المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
إِنَّ مَنْ يُعَظِّمُ الْمُغَنِّيَّاتِ وَالْمُغَنِّينَ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ نَوْعَ رِيَاسَةٍ وَعِزٍّ لِأَجْلِ مَا يَسْتَمِعُ بِهِ مِنْهُنَّ مِنَ الْغِنَاءِ وَغَيْرِهِ، قَدْ تَعَرَّضَ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَمَقْتِهِ، وَسَلَبِ نِعِمَهِ عَنْهُ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلله كَمْ زَالَتْ بِهَؤُلاءِ نِعْمَةٌ عَمَّنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ فَمَا رَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتَهَا، وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَمَا امْتَلَأَتْ دَارٌ مِنْ أَصْوَاتِ هَؤُلاءِ وَأَلْحَانِهِمْ، وَأَصْوَاتِ مَعَازِفِهِمْ وَرَهْجِهِمْ، إِلَّا...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ (9 مَرَّاتٍ).
اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا هَلَّ هِلَالٌ وَأَبْدَرَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا لَبَّى حَاجٌّ وَكَبَّرَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا تَرَاكَمَ سَحَابٌ وَأَمْطَرَ، واللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا نَبَتَ نَبَاتٌ وَأَزْهَرَ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
الْحَمْدُ للهِ الذِي سَهَّلَ لِعِبَادِهِ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ، وَيَسَّرَ لَهُمْ سَبِيلَ الْعِبَادَاتِ، وَوَعَدَهُمْ بِالثَّوَابِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَاتِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأَرْضِينَ السَّبْعِ وَالسَّمَوَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مَحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ يَوْمَ حَشْرِ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى زَوْجَاتِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ: فِإِنَّنَا نَحْمَدُ اللهَ وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا الْعِيدِ الذِي نَفْرَحُ فِيهِ وَنَبْتَهِجُ وَنُظْهِرُ الْمَسَرَاتِ، وَنَشْكُرُهُ وَنُثْنِي عَلِيْهِ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا فِيهِ مِن هَذِهِ الاجْتِمَاعَاتِ، وَعَلَى مَا أَبَاحَ لَنَا فِيهِ مِن الطَيِّبَاتِ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنَ الْخَيْرَاتِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
أُمَّةَ الإِسْلامِ: إِنَّ مِمَّا يُقِضُّ الْمَضْجَعَ وَيُدْمِي الْقَلْبَ وَيَحْزَنُ لَهُ الْفُؤَادُ مَا يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَرْكِ صَلَاةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَعَ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِهَا وَالاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا.
كَيْفَ يَقَعُ هَذَا التَّهَاوُنُ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، وَالْعِبَادَةِ التِي فَرَضَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى رَسُولِهِ بِنَفْسِهِ فِي السَّمَاءِ فِي لَيْلَةِ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَالرُّكْنِ الذِي جَعَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمُودَ الإِسْلَامِ؟ كَيْفَ يَتَكَاسَلُ الْمُسْلِمُ عَنِ الصَّلَاةِ وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ كَيْفَ يَتْرُكُ الْمُسْلِمُ الصَّلَاةَ التِي فِيهَا نَجَاتُهُ وَبِهَا سَعَادَتُهُ وَعَلَيْهَا مَدَارُ اسْتِقَامَةِ حَيَاتِهِ؟
إِنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَالسِّلْمِ وَالْحَرْبِ.
إِنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ رِجَالًا وَنِسَاءً، فَقُرَاءَ وَأَغْنِيَاءَ، حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ.
إِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا النَّجَاةُ، وَإِنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ سَبِيلُ الْهَلَاكِ وَالْخَرَابِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ خَارِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ خُرُوجاً أَكْبَرَ، وَإِذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ حَشَرَهُ اللهُ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأَبِي جَهْلٍ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ عَمَّتْ فِتْنَةُ الْغِنَاءِ فِي هَذَا الزَّمَنِ وَطَمَّتْ، حَتَّى لَمْ تَدَعْ بَيْتًا إِلَّا دَخَلَتْهُ، وَهَذَا وَاللهِ نَذِيرُ شُؤْمٍ وَعذَابٍ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[لقمان: 6-7].
فَسَّرَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهْوَ الْحَدِيثِ فِي الآيَةِ: بِالْغِنَاءِ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ".
وَقَدِ اتَّفَقَ الأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ -رَحِمَهُمُ اللهُ- عَلَى تَحْرِيمِ الْغِنَاءِ.
ويَقُولُ ابنُ الْقَيَّمُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فَإِنَّ مَنْ يُعَظِّمُ الْمُغَنِّيَّاتِ وَالْمُغَنِّينَ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ نَوْعَ رِيَاسَةٍ وَعِزٍّ لِأَجْلِ مَا يَسْتَمِعُ بِهِ مِنْهُنَّ مِنَ الْغِنَاءِ وَغَيْرِهِ، قَدْ تَعَرَّضَ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَمَقْتِهِ، وَسَلَبِ نِعِمَهِ عَنْهُ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلله كَمْ زَالَتْ بِهَؤُلاءِ نِعْمَةٌ عَمَّنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ فَمَا رَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتَهَا، وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَمَا امْتَلَأَتْ دَارٌ مِنْ أَصْوَاتِ هَؤُلاءِ وَأَلْحَانِهِمْ، وَأَصْوَاتِ مَعَازِفِهِمْ وَرَهْجِهِمْ، إِلَّا وَأَعْقَبَ ذَلِكَ مِنْ حُزْنِ أَهْلِهَا وَنَكْبَتِهِمْ، وَحُلُولِ الْمَصَائِبِ بِسَاحَتِهِمْ، مَا لا يَفِي بِتِلْكَ الشُّرُورِ مِنْ غَيْرِ إِبْطَاءٍ، وَسَلِ الْوُجُودَ يُنْبِيكَ عَنْ حَوَادِثِهِ، وَالْعَاقِلُ مَنِ اعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ... وَمَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَآلاتِ اللَّهْوِ فِي قَوْمٍ وَفَشَتْ فِيهِمْ، وَاشْتَغَلُوا بِهَا إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ، وَبُلُوا بِالْقَحْطِ وَالْجَدْبِ وَوُلاةِ السُّوءِ، وَالْعَاقِلُ يَتَأَمَّلُ أَحْوَالَ الْعَالَمِ وَيَنْظُرُ وَيَعْتَبِر".
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نُصْلِحَ أنْفُسَنَا وَأَهَالِينَا وَمَنْ تَحْتَ أَيْدِينَا، ثُمَّ نصِدْقُ اللُجُوءِ إِلَى اللهِ وَالتَّضَرُّعُ فِي صَلَاحِ الحَالِ، وَعَلَيْنَا أَنْ نُكْثِرَ مِن التَّعَبُّدِ لِرَبِّنَا وَنُقْبِلَ عَلَيْهِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُوماً مِنَ الخَطَأِ وَالزَّلَلِ، لَا حَاكِمٌ وَلَا مَحْكُومٌ، فَهَذِهِ طَبِيعَةُ البَشَرِ، ثُمَّ إِنَّ ظُلْمَ الحَاكِمِ أَوْ تَقْصِيرَهُ لَا يُقَابَلُ إِلَّا بِالصَّبْرِ وَالنُّصْحِ لِمَنْ يَسْتَطِيعُ، وَأَمَّا أَنْ يُوَاجَهَ بِالْخُرُوجِ أَوِ الْمُظَاهَرَاتِ أَوْ غَيْرِهَا -مِمَّا قَدْ يَظُنُّهُ البَعْضِ صَلَاحاً- فَهَذَا غَلَطٌ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصُوصِ الشَّرْعِيَةِ وَخِلَافُ مَنْهَجِ السَّلَفِ وَمَا عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا.
وَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الحَادِثَةَ التِيْ تُشْبِهُ مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ مَا يَحْصُلُ اليَوْمَ، بَلْ أَشَدُّ، حَيْثُ كَانَ الخَلِيفَةُ قَدْ انْتَحَلَ مَذْهَباً بِدْعِيًّا كُفْرِيًّا، وَأَمَرَ أَنْ يُدَرَّسَ لِلَأَطْفَالِ فِي الْمَدَارِسِ، وَمَعَ ذلِكَ لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِ أَهْلُ العِلْمِ وَالفِقْهِ، وَلَمْ يَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَة، يَقُولُ حَنْبَلٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ فِي وِلايَةِ الْوَاثِقِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (يَعْنِي الإَمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ) -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّ الْأَمْرَ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا (يَعْنوُنُ: إِظْهَارَ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ)، وَلا نَرْضَى بِإِمَارَتِهِ وَلا سُلْطَانِهِ.
فَنَاظَرَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقالَ: عَلَيْكُمْ بِالْإِنْكَارِ فِي قُلُوبِكُمْ وَلا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمْ، وَانْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ، وَقَالَ لَيْسَ هَذَا (يَعْنِي نَزْعَ أَيْدِيهِمْ مِنْ طَاعِتِهِ) صَوَابًا، هَذَا خِلَافُ الآثَارِ.
فَهَذِهِ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- صُورَةٌ مِنْ أَرْوَعِ الصُّوَرِ التِي نَقَلَهَا النَّاقِلُونَ، تُبَيِّنُ مَدَى اهْتِمَامِ السَّلَفِ بِهَذَا الْبَابِ، وَتَشْرَحُ التَّطْبِيقَ الْعَمَلِيَّ لِمَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهِ.
وَمِنْ صُوَرِ مُعَامَلَةِ السَّلَفِ لِلوُلاةِ الظَّلَمَةِ: مُعَامَلَتُهُمْ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيّ، الذِي اشْتُهِرَ أَمْرُهُ فِي الأُمَّةِ بِالظُّلْمِ وَالْغُشْمِ، وَالْإِسْرَافِ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ وَانْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللهِ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْ سَادَاتِ الأُمَّةِ كَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَحَاصَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وَقَدَ عَاذَ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ، وَاسْتَبَاحَ الْحُرْمَةَ وَقَتَلَه، مَعَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ أَعْطَاهُ الطَّاعَةَ وَباَيَعَهُ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ، وَأَكْثَرُ سَوَادِ الْعِرَاقِ، وَالْحَجَّاجُ نَائِبٌ عَنْ مَرْوَانَ، ثُمَّ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الْمَلَكِ وَلَمْ يَعْهَدُ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ إِلَى مَرْوَانَ وَلَمْ يُبَايِعْهُ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا تَوَقَّفَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي طَاعَتِهِ وَالانْقِيَادِ لَهُ فِيمَا تَسُوغُ طَاعَتُهُ فِيهِ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ وَوَاجِبَاتِهِ، واللهُ الْمُسْتَعَانُ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ.
اللهُ أَكْبَرُ (7 مرات).
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَقُولُ: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ).
وَإِنَّ الأُضْحِيَةَ مِمَّا جَعَلَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَنَا، فَنَذْبَحُ أَضَاحِيَنَا تَقَرُّباً إِلَى رَبِّنَا، وَتَعَبُّداً لَهُ واقْتِدَاءً بِنَبِيَّيْهِ الْكَرِيمَيْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِمَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ-.
أَيَّهُا الْمُسْلِمُونَ: اذْبَحُوا أَضَاحِيَكُمْ عَلَى اسْمِ اللهِ، قَائِلِينَ: بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِي، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، بِحَسْبِ الأُضْحِيَةِ وَمَنْ هِيَ لَهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ ذَبْحِ الأَضَاحِي بَعْدَ صَلاةِ العِيدِ، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَشَاتُهُ شَاةُ لَحْمٍ، يُطْعِمُهَا أَهْلَهُ، وَيَذْبَحُ أُخْرَى مَكَانَهَا، ثُمَّ إِنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ لِحِلِّ الذَّبِيحَةِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)[الأنعام: 121]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ"(مُتَفَقٌ عَلَيْهِ)، فَمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ عَمْدًا فَذَبِيحَتُهُ حُرَامٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ أُخْرَى مَكَانَهَا.
ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِكَ، وَتَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَتُهْدِيَ لِمَنْ شِئْتَ مِنْ أَقَارِبِكَ وَجِيرَانِكَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ تَحْدِيدٌ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ ثُلُثَهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهَا وَيُهْدِي ثُلُثَهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اجْعَلُوا عِيدَكُمْ عِيْدَ مَحَبَّةٍ وَوِئَامٍ، وَصِلَةٍ لِلْأَرَحَامِ وَبُعْدٍ عَنِ الآثَامِ، فَتَزَاوَرُا وَلْيُهَنِّئْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَانْشُرُوا الْخَيْرَ، وَمَنْ كَانَ قَطَعَ رَحِمَهُ أَوْ هَجَرَ أَخَاهُ فَلْيَكُنِ اليَوْمُ بِدَايَةً لِزَوَالِ الهَجْرِ وَمَحْوِ القَطِيعَةِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ فِي العِيْدِ مُقْبِلَةٌ وَالقُلُوبُ قَرِيبَةٌ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ"(متفق عليه)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِي مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لَنَا ذَنُوبَنَا، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلُوبِنَا، وَأَجِرْنَا مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ مَا أَحْيَيْتَنَا.
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّها أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قُلُوبٍ لا تَخْشَعُ، وَمِنْ نُفُوسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعَوَاتٍ لا يُسْتَجابُ لَهَا.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا، وَأَصْلِحْ لِوُلَاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ يَا ارْحَمِ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ كُنْ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كَلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم، وَاجْعَلْهُمْ عِنْدَكَ مِنَ الشُّهَدَاءِ.
اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُحُورِهِمْ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ تَدْبِيرَهُمْ تَدْمِيراً لَهُمْ.
اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ، وَشَتِّتْ شَمْلَهُمْ، وَضَيِّعْ كَلِمَتَهُمْ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.