البحث

عبارات مقترحة:

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

كفاية الله لعباده

العربية

المؤلف عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. في ظلال قوله -تعالى-: (أليس الله بكاف عبده) .
  2. أسباب نيل العبد لكفاية الله .
  3. بعض مظاهر كفاية الكافي سبحانه لعباده .
  4. ثمرة اليقين بكفاية الله. .

اقتباس

ومن أسباب نيل كفاية الكافي -سبحانه-: القيام بحقوق الله التي أوجبها على عباده؛ يقول ابن رجب -رحمه الله-: "فمن قام بحقوقِ اللَّه عليه؛ فإن اللَّهَ يتكفل له بالقيام بجميع.. ومن علم أن الله كافيه تفرغ لعبادته وحده، واطمئن قلبه وصلح حاله، وزال خوفه من ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

معاشر المسلمين: مخلوق ضعيف في نفسه ضعيف بدنه ضعيف في عقله؛ فلا يملك أن يجلب لنفسه منفعة، ولا يستطيع أن يصرف عنها مضرة؛ هكذا وصفه ربه الذي خلقه وصوره وسواه فعدله؛ فقال في كتابه العزيز: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 28]؛ ولا شك أن ضعف الإنسان يشمل سائر الوجوه؛ فضعف في البنية، وضعف في الإرادة، وضعف في العزيمة، وضعف في الإيمان، وضعف في الصبر.

وما دام أن هذا حال الإنسان؛ فهو في أمس الحاجة إلى كاف يكفيه شؤون دينه ودنياه ويحفظه في نفسه وأهله ورزقه وصحته، ويرعاه ويؤمنه ويحميه ويدافع عنه من شر كل ذي شر، ولا يقدر على أن يكفيه كل ذلك إلا الكافي -سبحانه وتعالى-؛ ولن يتحصل على تمام الكفاية والعناية والحفظ والرعاية إلا إذا قام بعبادته وواظب على طاعته؛ يقول الحق -تبارك وتعالى-: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)[الزمر: 36]؛ يقول السعدي -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية الكريمة: "أي؛ أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه؛ فإن الله -تعالى- سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء".

وإن كانت هذه الآية نزلت في أكمل الخلق عبودية لربه ومولاه -صلى الله عليه وسلم-؛ إلا أن كفاية الله تشمل كل من أحسن في عبادته واجتهد في لزوم سبيله وشريعته؛ قال بعض العارفين بكفاية رب العالمين لعباده المؤمنين: "ومَن ذا يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده‏؟‏".

وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:

وَهُوَ الْحَسِيبُ كِفَايَةً وَحِمَايَةً

وَالْحَسْبُ كَافِي الْعَبْدِ كُلَّ أَوَانِ

وَهُوَ الكَفِيْلُ بِكُلِّ مَا يَدْعُونَهُ

لا يَعْتَرِي جَدْوَاهُ مِن نُقْصَانِ

وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل

بحفظهم من كل أمر عانِ

أيها المؤمنون: ولكفاية الكافي -سبحانه- لعباده صور كثيرة؛ فمن ذلك:

دفاعه عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- وعن عباده المؤمنين ونصره لهم؛ (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر:95]، وقال -تعالى-: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ)[آل عمران: 124]، وكفى الله المؤمنين يوم الأحزاب؛ فقال -تعالى-: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)[الأحزاب: 25]، وقوله: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)[الملك:20]، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الحج: 38]، ومن كان الله عنه مدافعا؛ فمن ذا يقدر عليه.

ومنها: الرزق؛ فليس للإنسان الضعيف كاف ورازق سوى الكافي -جل في عليائه-: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ)[الملك: 20- 21].

ومن صور كفاية الكافي -سبحانه- لعباده المؤمنين: حفظهم ورعايته لهم؛ فمن حفظ إبراهيم -عليه السلام- حين ألقي في النار؟ ومن حفظ يونس -عليه السلام- في بطن الحوت؟ ومن حفظ يوسف -عليه السلام- في البئر وسنوات الاغتراب عن الأهل والأحباب؟ ومن الذي يرعى من على هذه البسيطة، ويمدهم بالطعام والشراب والعافية؟؛ والجواب: إنه الله الكافي -جل شأنه-.

عباد الله: تلكم -بعضا- من صور كفاية الله لعباده؛ وإليكم الأسباب التي بها نيل كفاية الكافي؛ فمنها:

التوكل على الله -سبحانه وتعالى-؛ فهو حسب من توكل عليه ورجاه، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3].

ومن الأسباب: دعاء الله -تعالى- وطلب الكفاية منه؛ فإن من دعا الله كفاه وحماه وحفظه ونجاه؛ وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما روى مسلم في قصة الغلام المؤمن الذي أبى الرجوع عن دينه: "فدفَعَه الملِك إلى نَفَرٍ من أصحابه، وقال لهم: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا -جبل معروف عندهم شاهِق رفيع-، وقال لهم: إذا بلغوا ذروتَه فاطرحوه؛ يعني: على الأرض؛ ليقعَ من رأس الجبل فيموت، بعدَ أن تَعرِضوا عليه أن يرجع عن دِينه؛ فإنْ رجع وإلا فاطرحوه؛ فلمَّا بلغوا قمَّة الجبل؛ فطلبوا منه أن يرجع عن دِينه، أبَى؛ لأنَّ الإيمان قد وَقَر في قلبه، ولا يمكن أن يتحوَّل أو يَتزحزح؛ فلمَّا همُّوا أن يطرحوه، قال: اللهم اكفنيهم بما شئتَ -دعوة مضطر مؤمن-؛ أي: بالذي تشاء ولم يُعيِّن؛ فرجف الله بهم الجبلَ فسقطوا وهلكوا، وجاء الغلام إلى الملِك، فقال: ما الذي جاء بك؟ أين أصحابك؟! فقال: قد كفانيهم الله، ثم دَفَعه إلى جماعة آخرين وأمرَهم أن يركبوا البحر في سفينة؛ فإذا بلغوا لُجَّة البحر عرَضوا عليه أن يرجع عن دِينه، فإن لم يفعلْ رمَوْه في البحر، فلمَّا توسَّطوا من البحر، عَرَضوا عليه أن يرجع عن دينه - وهو الإيمان بالله - فقال: لا، فقال: اللهم اكفنيهم بما شِئت، فانقلبتِ السفينة وغرقوا، وأنجاه الله".

وجاء من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومَن استكفى، كفاه الله -عزَّ وجلَّ-"(وروى النسائيُّ)، وروى الترمذيُّ في سُننه من حديث علي -رضي الله عنه-: "أنَّ مُكاتبًا جاءه، فقال: إني قد عجزتُ عن كتابتي فأعنِّي، قال: "ألا أُعلِّمك كلماتٍ علَّمنيهنَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لو كان عليك مثلُ جَبل صِيرٍ دَينًا، أدَّاه الله عنك"؟ قال: "قل: اللهمَّ اكْفِني بحلالك عن حرامك، وأغْنني بفضلِك عمَّن سواك".

ومن أسباب نيل كفاية الكافي -سبحانه-: القيام بحقوق الله التي أوجبها على عباده؛ يقول ابن رجب -رحمه الله-: "فمن قامَ بحقوقِ اللَّهِ عليهِ فإنَّ اللَّهَ يتكفلُ له بالقيامِ بجميع مصالحِهِ في الدنيا والآخرةِ".

أقول قولي هذا...

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

ومن أسباب كفاية الله لعباده: المداومة على الأذكار المشروعة؛ كأذكار اليوم والليلة وأذكار النوم والاستيقاظ منه، وأذكار دخول المنزل والخروج منه، وغير ذلك من الأذكار الواردة؛ وقد صح عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أن من ذكر ربه عند خروجه من بيته؛ فقال: "بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَيُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ، فَيَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ؛ فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ).

ومن ذلك -أيضا-: الإكثار من الصلاة على النبي الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- عن أبي بن كعب: " أنَّ رجلًا قال للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أجعَلُ لكَ نِصفَ صلاتي … الحديثَ"، وفي آخرِهِ أجعلُ لَكَ صلاتي كلَّها قالَ: "إذًا تُكفى همَّكَ ويغفَرَ ذنبُكَ"(ابن حجر العسقلاني).

أيها المسلمون: سمعتم -بعضا- من المظاهر والصور لكفاية الله -سبحانه وتعالى- لعباده، وعلمتم بعض أسباب نيل تلك الكفاية الكريمة الواسعة؛ ولا غرو؛ فقد سمى الله نفسه الكافي؛ ومن أيقن أن الله -عز وجل- هو الكافي لعباده المؤمنين حفظا ورعاية، ودفاعا ونصرا، وجب عليه ألا تكون الرغبة إلا إليه، والرجاء إلا منه، والركون إلا عليه؛ فمن وقع في ضيق في معاشه، أو مسه ضر في نفسه أو أهله، أو احتاج إلى شيء من أمور دينه ودنياه؛ فليطلب كل ذلك من الله الكريم الكافي -سبحانه-؛ فهو حسبه وكافيه.

ومن علم أن الله كافيه تفرغ لعبادته وحده، واطمئن قلبه وصلح حاله، وزال خوفه من فوات رزق أو حلول بلاء، وحقق رجاءه بربه وعظم يقينه به دون سواه؛ كما قال -تعالى- على لسان خليله -عليه السلام-: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)[الشعراء: 78 - 82].

يَا مَنْ لَهُ الْفَضْلُ مَحْضًا فِي بَرِيَّتِهِ

وَهُوَ الْمُؤَمَّلُ فِي الْبَأْسَاءِ وَالْبَاسِ

عَوَّدْتَنِي عَادَةً أَنْتَ الْكَفِيلُ بِهَا

فَلَا تَكِلْنِي إلَى خَلْقٍ مِنْ النَّاسِ

اللهم اكفنا بما شئت وكيف شئت، واكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير والشافع يوم المصير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].