البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

حق ولاة الأمر

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. مسلمات في ولاة الأمر .
  2. العلماء والموقف الشرعي منهم .
  3. واجب المسلمين نحوهم .

اقتباس

إن الناظر في حال السلف وكيف تعاملهم مع أئمة الجور؛ ليعرف المنهج الواضح في ذلك؛ فانظر إليهم وتعاملهم مع الحجاج بن يوسف مع شهرته في الظلم وسفك الدماء، وضعف الديانة، حتى إنهم كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها؛ فلا يصلون الظهر إلا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس: من المجمع عليه بين جميع العقلاء أنه لا تستقيم حياةٌ بلا ولاة أمر، يقيمون للناس شؤونهم، ويحفظون أمنهم، وينظمون مصالحهم، ولقد بيّن الله ذلك في كتابه، وتكاثرت النصوص الشرعية في ذلك لأهمية الأمر في استقامة الحياة وعبودية الله، وولاة الأمر هم العلماء والأمراء الذين بهم يقوم الدين والدنيا.

وإن من أُصول العقيدة الصحيحة: السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[النساء:59]. قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أمر بطاعة أولي الأمر، وهم الولاة على الناس من الأمراء، والحكام، والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس، أمرُ دينهم ودنياهم، إلا بطاعتهم والانقياد لهم؛ طاعةً لله؛ ورغبةً فيما عنده، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ا.هـ.

عباد الله: إن الواجب على المسلم تحكيم الشرع في كل مسألة من مسائل الدين، ولو كان فيما يكره؛ لأن بعض الناس عندما يرى العالم يتكلم بمثل هذا الكلام يطعن فيه، ولربما قال: "إنه مأمور بهذا الكلام"، ولكن قول الحق واجب على أهل العلم ولو لم يوافق أهواء الناس، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)[آلعمران:187].

أيها المسلمون: ونحب في هذه الخطبة أن نبين الموقف الشرعي تجاه ولاة الأمر، والذي ينبغي أن يلتزمه المسلم طاعةً لله ورسوله.

وولاة الأمر قسمان: العلماء والأمراء.

فالقسم الأول من ولاة الأمر: هم العلماء مصابيح الدجى، والمبينين عن الله شرعه، وهم ورثة الأنبياء، فلهم مكانة ليست لآحاد الناس، فقد أوجب الله طاعتهم، فيما يوجهوننا به من أمور الدين، وعلّق في رقابهم صحة عباداتنا، فقال -سبحانه-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل:43]؛ فسؤالهم والسير على فتاويهم مقبول عند الله، فإن جانبت أقوالهم الصواب فلهم أجر الاجتهاد، ولا إثم على المستفتي؛ لأنه طبّق الشرع فيما أمر الله بسؤال أهل العلم.

وإذا حلت الفتن، وتمسك العلماء بالموقف الشرعي الصحيح الذي يخالف هوى العامة، رمى الجهال أهل العلم بالمداهنة والتملق، واتباع الدنيا، وهنا مكمن الخطر، إذا اتهم العامة أهل العلم، وتكلموا في أعراضهم؛ فعمن يأخذون دينهم؟! إنك تجدهم بعد ذلك يأخذون العلم عن غير العلماء أو يفتون أنفسهم؛ فيضلوا السبيل، وهذا من أهم مكاسب الشيطان في زمن الفتن، أنه يزرع العداوة بين العلماء والعامة؛ حتى يحجب العامة عن النور والحق، فنار الفتنة توقد بالعامة ودهماء الناس، عافانا الله وإياكم.

وإن من مزالق الناس وقت الفتن تجاه العلماء قولهم: "لمَ يسكت العلماء عن بيان الحق، والإنكار على الحكام؟"، وأقول: "إن للعلماء نظرة ثاقبة في أوقات الفتن بفضل العلم الذي آتاهم الله، ولذا هم يناصحون ولاة الأمر سرًّا، وينكرون قدر الاستطاعة، ويدرؤون المفاسد ويقللونها، ويجلبون المصالح ويكثرونها، وليس بشرط أن يسُمع لهم، كما أنهم يدرؤون الفتن، ويحرصون على عدم إثارتها، وزعزعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويرون أن المحافظة على أمن الناس من أهم الواجبات؛ لأنه به يقوم الدين، ويعبد الرب، فهم يقدمون الأهم على المهم".

عباد الله: إن توقير العلماء من سمات السلف الصالح، فقد كان الصحابة يوقرون أكابرَهم وفقهاءَهم، وتلقى ذلك عنهم التابعون وأتباعهم، والعلماء الذين يجب توقيرهم هم حَمَلة الشريعة الذين عُرفوا بحسن القصد، وصالح العمل، وصحة المعتقد، واتباع منهج السلف الصالح، الذين بذلوا أعمارهم في طلب العلم ونشره وأوتوا حظًّا من الورع، الذين شهدت لهم الأمة بالإمامة والتبحر في الشريعة وصدر الناس عن رأيهم؛ فهم الأئمة الكبار حقًّا، وهم المعنيون بالإجلال إذا أطلق الكلام، وكل من لديه علم ممن دونهم وقِّر بحسب علمه وسيره على جادة العلماء.

وقد أمر الشرع بتوقيرهم وإجلالهم، فقد أخرج البيهقي وغيره من حديث أبي موسى موقوفًا: "إِنَّ مِنَ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ". قال الأوزاعي: "الناس هم العلماء ومن سواهم فليس بشيء". وقال طاووس: "إن من السنة توقير العالم".

عباد الله: لا خير في أمة لا توقر علماءها؛ فالعلماء هم مرجع الأمة، وبإسقاطهم ينتصر المنافقون وأعداء الدين، وبإقصائهم يعلو شأن أهل البدعة ويستطير شرهم، وإذا رأيت الرجل يغمز العلماء فلا ترج فيه خيرًا، واعلم أنه على شفا هلكة وسبيل بدعة. قال بعض السلف: "من تكلم في الأمراء ذهبت دنياه، ومن تكلم في العلماء ذهب دينه".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

أيها المسلمون: والقسم الثاني من ولاة الأمر: هم الأمراء والحكام، الذين بهم قوام معيشة الناس، وبهم يستقر الأمن، حتى ولو كانوا فجارًا أو ظلمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم"(رواه أبو داود).

فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر؛ تنبيهًا بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجُمَع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا رُوي: "إن السلطان ظل الله في الأرض"، ويقال: "ستون سنةً من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان"، والتجربة تبين ذلك، ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: "لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان".

وقال الإمام عبدالله بن المبارك:

لولا الأئمة لم يأمن لنا سبل

وكان أضعفنا نهبا لأقوانا

معاشر المؤمنين: مهما بلغ ظلم الحاكم؛ فلا بد من معرفة الموقف الشرعي في مثل هذه الحالات، فالموقف الشرعي هو النجاة؛ لأنه من عند رب العالمين، والله أعلم بمصالح عباده، وإن الناظر في حال السلف وكيف تعاملهم مع أئمة الجور ليعرف المنهج الواضح في ذلك، فانظر إليهم وتعاملهم مع الحجاج بن يوسف مع شهرته في الظلم وسفك الدماء، وضعف الديانة، حتى إنهم كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها فلا يصلون الظهر إلا قبيل المغرب، ومع هذا كان الأئمة من الصحابة كأنس وابن عمر وكبار التابعين كالحسن وابن سيرين يصلون معهم ولا يشقون عصا الطاعة، وإذا خافوا خروج الوقت صلوا إيماء، وكانوا إذا شكوا للحسن ظلم الحجاج، قال: "إن الحجاج عذاب الله في الأرض، فلا تواجهوه، وتوبوا إلى الله واستغفروه"، ولما بلغ الحسنَ موتُ الحجاج، سجد لله شكرًا.

وكان السلف الصالح لا يخرجون على حكامهم، ولو كانوا على مذهب مخالف لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال حنبل: "اجتمع فقهاء بغداد في عهد الواثق إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل –وقالوا له إن الأمر قد تفاقم وفشا– يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك – ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فمنعهم الإمام أحمد من ذلك، وقال: «عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم، ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يُستراح من فاجر، وقال: ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار" ا.هـ.

وقال الإمام ابن كثير: "وما خرج قوم على إمامهم ناقمين عليه في إِمْرَتِه، منذ زمن عثمان بن عفان حتى وقتنا هذا وهو في القرن الثامن، إلا عاد الحال أسوأ مما كان عليه قبل"، وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي: "ولا نرى الخروج عن أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ... وندعو لهم بالصلاح والمعافاة". وقال الإمام الحسن البصري في الأمراء: "هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثرُ مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأن فُرقتهم لكفر".

عباد الله: إن من أعظم الفتن، الخوض في الحكام بالتفسيق والتكفير من شباب وعوام الرعية، وهذه أمور مرجعها إلى أهل العلم، وحتى لو حكم أهل العلم على الوالي بالكفر البواح، فإنه لا يجوز الخروج عليه، ويجب السمع والطاعة له، لا لشخصه، وإنما من أجل حقن الدماء، والحفاظ على الأمن، وحتى يكون عند الناس قوةٌ تستطيع إزالته من دون سفك للدماء، وزعزعة للأمن، هذا عند كفره البواح؛ فما الحال عند إيمانه، ونشره للخير، مع وجود المنكرات والمخالفات، لا شك أن السمع والطاعة أوجب، مع النصح والدعوة إلى الله.

أيها المؤمنون: إن سبّ ولاة الأمر، علماءَ وحكامٍ من وسائل الخروج عليهم، ويدخل فيها التشفي واتباع الهوى، والتفرقة بين الراعي والرعية، إنني لأقول ذلك، وأنا أنظر فيما حولنا من الدول ما صنع فيهم الاختلاف على ولي أمرهم أيًّا كان حاله؛ فما رأينا إلا سفك الدماء، وضعف الدين، وضياع الأمن.

أرى خلل الرماد وميض جمر

ويوشك أن يكون له ضرام

فإن لم يُطفها عقلاء قوم

يكون وقودها جثث وهام

فإن النار بالعودين تذكى

وإن الحرب أولها كلام

فالحذر الحذر -عباد الله- من دعاة الفتنة، ولنلتف حول علمائنا وأمرائنا نتناصح في الله حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر.

هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله ..