العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إنَّ المسلمَ، وهو ينظر إلى مجتمعات المسلمين اليوم، وفُشُوّ ظاهرة الطلاق فيها، لَيَنزعج كثيرا من فشوّ هذه الظاهرة الخطيرة التي بسببها تتهدم أُسَر، ويتفرق أبناء، ويُيَتَّم أبناء آباؤهم وأمهاتهم أحياء؛ بسبب مشكلات وخلافات يسيرة كان بالإمكان حلها. ولهذا فإن قيام الأسر الصالحة في المجتمع يعتمد أولا وقبل كل شيء على تربية سابقة قبل الزواج، على تربية كلٍّ من المرأة والرجل بالقيام بمهام..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد: فيا عباد الله، التزموا وصية مولاكم لكم بتقواه -سبحانه-؛ فإنها -والله- نعم الوصية! هي الوصية الجامعة المانعة، جامعة لكل أبواب الخير وسبله، مانعة من كل وسائل الشر وطرقه.
فاتقوا الله عباد الله، اتقوه -سبحانه- بأقوالكم وأفعالكم، اتقوه -سبحانه- في جميع ما تأتون، راقبوه -سبحانه وتعالى- في غيبتكم وحضوركم وشهودكم وعلانيتكم وسركم، اجعلوا تقوى الله -عز وجل- هي المحرك لكم في أعمالكم وأقوالكم، أعاننا الله جميعا على تقواه، وجنبنا أسباب غضبه وسخطه.
أيها الإخوة المسلمون: كان حديث الجمعة الماضية عن العلاقات الزوجية وما قد يشوبها من مشكلات، وحديث اليوم مُتَمِّمٌ لحديث الأمس.
أيها الإخوة المسلمون: لقد أرشد الله -عز وجل- في كتابه الكريم إلى الخطوات التي ينبغي أن يسلكها الزوج عندما يخاف نشوز امرأته، وعندما تلوح في أفق العلاقات الزوجية بعض بوادر الخلاف والشقاق.
يقول الله -عز وجل- في آية محكمة، في آية واضحة: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء:34-35].
فالخطوة الأولى التي أرشد إليها كتاب ربنا -عز وجل- لحل المشكلات الزوجية ما أشارت إليه الآية الكريمة بقوله -سبحانه-: (فَعِظُوهُنَّ).
إن على الزوج أن يرشد المرأة إلى الطريق الصحيح الذي ينبغي أن تسلكه، لم يقل -سبحانه وتعالى- عند ظهور المشكلات: فطلقوهن، وإنما قال: (فَعِظُوهُنَّ)، أي: علموهن واجبهن كزوجات وأمهات وربات بيوت، علموهن معنى الحياة الزوجية الصحيحة، وقيم هذه الحياة، ودورهن الذي ينبغي أن يقمن به لإسعاد أسرهن وبيوتهن.
عظوهن بآيات الكتاب الحكيم، وبسنة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فذلك أهدى سبيلا؛ حدثوهن بأخبار الصالحات القانتات العابدات.
وهذا التوجيه القرآني للوعظ ليس أمراً هينا، ليس مجرد كلمات عابرات تقال، إن الوعظ الذي جعلته الآية الكريمة أولى خطوات حل المشكلات الزوجية ونادت به هذه الآية الكريمة، إن الوعظ عملية تربوية كاملة، إنه نداء يطالب بتعليم الجاهل، وهداية الحائر، وإرشاد الضال، وعظة الغافل.
ولو أراد الزوج أن ينفذ هذا التوجيه الرباني فعليه أن يعمل بهذه الخطوة العظيمة، (فَعِظُوهُنَّ)، على الوجه الأكمل، فإن ذلك يستغرق منه فترة طويلة قد تحسب بالشهور والأعوام، لا بالساعات والأيام، حتى يقول القائل: وعظت ووعظتُ فلم ينفع الوعظ.
لأن الجهلة لا يتعلمون في ساعات، ولأن الحيارى لا يهتدون في ساعات، ولأن الضالين قد لا يرشدون في ساعات، ولأن الغافلين قد لا ينتبهون في ساعات.
وإن ذلك كله لا يعني أن يجعل الرجل من نفسه مع أهله خطيبا بالليل والنهار، فذلك فساد وإفساد، وإنما المقصود أن الإنسان لا يستعجل ثمرة وعظه، ولا يستبطئ نتيجتها.
أرأيتم -أيها الإخوة الكرام- إلى الخطوة الأولى في سُلّم خطوات معالجة المشكلات الزوجية؟ كم هي طويلة! وكم تستغرق من الوقت حتى تؤتي نتيجتها وثمرتها؟!.
إن من العجيب أن يحصل خلاف بين زوجين ثم يفكر الزوج في الطلاق أو يبادر إلى إيقاعه، ومتى ما قيل له: هل سلكت الخطوات قبل إيقاع الطلاق أو التفكير فيه؟ هل قمت بعملية الوعظ للزوجة والتعليم والتأديب؟ لربما قال لك: نعم، فعلتُ ذلك. فإن سألته: كم جلست في هذه الخطوة؟ قال: وعظتها ربع ساعة أو نصف ساعة أو يوماً أو يومين!.
إن المسألة أعظم من هذا، إن الوعظ الذي أرشدت إليه هذه الآية الكريمة كما تقدم عملية تربوية تقوم على بناء القيم الفاضلة والأخلاق التي تسهم في إسعاد الحياة الزوجية وقيام الأسرة على الوجه الذي يحبه ويرضاه، وتقوم هذه العملية التربوية كذلك على هدم القيم السيئة وعلى إبطال الأخلاق السيئة التي تحول دون نجاح الأسرة وقيامها على الوجه الأكمل.
أما الخطوة الثانية، كما أرشدت إليه الآية الكريمة في قوله -تعالى-: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)، هي هجر الزوجة. ولكن؛ كيف يكون الهجر؟ وأين تهجر الزوجة؟.
لقد بيَّنَت الآية الكريمة هذا الهجر بأنه هجرٌ في المضاجع، فليس للزوج أن يخرج زوجته متى ما حصل إشكال بينه وبينها من بيتها إلى بيت آخر ولو كان بيت أبيها، وليس له في هذه المرحلة أن ينقل مسألة الخلاف الزوجي خارج دائرة الزوجية، خارج محيطه هو ومحيط زوجته.
يقول القاسمي -رحمه الله- في تفسيره: "(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) أي: لا تُدْخِلْهُنَّ تحت اللُّحُف، ولا تباشرهن". ويقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الهجر هو ألا يجامعها ويضاجعها على فراشها، بل يوليها ظهره".
وهذا المعنى مأخوذ من حديث معاوية بن حيدة القشيري في السنن والمسند أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تُطْعِمَهَا إذا طعِمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت"، أي: في فراش الزوجية.
هذا هو معنى الهجر، وعلى ذلك ليس من معنى الهجر الذي أرشدت إليه الآية في حل المشكلات الزوجية أن يهجر كلام امرأته، فهذا أمر لا يحل لمسلم مع أخيه المسلم، فضلا عن مسلم مع زوجته المسلمة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما من يبدأ بالسلام".
قال بعض أهل العلم: "والهجران: غايته شهر، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث أَسَرَّ إلى حفصة حديثًا، فأفشته إلى عائشة، وتظاهرت عليه"، و"لا يبلغ بالهجر الأربعة الأشهر التي ضربها الله أجلاً للمولي". هذه هي الخطوة الثانية.
أما الخطوة الثالثة: فهي الضرب، غير أن هذا الأسلوب طنطن حوله المطنطنون في هذا الزمن وأكثروا من الكلام واللغط حوله، مع أنه توجيه من رب الأرض والسماء، مع أنه أمر في كتاب الله الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42].
هذا الأسلوب في معالجة المشكلات مضبوط بجملة من الضوابط الشرعية، فالضابط الأول أنه ضرب غير مبرح؛ لا يكسر عظما، ولا يسيل دما، ولا يشق جلدا.
يقول -صلى الله عليه وسلم- في خطبة حجة الوداع: "واتقوا الله في النساء؛ فإنهن عوان عندكم -أي: أسيرات-، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح".
وفي حديث آخر يقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم".
ومن الضوابط كذلك أن يكون الضرب ضرب أدب لا ضرب إهانة ولا إذلال ولا إجرام، وأن يجتنب الوجه؛ لأنه مجمع المحاسن، ويجتنب الأماكن المحترمة، ومراقي البدن؛ بل ذهب بعض الفقهاء إلى أبعد من هذا فقالوا: ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف، أو بيده، لا بسوطٍ ولا عصا، قال عطاء: "قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه".
ثم إن الضرب وسيلة لا يلجأ إليها خِيارُ الرجال عادة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما اشتكى إليه بعض النساء من ضرب أزواجهن، وعظ -صلى الله عليه وسلم- الرجال والأزواج وقال: "إنه قد طاف بآل مُحَمَّدٍ نساء يشتكين"، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "وليس أولئك بخياركم"، أي: مَن يضرب زوجته.
ومن ثم؛ فيُعلم أن ما يسلكه بعض الأزواج من اعتداء صارخ على أزواجهم بضربهن ضربا مبرحا يُسيل الدم، ولربما كسر العظم، ولربما أدخلت على إثره مستشفى ونحوه؛ كل ذلك اعتداء حرمته الشريعة، ونهى عنه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، هو اعتداء من قبل الزوج، لا يحل له أن يسلك هذا العنف مع امرأته ولا مع غيرها بغير وجه حق، لا يحل له أن يسلك هذا العنف مع زوجته ومع أقرب الناس إليه.
إن الضرب الذي أرشدت إليه هذه الآية إنما هو ضرب يسير، هدفه الأسمى ليس التعذيب وليس الإجرام وليس الإيذاء؛ وإنما هدفه أن يُشعر الزوج زوجته بعدم رضاه أو بغضبه وانزعاجه منها.
هذه بعض الطرق التي أرشد إليها الإسلام لمعالجة المشكلات الزوجية، هي توجيهات كلها حكمة وعدل؛ لأنها صادرة من لَدُن الحكيم الخبير -سبحانه وتعالى-، فنسأل الله -تعالى- أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب ويرضى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: ليس هناك تشريع أسمى ولا أنبل ولا أكمل من تشريع الإسلام وهدي الإسلام؛ لأنه تشريع رب العالمين، تشريع العالم بما يصلح خلقه وعباده؛ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].
أيها الإخوة المسلمون: عندما لا تنفع الوسائل السابقة من الوعظ والهجر والضرب في حل المشكلات الزوجية وإعادة الأمور إلى مجاريها الطبيعية لا ينفذ صبر الزوج ولا أقارب الزوجين، ولا ينبغي على الزوج أن يفكر في الطلاق أو الفراق، بل هناك وسيلة رابعة أرشد لها الله -عز وجل- في قوله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء:35].
إن الحل يوم تبوء جهود الزوج بالفشل في حل المشكلات بينه وبين زوجته يكون حينئذ بالاستعانة بالمصلحين، المصلحين من أقارب الزوج والزوجة؛ بل بكل من يهمه الأمر من القضاة والأقارب والمرشدين الأُسريين الأمناء.
يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا...)، "فهذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله -عز وجل- أن يبعثوا رجلاً صالحاً من أهل الرجل، ورجلاً من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء".
يقول عبيدة السلماني: "جاء رجل وامرأة إلى علي -رضي الله عنه- ومعهما فئام – أي: جماعة من الناس – فأمرهم علي أن يبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ثم قال -رضي الله عنه- للحكمين: تدريان ما عليكم؟ عليكما أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما".
فمهمة الحكمين المبعوثين من الزوج والزوجة السعي لمعرفة أسباب الخصام، والوقوف عليه، وذلك بسؤال الزوج عن كل ما يأخذه على امرأته، وسؤال المرأة كذلك عما تأخذه على زوجها، وعما قال عنها، ويكون ذلك بمنتهى الصراحة والأمانة والرغبة في الإصلاح.
ومن ثم؛ فعلى الحكمين أن يتجردا من حظوظ أنفسهما، وأن يتقيا الله -عز وجل- فيما يسمعان، وأن يحفظا السر، ويجتهدا في الإصلاح؛ ولذلك قال الحسن: "إنما بعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه سواء كان الزوج أو الزوجة".
أما إذا فقد الحكمان الإخلاص والمروءة، وذهب كل واحد منهما إلى مجلس الصلح وفي نفسه ما فيها من الأضغان والعصبية والانتصار للطرف الذي يمثله، فإن الزمام حينئذ سيفلت حتما من أيديهما، وتبوء جهودهما بالفشل.
هذه هي الحلول -أيها الإخوة المسلمون- التي شرعها الإسلام للقضاء على الشقاق والخصام بين الزوجين، فتأملوا -رحمكم الله- كيف أحاط الإسلام الأسرة بهذه الحلول من رعاية وعناية؛ لئلا ينهدم بنيانها، ولئلا يتصدع كيانها.
ولم يجعل الله -عز وجل- الطلاق هو الحل الأول، أو الحل الوحيد، وإنما جعله في آخر المطاف.
إنَّ المسلمَ، وهو ينظر إلى مجتمعات المسلمين اليوم، وفُشُوّ ظاهرة الطلاق فيها، لَيَنزعج كثيرا من فشوّ هذه الظاهرة الخطيرة التي بسببها تتهدم أُسَر، ويتفرق أبناء، ويُيَتَّم أبناء آباؤهم وأمهاتهم أحياء؛ بسبب مشكلات وخلافات يسيرة كان بالإمكان حلها.
ولهذا فإن قيام الأسر الصالحة في المجتمع يعتمد أولا وقبل كل شيء على تربية سابقة قبل الزواج، على تربية كلٍّ من المرأة والرجل بالقيام بمهام تكوين هذه الأسرة الجديدة، هذه العملية التربوية التي يتخرج فيها الرجل وهو أهلٌ لأن يتحمل قيادة الأسرة، وتتخرج فيها الفتاة وهي أهل لتكون زوجة صالحة يتربى في كنفها الأبناء والبنات.
هذه المهمة العظيمة تقوم عليها الأسر الصالحة من آباء وأمهات، وإخوة وأخوات، وتقوم عليها المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، حتى يقضى على هذه الظاهرة التي باتت تهدد كثيرا من مجتمعات المسلمين.
نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى، نسأله -سبحانه وتعالى- أن يأخذ بنواصي الجميع للبر والتقوى.
هذا؛ وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صلى عليَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً".
اللهم صل وسلم وبارك...