الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
العصبية دمرت الحياةَ، وقلبت الموازين، وغيرت القيمَ ونشرت الرذائل، وفريضة الحج والصوم ومناسبة أعياد المسلمين تنفث في روع المسلمين التواضع وذمّ الكبر... ومن ادَّعى من هذه الأمة أن له فضلًا وحقًّا على الآخرين من حوله بسبب النَّسَب أو المذهب أو القبيلة والحزب ففيه شَبَه من اليهود والنصارى...
الخطبة الأولى:
(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر... الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد...).
خَلَقَ الخَلْق وأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، عنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر ما ذكره الذاكرون، والله أكبر ما هلل المهللون، وكبَّر المكبرون، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَلَكَ فقَهَر، وتأذَّن بالزيادة لمن شكر، وتوعَّد بالعذاب مَنْ جحد وكفر، تفرَّد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده مقدَّر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، طاهر المظهر والمخبر، وأنصح مَن دعا إلى الله وبشَّر وأنذر، وأفضل من صلى وزكى وصام وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مديدًا وأكثر...
أما بعد: أيها المؤمنون - عباد الله -: يقول الله -تعالى- في محكم آياته وهو أصدق القائلين: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 103].
وقال سبحانه: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 92]، وقال سبحانه: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)[المؤمنون: 52].
وروى (البخاري ومسلم، واللفظ له) من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
إخوة الإسلام: إن من أهداف الدين الإسلامي توحيد الأمة، وتوحيد كلمتها، وتوحيد صفها، وتوحيد تصوراتها، وتأليف القلوب وجمع الشمل على كلمة سواء… هذا ما أوجبه الإسلام في كثير من الأوامر والنواهي في الذكر الحكيم.
ولذلك كان لفريضة الحج والصوم وحلول أعياد المسلمين الأثر البالغ في نفوس المسلمين لتأكيد هذه القيمة العظيمة في حياتهم وممارستها سلوكًا عمليًّا في واقعهم، فالصيام في وقت واحد، والحج كذلك لا يتمايز فيه أحد عن أحد، ويفرح المسلمون في وقت واحد، والعبادات والطاعات والقربات يشترك فيها المسلمون جميعًا، وهذا لا يوجد إلا في أمة الإسلام، الأمة الواحدة.
وتعالوْا بنا -أيها الإخوة المؤمنون- نتأملْ صورة المجتمع الإسلامي الأول؛ لنرى كيف بَنَى رسولُ الله صل الله عليه وسلم وحْدَتَهُ الإسلامية وأُخُوَّتَهُ الإيمانية على خُلُق الحب والإيثار. قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 8-10].
أيها المسلمون: إننا في حاجة ماسَّة إلى مفهوم الجسد الواحد، الذي يتألم إذا اشتكى منه عضو، والبُنيان الواحد الذي يشد بعضُه بعضًا. فبالدين تتوحد النفوس، وبالدين تزول الفوارق بين أبناء الوطن الواحد، وبالدين يتساوى الجميع حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، وبالدين تزول الضغائن، وبالدين نستطيع أن نرفع روح التسامح وروح التعايش.
فوحدة المسلمين واجتماعهم كما أنها مطلب ديني وأمر إلهي، فلها أيضا ثمار وفوائد جمة، ففي الوحدة يكون الأمن والأمان، وفي الوحدة يكون النصر على العَدُوّ الحقيقي الذي نسيناه في زحمة خلافاتنا، وفي الوحدة تعود إلينا قوتنا، وعزتنا، ويشهد التاريخ على قوة المسلمين، وانتصارهم في كافة الميادين وقت وحدتهم:
لو كبَّرت في جموع الصينِ مئذنةٌ | سَمِعتَ في المغرب تهليلَ المصلينَ |
إذا اشتكي مسلمٌ في الهند أرَّقني | وإن بكى مسلمٌ في الصين أبكاني |
ومصرُ ريحانتي والشامُ نَرْجِسي | وفي الجزيرة تاريخي وعنواني |
أرى بُخَارَى بلادي وَهْي نائيةٌ | وأستريح إلى ذِكْرى خُرَاسان |
وأينما ذَكِرَ اسمُ اللهِ في بلدٍ | عَدَدْتُ ذاك الحمى مِن صُلْب أوطاني |
شريعةُ الله لَمَّتْ شملنا | وَبَنَتْ لنا معالم إحسان وإيمان |
وإن من أعظم ثمار إحياء قيمة الأمة الواحدة في النفوس، أنها تقضى على أخطر الأمراض التي فتَكَت بالأمة ومزقتها؛ وهي العصبية والفُرْقة والاختلاف والتفاخر بالأحساب والأنساب عصبية وجاهلية، والعصبية كما قال الأزهري -رحمه الله-: "هي: أن يدعو الرجل إلى نُصْرة عَصَبته والتألُّب معهم على مَن يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين"(تهذيب اللغة (2/30))، وهي كذلك أن يعتقد الإنسان أنه أفضل من غيره بسبب لونه أو جنسه أو قبيلته أو نسبه أو مذهبه أو مهنته ووظيفته، هذه العصبية لم تدخلْ في مجتمعٍ إلا فرَّقته، ولا في عمل صالحٍ إلا أفسدته، ولا في كثيرٍ إلا قللَّته، ولا في قويٍّ إلا أضعفتْه، وما نجحَ الشيطانُ في شيءٍ مثلما نجحَ فيها... والله -سبحانه وتعالى- قد بيَّن أن الناس جميعًا متساوون خُلقوا من تراب وقسَم بينَهم معيشتَهم وجعلهم شعوبًا وقبائل وجعل شرط التميُّز التقوى له، والقرب منه والالتزام بشرعه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات: 13].
أيها المؤمنون -عبــاد الله-: بالإيمان والتقوى يترجح ميزان الإنسان، ويرتفع قدره عند الله، وما عدا ذلك فلن يُغني عنه من الله شيئًا... لقد وقف صلى الله عليه وسلم يخاطب هذه الأمة في خطبته في حجة الوداع وطلب من الحاضر أن يُبلغ الغائبَ؛ لأن الأمر هامّ وعظيم فقال: "يا أيها الناس! إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألَا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فيبلغ الشاهد الغائب"(رواه البيهقي في الشعب (4/289)، والمنذري في الترغيب والترهيب (3/375)، وصححه الألباني).
ولو كان النَّسَب أو الجنس أو المكانة تنفع صاحبَها عند الله لكان ابن نوح -عليه السلام- وهو فلذة كبده وقطعة من فؤاده معه في الجنة، قال تعالى مبينًا تلك الحال وذلك المآل: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ)[هود: 42-43]. وقال الأصمعي: "بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة في أيام الحج إذ رأيت شابًّا متعلقًا بأستار الكعبة وهو يقول:
يا من يجيب دعا المضطر في الظُّلَم | يا كاشف الضر والبلوى مع السقم |
قد نام وفدُك حول البيت وانتبهـوا | وأنت يا حيُّ يـا قيـومُ لـم تَنَـمِ |
أدعوك ربي حزينـًا هائمـًا قلقـًا | فارحم بكائي بحق البيت والحـرم |
إن كان جودك لا يرجوه ذو سعة | فمن يجود على العاصيـن بالكـرم |
ثم بكى بكاءً شديدًا وسقط على الأرض مغشيًّا عليه، فدنوتُ منه، فإذا هو زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-، فرفعتُ رأسَه في حجري وبكيتُ، فقطرتُ دمعة من دموعي على خده ففتح عينيه وقال: مَن هذا الذي يهجم علينا؟ قلتُ: أنا الأصمعي، سيدي ما هذا البكاء والجزع، وأنتَ من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة؟!! فقال: هيهات هيهات يا أصمعيُّ، إن الله خلَق الجنةَ لمن أطاعه، ولو كان عبدًا حبشيًّا، وخلَق النارَ لمن عصاه ولو كان حثرًّا قرشيًّا، أليس الله -تعالى- يقول: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)[المؤمنون: 101- 103].
وقد حذَّر صلى الله عليه وسلم من هذا التعالي والتفاخر بالأنساب والأحساب فقال: "إن الله -عز وجل- قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية، والفخر بالآباء، مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، الناس بنو آدم، وآدم خُلِقَ من تراب، لينتهينَّ أقوامٌ عن فخرهم بآبائهم في الجاهلية، أو ليكونُنَّ أهون على الله من الجُعلان، التي تَدفع النتن بأنفها"(رواه أبو داود في السنن (4/492)، وأحمد في المسند (16/456)، وحسنه الألباني -رحمه الله-).
إنه تحذير نبوي كريم من آثار الجاهلية التي جاء الإسلام ليحطمها، ويقيم عليها البناء الشامخ القوي. إنها أخوة الإسلام التي لا ترقى إليها العصبيةُ، ولا تؤثر فيها الجاهلية... واللهِ إنكَ لتجد الرجل يُقيم شعائر الدين، ويبكي من خشية الله، ويتصدق وفيه خير كثير، ثم تجده بعد ذلك قدْ مُلئ قلبُه بالعصبية، للأشخاص والأحزاب والآراء والمذاهب والمناطق والبلاد فلأجلها يحب ومن أجلها يعادي، وفي سبيلها يقاتل.. بل إنك لتجد مَنْ يعترف أنه على خطأ في قوله وفعله وسلوكه ومع ذلك يتعصب بالحق وبالباطل وينتصر لموقفه ولو خالف جميع الشرائع والقِيَم.. ألا يعلم هؤلاء أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قد زجَر عن ذلك ونهى فقال: "ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جُثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله! وإن صام وإن صلى؟ قال: وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم؛ فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله -عز وجل-، المسلمين، المؤمنين، عباد الله -عز وجل-"(رواه الإمام أحمد في المسند (37/543)، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حَسَن، والحاكم في المستدرك (1/582))، وجثاء جهنم أي: من جماعتها.
عبـــــاد الله: هذه العصبية دمرت الحياةَ، وقلبت الموازين، وغيرت القيمَ ونشرت الرذائل، وفريضة الحج والصوم ومناسبة أعياد المسلمين تنفث في روع المسلمين التواضع وذمّ الكبر، فالمؤمنون إخوة لا فرق بينهم إلا بالتقوى، والتقوى لا يعلمها إلا الله، ومن ادَّعى من هذه الأمة أن له فضلًا وحقًّا على الآخرين من حوله بسبب النَّسَب أو المذهب أو القبيلة والحزب ففيه شَبَه من اليهود والنصارى الذين ادعوا هذا الحق كذبًا وبهتانًا، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[المائدة: 18). فاللهم ألِّف على الخير قلوبنا، واجمع ما تفرَّق من أمرنا.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أهل الثناء والمجد، لا رب لنا سواه، ولا خالق غيره، ولا رازق إلا هو، مستحِقّ للشكر والحمد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم واقتفى أثرهم.
أما بعد أيها المؤمنون -عباد الله-: هذا هو يوم عيدكم، عيد الأضحى المبارك، جعله الله للمسلمين كافةً في جميع بقاع الأرض يوم فرح وعبادة وشكر وزينة وتسامح وأخوة وتصافح وصلة رحم وبذل للمعروف وإطعام وتوسعة على الأهل والجيران والفقراء والمساكين والمحتاجين، واختص الله به المسلمين دون غيرهم من أمم الأرض، وإن مِن نِعَم الله على المسلمين أن أعيادهم تأتي بعد عبادات عظيمة، فعيدُ الفطرِ يأتي بعد صوم رمضان وقيامه، وعيد الأضحى يأتي مع فريضة الحج والوقوف بعرفة وصيام يوم عرفة لغير الحاج؛ وفي ذلك إشارة إلى أن الله -سبحانه وتعالى- يكافِئ عبادَه بالإحسان إحسانًا وبالشكر تفضلًا وعرفانا، فكيف بيوم القيامة، يوم يكون الجزاء عظيم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 57-58].. فأكثِروا في هذا اليوم من ذكر الله وشكره، تهليلًا وتكبيرًا وحمدًا وثناءً فهو المستحق -سبحانه-.
عبـاد الله: ألا فليقم كلُّ مَن ضحى إلى أضحيته فله عند الله أجر عظيم، وأطعِموا منها البائسَ والفقيرَ والمحرومَ وتفقَّدوا أحوالَ الضعفاء والأيتام والمساكين، وأَدْخِلوا عليهم البهجةَ والفرحَ والسرورَ، ومن لم يضحِّ لضيق العيش والحاجة فلا يبتئس ولا يحزن، فقد ضحى عنه وعن غيره من المسلمين رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان.
واذكروا الله كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ وجدِّدوا إيمانكم وحسِّنوا أخلاقكم، واحفظوا دماءكم، واجتنبوا الفتن، وحافظوا على صلاتكم وسائر عباداتكم، وأمروا بالمعروف وانهو عن المنكر، وقولوا كلمة الحق، واعملوا على ازدهار أوطانكم وتطوُّر مجتمعاتكم، وأخلصوا في أعمالكم تفوزوا برضا ربكم، فهنيئًا لكم بالعيد يا أهل العيد، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء.
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين، ولمَّ شعثهم، وألِّف بين قلوبهم واحقن دمائهم، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل بلدنا هذا آمنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم تقبَّل من حُجاج بيتك أعمالَهم، ورُدَّهم إلى بلادهم سالمينَ غانمينَ، واغفر لنا ولهم أجمعين... وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.