البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الدعاء زمن المحن

العربية

المؤلف حمزة بن فايع آل فتحي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. دعوة سعيد بن زيد على امرأة مغتصبة لأرضه .
  2. مكانة الدعاء وفضله .
  3. أثر الدعاء في حياتنا .
  4. آداب الدعاء وموانع الإجابة .
  5. أهمية الدعاء عن الشدائد والفتن. .

اقتباس

إن مما يدفع المحن عن الفرد، ويصرف الأرزاء عن الأمة الدعاء والإلحاح إلى الله -تعالى-؛ فالدعاء إذا بوشر بصدق وانقطاع رفع المحنة، وأزال الكربة ونصر الأمة وكشف الأعداء، فارفعوا أيديكم أيام المحن والفتن، وقولوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن...

الخطبة الأولى:

اللهم لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا، ولك الحمد بما هديتنا وعلمتنا، كبَتَّ عدونا وبسطت أمننا، وجمعت فرقتَنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك كثيرا كثيرا، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالقرآن، أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

معاشر المسلمين: اعتدت امرأة ظالمة على الصحابي الجليل سعيد بن زيد -رضي الله عنه- ورفعت به إلى الخليفة أنه سرق أرضها, فقال سعيد: كيف آخذ أرضها وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: كذا وكذا... ولم يكن لسعيد بينة في استحقاق أرضه، فحكم الخليفة بأن الأرض لها، فتلفت سعيد ماذا يصنع؟! وماذا يقول؟! فرفع رأسه إلى السماء، وحول إلى الله مظلمته، وشكا إليه حاجته وقال: "اللهم إن كانت ظالمة؛ فعَمِّ بصرَها, واقتلها في أرضها".

فمرت السنين والأيام، وامتلكت هذه المرأة أرض سعيد، وكبرت وعميت وبينما هي تمشي في أرضها وقعت في حفرة فيها، وماتت وهلكت بسبب دعاء هذا الرجل الصالح, الذي لم يكن له سلطة ولا غلَبة على هذه الظالمة، إلا باللجوء إلى الله والاستعصام بنصره وقوته؛ فإنه النصير لكل مظلوم والعضيد لكل بائس، والمعين لكل ضعيف.

ويذكر بعض رواة الأخبار أن بعض الظلمة تربص لرجل صالح وآذاه في حياته، فأحست والدته بالخطر والأذى، فقالت لذلك المعتدي: أماتك الله بسيارتك تحت تلك الشاحنة، وبعد أشهر أصيب ذلك المعتدي بحادث مروع، وهلك تحت الشاحنة بسيارته الفاخرة.

لماذا يا مسلمون؟! إنه الدعاء ودعوة المظلوم؛ "يرفعها الله فوق الغمام ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".

أيها الإخوة الكرام: تنقطع بالمبتلى الأسباب، ويقل له الناصرون، ولا يجد كاشفا لكربته ولا قاهراً لعدوه، ولا قاضيا لحاجته! فيفزع إلى الله، ويشخص بصرُه إلى السماء مستجيراً، بمن هو فوق كل شيء، ومن هو يجير ولا يجار عليه، وبمن هو يجيب دعاء المضطرين، ويغيث الملهوفين، ويبطل كيد المجرمين والظالمين؛ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60].

إن الدعاء سلاح المؤمنين حين تضعف الأسلحة، وقوتهم حين تهون القوة، وملجؤهم حين لا ملجأ ولا ملاذ، فادعوا الله -عباد الله- وأيقنوا بالإجابة؛ فإن دعاءكم علامة التوحيد, وعنوان التعظيم، وآية الخضوع والاستسلام، وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: "الدعاء هو العبادة", فتعبد لله بالانطراح بين يديه، خاشعا مجيباً، رافعا يديك متذللا ترجوه لا ترجو سواه؛ فإنه على كل شيء قدير.

كم من مظلوم قهر ظالمه بدعوة حارة! وكم من سقيم رحل سقمه بخضوع في دعوة! وكم فقير اغتنى بسؤال ورجاء! وكم من مهزوم انتصر بإلحاح إلى الله! (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ)[النمل: 62]؛ لا يجيب المضطر سواه -سبحانه وتعالى-, ولا يسلّي الشاكي غيره، ولا يفرج عن المكروب إلا هو -تبارك وتعالى-؛ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة: 186].

وإني لأدعو الله والأمر ضيقٌ 

عليّ فما ينفك أن يتفرجا

وربّ فتى ضاقت عليه وجوهُه 

أصاب له في دعوة الله مخرجا

إن الدعاء -يا مسلمون- ملاذ كل مسلم، ومفزَع كل مبتلى، فلماذا نقصر فيه؟! لماذا نقصر في الدعاء؟! وقد أطمع الله الداعي والسائل، ووعد الملتجئ إليه بحسن الإجابة وعظيم الأجر وجميل العاقبة؛ روى الترمذي في سننه بسند حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس شيءٌ أكرمَ عند الله تعالى من الدعاء", وصح حديث: "من لم يسألِ الله يغضبْ عليه".

فالله -تعالى- يجب الداعين، ويثيب المنقطعين، ويستحي من عباده أن يردهم أصفاراً، لا حول لهم ولا قوة؛ جاء عند أبي داود والترمذي في الخبر الصحيح عن سلمان -رضي الله عنه-، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن ربكم حييٌ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه بدعوة أن يَردهما صِفر".

إن مثل هذا الحديث اذا تأمله المسلم الراجي ما عند الله، عرف به عظمة الدعاء، وأدرك كرمه -تعالى-، وإنه بعباده رحيم كريم، ويجعله كذلك مسارعا إلى الدعاء، جادا فيه متمسكا به, ملتزما فيه، متحريا فيه ساعات الإجابة؛ كساعة الجمعة, وبين الأذان والإقامة, وأدبار الصلوات, والسَّحر، والسجود، وحال السفر وعند نزول الغيث، وعند الإفطار للصائم، وأشباهها من الأوقات المحمودة التي تحمل المسلم على الجد والاجتهاد فيه.

وإنا لندعو إخواننا المسلمين إلى الحرص على الدعاء، وقد أمرهم -تعالى- به وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر: 60], وندعو كل ناصح مشفق إلى العناية بهذه العبادة، وأن يلتزم فيها بآداب الشريعة التي هي سبب في الإجابة؛ كالإخلاص، والحرص على المأثور الثابت، والثناء على الله, والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتجنب المعاصي كالأكل الحرام.

ومن آدابه: حضور القلب, والدعاء بتذلل وافتقار، وترك السجع والتكلف، وعليهم استيقان الإجابة، وعدم الاستحسار، والعناية بالكلمات التي عظمها الشارع كقوله: يا ذا الجلال والإكرام ومثيلاتها، مما له تأثير في الإجابة، وتحقيق المنال والغاية.

ولا يترك العبد ولا يجزع ولا يضيق إذا تأخرت الإجابة؛ فإن انقطاعه في الدعاء سبب في صلاح القلب، واستطعام الإيمان، ويحصل بها المنافع والفتوحات النورانية، مما هو سبب للبقاء والمواظبة، كما قد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام إبن تيمية -رحمه الله تعالى-, وقال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يختلف عنه أثره؛ إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاءً لا يحبه الله لما فيه من العدوان، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًا؛ فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة؛ من أكل الحرام والظلم, ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليه, كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاءً من قلب لاهٍ", فهذا دواء نافع مزيل للداء، ولكنْ غفلةُ القلب عن الله تبطل قوته, وكذلك أكل الحرام يبطل قوتها ويضعفها... قال أبو ذر: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح".

وليحذر العبد الاعتداء في الدعاء؛ من سؤال الله بالوسائل الشركية والبدعية، ودعائه بأسماء لا تصح لله -تعالى-, أو التفصيل الممجوج في الدعاء وطلب السجع والتكلفات في الدعاء.

واحرص -يا عبد الله- على هذا الباب من الطاعات؛ فإنه مفتاح الخيرات، وطريق البركات، ولا تكن ممن دعا وانقطع، أو تكاسل وعجز, وفيه قال -صلى الله عليه وسلم- كما عند الطبراني: "إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخِل بالسلام".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه ومن تبعه, وبعد:

إخوة الإسلام: إن مما يدفع المحن عن الفرد، ويصرف الأرزاء عن الأمة الدعاء والإلحاح إلى الله -تعالى-؛ فالدعاء إذا بوشر بصدق وانقطاع رفع المحنة، وأزال الكربة ونصر الأمة وكشف الأعداء، فارفعوا أيديكم أيام المحن والفتن، وقولوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن, وقولوا كمان كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا خاف عدواً: "اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم".

إن نزول الفتن والبليات بالأمة, مؤذن بالمحاسبة والمراجعة، وطريق يدفع للفرار إلى الله والتوبة عما سلف, (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)[الذاريات: 50]؛ فروا إلى الله وليس إلى قوتكم! وفروا إلى الله وليس إلى طاقاتكم، وفروا إلى الله وليس إلى أعدائكم المخادعين, وفروا إلى الله بالتوبة والإنابة (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)[التحريم: 8].

وفرّوا إلى الله بالدعاء الصادق، الدعاء الموشّى بالإخلاص، والدعاء السيال بالدموع, والدعاء المتوج بالإلحاح ودوام الانكسار؛ (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[غافر: 14].

وقد كان النبي -صلى لله عليه وسلم- فاراً إلى ربه في المحن والشدائد, يسأل الله الفرج ويرجوه النصر والفتح؛ ففي غزوة بدر بات ليلة داعيا وذاكرا لله, ويقول: "اللهم نصرَك الذي وعدت", ويقول: "اللهم إنْ تهلِك هذه العصابةُ لا تُعبدُ في الأرض".

وقد كان هذا منهج الصالحين قبلنا، فقد قال المؤمنون مع طالوت: (قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[البقرة: 250], وقال -تعالى- مخبرا عن آخرين: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 147], وفي يوم الأحزاب قال -تعالى- عن أهل الإيمان: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الأحزاب: 22].

والدعاء في زمن المحن مما يزيد الإيمان والتسليم، ويسلّي المؤمنين، ويَغيظ الكافرين وبه يُستجلب النصر والفتح، ويرفع الله به وحشةَ المحنة، ويُنبت عنها اليقينَ الراسخ بظهور الدين، وأن العاقبة للمتقين.