البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

نصائح للمسلمين في يوم العيد

العربية

المؤلف صالح بن محمد آل طالب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. صفة الحج المبرور .
  2. ذكر الله تعالى في أيام التشريق .
  3. استلهامات نبوية من خطبة حجة الوداع .
  4. الوحدة الإسلامية سبيل نهوض الأمة .
  5. ضرورة الالتزام بمعالم وشعائر الدين لإصلاح المجتمع .
  6. جراحنا النازفة في بورما والشام .
  7. الوصية بالنساء والأطفال .
  8. أهمية الأمر بالمعروف في المجتمع .
  9. أهمية الأخلاق في بناء المجتمعات .
  10. من أحكام الأضاحي .

اقتباس

هنا وُلد نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، وهنا أُوحِي إليه، هنا ابتدأَ دعوتَه وتلقَّى الأذَى الأولَ في سبيل ربِّه، فصبَرَ عليه، هنا خُتِمَت في عهده الفتوح، وهنا ودَّع أصحابَه وأمَّتَه من هذه الرُّبَى وتلك السُّفوح، هنا نزلَت الآياتُ الأولى من القُرآن الكريم، وهنا تُلِيَت فأصاخَت لها الجيال، وأطرَقَت لها الأوديةُ والتِّلال. هذه كعبةُ الله المُعظَّمة، وهذا مقامُ إبراهيم، وذاك الصفا والمروة، وهذا زمزمُ والحطيم.

الحمد لله، الحمد لله الذي في عليائه تمجَّد، وبربوبيَّته توحَّد وتفرَّد، له البقاء سرمَد، وله العِزَّةُ أوحَد، لا إله إلا الله أفنَى وأوجَد، وأشقَى وأسعَد، سبحانه وتقدَّس لا يُحصَى الثناءُ عليه، ولا ملجأَ منه إلا إليه، ولا يُرتجَى الخيرُ إلا لديه: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء: 111].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر عدد ما أحرمَ في المواقيت الحُجَّاج، والله أكبرُ عدد ما فاضَت بالحَجيج فِجاج، والله أكبر مِثقال ماء البحار، وعدد دفقِ الأمواج، الله أكبر تكبيرًا يليق بهذا المُلك وذاك الملكوت، والله أكبر كبيرًا ذو العِزَّة والجبروت، الله أكبر حيٌّ لا يموت، الله أكبر عدد ما سالَت دماءٌ من أضاحي، والله أكبر في السهول وفي الوِهاد وفي النواحي.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الحمدُ لله الواحد الأوحد، العظيم الأمجَد، لا يُحيطُ بوصفه واصِفٌ، ولا يُوفِي حقَّه عارِف، وإن أحصَى وعدَّد واستقصَى وأجهَد، الحمد لله طُرًّا، والحمد لله سرًّا وجهرًا، والشكرُ له يترَى، وأشهد أن لا إله إلا الله يُدبِّرُ الأمرَ في الأكوان وهو العليّ، والخلقُ مُفتقِرٌ إليه وهو الغنيّ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله خيرُ الناس أصلاً، واسمُه في الإنجيل أحمد، بنبُوَّته نورُ الجهالات تبدَّد، وفي يوم القيامة له اللواءُ يُعقَد، والموقفُ الذي يُحمَد والحوضُ الذي يُورَد، صلَّى الله عليه ما لمعَ نجمٌ في السماء وأضاء فرقَد، وصلَّى ربُّه عليه وصلَّى على آله الأطهار الخِيار من الخِيار، وصلَّى على صحابته الأبرار كانوا عُبَّادًا في الليل أُسُودًا في النهار، فتحَ الله بهم البلاد، ومصَّر الأمصار، وعلى التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلّم يا ربِّ تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فقد أمرَ بها ربُّكم ووصَّى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197]، وتذكَّروا الحشرَ برؤية هذه الجُموع، وأعِدُّوا ليوم الرُّجوع؛ فإن لكم على ربِّكم عرضًا فاتقوه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

حُجَّاج بيت الله الحرام: وقفتُم على مدارجِ الرُّسل والأنبياء، ومُتنزَّل الوحي من السماء، هنا الإسلام وهذا مركزُه، وهنا مُنتهاه وإليه مأرِزُه، في هذه الأفياء شُرِعَت الشريعةُ وأُحكِمَت الأحكام، وعلى هذه الصُّعُدات أُكمِل دينُ الإسلام.

هنا وُلد نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، وهنا أُوحِي إليه، هنا ابتدأَ دعوتَه وتلقَّى الأذَى الأولَ في سبيل ربِّه، فصبَرَ عليه، هنا خُتِمَت في عهده الفتوح، وهنا ودَّع أصحابَه وأمَّتَه من هذه الرُّبَى وتلك السُّفوح، هنا نزلَت الآياتُ الأولى من القُرآن الكريم، وهنا تُلِيَت فأصاخَت لها الجيال، وأطرَقَت لها الأوديةُ والتِّلال.

هذه كعبةُ الله المُعظَّمة، وهذا مقامُ إبراهيم، وذاك الصفا والمروة، وهذا زمزمُ والحطيم.

هذه الأرضُ بشعائرها هي مُلهِمةُ المسلمين عبر السنين، وهي أمانيُّ العُبَّاد والصالحين مهما نأَت بهم الديار، وتطاوَلَت بهم الأعمار.

على هذه الرُّبَا تُغسَل الخطايا، ويعودُ الحاجُّ نقيًّا كما ولدَتْه أمُّه، وليس مكانٌ في الدنيا له ميزةٌ كهذا المكان، فاقدُروا للبيت حُرمتَه، وتلمَّسُوا من الزمان والمكان وبركتَه؛ فنبيُّكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه". متفق عليه.

وفي الصحيحين أيضًا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنةُ".

تقبَّل الله منكم الطاعات، وغفرَ الخطيئات، وأتمَّ لكم النُّسُك، نزلتُم مِنى، ووردتُم بيتَ الله، ومن قبلُ وقفتُم في عرفات، ثم ازدلفتُم عند المعشَر الحرام، وتقلَّبتُم في رُبوعٍ يُلهَجُ فيها بالتلبيةِ والتكبير، وتُعلَنُ فيها الوحدةُ والتوحيد.

عرَصَاتٌ يُذكَرُ فيها اسمُ الله ويُعظَّم، ويُغفَرُ للحاجِّ المُوفَّق ويُكرَم.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

معاشر الحجيج: إن يومَكم هذا يومٌ مُبارَك، رفعَ الله قدرَه، وأعلى ذِكرَه، وسمَّاه: "يوم الحجِّ الأكبر"، وجعلَه عيدًا للمُسلمين -حُجَّاجًا ومُقيمين-، في هذا اليوم الأغَرِّ يتوجَّهُ الحُجَّاجُ إلى مِنى لرميِ جمرة العقبة بسبع حصَيَاتٍ، ثم يذبَحُ هديَه إن كان مُتمتِّعًا أو قارِنًا، ويحلِقُ رأسَه، وبهذا يتحلَّلُ التحلُّلَ الأولَ، ويُباحُ له ما كان مُحرَّمًا بالإحرام إلا الجماع، ثم يتوجَّهُ الحاجُّ إلى مكة ليطوفَ طوافَ الإفاضة؛ لقول الله -جل شأنه-: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 29].

ثم يسعَى بين الصفا والمروة، ولا حرجَ في تقديم بعض هذه الأعمال على بعضٍ.

ضيوفَ الرحمن، حُجَّاج بيت الله الحرام: الواجبُ عليكم أن تبيتوا الليلةَ بمِنى؛ اتباعًا لسُنَّة المُصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ويوم غدٍ هو اليوم الحادي عشر، وهو اليوم الأولُ من أيام التشريقِ التي قال الله -عز وجل- فيها: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 203].

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هي أيامُ التشريق".

وقال فيها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيامُ أكلٍ وشُربٍ وذِكرٍ لله -عز وجل-". رواه مسلم.

فأكثِروا -رحمكم الله- من ذِكرِ الله وتكبيرِه في هذه الأيام المُبارَكة؛ امتِثالاً لأمر ربِّكم، واتباعًا لسُنَّة نبيِّكم، واقتِفاءً لأثر سلَفكم؛ فقد كان الصحابة يُكبِّرون، وكان عمرُ -رضي الله عنه- يُكبِّرُ في قُبَّته بمِنى، فيُكبِّرُ الناسُ بتكبيره، فترتجُّ مِنى تكبيرًا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها: هنيئًا لكم هذا العيد، جعلَ الله أيامَكم دومًا سُرورًا، وزادَكم بالعيد بهجةً وحُبورًا، تقبَّل الله طاعاتكم، وأعلى درجاتكم، وكفَّر عنكم من سيئاتكم، وأعادَه الله علينا وعليكم وعلى الأمَّة جمعاء بالخير واليُمن والسعادة، والعِزِّ والنصر والتمكين للإسلام والمُسلمين.

العيدُ -أيها المؤمنون- عملٌ يُقبَل، ورحِمٌ تُوصَل، وذِكرٌ لله وشُكرٌ وفرحٌ بنعمةِ الله، ولهوٌ مُباحٌ لا يصُدُّ عن ذِكر الله، فاهنأوا بعيدكم أيها المسلمون.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

حُجَّاج بيت الله الحرام: لقد كان في حجِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عِبَرٌ ومواعِظ، وحِكَمٌ وأحكام، أرسَى بها قواعِدَ الدين، ومبادئَ العدل، خطبَ الناسَ وودَّعَهم بعد استِقرار الشريعة وكمال الدين، وتمام النعمة، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].

فقرَّر التوحيد، وألغَى معاني الطبَقِيَّة والعُنصريَّات، وقرَّر حقوقَ المرأة، ونبذَ الربا، وحفِظَ النفوسَ والأموالَ والأعراضَ، وقال: "تركتُ فيكم ما لن تضِلُّوا بعدَه إن اعتصمتُم به: كتابَ الله". رواه البخاري ومسلم.

وحرِيٌّ بالمُسلمين أن يستلهِموا من توجيهات نبيِّهم أرقَى المبادئ، وأقومَ السُّبُل، وأنجحَ الطرق للعدالة وإسعاد البشرية في الدنيا وفي الآخرة.

عباد الله: الإسلامُ -وأساسُه التوحيد- دينُ البِشارة والرحمة، وأركانُ الإسلام كفَّارةٌ للخطايا؛ فمن لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخلَ الجنة، وفي القرآن العظيم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48].

وفي الصلاة: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114].

وفي الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103].

وفي الصيام: "من صامَ رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". متفق عليه.

وفي الحجِّ: يقول نبيُّكم -صلى الله عليه وسلم-: "من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه". متفق عليه.

وفي اجتِنابِ الكبائر: يقول الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء: 31].

وفي جانب الأخلاق والسلوك: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أقربُكم مني مجلِسًا يوم القيامة: أحاسِنُكم أخلاقًا".

ورحمةُ الإسلام عامَّةٌ لجميع الخلقِ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: الدينُ دينُ الله، والشرعُ شرعُه، والواجبُ على من بلغَه كلامُ الله وسُنَّةُ رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يتَّبِع الحقَّ ويطَّرِح ما سِواه، ولا يترُك القرآن والسُّنَّةَ لقول أحدٍ مهما كان، والله تعالى يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

ولقد تسرَّبَ الوَهْنُ للأمة بقدرِ ما تسرَّبَ إليها من البِدَع والمُحدثات والانحِرافِ عن الطريق الحق، وضعف الاستِمداد من الوحيَيْن.

وإذا كان المُسلِمون يلتمِسون اليوم طريقًا للنُّهوض؛ فليس لهم من سبيلٍ إلا وحدةُ جماعتهم، ولا سبيلَ إلى وحدتهم إلا على الإسلام الصحيح، والإسلام الصحيحُ مصدرُه القرآن والسنة، وهو ما عليه سلَفُ الأمة من الصحابة والتابعين.

ودعوةُ الصادقين هي عودةٌ بالإسلام إلى مَعينِه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا تلتبِس عليكم السُّبُل، ولا تُضِلَّنَّكم الأهواء، ولا يصُدَّنَّكم كثرةُ المُخالفين، أو سَطوةُ الأدعياء.

يا أيها المسلمون: سلَفُكم هو محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وصحابتُه والقرونُ المُفضَّلة؛ فبأيِّ كتابٍ وجدتمُوهم يقتلون المُسلمين، أو يخونون المُستأمَنين، أو يدعون من دون الله الأئمَّةَ والصالحين، أو يتبرَّكون بالأضرحة وقبور السَّالفين، أو يُثيرون الفتنَ بين المُسلمين؟!

سلَفُكم -أيها المسلمون- حرِيصون على جمع الكلمة، ووحدة الصفِّ، وتنقية الدين من تحريف الغالين، وانتِحال المُبطِلين، وتأويل الجاهلين.

الانتِسابُ للسَّلَف ليس دعوى يدَّعيها شخصٌ أو جماعةٌ، أو يتبنَّاها حزبٌ أو مُنظَّمةٌ؛ بل هي طاعةٌ واتباع، ووحدةٌ واجتِماع، ونبذٌ للفُرقة والابتِداع.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: لقد تنبَّهَت تجمُّعات أُممية إلى ضرورة الوحدة والائتِلاف، فتجمَّعوا رغم خلافاتهم، وتحالَفوا وتصالَحوا رغم حروبٍ طاحِنةٍ مرَّت بينهم، لكنَّ المصالحَ اليوم تُحتِّمُ الوحدةَ والاجتِماع.

ونحن -يا أمة الإسلام- أحقُّ بالتجمُّع والائتِلاف ونبذ الفُرقة والاختِلاف، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].

وإن هذه الأمة المُسلِمة تملِكُ إرثًا تاريخيًّا وحضاريًّا في الاتِّحاد والاجتِماع، وتملِكُ من مُقوِّمات الوحدة أكثر من غيرها، ولقد جرَّبَت طُرُقًا تائِهةً، وأنفاقًا مسدودةً، وسُبُلاً مُظلِمةً؛ فلم تنجَح في ذهابِها، ولم ترشُد في إيابِها.

إن الصراعَ بين الأُمم اليوم ليس صِراعَ مُغالبةٍ فحسبُ؛ بل هو صراعُ بقاءٍ أو فناءٍ: أن تكون أو لا تكون! في زمنِ عولَمة الفِكر والثقافة قبل عولَمة الاقصاد والسياسة، في زمن هيمَنة القُوى وفرضِ الرأي بالقُوَّة.

إن على الأمةِ الإسلاميةِ أن تسعَى بكل صدقٍ وإخلاصٍ إلى التمسُّك بأسبابِ بقائِها كأمَّةٍ، وأن تعُودَ إلى سببِ رِيادتها وإلى ذاتِ رِسالتِها، (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 1].

ومن مقاصد الإسلام العَظيمة التي تتجلَّى في مشهَد الحجِّ في العقيدة والعبادة والشِّعار: توحيدُ كلمة المُسلمين، وجمعُ قلوبهم، ولمُّ شملِهم، (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 52].

وفي الخَيْفِ من مَنى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نضَّرَ اللهُ امرأً سمِع مقالتي فبلَّغَها؛ فرُبَّ حاملِ فقهٍ غير فقيهٍ، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من أفقهُ منه، ثلاثٌ لا يُغلُّ عليهنَّ قلبُ مُؤمنٍ: إخلاصُ العمل لله، والنصيحةُ لوُلاة المُسلمين، ولُزوم جماعتهم؛ فإن دعوتَهم تُحيطُ من ورائهم". رواه ابن ماجه بإسنادٍ صحيحٍ.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: إن لكل مُجتمعٍ معالِمَ يقِفُ عند حُدودها، وشعائرَ يُكلَّفُ بتوقيرها، حتى في الأقطار التي سادَها الإلحادُ تواطَأَ القومُ على أمورٍ يترابَطون بها ويتلاقَون على مطالبِها، ويُنظِّمون حياتَهم بمنطقِها، ونحن -المُسلِمين- لا نبني حياتَنا إلا على يقيننا بالله الواِحد، ولا نرسُمُ خطوطَ مُجتمعنا وآفاقَ مُستقبلِنا إلا وفق هدايات الله العظيم، كما بلَّغَها رسولُه الكريم.

ومن ثمَّ فلا يُقبَلُ أبدًا إشاعةُ الفاحشةِ والإلحادِ في حياة المُجتمع المُسلم، ولا يُقبَلُ إهدارُ أحكام الله في سائر الشُّؤون، ولا أن يخِفَّ مظهرُ الإيمان في أرجاء الحياة العامَّة، وليس استِرضاءُ الله نافلةً يزهَدُ فيها الزاهِدون، أو يتخيَّرُ فيها المُتردِّدون، ويستحيلُ أن ندَعَ موارِيثَ الحقِّ التي تلقَّيناها ثم نرتقِبُ خيرًا في عاجِلِ أمرنا أو آجِله.

إن العقائِدَ الإسلامية هي التي صنَعَت أجيالاً أُوتِيَت القدرةَ على تغيير الحياة الإنسانية وترقِيَتها، وهذه العقائدُ هي التي تصنعُ الأخلاقَ المتينة، وتبني الرُّجولات المُحكَمة، وتقهَرُ الأزمَات العاتِية.

إن التربيةَ الناجِحةَ تعتمِدُ على حقائق مُقرَّرةٍ، ومُسلَّماتٍ لا تقبَلُ جدلاً، وإذا ساءَت البيئةُ وسادَت فيها الشُّكوك، وعلِقَت التُّهَمُ بما نزلَ من السماء؛ فهيهاتَ أن تنشأَ أجيالٌ يُوثَقُ بأدبها وعفافها وعدالتها!!

يجبُ أن لا يُسمَح لمرضى القلوبِ أن ينشَطوا بين الحين والحين لينشروا بين المُسلمين رِيَبًا مُفتعَلة، وشُكوكًا مُصطنَعة، ولا يجوزُ الخروجُ على الرأي العامِّ بأفكارٍ تُثيرُ في جوانبِه الفوضَى، وتُغرِي بالتحلُّل من كلِّ قيدٍ، والانفِلات من كلِّ رِبْقَةٍ.

إن الأجيالَ الناشِئة، والشبابَ المُراهِق، وعامَّة المُسلمين قد تفسد قلوبُهم مع لفحِ هذه السُّموم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: إن من سُنن الله تعالى في خلقه: بقاءَ الصِّراع بين الحقِّ والباطلِ ليميز الله الخبيثَ من الطيِّبِ، وليصطفِيَ بالتمحيصِ أهلَ الإيمان، وليرفَعَ بالابتِلاءاتِ درجاتهم.

وما يجري للأمةِ من أحداثٍ ضِخامٍ تنطوِي على أمورٍ قد تكرهُها النفوسُ، وأحداثٍ تضيقُ بها القلوب، سيكونُ مآلُها الأخيرُ -بإذن الله- النصرُ والعِزَّةُ للمُسلمين، والتمكينُ لعباد الله المؤمنين، وانقِشاعُ أسباب الذِّلَّة والهَوان. فهذه الأمةُ ليست كغيرها؛ فهي الأمةُ الموعودةُ بالنَّصرِ والعاقِبة، وهي الأمةُ المحفوظةُ من الهلاك العامِّ، وهي أمةُ الاستِعلاءِ رغمَ الجِراح، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

عباد الله: إنه مع طول الليل وتفاقُم الجِراح يجمُلُ التفاؤُل، وفي ثنايا الآلام تُولَدُ الآمال، وما يُصيبُ المُؤمنَ من جِراحاتٍ وابتلاءٍ ليس إلا سُنَّةً قد خلَت في الأصفِياء قبلَه تُرفَع بها الدرجاتُ، وتُحطُّ السيئات، وتُمحَّصُ بها القلوبُ، وتصفُو بها الأمةُ المُؤمنة، وإلا فإنَّ مُصابَ الأمة في نواحِيها جلَل؛ في فلسطين، وفي الشام، وفي بُورما، وفي غيرها.

إن الجُرح غائر، والمُصابَ عظيم، والألمَ شديد؛ مُدنٌ كُبرى تُدكُّ، وأمةٌ تُمزَّقُ، ووعيٌ يُغيَّب، والطُّغاةُ لا يردَعُهم دينٌ، ولا يزجُرُهم خُلُق، ولكنَّ الوعيَ الذي أحدثَه هذا الدمارُ في الأمةِ كبيرٌ، ولئن اشتَكَت الشامُ فلقد تداعَى لها جسدُ الأمة بالحُمَّى والسَّهر، وظهر التلاحُمُ بين المُسلمين، وسرَت الحياةُ في جسَدهم الواحِد، واستيقَظَت في الأمةِ مشاعِرُ كادَت أن تنطمِس، وبانَ صِدقُ الصادقين، وظهرَ خُذلانُ الخاذِلين، واهتزَّت ثقةُ العالَم بمُنظَّماته الدولية، وتبيَّن أنها لا تتحرَّك إلا وفقَ مصالِحها الأنانية، ولا يُؤثِّرُ في قلوب أربابها صريخُ الأطفال، وأنينُ الجَرحَى والمُعذَّبين. وأملُنا في الله كبيرٌ؛ فهو -سبحانه- القائلُ: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 5].

والواجبُ على العالَم أن يقوم بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية أمام المجازِر والمظالِم التي تُرتكَبُ كلَّ يومٍ في بلاد الشام، والانتِهاكاتُ المُستمرَّةُ في فلسطين. الواجبُ وقفُ الحرب والتدمير، وتقديمُ المصالح العامَّة العُليا على المصالحِ الشخصية؛ حقنًا لدماء المُسلمين، وحِفظًا لوحدة صفِّهم وأراضِيهم، ودفعًا للخلافات الطائفيَّة والمذهبيَّة، وثباتًا على مواقِف الدين والأخلاق.

وإن الواجبَ على العالَم أن يقوم بمسؤوليَّته أمام هذه الكارِثة التي طالَ أمَدها، وتتابَعَ ألَمُها، وتعظُمُ المسؤوليَّةُ على العرب والمُسلمين خاصَّةً، فليتنادَوا لنُصرة المظلوم، وكفِّ الظالِم، وليكُن الحلُّ عمليًّا وعاجِلاً؛ فإن الأيام لا تزيدُ الباغي إلا سُعارًا، ولا ترى منه إلا وقودًا ونارًا، عسى الله أن يُفرِّجَ الكُربَة، ويكشِفَ الغُمَّة، (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) [النساء: 84].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

اللهم بارِك لنا في القرآن والسنة، وانفَعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، الحمد لله حمدًا لا ينفَدُ ولا يغيضُ، توالَت علينا نِعَمُه تَترَى وتفيضُ، لا يُحيطُ بها عدٌّ ولا يُحصِيها أحدٌ ولا يُوفِيها قَريضُ، وأشهد أن لا إله إلا الله الحافظُ الحفيظ، كم جبَر من جناحٍ مهيضٍ، وشفَى من سقيمٍ مريضٍ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وصفيُّه وخليلُه، أصبحَت ببعثتِه سُود الأحوال بِيضًا، صلَّى الله عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: النساءُ شقائِقُ الرجال، (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة: 228]، وصَّى بهنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يُغالِبُ سكَرات الموت، وقال: "استَوصُوا بالنساء خيرًا"، وقال: "أُحرِّجُ حقَّ الضعيفَيْن: اليتيم والمرأة".

وشريعةُ الله عادلةٌ حكيمةٌ، ليست بحاجةٍ إلى مُزايدَةٍ أو استِغلالٍ، ولا يتحمَّلُ الدينُ أخطاءَ الأفراد، كما وصَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءَ الأمة ووعظَهنَّ، وأمَرَهنَّ ونهاهنَّ، وحذَّرَهنَّ مزالِقَ الفتنةِ.

أيها المُربُّون: أنتم مُؤتمَنون على صياغة الجيل، وتوجيه المُستقبل في تطويرٍ وتجديدٍ، ومُواكَبةٍ للحضارة، مع الأصالة والثبات المُستمَدِّ من شريعةِ الإسلام، الهادِفِ إلى تعبيدِ الناس لربِّ العالمين، والولاء لهذا الدين، وتنشِئةِ المواطنِ الصالحِ المُنتِجِ الواعي، السالمِ من شطَطِ التفكير ومسالِك الانحِراف. والتربيةُ اليوم يتناوشُها كلُّ من صارَ له منبرٌ إعلاميٌّ، أو صوتٌ مسموعٌ.

فليتقِ اللهَ أربابُ الأقلامِ والإعلامِ، وأصحابُ المواقع والمُنتديات؛ فكلُّكم مسؤولٌ.

عباد الله: الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر علامةُ شفقَة المُسلم على أمَّته، وولائه لها: (وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: إن الإسلامَ لم ينتشر في كثيرٍ من البلاد بسيفٍ ولا سلاحٍ، وإنما نشَرَته أخلاقُ المُسلمين، وقِيَمُ التجار الصالحين، إنها قِيَمُنا الإسلامية التي قبَسَها منا الآخرُون فأنتَجوا بها ونجَحوا، ومن قرأَ التاريخَ وتأمَّلَ مصارِعَ الغابِرين وجَدَ أن الانحِلالَ الأخلاقيَّ والفسادَ السُّلوكيَّ، والغِشَّ والخيانة، والتَّرَف والرَّخاوة، والتلهِّي بالنعيم، والأثَرَة والأنانية هي السُّمُّ الذي يسرِي في كِيان الأُمم حتى يصرَعَها في نهاية الطريق.

وإن الغيورَ على دينه وأمَّته، الناصِحَ لله ولرسوله ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم ليتقطَّعُ قلبُه أسَفًا، ويتحرَّقُ خوفًا ووجَلاً حين يرى قِيَمَ الأمَّة تتحطَّمُ على يدِ إعلامٍ هابِطٍ يُدنِّسُ ثوبَ الحياء والحِشمة بمشاهِد التعرِّي والفُجور، ويهدمُ صرحَ الجِدِّ والهِمَّة بنشر ثقافةِ اللهو والطَّرَب، والتفاهَةِ والعَبَث، ويُحزِنُ الغَيُورَ أن يرى بين أفراد المُجتمع المُسلِم هوًى مُتَّبَعًا، وشُحًّا مُطاعًا، ودُنيا مُؤثَرة.

إن الحِفاظ على قِيَم الحياء والعفاف هو صمامُ الأمان للمُجتمع إزاءَ الكوارِث الخُلُقيَّة التي أصابَت العالَمَ في مقتلٍ.

عباد الله: إن سُنَّة الله لا تُحابِي أحدًا، وليس لفردٍ ولا لمُجتمعٍ حصانةٌ ذاتيَّةٌ، وحين تُقصِّرُ أمةٌ في توقِّي أسباب المصائب العامَّة؛ فإن عليها أن تتقبَّل نتيجةَ التقصير، والسَّعيدُ من اتَّعَظَ بغيره، وليست أمَّةٌ بمنأَى عن العذاب إذا عقَدَت أسبابَه، ولا في مأمنٍ من العقابِ إن سلَكَت سبيلَه وفتحَت للذنبِ أبوابَه.

إن أمَّةً نزلَ البلاءُ في نواحِيها، واستهدَفَها العدوُّ في دينها وأراضِيها يجبُ أن تكون أبعدَ الناس عن اللهوِ والتَّرَف، والرُّكون إلى الدنيا وزينتِها، وأن تصرِفَ جهودَها وطاقاتها للتقرُّب إلى خالقها وبارِيها، وأن تُخلِصَ له الدينَ، وتُوحِّدَ لله رب العالمين، وأن تُقلِعَ عن المعاصي والشهوات، وتهجُر الذنوبَ والمُنكرات.

والحقُّ أنَّ أمَّةً قامَت برسالةٍ ذاتِ معالمٍ وحضارةٍ ذات مبادئ لن تنهَضَ من عثْرَتها ما لم تعُدْ لذاتِ رسالتِها، وتترسَّمَ السُّنَن الإلهيَّة، والقواعِدَ الربَّانيَّة في قيام الأُمم وتعثُّرها، ونُهوضِ الدول وسُقُوطها، وكلُّ ذلك مبثوثٌ في القرآن العظيم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11]، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55].

وكم من أمَّةٍ نهضَت بعد قعودٍ، وتحرَّكَت من بعد رُكودٍ، وكم من أمَّةٍ بطِرَت معيشتَها فحاقَ بها العذابُ وزالَت من الوجود، وكم من قريةٍ أسبغَ الله عليها نِعمَه فكفَرَت وما شكَرَت، فذاقَت عاقبةَ الكفر والجُحُود.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: إن من أفضلِ الطاعات، وأجلِّ القُرُبات في هذه الأيام: التقرُّبُ إلى الله تعالى بذبحِ الهَدايا والأضاحِي، وما عمِلَ ابنُ آدم يوم النَّحر عملاً أحبَّ إلى الله من إراقةِ دمٍ، وإنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأظلافِها وأشعارِها، ولأن الدمَ ليقَعُ من الله بمكانٍ قبل أن يقعَ على الأرض، فطِيبُوا بها نفسًا.

وقد ثبَتَ في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحَّى بكبشَيْن أملحَيْن أقرنَيْن، ذبَحَهما بيدِه وسمَّى وكبَّر.

ويُسنُّ لمن أراد أن يُضحِّي أن يختارَ من الإبِل أو البقر أو الغنَم أطيبَها، وأن يجتنِبَ ما كان فيه عيبٌ منها، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه العيوبَ، كما في السنن بسندٍ صحيحٍ، وهي: العوراءُ البيّن عوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرَضُها، والعرجاءُ البيِّنُ ظَلعُها، والكسيرةُ التي لا تُنقِي.

وأيام الذبحِ أربعةٌ: من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر، وهو آخرُ أيام التشريق، ويجوزُ الذبحُ في الليل والنهار، والنهارُ أفضلُ، ويومُ العيدِ أفضلُ مما بعدَه.

وتُجزِئُ الشاةُ الواحِدةُ عن الرجلِ وأهلِ بيته، والسُّنَّةُ أن يأكلَ المُسلمُ من أضحِيته، ويُهدِي منها، ويتصدَّق، قال الله -عز وجل-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2]، وقال -سبحانه-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج: 34- 37].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: فِرُّوا إلى الله، والزَموا طاعتَه وتقواه؛ فبالله يهُونُ كلُّ صعبٍ، ويسهُلُ كلُّ عسيرٍ، ويقرُبُ كلُّ بعيدٍ، ويأمَنُ كلُّ خائفٍ، الزَموا الطاعات، وحاذِروا السيئات، وما أمَرَ اللهُ بشيءٍ إلا أعانَ عليه، وما نهَى عن شيءٍ إلا أغنَى عنه، وما قلَّ وكفَى خيرٌ مما كثُرَ وألهَى، ومن قنِعَ طابَ عيشُه، والمحبوسُ من حُبِسَ قلبُه عن الله، والمأسُورُ من أسرَه هواه، ومن استطالَ الطريقَ ضعُفَ مشيُه، ورُبَّ شهوةٍ أورثَت حُزنًا طويلاً.

البِرُّ لا يبلَى، والإثمُ لا يُنسَى، والديَّانُ لا يموت، ومن لم يكن له من دينه واعِظ لم تنفعْه المواعِظ. الثقةُ بالله أزكَى أملٍ، والتوكُّلُ عليه أوفَى عملٍ، وفي الله عِوَضٌ عن كلِّ فائتٍ، وفي لقائه المُرتقَبِ سلوَى عن كلِّ مفقودٍ، ومن أصلحَ سريرتَه أصلحَ الله علانيَتَه، ومن أصلحَ ما بينَه وبين الله أصلَحَ الله ما بينَه وبين الناسِ، ومن عمِلَ لآخرته كفاهُ الله مُؤنة دُنياه.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

حُجَّاج بيت الله الحرام: اشكُروا اللهَ تعالى على ما هيَّأ لكم ويسَّر من أداء أعظم أركان الحجِّ بالوقوف بعرفة والمشعر الحرام، بأمنٍ وطمأنينةٍ وسلامٍ، واحرِصوا على أداء ما تبقَّى من مناسِك الحجِّ، كما شرعَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وامتثالاً لأمر الله -سبحانه- بقوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) [البقرة: 196].

تجنَّبوا مواطِن الزحام، وأسباب الخِلاف والخِصام، وترفَّقوا بإخوانكم المُسلمين؛ فكُلُّكم يرجُو ما عند الله.

جعلَ الله حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا.

اللهم يا حيُّ يا قيُّوم: كما جمعتَ هذه الجُموعَ المُسلِمةَ في هذا المكانِ المُبارَك، فاجمَع أمَّةَ الإسلام على كتابِك وسُنَّة نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وخُذ بهِم للحقِّ والهُدى يا رب العالمين.

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكانٍ، ورُدَّهم إليك ردًّا جميلاً.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيدٌ.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّةَ نبيِّك وعبادكَ المؤمنين.

اللهم أبرِم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المُنكر يا رب العالمين.

اللهم من أراد الإسلام والمُسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحره، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.

اللهم انصُر المُجاهِدين في سبيلك في كل مكانٍ، اللهم انصُرهم في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.

اللهم حرِّر المسجدَ الأقصى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا، اللهم اجمعهم على الحق والهُدى، اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خلَّتَهم، وأطعِم جائِعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبِهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم فُكَّ حِصارَهم، اللهم فرَجَك القريب.