العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عبده نعمان العواضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
يوم الأضحى يوم للعبادة والتقرب إلى الله -تعالى- بأنواع القربات: من ذبح للأضاحي ابتغاء مرضاة الله -تعالى-، ويوم لكثرة ذكر الله -تعالى- بالتكبير وغيره، ويوم لمد يد السخاء بالعطاء للأقارب والأصدقاء والمحتاجين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواسع الكريم، الوهاب الرحيم، أنعم وأسدى، وأجزل فيما أعطى، لا عاد لعطائه، ولا محصي لنعمائه، يُعبد فيشكر، ويُعصى فيغفر، فلا إله إلا الله ما أوسع علمه، وما أعظم حلمه، وهو الغني عن عباده وعباده مفتقرون إليه. نحمده ونشكره وهو أهل الشكر والحمد، ونثني عليه وهو أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لله عبد، ونصلي ونسلم على نبينا محمد خير العابدين وسيد الشاكرين، ودليل السالكين إلى رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فالله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، والله أكبر عدد ما غفل عن ذكره الغافلون، والله أكبر عدد ما لبى الحجيج وكبروا، وطافوا وسعوا وذكروا، والله أكبر عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، والله أكبر عدد أسمائه وصفاته، والله أكبر عدد ما خط به قلمه، وأحاط به علمه، والله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: إن يومكم هذا يوم عظيم؛ فهو يوم عيد الأضحى الذي هو أعظم أعيادنا نحن المسلمين وأفضلها وأكبرها، وهو أعظم الأيام عند الله -تعالى-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر"(رواه أحمد، وهو صحيح).
ويوم القر هو يوم الحادي عشر من ذي الحجة أول أيام التشريق الثلاثة؛ وسمي بذلك لأنهم يقرون فيه بمنى بعد تعب الأيام الثلاثة السابقة.
ويوم النحر يوم الحج الأكبر؛ لأنه اليوم الذي يؤدي فيه الحجاج أعظم مناسك الحج: من رمي ونحر وحلق وطواف وسعي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها وقال: "هذا يوم الحج الأكبر"(رواه البخاري).
وهذا اليوم يوم العج والثج، والعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج هو إهراق دماء الأضاحي والهدايا تقرباً إلى الله -تعالى-، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل أي الأعمال أفضل؟: قال: "العج والثج"(رواه الترمذي وابن ماجه، وهو صحيح).
وهذا اليوم المعظم هو خاتمة الأيام المعلومات: أيام عشر ذي الحجة، قال الله -تعالى-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[الحج:28].
عباد الله: هذا اليوم العظيم يوم للعبادة والتقرب إلى الله -تعالى- بأنواع القربات: من ذبح للأضاحي ابتغاء مرضاة الله -تعالى-، ويوم لكثرة ذكر الله -تعالى- بالتكبير وغيره، ويوم لمد يد السخاء بالعطاء للأقارب والأصدقاء والمحتاجين، قال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الحج36].
ويوم لشكر الله -تعالى- عند التنعم بنعمه على عباده في هذا اليوم السعيد، قال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج:37].
معشر المسلمين: هذا اليوم يوم سعيد يأتي على إثر أداء الركن الخامس من أركان الإسلام لمن وفق للحج؛ كما أتى عيد الفطر بعد أداء الركن الرابع وهو صيام رمضان؛ فهو عيد لأهل الطاعات بإكمال أجل القربات: من صيام وذكر وصدقة وذبح وغير ذلك من الأعمال الصالحة؛ فهو بهذا يوم للفرح والسرور، وإظهار البهجة والحبور بنعمة الله وفضله، ويوم للتوسعة على النفس والأهل والأولاد والأقارب والمساكين.. لكن هذا السرور يجب أن يكون في حدود المباح؛ فلا يخرج إلى معصية الله والاعتداء على حقوق الآخرين وإيذائهم؛ فلا إسراف ولا غرور، ولا تعري ولا إزعاج.
عباد الله: ما أجمل أن يكون هذا اليوم يوماً للصفاء والمحبة بين الإنسان وقريبه وجاره؛ فلا قطيعة ولا هجران، ولا عبوس ولا بغضاء، ولا تنافر ولا شحناء.
إن هذا اليوم العظيم يوم للاتحاد والتآلف، يوم يجمع الأمة الإسلامية، ويذيب الأحقاد التي طحنتها وفرقتها، هكذا ينبغي أن يكون حال الأمة أن تستلهم تماسكها واجتماعها وقوتها من تعاليم دينها؛ فالعيد-يا أمة الإسلام- يعيد للأمة ذكرى اتصال الماضي بالحاضر، وأنها أمة متصلة، جذورها راسخة في أعماق التاريخ، إنها كالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
فما أحسن الأمة لو اقتبست أنوار مسيرتها من مشكاة دروس العيد؛ لكي تعود إلى طريق النور والريادة بعد أن اعوج سيرها وأضلت طريق عزها؛ فالعيد يوحي للأمة أنها أمة متحدة في شعائرها، فلماذا لا تتحد في مشاعرها؟!
العيد يشير لنا أن الأمة فرد في تماسكها، والفرد أمة بانتمائه إليها بحمل مبادئها وهمومها وتطلعاتها.
العيد يقول للأمة: إن تعاونها الاجتماعي على اختلاف طبقاتها هو سبب من أسباب سعادتها وتقدمها؛ فلا هزأ ولا كبر من غني الأمة على فقيرها لعوزه وفاقته، ولا حقد ولا حسد من فقيرها لغنيها على ما ملكت يداه من الغنى.
العيد يعلم الأمة وهي تلبس الجديد، وتتعطر بالطيب الشذي أن تلبس على ذلك لباس الأخلاق الحسنة الصادقة على الوجوه والأعمال؛ فما أحسن الأمة بخصالها الفاضلة وحبها المبثوث بينها، أخلاق حسنة كلباسها الحسن، وسمعة طيبة كرائحتها الزكية.
عباد الله: لماذا تفتح أمتنا على أنفسها نوافذ التقاطع ولديها أبواب إلى الإخاء مشرعة؟! فالعجب كل العجب من أمة تتفرق يوماً بعد يوم وعندها عوامل الاتفاق، وأعداؤها يجتمعون ولديهم أسباب الافتراق!.
ولعل السبب في هذا: أننا لم نفهم ديننا فهماً صحيحاً، ولم نأخذه لنبني به الحياة التي نعيشها من جميع جوانبها.
نسأل الله -تعالى- أن يصلح أحوالنا وأحوال إخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يجعل أيام المسلمين أعياداً بالنصر والعز والتمكين.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: إن أعظم ما يقوم به المسلم المقيم في هذا اليوم العظيم -بعد الفرائض والواجبات- أن يذبح أضحيته، إن كانت له أضحية تقرباً إلى الله -تعالى-، وأن يذكيها الذكاة الشرعية: بأن يكون المذكي مسلماً-إذا لم يذبح هو بنفسه، وأن يسمي وأن يكبر عند الذبح، ويقول: بسم الله والله أكبر اللهم هذا عنى، ويستقبل القبلة بذبيحته. وأن يحسن إلى الذبيحة عند ذبحها: بأن يحد شفرة الذبح بعيداً عن الأضحية، وأن لا يذبحها أمام الأخريات، وأن لا يقطع منها جزء حتى تموت.
ويستحب أن يذبحها بنفسه؛ فإن ذبح له غيره بالأجرة فليعطه مالاً ولا يعطه من الأضحية ثمناً لعمله، لكن يجوز إعطاء الجزار من باب الصدقة أو الهدية لا من باب الأجرة على الذبح، عن على -رضى الله عنه- قال: "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه، وأقسم جلودها وجلالها، وأمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئاً:، وقال: نحن نعطيه من عندنا"(رواه أبو داود والنسائي، وهو صحيح).
وأن يقسمها أثلاثاً: ثلث يأكله مع أهله، وثلث يدخره، وثلث يتصدق به.
ثم اعلموا -عباد الله- أن أيام الذبح ممتدة إلى غروب شمس الثالث عشر من هذا الشهر؛ فضحوا تقبل الله ضحاياكم، وكل عام أنتم بخير، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.