الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | يحيى بن موسى الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أمة الإسلام: ألا وإن سهر الليل إلى أسحاره، ومسامرته إلى إدباره، ومدافعة المرء النوم عند الحاجة إليه، وتمنعه منه عند هجومه عليه، ومغالبته لإغفاءات عينيه، باستخدام منبهات محرمة، أو تعاطي حبوب مسهرة، يورث آفات عظاماً، وأخطاراً جساماً، وينطوي على أضرارٍ صحية، ومخاطر اجتماعية، ومصائب أسرية، واضطرابات نفسية، وتخلفات عقلية، وأمراض جسدية، وتخبطات فكرية، فيصبح الساهر والسامر، عديم الحماسة، منهوك...
الخطبة الأولى:
إن منن الله على عباده لا تحصى، ونعمه عليهم لا تستقصى، وإن من مننه وآياته، ومن نعمه وأعطياته، أن جعل النوم سباتاً للناس، وجعله لهم خير سكنٍ ولباس، يقول الملك المنان، في معرض الامتنان: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا)النبأ: 9-10].
ويقول في فضل الإنعام، في سورة الأنعام: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا)[الأنعام: 96].
ليل تهدأ به الأنفاس، وتسكن فيه الأعضاء والحواس، وتحصل فيه الراحة والإيناس.
جعل الله الليل برحمته وفضله وقت منام، وهدوء عام، قال الله المتفضل، في شأن التفضل: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[القصص: 73].
أمة الإسلام: كان الليل في زمن مضى، وذهب وانقضى، ميدان سبق، ومطية تنافس، ومضمار صدق، لا ترى فيه إلا مصلياً، أو ساجداً أو باكياً، أو مستغفراً أو داعياً، وكان السلف -رحمهم الله تعالى- يرونه أعظم مطية، إلى الجنة العلية.
أما اليوم فقد أصبح الليل وقتاً للتهريب، وزمناً لفعل الفواحش والتخريب، وحلبة لاقتراف الكبائر، واقتراف الجرائم، وتعدٍ لحدود الله -تعالى-.
اليوم أضحى الليل لدى كثير من الناس، لحظات طيش، وظلال عيش، وأصبح السهر اليوم في الأعم الأغلب منبعاً للعار، وإيذاءً للجار، صار السهر اليوم مجمعاً للأخطار، وطريق للمهالك والمضار، ومسرحاً للأعمال الخبيثة، والأفعال القبيحة، والليالي الحمراء، لأصحاب الوجوه الغبراء، في الليل تعرض الأفلام الخليعة، والبرامج المريعة، والحركات الفظيعة، مشحونة بخطوات الشيطان ونزغاته، وأحلامه وترهاته، مدفوعة بأفكاره وحزبه، وأوهامه وجنده، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[النور: 21].
وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا)[النساء: 119-121].
فالخير في شباب الأمة مأمول، والبر في قلوبهم مأهول، وهنا تبرز أهمية الدعوة والدعاة، لانتشال بقايا الفطرة السليمة، وإنقاذ ما تبقى من الكرامة والغيرة.
وهنا نحتاج إلى التربية الصحيحة السوية، حتى يعود الناس إلى رشدهم، ويراجعوا فطرتهم ودينهم، قال تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم: 30].
نعم -يا عباد الله-: إن حقيقة الفطرة أن تميل النفس إلى الحق، ومن خرج عن هذا الأصل، فلعارض عرض لفطرته أفسدها، وعيب أعيبها، قال صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"[أخرجه أبو داود وغيره].
أمة الإسلام: لقد أصبح الليل اليوم ميداناً لنصب الشباك، واصطياد الشباب، فنتجت ثلة من الشباب لا يقبلون دعوة ولا معروفاً، ولا يهتدون إلى حق أو صواباً، جيف بالنهار، خفافيش بالليل، أصبح ليلهم سهر مخيف، وسمر سخيف، مجمع لكل مجرم موبوء، ومزبلة لكل شر وسوء، لا ترى فيه إلا قطعاناً من الماشية، تقودهم الشهوات، وتظللهم الشبهات، تسيرهم القنوات، وتحركهم المنكرات، مواقف عجيبة، وأحداث غريبة، تمرض الأفئدة والقلوب، وتولد الجرأة على الذنوب.
وما ذاك إلا نتاج إرضاع أجيال الأمة، من كأس الحرية المزعومة، والانفتاحية الموهومة.
إلا وإن من أسباب تلكم النقمات والمحدثات: آباءً ضلوا طريق الصواب، وارتكبوا سبل الخراب، فنشأت أجيال لا تعرف لخالق ولا مخلوقٍ حقاً، ضيعوا الدين بالكلية، وعصوا الراعي والرعية، رضعوا عادات الحياة الغربية، وتقمصوا أحوال الهمجية، وسلكوا مسالك اللصوصية، شربوا سم العلمانية، وهضموا خطط الصهيونية، وتلبسوا لباس الصليبية، فنكست الطباع، وتغيرت الأوضاع، زاد شررهم، وتعاظم خطرهم.
ولا بد من اجتثاث جرثومتهم، واستئصال شأفتهم، فلا معروفاً يعرفون، ولا منكراً ينكرون، والآباء على تربيتهم غير قادرين، وعن مسؤوليتهم متنصلين، شباب أينعت رؤوسهم وحان قطافها، فلابد من سيف الحجاج الخراب، أو درة عمر بن الخطاب، فإما هداية وعودة، وإما حزم لا تؤدة.
أمة الإسلام: واجب على الأمة بجميع فئاتها وطبقاتها، وخاصة ولاة أمرها، حماية أجيالها، من خطر محدق، وشر مغدق.
لا بد من حماية الشباب من براكين الغرب، وحمم الأعداء، الذين يتربصون بهم الدوائر، ويقعدون لهم كل مرصد، فلا بد للباب أن يوصد، ولا يتم ذلك إلا بنشر الدعوة إلى الله -تعالى- في كل بيت وحي ومقر عمل، حتى تصفو النفوس، وتهدأ القلوب.
أيها المسلمون: إن أيام الصيف، طيف وضيف، أيام ثم تنتهي، وليال ثم تنقضي، فطوبى لعبد أخذ من حر لهيبها، ولفح سمومها، لينجو به من جهنم وجحيمها.
وطوبى لعبد قضى فيها خير الأوقات، وعمل فيها أفضل الطاعات، بين حلقات قرآنية، أو دروس علمية، أو دورات مهنية، أو تطوير للقدرات العقلية والتربوية، أو فسحة مباحة تقية نقية، من المحرمات طاهرة برية، لنيل الحسنات، ورفعة الدرجات.
أمة الإسلام: ألا وإن سهر الليل إلى أسحاره، ومسامرته إلى إدباره، ومدافعة المرء النوم عند الحاجة إليه، وتمنعه منه عند هجومه عليه، ومغالبته لإغفاءات عينيه، باستخدام منبهات محرمة، أو تعاطي حبوب مسهرة، يورث آفات عظاماً، وأخطاراً جساماً، وينطوي على أضرارٍ صحية، ومخاطر اجتماعية، ومصائب أسرية، واضطرابات نفسية، وتخلفات عقلية، وأمراض جسدية، وتخبطات فكرية، فيصبح الساهر والسامر، عديم الحماسة، منهوك القوى، كسولاً خمولاً، لا يستطيع النهوض بعبئه، ولا القيام بمسئوليته، مما يؤدي إلى تضييع حقوق واجبة عليه في نفسه وأهله، وأعظم من ذلك تجاه ربه وخالقه؛ لأن السهر جهد وبلاء، وثقل وشقاء، وتعب وعناء، تثقل معه الواجبات، وتهون المحرمات، فاحذروا السهر، وإياكم والسمر، لا سيما فيما لا فائدة فيه، ولا طائل منه، يقول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا السهر جُهد وثُقل" [أخرجه الدارمي].
يقاوم الساهر المناما، ليخسر بعدها ساعات وأياماً.
أيها المسلمون: من هدي النبي الكريم، والرسول العظيم، في النوم والسهر، ما أخرجه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال، وتقول عائشة -رضي الله عنها-: "ما نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل العشاء، ولا سمر بعدها" [أخرجه ابن ماجة].
وحينما سمعت -رضي الله عنها- عروة يتحدث بعد العشاء قالت: ئلا"ما هذا الحديث بعد العتمة، ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راقداً قط قبلها، ولا متحدثاً بعدها، إما مصلياً فيغنم، أو راقداً فيسلم" [أخرجه عبد الرزاق في مصنفه].
واليوم أصبح الليل محط الأنظار، ووقت الأسفار، تعرض فيه المسلسلات، ويُشاهد فيه الأفلام، فيه يعصي كثير من الناس ربهم تبارك وتعالى، تعالياً واستكباراً، وجهلاً وإصراراً، عمدت القنوات الفضائية على عرض المشاهد العارية في وقت السحر من الليل، فعكف الكثير من المسلمين متحلقين حولها، ينطوي بهم ليلها، يقتلون الأوقات الفاضلة، بالمشاهد الفاضحة، وكل ذلك مسجل في صحائف الأعمال، وسجلات الأقوال، ودواوين الأفعال، كل ذلك مسطر في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، قال تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)الإسراء: 13-14].
وقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)[يس:12].
أمة الإسلام: إن النوم في أول الليل هو هدي رسول الثقلين، فيه خيرات وبركات، وإن راحة الجسد، وسكون التعب، متحقق في من نام أول الليل، يقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "بت عند خالتي ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيديه، ثم قرأ العشر آيات من خواتيم سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي"[متفق عليه].
هكذا كان ليله صلوات الله وسلامه عليه، فأين الاقتداء والاتباع، لقد هجر الكثير من المسلمين سنن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؟ وما أكثر السنن الميتة المهجورة -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فأوصيكم ونفسي -عباد الله- باتباع هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمن تمسك به فقد هدي إلى صراط مستقيم، وكان من المقتدين المهتدين.
أيها المسلمون: إن عليكم ملكان يصحبانكم طول دهركم، ويكتبان كل أعمالكم، فأريحوا كُتَّابكم، من السهر الممنوع، والسمر غير المشروع، فعن هشام ابن عروة عن أبيه قال: "سمعتني عائشة وأنا أتكلم بعد العشاء، فقالت: يا عريه: ألا تريح كاتبك؟ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ينام قبلها، ولا يتحدث بعدها"[أخرجه ابن حبان].
وأخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن عائشة -رضي الله عنها- كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العشاء، فتقول: ألا تريحون الكُتَّاب؟" وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذم السهر، ويزجر عنه؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:"سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجذب لنا السمر بعد العشاء" [أخرجه أحمد وغيره].
ومعنى يجذب: أي يذم ويعيب ويحذر.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إياك والسمر بعد هدأة الرِجِلْ".
وفي رواية: "بعد هدأة الليل، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله في خلقه"[أخرجه الحاكم وغيره].
وعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستحب أن يؤخر من العشاء، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها".
فالنوم قبل العشاء ربما أدى لتأخيرها عن وقتها المختار، والحديث بعدها ربما كان سبباً لترك صلاة الفجر، أو تأخير عن وقتها، أو عن قيام الليل.
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يضرب الناس على ذلك، ويقول:" أسمراً أول الليل، ونوماً آخره".
وإذا تقرر أن علة النهي في ذلك خشية ترك الصلوات، أو تأخيرها عن وقتها المختار، فربما يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار، والكراهة في كلتا الليالي حسماً للمادة، هو الراجح والمأخوذ به، يقول النووي -رحمه الله-: "واتفق العلماء على كراهة الحديث بعد العشاء إلا ما كان في خير، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر أحياناً في بعض مصالح المسلمين".
يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر عند أبي بكر ليلة في الأمر من أمور المسلمين وأنا معه" [أخرجه أحمد والترمذي].
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا سمر إلا لأحد رجلين: لمصل أو مسافر"[أخرجه أحمد].
وقد بوب البخاري في صحيحه باباً في السمر مع الأهل والضيف، وباباً في الفكر والخير، وخلاصة القول في المسألة: أن السهر بعد العشاء مكروه إلا ما كان في خير أو ما لا بد منه من الحوائج، وكل سهر أدى إلى تضييع واجب شرعي، أو حق مرعي، فإنه يكون سهراً محرماً، حتى لو كان في طاعة وعبادة، ومطالعة واستفادة، وكل سهر أدى إلى الوقوع في أمر محرم، فهو سهر محرم، والسهر في طاعة الله، إذا لم يترتب عليه ضياع واجب، أو فوات مصلحة شرعية، أعلى وأرجح منه، فإنه سهر محمود.
أيها المسلمون: لقد استساغ كثير من الناس السهر والسمر، حتى ضيعوا صلاة الفجر، بل ربما خرج وقتها، فوقعوا في المحذور، وارتكبوا الممنوع، وتكاسلوا عن أداء الصلاة في الوقت المشروع، وكانوا في دائرة المنافقين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أثقل الصلاة على المنافقين، صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما -من الخير والأجر والرغائب- لأتوهما ولو حبواً"[متفق عليه].
فناهيكم عن السمر المذموم، والسهر المشئوم، فإنهما مطية إلى عذاب الله، وعظيم عتابه، وشديد عقابه، إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً.
بارك الله لي ولكم في الكتابين الوحيين، وجعلني وإياكم من المتبعين لهدي سيد المرسلين.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفوراً، وللتوابين رحيماً.
الخطبة الثانية:
أمة الإسلام: كم من السهرات التي لا فائدة فيها، بل كتبت سيئات على أصحابها، حتى ذكر الله -تعالى- نسوه، ولم يعودوا يتذكروه، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله -تعالى- فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة"[أخرجه أبو داود].
فيا أهل البلوت والشطرنج، ويا أهل الفضائيات والكرة: اعلموا أن الله معكم يسمع ويرى، وكل الخطوات والخطرات، مكشوفة عند رب الأرض والسموات، لا يخفى على الله منها شيء.
أمة الإسلام: ساعات الأسحار، ساعات توبة واستغفار، وتضرع وانكسار، يقول عليه الصلاة والسلام: "ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"[متفق عليه].
ويقول عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله -تعالى- في تلك الساعة فكن"[أخرجه الترمذي].
هكذا هو دأبه وهديه وأمره صلى الله عليه وسلم، ولا نشاهد اليوم إلا أناساً أصابتهم حمى السهر، وضربتهم شمس السمر، لا على طاعة ولا خير، ولا سنة ولا بر، ولكن على معصية وذنب، وكبيرة وإثم.
فاتقوا -أيها الناس-: واعلموا أن الحياة ساعات، وليال ولحظات، ثم يفضي العبد إلى عالم الخفيات، ورب البريات، فإما عمل صالح صاحبه مأجور، وإما عمل طالح عامله مأزور.
أيها الآباء والأولياء: أنتم مأمورون بكف صبيانكم عن الخروج إذا أقبل جنح الليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "احبسوا صبيانكم حتى تذهب لوعة العشاء، فإنها ساعة تمترح فيها الشياطين"[أخرجه الحاكم].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان جنح الليل، أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم"[متفق عليه].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترسلوا حواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس، حتى تذهب فحمة العشاء، فإن الشياطين تبعث إذا غربت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء".
وفي لفظ: "فإن للجن انتشاراً وخطفة".
أيها المسلمون: إذا كان لشياطين الجن انتشاراً وابتعاثاً في تلك الساعة، فإن لشياطين الإنس في هذا الزمان، انتشاراً وخطفاً وابتعاثاً طوال ساعات الليل، يحاولون جر الشباب والأولاد، وفلذات الأكباد، إلى بؤر الانحراف والفساد، عبر مغريات وملهيات، لا يحصرها حاصر، ولا يحصيها حاصٍ، مما يوجب اليقظة والحيطة، فكونوا على حذر، فقد نجى أخو الحذر، فكفوا أولادكم عن الضياع، واتباع الرعاع، فإنهم مندفعون لا تجربة لهم ولا خبرة، فكونوا نعم الحراس، وخير الناس للناس، وكونوا أمناء فطناء، وإياكم والإهمال، فإن نتائجه ضر، وثماره مر، وعاقبته خسر.
واعلموا أن ثمرة الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
واعلموا: أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم معاشر المسلمين من جنه وإنسه، فقال الحق -تعالى- في علاه، في كتاب قرأناه واتبعناه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله خير الثقلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، واجعل عمله في رضاك، اللهم كن له على الحق عوناً ومعيناً، وسنداً وظهيراً، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة، التي وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم عليك بأعداء الملة والدين، اللهم اجعلهم أذلة صاغرين، وأخرجهم من بلاد المسلمين، اللهم طهر بلاد المسلمين من رجز الوثنية، وعادات الجاهلية، ومن قتلة الإنسانية.
اللهم إنا نسالك الجنة ونعميها، ونعوذ بك من النار ولهيبها.
اللهم أصلح نياتنا وجميع أعمالنا، واهدنا لأحسن الأقوال والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفه عنا إلا أنت.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201] واغفر لنا بالليل والنهار، يا عزيز يا غفار.
سبحان الله عدد ما مشى على الأرضين ودرج، والحمد الله الذي بيده مفاتيح الفرج، ولا إله إلا الله عدد من ولد وخرج.
ولا تزال ألسنتكم رطبة من ذكر الله، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].