البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عبد الله اليابس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين - الهدي والأضاحي والعقيقة |
ألا وإن من السُّنَّةِ أَنْ يَذْبَحَ الْمُضَحِّي أُضحيتَهُ بنَفْسِهِ، وَمَنْ كَانَ لا يُحْسِنُ الذَّبْحَ فَالسُّنَّةُ أن َيْحَضُرَ ذَبْحَهَا، وَيُسَمِّي الْمُضَحِّي أُضْحِيَتَهُ فَيَقُولُ إِذَا أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ عَلَى جَنْبِهَا الأَيْسَرِ مُتَّجِهَةً إِلَى الْقِبْلَةِ: بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين.. الله أكبر (تسعًا).
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
اللهُ أكبر عددَ ما ذَكَرَ اللهَ ذَاكرٌ وكَبّر.. اللهُ أكبرُ عددَ ما حَمِدَ اللهَ حامدٌ وشَكَر.. الله أكبر ما سَطَعَ فَجرُ الإسلامِ وأَسفَر.. الله أكبر كُلما لَبّى حاجٌّ وكَبَّر.. والحمد لله على نعمائه التي لا تُحصر، وعلى آلائه التي لا تُقَدَّر، والحمد لله جعل يوم العيد فرحًا وبشرى وثوابًا، فهو في كل سَنَة يتكرر.
وأشهد أن لا إله إلا الله كل شيء عنده بأَجَلٍ مقدَّر.. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أنصَحُ مَنْ دعا إلى الله وبشَّرَ وأنذر… صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم المحشر.
أَمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقَوُا اللهَ -عِبادَ اللهِ- حَقَّ تُقاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.. عيدُكُم مُبارك.. وتَقبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنكم صالحَ القولِ والعمل.
عيدُكُم سَعيدٌ، مَليءٌ بالأفراح والسعادة، وكلَّ عامٍ وأمةٌ الإسلامِ في عزِّ وفَخرٍ ورِيادَة.
عيدُ الأضحى، "أضحى"، أربعةُ حُرُوفٍ، يَحمل كلُّ حرفٍ منها قصةً وتوجيهًا، هي توجيهاتُ خُطبَتنا اليومَ -بإذن الله-، تَبتدئ كلُّ وقفة منها بحرف من حروف هذا العيدِ السعيد:
– الوقفة الأولى: إبراهيمُ -عليه السلام-، ابتُلِيَ ابتلاءً عظيمًا، فأُمِرَ بذبح ابنه -عليه وعلى أبيه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الصَّافَّاتِ: 102].
الله أكبر، استجابةٌ مباشرةٌ من ذلكَ الابنِ الصالحِ، (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)، لمْ يُناقِش أو يُجَادِل، إذْ ثبتَ لديهِ أنَّهُ أمر مِنَ اللهِ الحكيمِ الخبير.
إِنَنَا إذْ نتذكرُ هذا الموقفَ البطوليَ العظيمَ من الأبِ وابنِهِ -عليهما السلام-، نقتفي أثَرَهُما اليوم، فيَذبحُ كُلٌّ منَّا أُضحيتَهُ اقتداءً بأَبِيَنا أجمعين: إبراهيمَ -عليه السلام-.
هذا الاقتداء يجب أن يكون في جميع دروس هذه القصة العظيمة، ومن أعظمِ دُرُوسِهَا الانقيادُ التامُّ لأمرِ اللهِ ورسولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[الْأَحْزَابِ: 36].
في زمن فُتِحت فيه المعرفةُ عن طريق الشبكاتِ العنكبوتية ووسائلِ التواصلِ الاجتماعي، وأصبحَتِ المعلومةُ -حقًا أو باطلًا- مشاعةً للجميع، عندها أصبحَ الكثيرُ يتكلم في أوامرِ الله -جل وعلا- وأحكامِ دينه، بعلمٍ أو بغير عِلم.
إن دينَ اللهِ عظيم، والكلامُ فيه خطير، لا يجوزُ أن يتحدثَ فيه إلا مَن يَعلمُهُ ويفقَهُهُ، أما التسابقُ على الفتوى و"إبداءِ الرأيِ" في الأحكامِ الشرعيةِ فهو خطرٌ عظيم، (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)[النَّحْلِ: 116].
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الوقفة الثانية: ضَحُّوا، تقبَّل اللهُ مني ومنكم، وتذكروا أن الإحسان مشروعٌ في كلِّ أَمر، روى (مسلم في صحيحه) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".
فاتَّقُوا اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ، فَاذْبَحُوهَا بِرِفْقٍ، وَأَحِدُّوا السِّكِّينَ، وَلا تَحُدُّوهَا وَهِيَ تَنْظُرُ، وَلا تَذْبَحُوهَا وَأُخْتُهَا تَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَأَمِرُّوا السِّكِّينَ بِقُوَّةٍ وَسُرْعَةٍ، وَلا تَلْوُوا يَدَهَا وَرَاءَ عُنُقِهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَعْذِيبًا لَهَا وَإِيلامًا دُونَ فَائِدَةٍ. وَلا تَكْسِرُوا رَقَبَتَهَا أَوْ تَبْدَأُوا بِسَلْخِهَا قَبْلَ تَمَامِ مَوْتِهَا.
ألا وإن من السُّنَّةِ أَنْ يَذْبَحَ الْمُضَحِّي أُضحيتَهُ بنَفْسِهِ، وَمَنْ كَانَ لا يُحْسِنُ الذَّبْحَ فَالسُّنَّةُ أن َيْحَضُرَ ذَبْحَهَا، وَيُسَمِّي الْمُضَحِّي أُضْحِيَتَهُ فَيَقُولُ إِذَا أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ عَلَى جَنْبِهَا الأَيْسَرِ مُتَّجِهَةً إِلَى الْقِبْلَةِ: بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، وَيُسَمِّي مَنِ الأُضْحَيَةُ لَهُ. وَأَمَّا مَسْحُ الظَّهْرِ لِلأُضْحِيَةِ فَلا أَصْلَ لَهُ وَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ.
وَاحْذَرُوا أن يذبح لكم كافر، أو مَنْ هُوَ تَارِكٌ لِلصَّلَاةِ، وَكُلُوا مِنَ الأَضَاحِي وَاهْدُوا وَتَصَدَّقُوا، تقبل الله مني ومنكم.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الوقفة الثالثة: حِلاقتُك شَعرَكَ اليومَ وتَقليمُ أَظفارِك بعد أن امتنعتَ عن ذلك تقربًا لله -تعالى-، هو أمرٌ طيبٌ فيه تَطَهُّرٌ وتَنَظُّفٌ وتَجَمُّلٌ، لكنْ تَذَكَّرْ لو دَعَتكَ نفسُكَ لحِلاقةِ لحيتك أن الذي نهاكَ عن أخذها خلال الأيام الماضية هو ينهاكَ عن أخذِها اليومَ، تذكر أنَّ النبيَ -صلى الله عليه وسلم- قال: "خالفوا المشركين ووفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب"(متفق عليه).
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُوَفِّرًا لِحَيَته، تُعرَفُ قِراءَتُهُ في صلاته من اضطِرابِ لِحيَتِه، وقد قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الْأَحْزَابِ: 21]، لقد كانت عائشة -رضي الله تعالى عنها- تقول: "سبحان مَنْ زيَّن الرجال باللحى"، فيا أيها الطائع الممتثل لأمر ربه، اجعل هذه الشعرات التي أبقيتها في وجهك طاعةً لله، اجعلها فاتحةَ خير، واعقِدِ العَزمَ من هذه اللحظةِ على أن تُعفيَ لِحيَتك، وتذكر أن اللحيةَ سَتَردَعُكَ -بإذن الله- عن كثيرٍ من الحرام، فهيَ تُربي صاحِبَها قبل أن يُربيَها.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيات وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُم، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الله أكبر (سبعا)، الْحَمْدُ للهِ عَلَى إحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسُلَّمُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَإِخْوَانِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أثَرَهُ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التقوى، واعلموا أن أجسادَنا على النار لا تقوى.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما الوقفة الرابعة والأخيرة فهي إلى الأخوات المصليات:
أيتها المرأةَ الصالحة، ما مُدِحَتِ المرأةُ بمثل الحياء، فالحياءُ يَجمِّلُ كلَّ شيء، هذه بِنتُ الشيخِ الكبيرِ صاحبِ مدينَ لما أَتَتْ موسى -عليه السلام- قال اللهُ عنها: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)[الْقَصَصِ: 25]، بل إن الحياء ممدحةٌ حتى للرجال، فها هو رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُثني على عثمان -رضي الله عنه- بقوله: "ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؟!".
لقد تَفَطَّنَ لذلك مَنْ لا يريدُ خيرًا ببناتِ الإسلامِ، فزينوا لَهُنَّ الجُرأَة وقلة الحياء، وجعلوها ممدحةً ومَنقبةً.
اسمعي لهذا الحديث العظيم الذي يُبينُ فيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مكانةَ خُلُقِ الحياءِ في الإسلام، (روى ابن ماجه، وحسنه الألباني) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ لِكلِّ دِينٍ خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلامِ الحَياءُ".
فاللهَ اللهَ في الحياء، فهو -واللهِ- زينةُ المرأةِ وجمالُها، ويردَعُ عن كثيرٍ من القبائحِ والمعايب، (أخرج البخاري من حديث عقبة بن عمرو) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ ممَّا أدرَكَ النَّاسُ مِن كلامِ النُّبوَّةِ الأولى: إذا لَم تستَحِ فاصنَعْ ما شِئتَ".
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَقْبَلَ مِنَّا وَمِنَ الْحُجَّاجِ، وأن يُعينَهُم على أَداءِ نُسُكِهِم بِسَلامَةٍ وقَبولٍ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاهُمْ وَوَالِدِينَا وَالْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ مِنْ عُتَقَائِهِ مِنَ النَّارِ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِصَلَاحِ الْقُلُوبِ وَالْأَعْمَالِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمٍّدِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاللهَمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحبِهِ أَجَمْعَيْن.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فَاذكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذكُركُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكرُ اللهُ أكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.