ويثقل عن الطاعة، وينغمس في الدنيا وشهواتها؛ فمثل هذا القلب يحتاج إلى تطهير وتزكية، وتمرين على الطاعة؛ ليدخل موسم الخير وهو مشتاق للعبادة معتاد عليها...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله الذي يردف عليكم النعم، ويدفع عنكم النقم؛ فكم من جميل اسداه إلينا!، وكم من قبيح صرفه عنا!، ينزل علينا من بركات السماء ويخرج لنا من بركات الأرض، ونحن مقصرون في شكر النعمة؛ فاستغفروه -جل في علاه-؛ فهو الغفور الرحيم.
معاشر المؤمنين: سيطل علينا شهر الخير والرحمات بعد بضعة عشر يوما، ولا يخفى عليكم ما أودع الله فيه من الخيرات العظيمة والهبات الجسيمة، ومثل هذا الموسم يحتاج استعدادا وتهيئة، حتى لا يمر علينا مرور الكرام؛ فلقد كان سلف الأمة يستقبلون مواسم الخير بما يستطيعون من تهيئة النفس للعبادة، فنحن منذ ما يزيد على عشرة أشهر، ونحن نخالط الذنوب ونبتعد عن الطاعة، وها قد أقبلت أيام المصالحة والتوبة؛ فإن هذا القلب الضعيف تغطيه الذنوب والسيئات ويعلوه الران، ويثقل عن الطاعة، وينغمس في الدنيا وشهواتها؛ فمثل هذا القلب يحتاج إلى تطهير وتزكية، وتمرين على الطاعة؛ ليدخل موسم الخير وهو مشتاق للعبادة معتاد عليها.
عباد الله: وقفات نمر عليها سريعا، نحتاج لها قبل شهر رمضان:
الأولى: النية الصالحة وإخلاص العمل لله؛ فكل عمل تريد عمله فلا بد من استحضار النية الطيبة، وذلك أن يكون العمل خالصا لله -تعالى-؛ فكل عمل يراد به غير وجه الله فهو حابط يعاقب عليه العبد ولا يؤجر؛ كما قال سبحانه: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا)[الكهف:110].
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: قال تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"؛ فلنستحضر النية الطيبة من الآن؛ فرب نية خير من عمل.
الثانية: أن يكثر الإنسان من الدعاء أن يبلغه الله شهر الخير وهو صحيح نقي من الذنوب؛ فلا يخفى عليكم أن سلف الأمة كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم الله رمضان؛ وذلك لما يعلمون فيه من الخير والفلاح.
الثالثة: تقدير قدر نعمة بلوغ رمضان التي هي بحد ذاتها مؤشر خير، يدل على محبة الله للعبد أن بلغه شهر الخير، وتذكر من حرم بلوغ موسم الخير؛ إما لمرض أو موت أو انحراف؛ فكم في المقابر من كان يؤمل آمالا عظيمة منها صوم رمضان، اخترمته المنية قبل تحقيق مراده، وأنت قد مد الله في عمرك لبلوغ هذا الموسم العظيم!.
الرابعة: تهيئة النفس قبل دخول الشهر أمر مهم لمن أراد الراحة والطمأنينة والمسارعة في الخيرات
إذا رمضان أتى مقبلا | فـأقبل فبالخيـر يُسْـَتقبَل |
لعلك تخطئـه قابــلا | وتأتي بعـذر فـلا يُقْبَـل |
ومن تهيئة النفس: تدريبها على الصيام والقيام وقراءة القرآن؛ فلتعود نفسك الصيام كل اثنين وخميس، وما شاء الله؛ فلقد كان الحبيب -صلى الله عليه وسلم- يصوم في شعبان مالا يصوم في غيره كان يصوم أغلب شعبان، بل كان يصومه كله؛ كما صح الخبر في الصحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وكذلك قيام الليل فمن الآن زد في ركعات الوتر قليلا قليلا؛ لتعتاد النفس على القيام، وزد في وردك من القرآن استعدادا لكثرة القراءة في رمضان، وهكذا في كل طاعة تزود منها؛ لتعتاد نفسك عليها، وترتاض للعبادة.
الخامسة: الفرح والسرور بقدوم رمضان؛ كما قال سبحانه (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، وإذا لم يفرح المؤمن بقدوم شهر المغفرة والعتق من النار فبماذا يفرح.
فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان ويبين لهم مافيه من الفضائل والأحكام.
اللهم بلغنا شهر رمضان في صحة وإيمان أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن من أهم الوقفات التي يقفها المسلم مع نفسه قبل رمضان: وقفة المحاسبة والتوبة والانخلاع من الذنوب وترك الإصرار عليها؛ ليستنير القلب ويقبل على ربه.
عباد الله: إن التوبة إلى الله -جل وعلا- من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، ظاهرها وباطنها، واجبة على كل مسلم في كل حين؛ كما قال سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:31].
ولكن تجديدها قبل مواسم الخير له أهمية خاصة؛ إذ التوبة من أسباب تهيئة القلب؛ كما قيل "التخلية قبل التحلية"؛ فتخلية القلب وتطهيرُه من ذنوب الشهوات والشبهات تجعل القلب مستعدًّا ومهيأً للقيام في تلك المواسم بما أوجب الله، وبالتزود من الخير، والمسابقةِ مع المتسابقين، بل وتجده مقبلاً على ربه -جل وعلا-؛ وذلك لزوال حُجُب الذنوب عنه؛ كما يقول ابن قدامة -رحمه الله- في كتابه منهاج القاصدين: "إن الذنوب حجاب عن المحبوب، والانصراف عما يبعد عن المحبوب واجب".
ومن تأمل حال التائب قبل موسم الخير تجده إذا دخل الموسم له قلب مستعد ومهيأ لما يوضع فيه من التحلية والخير، قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الفوائد: "قبول المحل لما يوضع فيه مشروطٌ بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه يكون في الذوات والأعيان؛ فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات؛ فلذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به، لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه، إلا بتفريغه من تعلقه بغيره".
ولهذا كانت التوبة والتخلي من كل ما يصدّ القلب عن الطاعة مطلبًا مهمًّا لكل لبيب يريد النجاة لنفسه؛ لينعم بالذكر والصلاة، ويعيش مع النفحات الربانية والمعاني الإيمانية.
أيها المؤمنون: إن التوبة النصوح قبل مواسم الخير، من أسباب تطهير القلب من أدران الذنوب والمعاصي، وتهيئتِه للسير في مدارج السالكين، والرقي في درجات المقربين؛ إذ المعاصي والذنوب حُجُب وأقفال على القلب تمنعه وتثبطه عن السير إلى الله -جل وعلا-، ومتى ما تخفَّف العبد من أثقاله، وزالت الحُجُب عن قلبه - سمت روحه وعلت نفسه، فحينها يجد نشاطًا وإقبالاً على الطاعة في رمضان؛ فتجده يسابق في الخيرات بنفس مقبلة تواقة للخير، شعارها (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)[طه:84].
وأما من لم يتخلص من ذنوبه فإنه يكون أسيرًا لها، فتكون حجبًا على قلبه أو تقصر به عن القيام بالخير في رمضان؛ ولهذا تجد أمثال هؤلاء -عافانا الله وإياكم- من حالِهم لديهم ضعف في الشعور بلذة العبادة والأنس بالطاعة والراحة في القلب.
اللهم وفقنا للتوبة النصوح قبل رمضان، واجعلنا من عبادك المقبولين المقربين..