العالم
كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | د ماجد بن عبدالرحمن آل فريان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
وقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من دلالة هذا التنزل في هذا الشهر الكريم أن القرآن له مزية في شهر رمضان عن غيره، فكان يجتمع مع جبريل -عليه السلام- لمدارسة القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان كما في الصحيحين من حديث ابن عباس، فكان القرآن أنيس النبي -صلى الله عليه وسلم- وسميره في ليالي رمضان ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره...
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين: بعد مرورِ سبعَ عشرةَ ليلة من رمضان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- في الأربعين من عمره، أذن الله -عز وجل- للنور أن يتنزل، فإذا جبريل -عليه السلام- آخذ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول له: اقرأ! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنا بقارئ"، قال: "فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني". ثلاث مرات فقال: (قْرَأْ بِسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَـانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاْكْرَمُ) [العلق: 1-3]، فرجع بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده. رواه البخاري.
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم، وهكذا شهدت أيامُه المباركةُ اتصالَ الأرضِ بالسماء، وتنزلَ الوحي بالنورِ والضياءِ، فأشرقت الأرضُ بنور ربها، وانقشعت ظلماتُ الجاهليةِ الجهلاءِ.
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار
ومن ذلك اليوم كان الارتباط المبارك بين القرآنِ وشهر رمضانِ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَلْفُرْقَانِ) [البقرة: 185]، وقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من دلالة هذا التنزل في هذا الشهر الكريم أن القرآن له مزية في شهر رمضان عن غيره، فكان يجتمع مع جبريل -عليه السلام- لمدارسة القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان كما في الصحيحين من حديث ابن عباس، فكان القرآن أنيس النبي -صلى الله عليه وسلم- وسميره في ليالي رمضان.
ومن أبرز صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة التراويح، تلك الصلاة التي أكثر ما فيها قراءة القرآن، وكأنها شرعت ليسمع الناس كتاب الله تعالى مجودًا مرتلاً، ولذلك استُحب للإمام أن يختم فيها ختمةً كاملة.
ومن بركاتها أنها تقوِّم قراءة الناس لسماعهم القرآن، وتقوِّم قراءة أئمة المساجد وتضبط حفظهم للقرآن، وتقوي أداءهم بسبب عرضهم ذلك على المأمومين في صلاة التراويح.
وفيها إفادة عظيمة لعموم المسلمين المستمعين للقرآن أثناء الصلاة؛ لأنَّ قلوبَهم حاضرةٌ، ونفوسَهم مقبلةٌ، وربما استفاد المصلي وتأثر أكثر من قراءته بنفسه، وقد يكون الإمام مجودًا متقنًا يجعل التلاوة تفسِّر القرآن، فيستفيدُ المستمعُ بذلك فائدة لم تخطر له على بال، وكم سمعنا ومر معنا من يقول بأنه لم يفهم الآية الفلانية إلا لما سمعها من تلاوة القارئ الفلاني، ومن الناس من تاب من الربا بمجرد سماعة لتلاوة آيات الربا من أحد القراء المجودين، وكان يقرأ هذه الآيات ويعاقر الربا ولا يتوب من ذلك، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يسمع القرآن من غيره، ويتلذذُ بذلك تلذذًا يبديه لأصحابه ولا يخفيه، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأ عليّ القرآن"، فقلت: يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري"، قال: فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) [النساء: 41]، رفعت رأسي، أو غمزني رجل إلى جنبي، فرفعت رأسي، فرأيت دموعه تسيل.
وليس البشر الذين يتأثرون بسماع القرآن فقط، بل حتى الملائكة خرجت عن استتارها يومًا حين انبعث صوت الصحابي بالقرآن، ففي صحيح البخاري عن أسيد بن حضير -رضي الله عنه- قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرَجَتْ حتى لا أراها، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "وتدري ما ذاك؟!"، قال: لا، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأتَ لأصبحتْ ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم". رواه البخاري.
لا بد أن يستحضر أئمة المساجد قيمة تلاواتهم التي يعطِّرون بها الفضاء، ويهزُّون بها القلوب، ويقرعون بها المسامع، ولا بد أن يستحضروا سماعها من الملأ الأعلى، وشهودها من الملائكة الكرام، ويخلصوا فيها ويتدبروها ويطيلوها، ويُسمعوا الناسَ القرآنَ كاملاً في رمضان، وأن لا يتأثروا بقلة الناس، فمن الملائكة من يستمع لهم ويتأثر بهم، وما أجدرهم بالالتفات إلى آداب تلاوة القرآن وسننها؛ ليطبقوها، فيعظم أجرهم وينتفع الناس بهم.
ومن أعظم ما يذكَّر به في هذا المقام إخلاص العمل والتلاوة لله تعالى؛ لأن هذه التلاوة عبادة عظيمة تحتاج إلى إخلاص، وهي من عمل المرسلين، ومن قرأ القرآن على الناس فقد اقتدى بالمرسلين فيما أمروا به؛ يقول الله -عز وجل- على لسان نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) [النمل: 91، 92]، أي: وأُمرت أن أتلو القرآن، قال ابن كثير: أي أتلوه على الناس وأُبلغهم إياه، وجاء في دعاء إبراهيم -عليه السلام-: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ) [البقرة: 129]، وقال -جل وعلا-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة: 2]، فلو استحضر الإمام الذي يصلي بالناس اقتداءه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والمرسلين، لعلم أنه في عبادة عظيمة وعمل جليل.
وإذا احتسب القارئ الأجر واستحضر الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والأنبياءِ من قبله في تلاوة القرآن على الناس فإنه ينبغي أن يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في طريقة تلاوته، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتلو القرآن بطريقة متميزة، لعل من أبرز ملامحها ما أمر الله تعالى به من الترتيل في قوله: (وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل: 4]، وهذا أمر من الله تعالى لنبيه، والأصل في الأمر الوجوب، إلا إذا صرفه صارف، ولا نعلم هنا أيَّ صارف يمكن أن يصرف هذا الأمر عن أصله، فترتيل القرآن إذن واجب على كل من قرأه.
ومما يبعث على التأمل أن الله تعالى أمر نبيه بالترتيل في أعقاب الأمر بقيام الليل فقال: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل: 1-4]، ولم يكتف سبحانه بالأمر بالترتيل المجرد، بل أكده بقوله: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)، وفي هذا تنبيه للقرَّاء في صلاة التراويح بأهمية الترتيل، وليس القراءةَ العجِلةَ اللاهثةَ، الباحثةَ عن أواخر السور؛ ذلك أن الترتيل هو قراءة القرآن بتمهل وتؤدة واطمئنان، وإعطاء كل حرف حقه من المخارج والصفات والمدود. وقد نعتَت أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنها قراءةٌ مفصّلةٌ مفسرةٌ حرفًا حرفًا.
وليس المراد بالترتيل التمهل في القراءة فحسب، فهذا بعض معناه، والمعنى الآخر في الترتيل هو التجويد، فالقارئ بلا تجويد مهما ترسل في القراءة وتمهل فيها وتأنى فإنه لا يفصح عن حسن القرآن، بل يُخفي بلحنه وكثرة خطئه محاسن القرآن، ويغيب تأثير القرآن على الناس، ولذلك روي عن بعض السلف تفسير الترتيل بالتجويد، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "الترتيل تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف".
وإذا أتقن القارئ تجويد القرآن، وأدَّاه للناس بالطريقة الصحيحة كان له من السطوة على الناس والتأثير فيهم ما يعز عن الوصف، وكانت لقراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته من السطوة والتأثير في الناس ما يمكن أن يوضحه قول جبير بن مطعم -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور، فلما سمعته قرأ: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ) [الطور: 35]، خلت أن فؤادي قد انصدع، وكان جبيرٌ إذ ذاك مشركًا، ومع ذلك أثرت فيه قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- بحسن صوته وترتيله.
ونقيض الترتيل وضده: (الهذُّ) أو (الهذرمة)، وهو الإسراع بالقراءة إلى الحد الذي لا يمكِّن القارئ من ضبط أحكام القراءة، ولا يمكِّن السامع من التدبر؛ قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- كما أخرج الآجريُّ في أخلاق حملة القرآن: "لا تنثروه نثْرَ الدَّقَل -يعني التمر الرديء- ولا تهذُّوه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكنْ همُّ أحدِكم آخرَ السورة".
معاشر المسلمين: ومن ملامح تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو سيد القراء-: تحسين الصوت بالقرآن والتغني به؛ فقد رغّب النبي -صلى الله عليه وسلم- في التغنّي بالقرآن وتحسينِ الصوت به في أحاديثَ كثيرةٍ، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ". قال البخاري: وزاد غيره: "يَجْهَرُ بِهِ". وعنه -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا أَذَنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ -أي سمع لشيء-، لِنبِيِّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ". متفق عليه. وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ". رواه أبو داود وغيره.
وقد فسر العلماء التغني بالقرآن بأنه: "تحسين الصوت بالقراءة، مع الجهر بها بخشوع وترقيق وتحزّن، من غير تكلّف ولا مبالغة". فعلى المرتل للقرآن والمصلي بالناس التراويح وغيرها أن يبذل جهده في الترنم بالقرآن وتحسين صوته بتلاوته، وأن يجعل ذلك ديدنه وعادته، اتباعًا لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وامتثالاً لأمره، فإن كان حَسَنَ الصوت بفطرته فإن الترتيلَ والتحبيرَ سوف يسهُل عليه، وإذا لم يكن حَسَنَ الصوت بفطرته فعليه أن يتكلف تحسين صوته، ويتدرب ويحاكي حتى يصبح طبيعة له بالدربة والممارسة، كما قال ابن أبي مليكة -رحمه الله- لما سئل: "أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟! قال: يحسنه ما استطاع".
وتكلُّف تحسين الصوت بالقرآن منه قدر مشروع، سواءٌ لمن كان حالُه ما وصفنا أم كان حسنَ الصوت أصلاً، فيجوز لهما جميعًا تكلف تحسين الصوت، والزيادة في الترنم به، ولا بأس أن يكون ذلك من أجل سماع الناس لهم، ولا يقدح هذا في إخلاص الإنسان، بدليل قول أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو أعلم أنك تسمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرًا"، وفي رواية: "لو علمت لشوقت تشويقًا وحبرت تحبيرًا"، ولم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه قوله ذلك؛ ما يدل على جواز تحسين الصوت وتجميله من أجل المستمعين والتأثير فيهم وترقيق قلوبهم.
وينبغي لمن رزقه الله حسن الصوت بالقرآن أن يعلم أن الله -عز وجل- قد خصّه بخير عظيم، وليجعل مراده حين يقرأُ للناس أن ينتبه أهلُ الغفلة من غفلتهم، فيرغبوا فيما رغبهم الله -عز وجل-، وينتهوا عما نهاهم، وبهذا ينتفع بحسن صوته وينتفع الناس به.
معاشر المسلمين: ومن ملامح تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم- للقرآن البكاء عند تلاوتة وسماعه؛ وقد بكى النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمع سورة النساء من ابن مسعود، وقال له: "أَمْسِكْ"، فالتفت ابن مسعود، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. رواه البخاري. وقال أحد الصحابة: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَل". رواه النسائي. وكان عمر -رضي الله عنه- يصلي بالناس ويبكي حتى يُسمع نشيجه من وراء الصفوف.
والبكاء عند قراءة القرآن دليل الإيمان والخشية والخشوع إذا كان بكاءً صادقًا، وبكاءُ الخشوعِ هو البكاء الذي إذا سمعه الإنسان تأثر به وركن إليه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إن من أحسن الناس صوتًا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيتَ أنه يخشى الله". رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح.
أما التباكي فهو تكلف البكاء، ومنه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، فالتباكي المحمود هو الذي يستجلب رقة القلب وخشية الله، وليس تباكي الرياء والسمعة، ومثال التباكي المحمود ما قاله عمر -رضي الله تعالى عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسرى بدر: "أخبرني ما يبكيك يا رسول الله، فإن وجدتُ بكاءً بكيت، وإن لم أجد تباكيتُ لبكائكما". فلم ينكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما أنه قد جاء عن بعض السلف قوله: "ابكوا من خشية الله، فإن لم تبكوا فتباكوا".
وأما التباكي المذموم فهو الذي يَستجلب به الباكي حمد الخلق وثناءهم عليه، فيتظاهر بالبكاء أمام الناس، فهذا تباكي نفاق.
ومن ملامح تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم- للقرآن: التدبر والتفكر فيه، وهذا الأمر هو أهم آداب التلاوة على الإطلاق، وهو الثمرة الحقيقية للتلاوة، قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [ص: 29]، وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً، فَقرأ الْبَقَرَةَ والنساء وآل عمران، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ". رواه النسائي.
وفيه دلالة ظاهرة على التدبر والتفكر فيما يقرأ، وهو من أجلّ العبادات.
ومسك الختام الوصية بتحري الإخلاصِ وابتغاءِ وجه الله تعالى وحده عند تعلم القرآن وتلاوته؛ قال النووي: أول ما يؤمر به -أي القارئ- الإخلاص في قراءته، وأن يريد بها وجه الله -سبحانه وتعالى-، وأن لا يقصد بها توصلاً إلى شيء سوى ذلك، وفي حديث أبي هريرة الذي ذكر فيه أول من تسعر بهم النار: "ورجلٍ تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به، فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟! قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار". رواه مسلم.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك. اللهم اجعل القرآن حجة لنا ولا تجعله حجة علينا. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.