الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | سالم بن محمد الغيلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
إن المصلحين سعداء مطمئنون، جعل الله في قلوبهم السعادة والأمن والاطمئنان جزاء ما يقومون به؛ فالجزاء من جنس العمل، فكم ألّفُوا بين الأزواج! وكم أصلحوا بين الإخوة والأقارب والجيران!، كم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر!، كم دعوا إلى الله! كم بذل المصلحون من أوقاتهم وجهدهم وعرقِهم!..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: حديث اليوم عن شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام غفل عنها أكثر الناس، ولعل من أكبر الأسباب في الإعراض عنها أنها تحتاج بذل جهد كبير وصبر وتحمُّل واحتساب وبذل وقت وسياسة ودراية، ولأنها كذلك، ولأنها بهذا المقام والمقال رتّب الله على القيام بها الأجر بغير حساب.
والله -تعالى- يُعطي الأجر بغير حساب، وبلا حدود على عدة عبادات؛ منها: الصيام فـ"كُلّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِئَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ"(صحيح مسلم).
ومنها: الصبر، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[سورة الزمر:10].
ومنها: الإصلاح عبادة الإصلاح، قال -تعالى-: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[سورة الشورى:40]، عبادة الاصلاح ما أحوجنا إليها في زمن كثر فيه الخلاف والاختلاف والفرقة والقطيعة والغفلة.
إن الاصلاح لا يقوم به ولا يسعى فيه إلا مُحب للخير، مُحِب لله مُحب لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، مُحتسب يجيد عبادة الاحتساب، ويعرف كيف يحتسب، يرجو ما عند الله من عظيم الأجر في الإصلاح، إصلاح ما فسد بين الناس عامة وبين الأقارب خاصة، إصلاح الأزواج، إصلاح الأسر، إصلاح الأرحام، إصلاح أهل الخصام والفرقة، مجهود عظيم ولكن أجره عند الله بغير حساب.
ولو أن في كل أسرة أو مجتمع أو حي أو قبيلة لو أن فيها مصلحًا أو اثنين أو ثلاثة متعاونون ومتفقون على إصلاح ما فسد لكان في ذلك أثر عظيم على حياة الناس وسعادتهم وتراحمهم وترابطهم، ولما وجدنا في المجتمع مَن يقطع أخاه وعمه وخاله، وربما أباه لسنة أو سنوات، ولما وجدنا الأزواج يلجؤون إلى المحاكم والطلاق والفراق وتشتيت الأسر، ولربما لو تدخل مصلح فأصلح لكان الأمر مختلفًا.
إن الشيطان الذي يَعِد الناس بالفقر والفحشاء والقطيعة والنفس الأمارة بالسوء، وقلة الخوف من الله ومن عقابه، والهوى المُضِلّ والشُحّ المهلك، والنميمة، واشتباه الأمور والشكوك والأوهام، كل هذه أفسدت بين الكثير من الناس فأوصلتهم إلى القطيعة والتباعد، فلذلك نحتاج إلى مصلحين يصلحون ما فسد، يمنعون من التفرق والقطيعة والهجر وفساد البيوت والأسر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبرُكم بأفضلِ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟" قالوا: بلى، قال: "إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ"(صحيح أبي داود للألباني).
قال الله -تعالى-: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)[سورة الأعراف:170]، وقال –سبحانه-: (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[سورة النساء:114].
إن الإصلاح: إصلاح النفس، وإصلاح المجتمع من الفساد والقطيعة والمعصية أمان لأهل القرى، أمان للمدن، أمان للأمة من عذاب الله، فالله -تعالى- لا يهلك مجتمعاً ولا حياً ولا أمة بسبب الظلم والبعد من الله، وبسبب التقاطع والتهاجر وأهل ذلك البلد مصلحون؛ المصلحون أمان من عذاب الله، قال -جل في علاه-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[سورة هود:117].
إن المصلحين سعداء مطمئنون، جعل الله في قلوبهم السعادة والأمن والاطمئنان جزاء ما يقومون به؛ فالجزاء من جنس العمل، فكم ألّفُوا بين الأزواج! وكم أصلحوا بين الإخوة والأقارب والجيران!، كم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر!، كم دعوا إلى الله! كم بذل المصلحون من أوقاتهم وجهدهم وعرقِهم!، ولذلك يقول الله -تعالى-: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[سورة الأنعام:48].
المجتمع المسلم كلهم إخوة وأقارب وجيران فكأنهم أسرة واحدة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[سورة الحجرات:10].
اللهم اغفر للمصلحين، وتجاوز عن المصلحين، وبارك للمصلحين في أنفسهم وأهليهم وبيوتهم وأولادهم، اللهم سدّدهم في أقوالهم وأفعالهم ومساعيهم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى.
عباد الله: المجتمع الذي فيه قطيعة فيه لعنة؛ لعنة من الله، وإذا لعن الله نُزِعَتْ البركة ونُزِعَ الخير وجاء الخوف والحرمان (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[سورة محمد:22-23]، فإذا انعدم المصلحون أو قلّ سعيهم بقيت اللعنة بين الناس.
إن المصلح يجب أن يتحلى بصفات حتى يفتح الله عليه، ويجعل الصلاح والخير على يديه، منها:
الاحتساب لله: نريد مَن يصلح ويحتسب لا يجعل همّه ما يدخل في جيبه أو بطنه، لا يهمه مدح الناس وثناء الناس ونظر الناس؛ لأن الله -تعالى- بَيَّن في كتابه فقال: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[سورة النساء:114]، احتساب لا شهرة.
ومن صفات المصلحين:
الصدق: يكون المصلح صادقًا يسعى بالصدق يريد الإصلاح فعلاً، قلبه نظيف من الغش والحقد وحظوظ النفس.
ومن صفاتهم: سياسة المتخاصمين، وسَبْر أغوار صدورهم؛ حتى يتبين له الصحيح من السقيم.
ومن صفات المصلحين: اتباعهم لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فأهل البدع والضلالات والجهالات لا يعرفون كيف يُصلِحون، بل ربما يُفْسِدون، ويحملون الناس تبعات لا يطيقونها وأحمالاً لا يستطيعونها؛ لأن البعيد من الله ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعمى لا يهتدي الطريق، فكيف يصلح بين الناس وهو أعمى بصيرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الصُّلحُ جائزٌ بينَ المسلمينَ إلَّا صلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالًا"(صحيح أبي داود للألباني)؛ (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[سورة الأنفال:1].
اللهم سدِّد المصلحين، ويسِّر أمورهم، وفَرِّج همومهم، وأصلح نياتهم وذرياتهم.
وصلوا وسلموا..