العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
كَمْ مِن زَوْجٍ إِذَا جَلَسْتَ مَعَهُ يَزْفَرُ أَمَامَكَ زَفَرَاتِ الضَّجَرِ، وَيَتَنَفَّسُ أَنْفَاسَ الْمَلَلِ حِينَمَا يَشْكُو إِلَيْكَ مَا يُعَانِيهِ مِنْ جَوْرِ زَوْجَتِهِ! خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ مَالًا، أَوْ أَعْلَى جَاهًا؛ فَقَدْ نَفِدَ صَبْرُهُ، وَاغْتَمَّ صَدْرُهُ...
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ لَا يُحِبُّ أَنْ يَظْلِمَهُ أَحَدٌ؛ بِإِيصَالِ ضَرَرٍ إِلَيْهِ، أَوْ بِمَنْعِ حَقٍّ لَهُ، وَقَدْ تَعَارَفَ أَرْبَابُ السُّلُوكِ عَلَى قَاعِدَةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ لِتَقْوِيمِ الْخُلُقِ وَإِصْلَاحِ النَّفْسِ، أَلَا وَهِيَ: "عَامِلِ النَّاسَ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوكَ بِهِ"؛ فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ لَا يُرِيدُ أَنْ يُظْلَمَ، فَلِمَاذَا يَسْعَى فِي ظُلْمِ غَيْرِهِ، لَوْ كَانَ عَادِلًا؟!
أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ خَطَرًا، وَأَعْمَقِهَا أَثَرًا: ظُلْمَ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا.
إِنَّ النَّاسَ قَدِ اعْتَادُوا أَنْ يَسْمَعُوا الْحَدِيثَ عَنْ ظُلْمِ الْأَزْوَاجِ لِزَوْجَاتِهِمْ، وَقَلَّ أَنْ يَسْمَعُوا عَنْ ظُلْمِ الزَّوْجَاتِ لِلْأَزْوَاجِ؛ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ ظُلْمِ الْأَزْوَاجِ لِزَوْجَاتِهِمْ؛ بِسبَبِ قُوَّتِهِمْ، وَاجْتِمَاعِ مَقَالِيدِ شُؤُونِ الْأُسْرَةِ بِأَيْدِيهِمْ.
لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ أَنَّ هُنَاكَ زَوْجَاتٍ يَظْلِمْنَ أَزْوَاجًا ظُلْمًا كَثِيرًا؛ فَكَمْ مِنْ زَوْجٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْحَيَاةُ بِمَا رَحُبَتْ بِسَبَبِ ظُلْمِ زَوْجَتِهِ! وَكَمْ مِنْ زَوْجٍ لَمْ يَعُدْ يُطِيقُ الْبَقَاءَ فِي بَيْتِهِ، بَلْ يَبْقَى بَعِيدًا عَنْهُ، يَخْرُجُ مِنْهُ صَبَاحًا وَزَوْجَتُهُ نَائِمَةٌ، وَيَعُودُ مَسَاءً وَهِيَ كَذَلِكَ! وَالسَّبَبُ ظُلْمُهَا لَهُ.
وَكَمْ مِنْ زَوْجٍ مَضَى إِلَى طَرِيقِ الْحَرَامِ وَهُوَ غَيْرُ رَاغِبٍ فِيهِ! وَالسَّبَبُ: زَوْجَتُهُ الظَّالِمَةُ لَهُ.
وَكَمْ مِن زَوْجٍ إِذَا جَلَسْتَ مَعَهُ يَزْفَرُ أَمَامَكَ زَفَرَاتِ الضَّجَرِ، وَيَتَنَفَّسُ أَنْفَاسَ الْمَلَلِ حِينَمَا يَشْكُو إِلَيْكَ مَا يُعَانِيهِ مِنْ جَوْرِ زَوْجَتِهِ! خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ مَالًا، أَوْ أَعْلَى جَاهًا؛ فَقَدْ نَفِدَ صَبْرُهُ، وَاغْتَمَّ صَدْرُهُ، وَضَاقَ ذَرْعًا بِحَيَاتِهِ مَعَهَا، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ الْبَائِسَةِ لَا يَسْتَطِيعُ السَّلَامَةَ مِنْ ظُلْمِهَا فَيَسْعَدُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى طَلَاقِهَا فَيَسْتَرِيحُ!
وَكَمْ مِنْ زَوْجٍ يَحْتَسِي كُؤُوسَ بُؤْسِهِ، وَيَتَجَرَّعُ غُصَصَ ظُلْمِ زَوْجَتِهِ، فَيَكْتُمُ مَا يُعَانِي، وَلَا يَبُوحُ بِوَجَعِهِ لِأَحَدٍ، قَدْ ذَابَ جِسْمُهُ، وَمَلَكَهُ غَمُّهُ، وَصَارَ حَالُهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَفِي الْقَلْبِ نَارٌ لَيْسَ يَخْبُو لَهِيبُهَا | أُكَتِّمُهَا وَالْقَلْبُ بِالْجَمْرِ يَصْطَلِي |
وَلَوْ أَنَّهَا بَانَتْ إِلَى النَّاسِ لَمْ تَزَلْ | بِإِحْرَاقِهَا تَقْضِي عَلَى كُلِّ مِفْصَلِ |
عِبَادَ اللهِ: وَهُنَاكَ مَظَاهِرُ تُنْبِئُكُمْ عَنْ ظُلْمِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ لِأَزواجِهِنَّ، وَمِنْ ذَلِكَ:
عِصْيَانُهَا لَهُ، وَتَمَنُّعُهَا عَنْ طَاعَتِهَا لَهُ فِي الْمَعْرُوفِ، وَمَنْطِقُ الْعَدْلِ يَقُولُ: إِنَّ الزَّوْجَةَ مَأْمُورَةٌ بِطَاعَةِ زَوْجِهَا، وَالسَّعْيِ فِي مَرَاضِيهِ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ -تَعَالَى-، قَالَ اللهُ -سُبْحَانَهُ-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء:34]، وَ(قَانِتَاتٌ) أَيْ: مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَمِنْ مَظَاهِرِ ظُلْمِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا: تَكْلِيفُهُ مِنَ النَّفَقَةِ فَوْقَ طَاقَتِهِ؛ فَلَقَدْ كَلَّفَ اللهُ -تَعَالَى- الزَّوْجَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى زَوْجَتِهِ فِي مَطْعَمِهَا وَمَشْرَبِهَا وَمَلْبَسِهَا وَمَسْكَنِهَا وَسَائِرِ شُؤُونِهَا، وَلَكِنَّهُ -تَعَالَى- جَعَلَ ذَلِكَ فِي حُدُودِ مَا يُطِيقُ الزَّوْجُ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق: 7]؛ "أَيْ: عَلَى قَدْرِ غِنَاهُ، (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ (فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ)؛ أَيْ: فَلْيُنْفِقْ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً، (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)؛ أَيْ: إِلَّا مَا أَعْطَاهَا مِنَ الْمَالِ".
وَمِنْ مَظَاهِرِ ظُلْمِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا: عَدَمُ اسْتِجَابَتِهَا لَهُ إِلَى الْفِرَاشِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ صِحِّيٍّ يَمْنَعُ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ، وَهَذَا ظُلْمٌ كَبِيرٌ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ سَخَطَ رَبِّهَا، وَلَعْنَةَ مَلَائِكَتِهِ؛ حَتَّى يُعَفَّ بِهِ عَنِ الْحَرَامِ، وَيَسْلَمَ مِنْ تَجَرُّعِ غُصَصِ الْحِرْمَانِ مِنْ تَلْبِيَةِ الْوَطَرِ الْمَشْرُوعِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا؛ لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ مَظَاهِرِ ظُلْمِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا: تَكَبُّرُهَا عَلَيْهِ، وَبَذَاءَةُ لِسَانِهَا مَعَهُ، وَسُوءُ مُعَامَلَتِهَا لَهُ، وَإِيذَاؤُهَا لِأَهْلِهِ، وَمَا أَشْنَعَهُ مِنْ ظُلْمٍ: أَنْ يَسْمَعَ الزَّوْجُ، أَوْ يَرَى مِنْ زَوْجَتِهِ إِيذَاءَهَا لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ!
وَمِنْ مَظَاهِرِ ظُلْمِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا: مُمَارَسَتُهَا فِي السِّرِّ وَفِي غَيْبَتِهِ مَا يَكْرَهُ، وَمَا يَنْهَاهَا عَنْهُ وَلَا يَرْضَاهُ مِنْهَا، وَخُرُوجُهَا مِنَ الْمَنْزِلِ بِدُونِ إِذْنِهِ، أَوْ إِدْخَالُهَا فِي بَيْتِهِ مَنْ يَكْرَهُ، أَوْ إِفْشَاءُ أَسْرَارِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا؛ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُون"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ إِذَا غَمَرَهَا ظُلْمُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، بِغَمْطِهِ حَقَّهُ، أَوْ بِتَجْرِيعِهِ صُنُوفَ الْأَذَى؛ فَإِنَّ لِذَلِكَ آثَارًا سَيِّئَةً عَلَى الزَّوْجَةِ الظَّالِمَةِ، وَعَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ بِأَسْرِهَا، فَمِنْ تِلْكَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ لِظُلْمِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا:
حُصُولُ الْإِثْمِ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ-أَيًّا كَانَتْ جِهَتُهُ- وَرَاءَهُ ذَنْبٌ عَظِيمٌ، فَكَيْفَ بِظُلْمِ الْقَرِيبِ وَالْحَبِيبِ؟
وَمِنَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ لِظُلْمِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا: ذَهَابُ السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَتَشَتُّتُ الْعَلَاقَةِ الْأُسَرِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ لَا رَاحَةَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ إِلَّا إِذَا قَامَ بَيْنَهُمَا الْعَدْلُ، وَلَا لَمَّ لِشَعْثِ الْأُسْرَةِ إِلَّا بِانْتِفَاءِ الظُّلْمِ.
وَمِنَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ لِظُلْمِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا: رَدَّةُ الْفِعْلِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْمَظْلُومَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَادِعٌ مِنْ دِينٍ أَوْ خُلُقٍ إِذَا رَأَى زَوْجَتَهُ تَظْلِمُهُ؛ فَإِنَّهُ سَيَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ، وَيَزِيدُ عَلَى قَدْرِ مَظْلِمَتِهِ بِتَجَاوُزِهِ فِي ظُلْمِ زَوْجَتِهِ وَرَدِّ الصَّاعِ صَاعَيْنِ، وَلَوْلَا ظُلْمُ زَوْجَتِهِ لَهُ رُبَّمَا لَمْ يَكُنْ لِيَصِلَ إِلَى ذَلِكَ الْحَدِّ مِنَ الطُّغْيَانِ.
وَمِنَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ: الْعُقُوبَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الْعَاجِلَةُ؛ فَالزَّوْجَةُ الظَّالِمَةُ لِزَوْجِهَا قَدْ تَنْزِلُ بِهَا مُصِيبَةٌ جَرَّاءَ ظُلْمِهَا، أَوْ تُبْلَى بِمَنْ يَظْلِمُهَا جَزَاءَ ظُلْمِهَا لَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اثْنَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللهُ فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْن"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ).
وَمِنَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ لِظُلْمِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا: الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ؛ فَقَدْ وَرَدَ فِي عِقَابِ الظَّالِمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُصُوصٌ يَضْطَرِبُ لَهَا الْقَلْبُ؛ مِنْ هَوْلِ مَا تَحْمِلُ مِنْ وَعِيدٍ؛ كَقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "اتَّقُوا الظُّلْمُ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
أَلَا فَلْتَتَّقِ كُلُّ زَوْجَةٍ رَبَّهَا، وَلْتَحْذَرْ مِنْ ظُلْمِهَا زَوْجَهَا، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ الْمَزِيدِ، وَلِقَاءُ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِكُلِّ فِعْلٍ أَسْبَابًا تَدْعُو إِلَيْهِ؛ فَظُلْمُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ أُمُورٌ، وَمِنْ ذَلِكَ:
ضَعْفُ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- وَمِنْ عِقَابِهِ؛ فَلَوْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ الظَّالِمَةُ تَخَافُ رَبَّهَا لَمَا ظَلَمَتْ زَوْجَهَا؛ فَأَيْنَ مَوْقِعُ تِلْكَ النُّصُوصِ الْمُرْهِبَةِ مِنْ ظُلْمِ الزَّوْجِ فِي قُلُوبِ تِلْكَ الزَّوْجَاتِ اللَّاتِي مَا زِلْنَ مَاضِيَاتٍ فِي ظُلْمِ أَزْوَاجِهِنَّ، دُونَ أَنْ تَهْتَزَّ أَفْئِدَتُهُنَّ بِالرَّهْبَةِ مِنَ اللهِ وَعَذَابِهِ؟!.
وَمِنْ أَسْبَابِ ظُلْمِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ لِأَزْوَاجِهِنَّ: جَلِيسَاتُ السُّوءِ، اللَّاتِي مِنْ فِعْلِهِنَّ بَثُّ رُوحِ النُّشُوزِ فِي قَلْبِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ، وَدَعْوَتُهُنَّ إِلَى ظُلْمِ أَزْوَاجِهِنَّ بِعْصِيَانِهِمْ وَالتَّقْصِيرِ فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِمْ.
وَمِنْ أَسْبَابِ ظُلْمِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ لِأَزْوَاجِهِنَّ: مُقَارَنَةُ الزَّوْجَةِ بَيْنَ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ مِنْ أَزْوَاجِ صَدِيقَاتِهَا أَوْ قَرِيبَاتِهَا؛ فَيَحْمِلُهَا قُصُورُ زَوْجِهَا، أَوْ تَقْصِيرُهُ عَنْ بُلُوغِ صِفَاتِ أُولَئِكَ الرِّجَالِ عَلَى ظُلْمِهِ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ وَأَمْثَالَهَا لَيْسَتْ مُبَرِّرًا لِظُلْمِ الزَّوْجِ وَهَضْمِهِ حَقَّهُ وَالسَّعْيِ فِي إِضْرَارِهِ؛ فَالزَّوْجَةُ الْعَاقِلَةُ لَيْسَتْ مِنْ فَرِيقِ تِلْكَ الْبَائِسَاتِ اللَّائِي سَلَكْنَ طَرِيقَ ظُلْمِ الْأَزْوَاجِ، وَلَكِنَّهَا زَوْجَةٌ صَالِحَةٌ قَانِتَةٌ حَافِظَةٌ لِلْغَيْبِ، بَعِيدَةٌ عَنِ الظُّلْمِ، وَامْتِنَاعُهَا عَنْ ظُلْمِ زَوْجِهَا لِمَعْرِفَتِهَا بِمَا يَلِي:
مُرَاقَبَتُهَا للهِ -تَعَالَى-، وَخَوْفُهَا الْعَظِيمُ مِنْهُ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ آدَمَ الْمَقْتُولُ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ قَتْلِ أَخِيهِ: (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)[المائدة: 28]؛ فَتَأَمَّلُوا -رَعَاكُمُ اللهُ- أَثَرَ خَوْفِ اللهِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الظُّلْمِ.
وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَمْنَعُ الزَّوْجَةَ مِنْ ظُلْمِ زَوْجِهَا: مَعْرِفَةُ وَاجِبِ الزَّوْجَةِ الشَّرْعِيِّ نَحْوَ زَوْجِهَا؛ فَإِنَّ وَاجِبَهَا هُوَ طَاعَتُهُ طَاعَةً تَامَّةً فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَأَدَاءُ حُقُوقِهِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا حَيْفٍ؛ فَعَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهَا: "أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟" قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: "فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ).
وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَمْنَعُ الزَّوْجَةَ مِنْ ظُلْمِ زَوْجِهَا: إِدْرَاكُهَا عَظِيمَ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَعَظَمَةَ أَجْرِهَا عِنْدَ اللهِ إِذَا قَامَتْ بِحَقِّهِ وَلَمْ تَظْلِمْهُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا؛ مِنْ عَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَلَا تَجِدُ امْرَأَةٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ).
وَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا؛ دَخَلَتِ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ"(رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ).
وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَمْنَعُ الْمَرْأَةَ مِنْ ظُلْمِ زَوْجِهَا: قِرَاءَتُهَا لِسِيرَةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسِيَرِ الْفَاضِلَاتِ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ، وَعُقَلَاءِ النِّسَاءِ اللَّاتِي أَدْرَكْنَ حَقَّ أَزْوَاجَهُنَّ كَمَا أَرَادَ اللهُ -تَعَالَى-؛ فَقُمْنَ بِهَا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ.
أَلَا فَلْتَحْذَرْ كُلُّ زَوْجَةٍ تَخَافُ اللهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ مِنْ ظُلْمِ زَوْجِهَا؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ عَاقِبَتُهُ وَخِيمَةٌ، وَنِهَايَتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ أَلِيمَةٌ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ، فَيَا خَسَارَةَ كُلِّ ظَالِمٍ وَظَالِمَةٍ يَوْمَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ! يَوْمَ لَا تَخْفَى عَلَى اللهِ خَافِيَةٌ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.