البحث

عبارات مقترحة:

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

آداب المساجد وأحكامها

العربية

المؤلف محمود بن أحمد الدوسري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. مكانة المسجد في الإسلام .
  2. محبة المساجد وتعظيمها واحترامها .
  3. آداب حضور المساجد .
  4. أبرز المباحات والمكروهات في المساجد. .

اقتباس

المساجد هي أحب الأرض إلى الله -تعالى-.. وقد حثَّت الشريعة على محبة المساجد وتعظيمها واحترامها؛ لأنها بيوت الله -سبحانه-، بُنِيَت لِذِكره وعبادته، وتلاوة كتابه، وأداء رسالته، وتبليغ منهجه، وتعارف أتباعه، ولقائهم على مائدة العلم والحكمة...

الخطبة الأولى:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده:

وبعد: المساجد هي أحب الأرض إلى الله -تعالى-؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا"(رواه مسلم). ولأنَّ المسجد يُذكِّر المسلمَ بربِّه، والسوق يُشغله عنه.

ولمَّا كانت المساجد أحبَّ البلاد إلى الله -تعالى-؛ لم يكن غريباً أنْ يرصد لبنائها الأجور العظام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ؛ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"(رواه ابن ماجه).

وقد حثَّت الشريعة على محبة المساجد وتعظيمها واحترامها؛ لأنها بيوت الله -سبحانه-، بُنِيَت لِذِكره وعبادته، وتلاوة كتابه، وأداء رسالته، وتبليغ منهجه، وتعارف أتباعه، ولقائهم على مائدة العلم والحكمة، ومكارم الأخلاق، قال الله -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)[النور:36-37]. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ"(رواه الطبراني في المعجم الكبير).

عباد الله: وفي كربات يوم القيامة وأهوالِها يكون أهل المساجد في ظلِّ عرش الرحمن، آمنين مطمئنين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ"، وعَدَّ منهم: "وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ"(رواه البخاري ومسلم). ولا غرابة أنْ ينال أهل المساجد هذه الكرامة، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ؛ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ"(رواه البخاري ومسلم).

ومن أهم آداب حضور المساجد: الخروج على أحسن هيئة؛ من جمال الثياب، وطِيب الرائحة، والسواك، والتبكير إلى المسجد، والمشي إليه بسكينة، والدعاء عند دخوله، وتحصيل الصف الأول، وميمنة الصف خير من شماله، والدعاء بين الأذان والإقامة، وتسوية الصفوف إذا أُقيمت الصلاة، والاعتناء بذلك عناية بالغة، وسد الفُرَج، والخشوع في الصلاة، وعدم التشبيك بين الأصابع.

وينبغي أن يكون المسجد على أكمل صورة في النظافة؛ تعظيماً لشأنه، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ-أي: في الأحياء التي يسكنها الناسُ حتى يسهل عليهم حضور صلاة الجماعة-، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ"(رواه أبو داود). فيجب أن يكون المسجد نظيفاً، وخاصة يوم الجمعة.

ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي بال في طائفة المسجد: "إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلاَ الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ"(رواه مسلم).

ومِنْ تعاهُدِ المسجد بالنظافة: تنزيهه أنْ يدخله مَنْ أكل ثوماً أو بصلاً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ"(رواه مسلم). وبعض الناس تهاوَنَ في أكلهما، ويحضر إلى المسجد ويكاد مَنْ بجواره أنْ يقطع صلاتَه، ويبتعد عنه.

ويُستحب الدعاءُ عند التوجه إلى المسجد؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا"(رواه البخاري ومسلم).

وأنْ يَدخُلَ المسجدَ بسكينةٍ ووقار؛ لما ورد عن أبي قتادةَ -رضي الله عنه- قال: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: "مَا شَأْنُكُمْ". قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ. قَالَ: "فَلاَ تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"(رواه البخاري).

فالمسلم مُطالَب بالحفاظ على الوقار داخل المسجد، فلا يرفع صوتَه بكلامٍ ولا جلبة؛ تعظيماً للمسجد، ولئلا يُشوِّش على المصلين، أو قارئي القرآن.

ويُسن لِمَنْ أراد دخولَ المسجد؛ أنْ يدخل برجله اليمنى، ويقول: "بِسْمِ الله، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ"(رواه مسلم". ويقول أيضاً: "أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"(رواه أبو داود).

ويُصلِّي ركعتين -قبل أن يجلس- تحيةً للمسجد، ولو كان الإمام يخطب؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ؛ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"(رواه مسلم). ويُستحب الإكثار من ذكر الله -تعالى-، وقراءة القرآن، والدعاء، والاستغفار، وتعلُّم العلم الشرعي.

وإذا أراد الخروجَ خرج برجله اليسرى، ويقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ"(رواه مسلم). وفي رواية: "وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ، وَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"(رواه ابن ماجه).

ومن المباحات في المساجد: التحدث بالكلام المباح، وبأمور الدنيا، وإنْ حصل فيها ضَحِكٌ ونحوه؛ لحديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ"(رواه مسلم).

وليحذر المرء من الكلام بالباطل، فلا مكان في المسجد للغيبة والنميمة والكذب، وإذا كانت هذه الأمور مُحرَّمة خارج المسجد؛ فهي في المسجد أشد تحريماً، وبعضهم يفعل ذلك في الاعتكاف الذي هو مظنة الذِّكر والإقبال على الله -تعالى-، والاجتهاد في العبادة، والانقطاع عن الدنيا. قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وأمَّا الكلام الذي يُحبُّه الله ورسوله في المسجد فحَسَن، وأمَّا المحرَّم فهو في المسجد أشد تحريماً، وكذلك المكروه يكون في المسجد أشد كراهية، ويُكره فيه فضول المباح".

ويُباح الأكل والشرب والنوم في المساجد؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا نَنَامُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْنُ شَبَابٌ"(رواه الترمذي). وثبَتَ أنَّ أصحاب الصُّفَّة والعرنيين وجماعات من الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا ينامون في المسجد.

وعن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ"(رواه ابن ماجه).

الخطبة الثانية

الحمد لله..

عباد الله: ومن المكروهات في المساجد: نشد الضالة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لاَ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا"(رواه مسلم).

ويُكره البيعُ والشراءُ في المسجد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ"(رواه الترمذي).

وجاء النهي عن نَشْدِ الأشعار في المساجد، والشِّعرُ المنهي عنه ما اشتمل على هَجْوِ مسلمٍ، أو مدحِ ظالم، أو فُحش، ونحو ذلك، أمَّا ما كان حِكمةً أو مدحاً للإسلام، أو حثًّا على برٍّ فإنه لا بأس به؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ -رضي الله عنهما- وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ! أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟" قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.(رواه مسلم).

ويُكره رفعُ الصوتِ على وَجْهٍ يُشوِّش فيه على المصلين، ولو بقراءة القرآن، ويُستثنى من ذلك درس العلم؛ فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: "أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ"(رواه أبو داود).

وإذا كان رَفْعُ الصوتِ بالقرآن منهيًّا عنه؛ فكيف إذا رَفَعَ صوتَه بالحديث في أمور الدنيا! قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "وإذا نُهِيَ المسلم عن أذى أخيه المسلم في عملِ البر، وتلاوةِ الكتاب، فأذاه في غير ذلك أشد تحريماً".

ومن آداب المسجد: ألاَّ يحجز فيه مكاناً، فقد اعتاد بعضُ الناس أن يحجز مكاناً؛ بفرشِ سجادة، أو وضع عصا خلف الإمام، ونحو ذلك -وهو في منزله أو عمله-، وهذه الظاهرة تكثر في المسجد الحرام؛ فبعضهم يحجز مكاناً لنفسه وأقاربه وأصدقائه.

ومن المحرمات في المساجد: اتِّخاذها قبوراً، أو تُبنى على القبور؛ لأن المساجد بُنيت لعبادة الله -تعالى- وتوحيده، فينبغي أن تُصان عن كل مظهرٍ يتنافى مع التوحيد؛ لقوله -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن:18]، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"(رواه البخاري ومسلم).

وصلوا وسلموا...