العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
العربية
المؤلف | سليمان السلامة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة - أهل السنة والجماعة |
فإن شأن النفاق والمنافقين لا يزال ينخر في جسد أمة الإسلام، وها هم ورثة النفاق في عصرنا الحالي يجاهرون بقذف أمنا عائشة، بل الأدهى والأمر أقاموا احتفالاً ومؤتمرًا في يوم ذكرى موت أمنا عائشة، فرحًا بموتها، وإعلانًا لشتمها وقذفها، شل الله ألسنتهم. فما أشد فرية الشيعة الرافضة على الطيبة المطيبة المبرأة من فوق سبع سماوات!!
الحمد لله القائل: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) [الإسراء: 81]، وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له القائل: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء: 18].
وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلوات ربي عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واشكروه على ما كان من صيام وعمل صالح في رمضان، ولا تقطعوا حبل العمل الصالح بعد رمضان، فأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.
أيها الناس: من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة محبة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة ما لهم من فضائل وسابقة في الإسلام، وأهل السنة يتولون أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، ومن أعظم زوجات النبي قدرًا وأعلاهن مكانة وأرفعهن شرفًا الصديقة بنت الصديق، أمنا عائشة بنت أبي بكر الصديق، حبيبة حبيب الله، الحصان الرزان، الزوجة الصبورة، الوفية العالمة الخلوقة، فكم لها من الفضائل الجمة فبأيها نبدأ؟! كم لها من المنازل العظيمة فكيف نصفها؟!
أليست هي التي يقول عنها -صلى الله عليه وسلم-: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"؟!
أليست هي أحب الناس إليه، فحين سئل: من أحب الناس إليك؟! قال: "عائشة"، قالوا: ومن الرجال؟! قال: "أبوها". وما كان سيدنا ونبينا -صلى الله عليه وسلم- ليحب إلا طيبًا.
نشأت عائشة في بيت صدق وإيمان، فأمها صحابية، وأختها صحابية، وأخوها صحابي، ووالدها صدِّيق هذه الأمة وعلاَّمة قريش ونسَّابتها.
اختارها الله لنبيه حيث رآها في المنام كما جاء في الصحيحين، ولفظ مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة –قطعة- من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه".
وقد كانت نعم الزوجة لخير الأزواج، أعطيت حسن خلق وخلق،وفصاحة في اللسان،ورزانة رأي، ورصانة عقل،وتحبب إلى بعل، إن غضبت لم يخرجها غضبها عن وقارها وأدبها، وإنما تهجر مناداة النبي -صلى الله عليه وسلم باسمه محمد.
كناها النبي -عليه السلام- بأم عبد الله وهي لم تلد له، أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة أن أُحضر إليه ابن الزبير ليحنكه، فقال: "هو عبد الله، وأنت أم عبد الله"، قالت: فلم أزل أكنى بها.
معشر المؤمنين: أمنا عائشة منحت ذكاءً وزكاءً وحفظًا ثاقبًا، قال ابن كثير: لم يكن في الأمم مثل عائشة، في حفظها وعلمها وفصاحتها وعقلها، ويقول الذهبي: "أفقه نساء الأمة على الإطلاق، ولا أعلم في أمة محمد، بل ولا في النساء مطلقًا، امرأة أعلم منها".
تجاوز عدد الأحاديث التي روتها ألفين ومائة حديث، ويقول عروة ابن الزبير: "ما رأيت أحدًا أعلم لفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة -رضي الله عنها-".
كانت -رضوان الله عليها- مرجعًا لكبار الصحابة، وكانت تفتي في عهد عمر وعثمان إلى أن ماتت -رحمها الله-، وقد عاشت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- قرابة خمسين سنة.
أمنا أم عبد الله عائشة -رضوان الله عليها- كان الوحي ينزل على رسول الله وهو في لحافها، وقبض رسول الله وهو بين سحرها ونحرها، ودفن في بيتها.
نصرت دين الله؛ فكانت تساعد أختها أسماء -ذات النطاقين- في تجهيز الطعام للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأبيها وهما في الغار عند الهجرة.
أمنا عائشة كانت -رضي الله عنها- قوية في دين الله تعالى؛ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتغضب لله عز وجل، تقول أم علقمة بنت أبي علقمة: رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟! ثم دعت بخمار فكستها.
أمنا عائشة كانت زاهدة، لم يغرها كونها زوجة نبي، دخل عليها ابن عباس في مرضها ثم زكاها وذكر شيئًا من فضائلها وأعمالها الصالحة، فيا ترى ماذا قالت؟! قالت: "يا ابن عباس: دعني منك ومن تزكيتك، فو الله لوددت أني كنت نسيًا منسيًا". فرضي الله عنك يا أمنا، وجمعنا بك في جنات النعيم.
عباد الله: أمنا أم عبد الله عائشة -رضي الله عنها- تعرضت لبلاء عظيم ومحنة شديدة وآلام موجعة؛ حيث قذفها المنافقون والسماعون لهم بعرضها، واتهموها بشرفها، وكعادة قالة السوء من المنافقين وأعداء الله، راحوا ينشرون الخبر وينسجون حوله الخزعبلات والافتراءات التي تداعت إلى أذن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وأثرت في نفسه، وكان وقعها شديدًا على أبيها أبي بكر وأمها أم رومان وجميع المسلمين.
وبكت أمنا بكاءً وأي بكاء؟! لا يرقأ لها دمع، ولا تكتحل بنوم، حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها، وخرت مغشيًا عليها، فما استفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فألقت عليها أمها كل ثوب في البيت وغطتها، وقد مكث النبي شهرًا لم يوح إليه شيء في شأن عائشة، وبعد مضي شهر من هذا البلاء العظيم نزل الوحي، فلما سري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سري عنه وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها: "يا عائشة: احمدي الله فقد برأك"، وأنزل الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) [النور: 11]، العشر الآيات كلها؛ قال ابن كثير: "فغار الله لها وأنزل براءتها في عشر آيات تتلى على الزمان، فسما ذكرها، وعلا شأنها؛ لتسمع عفافها وهي في صباها، فشهد الله لها بأنها من الطيبات، ووعدها بمغفرة ورزق كريم".
ومع هذه المنزلة العالية والتبرئة الربانية تتواضع وتقول: "ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيَّ قرآنًا يتلى".
الله أكبر، تواضع رفعها منزلة عالية، وزادها شرفًا إلى شرفها، وآيات تتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، تثبت براءتها على مر الزمان.
ورجع المنافقون بالخزي وانكشاف كذبهم وبهتانهم؛ فالله من ورائهم محيط، ويمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين، وهو -جل وعلا- لدينه حافظ، ولرسوله عاصم، وللمؤمنين والمؤمنات ولي وناصر: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 11].
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: فإن شأن النفاق والمنافقين لا يزال ينخر في جسد أمة الإسلام، وها هم ورثة النفاق في عصرنا الحالي يجاهرون بقذف أمنا عائشة، بل الأدهى والأمر أقاموا احتفالاً ومؤتمرًا في يوم ذكرى موت أمنا عائشة، فرحًا بموتها، وإعلانًا لشتمها وقذفها، شل الله ألسنتهم.
فما أشد فرية الشيعة الرافضة على الطيبة المطيبة المبرأة من فوق سبع سماوات!!
أيها المؤمنون بالله ورسوله: أجمع علماء الإسلام قاطبة على أن من سب أمنا عائشة -رضي الله عنها- ورماها بما برأها الله منه أنه كافر، وروي عن مالك بن أنس أنه قال: "من سب أبا بكر وعمر جُلد، ومن سب عائشة قُتل، قيل له: لمَ يقتل في عائشة؟! قال مالك: فمن رماها فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل".
وقال ابن العربي -رحمه الله-: "كل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر". وقال ابن قدامة: "فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم".
وقال الإمام النووي: "براءة عائشة -رضي الله عنها- من الإفك هي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافرًا مرتدًا بإجماع المسلمين". وقال ابن القيم: "واتفقت الأمة على كفر قاذفها".
إخوة الإسلام: المبتدعة من الرافضة لن تكف ألسنتهم عن قالة السوء، واتهام أمنا عائشة -رضوان الله عليها- في عرضها؛ ولذا فإن من أصول معتقد أهل السنة والجماعة أنهم يتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، والواجب -عباد الله- على كل منتسب لمذهب أهل السنة والجماعة موالاة أم المؤمنين عائشة ومحبتها والتعبد لله بذلك؛ قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) [الأحزاب: 6]، بالاحترام والإكرام والإجلال والإعظام.
عباد الله: ورمي عائشة بعرضها لا يخصها فقط، بل يتعدى ذلك للإساءة لنبينا وما جاء به من دين الإسلام، فهذا قدح في دين الإسلام، واتهام بعدم أمانة ونزاهة من جاء به: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) [الكهف: 5].
عباد الله: ولئن قال ربنا عن تلكم الفرية في زمن النبوة: (لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ) [النور: 11]، فنحن نقول: كلما علا صوت ورثة المنافقين بإحياء حادثة الإفك: (لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ)، فهذا الحدث كشف التقية المكذوبة، وأبان عن زيف دين مبني على السب والشتم والتعرض لخير القرون وأمهات المؤمنين، لعل ذلك يكون سببًا في عودة بعض الرافضة لمذهب السنة، ولعل أهل السنة يكونون أكثر حبًّا واقتداءً بصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونصرة لهم، ودفاعًا عنهم، وإحياءً لقصصهم وسيرهم مع أولادنا وطلابنا وفي مساجدنا، ولعلنا نحيي عند نسائنا وبناتنا خصوصًا السير العطرة لأمهات المؤمنين، ينهلن من معينها، ويجنين من رياضها علمًا وحكمة وتربية على مشكاة النبوة، وعلى الحياء والستر والعفة.
ولنقل كما قال حسان:
فإن أبي ووالده وعرضي
يقول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100].
اللهم إنا نشهدك على حبنا لأمنا عائشة -رضي الله عنها-، اللهم فاحشرنا معها ومع زوجها ووالدها.