الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا إِذَا تَرَكْنَا طَلَبَ الْعِلْمِ ضَاعَ دِينُنَا، وَتَوَلَّى الْجُهَّالُ عَلَى النَّاسِ، فَقَادُوهُمْ بِالْجَهْلِ وَهَلَكُوا وَأَهْلَكُوا غَيْرَهُمْ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ نِيَّاتُهُمْ حَسَنَةً، فَإِنَّهَا لا تَكْفِي، فَعَلَيْنَا إِنْ أَرَدْنَا نُصْرَةَ دِينِنِا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ أَنْ نَتَوَجَّهَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَنَحُثَ غَيْرَنَا عَلَيْهِ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ ذِي الْعِزِّ وَالسُّلْطَانِ، أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هُدًىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عَظِيمِ الْإِحْسَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ عَظِيمُ الشَّأن، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجَانّ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلِّمَ وَبَارِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الْفَضْلِ وَالإِيمَان.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْ أَوْقَاتِكُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكُمْ عَمَّا عَمِلْتُمْ فِيهَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[الصافات: 24]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ)[فاطر: 37].
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا تُصْرَفُ فِيهِ الْأَعْمَارُ وَتُقْضَى فِيهِ الْأَوْقَاتُ، وَخَاصَّةً الْإِجَازَاتُ: طَلَبُّ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، فَبِإِمْكَانِكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنْ تَقْضِي إِجَازَتَكَ وَتَقُومُ بِحَقِّ أَهْلِكَ فَتَصْحَبَهُمْ مَعَكَ فِي مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ، وَتَحْضُرَ بَعْضَ مَا يُقَامُ هُنَاكَ مِنْ دُرُوسٍ عِلْمِيَّةٍ وَدَوْرَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، فَتَتَعَلَّمَ وَيَتَعَلَّمَ أَهْلُكَ فِي الأَمَاكِنِ الْمُخَصَّصَةِ لِلنِّسَاءِ.
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ: أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ غَفَلَ أَوْ تَغَافَلَ عَنِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَجَهَلَ شَرَفَهُ وَغَابَ عَنْهُمْ فَضْلُهُ، وَلِذَلِكَ تَكَاسَلُوا عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ الذِي شَرَفُهُ لا يُقَدَّرُ وَفَضْلُهُ لا يُنَالُ فِي غَيْرِ طَرِيقِهِ، يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة: 11].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "الْعُلَمَاءُ فَوْقَ الْمُؤْمِنِينَ مِائَةَ دَرَجَةٍ، وَمَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ, وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 9]، وَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28]، فَمَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْرَفَ كَانَ مِنَ اللهِ أَخْوَفَ، وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آل عمران: 18].
قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "بَدَأَ سُبْحَانَهُ بِنَفْسِهِ، وَثَنَّى بِمَلائِكَتِهِ، وَثَلَّثَ بِأَهْلِ الْعِلْمِ, وَكَفَاهُمْ ذَلِكَ شَرَفَا وَفَضْلَاً وَجَلَالَةً وَنُبْلاً, وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)[العنكبوت: 49]، وَقَالَ لِلأُمَّةِ: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[الأنبياء: 7].
فَالْعُلَمَاءُ هُمْ قَادَةُ الأُمَّةِ وَمُوَجِّهُوهَا بِالْعِلْمِ وَالْبَيَانِ كَمَا أَنَّ الأُمَرَاءَ هُمْ قَادَةُ الأُمَّةِ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَقَدْ تَكَاثَرَتْ دَلائِلُ السُّنَّةِ النَّبَوِيِّةِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ، فعن مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَالْحَسَدُ هُنَا هُوَ: الْغِبْطَةُ, وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَهُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) فَأَيُّ شَرَفٍ؟ وَأَيُّ فَضْل هَذَا؟
فَوَا أَسَفَاهُ عَلَى شَبَابٍ أَضَاعُوا أَوْقَاتَهُمْ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ, مُعْرِضِينَ عَنِ الْعِلْمِ وَعَنْ مَجَالِسِ الإِيمَانِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أيضا أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَتَعَالَوْا اسْتَمِعُوا إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ الْقَصِيرَةِ عَنِ الخْرُوجِ فِي سَبِيلِ اللهِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ لِعَلَّنَا نتَحَرَّكُ فِي ذَلِكَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وَهُوَ أَحَدُ التَّابِعِينَ، قَالَ: "قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي؟ فَقَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الحَدِيثِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِر"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا إِذَا تَرَكْنَا طَلَبَ الْعِلْمِ ضَاعَ دِينُنَا وَتَوَلَّى الْجُهَّالُ عَلَى النَّاسِ فَقَادُوهُمْ بِالْجَهْلِ وَهَلَكُوا وَأَهْلَكُوا غَيْرَهُمْ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ نِيَّاتُهُمْ حَسَنَةً، فَإِنَّهَا لا تَكْفِي، فَعَلَيْنَا إِنْ أَرَدْنَا نُصْرَةَ دِينِنِا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ أَنْ نَتَوَجَّهَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَنَحُثَ غَيْرَنَا عَلَيْهِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفُرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَتَعَالَوْا بِنَا نَسْمَعُ بَعْضَ الآثَارِ السَّلَفِيَّةِ فِي الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً".
وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفاً أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لا يُحْسِنُهُ، ويَفْرَحُ إِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ".
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ نَتَعَلَّمُهُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ تَطَوَّع".
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "لَئِنْ أَعْلَمَ بَاباً مِنَ الْعِلْمِ فِي أَمْرٍ وَنَهْيٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَبْعِينَ غَزْوَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ".
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ أَحَدُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلائِهِمْ، وَكَانَ إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي الْعِلْمِ بِالأَحْكَامِ وَالْقُرْآنِ قَالَ: "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فِإِنَّ تَعَلُّمَهَ للهِ خَشْيَةٌ وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَبَذْلَهُ قُرْبَةٌ وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ".
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ الْحَافِظُ عَالِمُ أَهْلِ الْيَمَنِ: "يَتَشَعَّبُ مِنَ الْعِلْمِ الشَّرَفُ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ دَنِيًّا، وَالْعِزُّ وَإِنْ كَانَ مَهِيناً، وَالْقُرْبُ وَإِنْ كَانَ قَصِيَّاً، واَلغْنِىَ وَإِنْ كَانَ فَقِيراً، وَالْمَهَابَةُ وَإِنْ كَانَ وَضِيعاً".
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "لا شَيْءَ يَعْدِلُ الْعِلْمَ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، قِيلَ: وَكَيْفَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ؟ قَالَ: أَنْ يَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْجَهْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَرَفْعَ الْجَهْلَ عَنْ غَيْرِهِ".
وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِي: "مَثَلُ الْعُلَمَاءِ فِي الَأْرِض مَثَلُ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ إِذَا بَدَتْ لِلنَّاسِ اهْتَدَوْا بِهَا، وَإِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِمْ تَحَيَّرُوا".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ النَّافِلَةِ"، وَقَالَ: "لَيْسَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ"، وَقَالَ: "مَنْ لا يُحِبُّ الْعِلْمَ فَلا خَيْرَ فِيهِ فَلا يَكُنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ وَلا صَدَاقَةٌ"، وَقَالَ: "الِعِلْمُ مُرُوءَةُ مَنْ لا مُرُوءَةَ لَهُ".
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: نَحْنُ الآنَ فِي إِجَازَةٍ طَوِيلَةٍ فَلْنَسْتَغِلَّهَا وَلْنَبْدَأْ مَرْحَلَةً جَدِيدَةً مِنْ أَعْمَارِنَا وَلَنَحُثَّ أَوْلادَنَا وَأَقَارِبَنَا عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحاً.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ.
اللَّهُمَّ أعطنا ولا تحرمنا, اللَّهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.