المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد آل طالب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
وأمَّتُنا تمرُّ بمعركةٍ مُستمرَّةٍ مع الباطل، تُدافِعُ فيها عن دين الله الحق، وتدفعُ عن أراضِيها المُقدَّسة، وتحمِي حِمَى المُسلمين. ومع ما أنعمَ الله به علينا من القوة في العُدَّة والعَتَاد، والكفاءَة في الرأي وعزم الرجال، إلا أننا لا ننسَى أننا لله وبالله أمةٌ تسيرُ على نهج نبيِّها الخاتِم، تتمسَّكُ بكتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، حرِيٌّ بها أن تقترِبَ من ربِّها أكثرَ من ذي قَبل، وأن تُحقِّق أسبابَ النصر الشرعية. فتوحيدُ الله تعالى وطاعتُه أعظمُ أسباب النصر والتمكين..
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي علا في السماء مكانُه وقدرُه، وفي الكون تجلَّى سُلطانُه وقهرُه، فكل خيرٍ في واسِع الملَكُوت خيرُه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُؤمَّل في الشدائِد غيرُه، ومنه - سبحانه - يُرتجَى تأييدُه ونصرُه، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه أفضلُ السير إلى الله سيرُه، فلا ينضَبُ من الخير نهرُه، وخيرُ البرِّ عند الله برُّه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه إلى يوم الدين.
اللهم ربَّنا لك الحمدُ كما خلقتَنا ورزقَتنا وهديتَنا وعلَّمتَنا، وأنقذتَنا وفرَّجتَ عنَّا، لك الحمدُ بالإسلام والقرآن، ولك الحمدُ بالأهل والمال والمُعافاة، كبَتَّ عدوَّنا، وبسطتَ رزقَنا، وأظهرتَ أمنَنا، وجمعتَ فُرقتَنا، وأحسَنتَ مُعافاتَنا، ومن كل ما سألناكَ ربَّنا أعطيتَنا.
فلك الحمدُ على ذلك حمدًا كثيرًا، لك الحمدُ بكل نعمةٍ أنعمتَها علينا في قديمٍ أو حديث، أو سرٍّ أو علانية، أو خاصَّةٍ أو عامَّةٍ، أو حيٍّ أو ميتٍ، أو شاهدٍ أو غائِبٍ. لك الحمدُ حتى ترضَى، ولك الحمدُ إذا رضيتَ.
ثم أما بعد، أيها الناس:
اتَّقوا الله تعالى وراقِبُوه، أطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه، واعمُروا آخرتَكم ولا تُلهيَنَّكم الدنيا وزخارِفُها، فإنما يتبيَّن الغنيُّ من الفقير عند الانصِراف من بين يدَي الله - عز وجل - بعد العرضِ عليه، إما على جنةٍ وإما إلى النار، (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 6- 8].
أيها المسلمون:
أيامٌ عاصفةٌ مرَّت .. وقراراتٌ حازِمةٌ سرَّت .. أعقَبَتها - بحمد الله - عيونٌ بالنصر قرَّت، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران: 126].
فالحمدُ لله على ما أولَى، والشُّكرُ له على ما وفَّق وأسدَى. أظهرَ الله قوةَ السنَّة والإيمان، وضعفَ الشرِّ والظُّلم والعُدوان. لم تكُن المملكةُ يومًا داعيةَ حربٍ، وليس في تاريخها تجاوُزٌ أو عُدوان، ولكن ..
إذا لم يكن إلا الأسِنَّةُ مركبًا | فما حِيلةُ المُضطرُّ إلا رُكوبُها |
قادَت المملكةُ التحالُف المُبارَك لإحقاق الحقِّ ودحر الباطِل؛ حراسةً للمُقدَّسات، وحمايةً لبيضَة المُسلمين، وانتِصارًا لأهل اليمَن المُضامِين. فحقَّق الله المُراد، وبارَك في الرجال وفي العَتَاد، والحمدُ لله رب العالمين.
أعلنَت المملكةُ بدءَ العاصِفة وأعلنَت وقفَها، وملكَت - بتدبير الله - زِمامَ الأمر، ورفعَت رايةَ التوحيد والنصر. قوةٌ في الموقف .. وعزَّةٌ في القرار، (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ) [الجمعة: 4].
أيها المسلمون:
ومن بركَات هذه العاصِفة: أن سقَى ماءُ الأمل قلوبًا طالَ صَداهَا، وأوشكَ ظلامُ اليأس أن يطوِيَها. فقد رأوا ليلةً بدَت كواحدةٍ من ليالي القهر واليأس، لكنها لم تنتصِف حتى دخلَت تلك الليلةُ التاريخ، بما حمَلَت من بُشرى، وأزالَت من ذُلٍّ، وما قلبَتْه من موازين، وغيَّرَت من سياسات.
فوثَبَاتُ الأمة أقربُ مما يتصوَّرُ اليائِسُون، وسُرعةُ انعِطافها بعد انصِرافِها أيسرُ مما يظنُّ المُحبَطون، إلا أن لله آجالاً لا بُدَّ من تمامها، وشروطًا يجبُ تحقُّقُها واستيفاؤُها، حتى تتسيَّدَ أمَّتُنا وتعلُو رايتُنا.
وما بين خُروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة طريدًا شريدًا، وبسط جناحَي دولته على مُلك كِسرى وقيصَر إلا خمسة عشر عامًا فحسب. عسى الله أن يُتمَّ فضلَه وأمنَه علينا وعلى كل بلاد المُسلمين.
أيها المؤمنون:
ومع النصر المُبين، والعلوِّ المَكين، فإن موقفَ المؤمن لا يتجاوزُ نهجَ سيِّد المُرسَلين، والذي شرَّفَنا الله باتباع سُنَّته، وتحكيم شِرعَته. كيف وقد قال الله في كتابِه مُحذِّرًا: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ) [الأنفال: 47]، وقال - سبحانه -: (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ) [آل عمران: 160].
بل إن اللافِتَ في آيات غزوة بدرٍ وبعد انتِصار النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبِه الكرام، لم تأتِ الآياتُ بالثناء على البُطولات والمهارات؛ بل قال الله في أعقابِ ذلك: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ) [آل عمران: 126]، وقال - سبحانه -: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) [الأنفال: 17]، وقال: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران: 123].
وعندما دخلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مكةَ فاتحًا مُنتصرًا، يحُوطُه أصحابُه في جلال، وتسيرُ من بين يدَيه كتائِبُ الفرسان وكرامُ الرجال، وقد دانَت له مكةُ وأشرافُها، "دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقَته وهو يقرأُ سورة الفتح" (رواه البخاري).
قال محمد بنُ إسحاق: "حدَّثني عبدُ الله بن أبي بكر أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ليضَعُ رأسَه تواضعًا لله حين رأى ما أكرمَه الله به من الفتح، حتى إن عُثنُونَه ليَكادُ يمسُّ واسِطةَ الرَّحل".
وأخرجَ الحافظُ البيهقيُّ عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: "دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مكةَ يوم الفتح ودَقَنه على راحِلَته مُتخشِّعًا".
أيها المسلمون:
إن المؤمن لا يكتفِي بالانتِصار في وقعةٍ واحدةٍ؛ بل يجبُ أن تكون حياتُه كلُّها نصرًا وعزًّا، وغايةُ النصر الثباتُ على المبادئ، والدوامُ على مُراد الله. وإلا فإن سُنَّة المُدافَعَة قائمةٌ إلى يوم الدين، وصِراعَ الحق والباطِل دائِمٌ ما دامَت الدنيا، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 140- 142].
إلا أن وعدَ الله الذي لا يُخلَف، ونصرَه الذي لا يتخلَّف أن العاقبةَ للمُتقين، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51].
ومهما كانت الأمور فإن الخِتام المحتُوم: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 171- 173].
ولقد أمرَنا - سبحانه - في كتابِه الكريم بآيةٍ جمعَ فيها تدبيرَ الحروب بأحسن تدبير؛ فقال - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 45، 46].
فأمرَ المُجاهدين بخمسة أشياء، ما اجتمَعت في فئةٍ قطُّ إلا نُصِرَت، وإن قلَّت وكثُر عدوُّها، وهي: الثبات، وكثرةُ ذكر الله تعالى، وطاعتُه وطاعةُ رسوله، واتفاقُ الكلمة وعدم التنازُع الذي يُوجِبُ الفشل والوَهْن، والخامسُ الصبر.
فهذه خمسةٌ تُبنَى عليها قُبَّةُ النصر، ومتى زالَت أو زالَ بعضُها زالَ من النصر بقدر ما نقصَ منها، ولما اجتمَعَت في الصحابة - رضي الله عنهم - لم تقُم لهم أمةٌ من الأُمم، وفتَحوا الدنيا، ودانَت لهم البلادُ والعباد. ولما ضعُفَت فيمن بعدهم .. آلَ الأمرُ إلى ما آل.
عباد الله .. أيها المسلمون:
وأمَّتُنا تمرُّ بمعركةٍ مُستمرَّةٍ مع الباطل، تُدافِعُ فيها عن دين الله الحق، وتدفعُ عن أراضِيها المُقدَّسة، وتحمِي حِمَى المُسلمين. ومع ما أنعمَ الله به علينا من القوة في العُدَّة والعَتَاد، والكفاءَة في الرأي وعزم الرجال، إلا أننا لا ننسَى أننا لله وبالله أمةٌ تسيرُ على نهج نبيِّها الخاتِم، تتمسَّكُ بكتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، حرِيٌّ بها أن تقترِبَ من ربِّها أكثرَ من ذي قَبل، وأن تُحقِّق أسبابَ النصر الشرعية.
فتوحيدُ الله تعالى وطاعتُه أعظمُ أسباب النصر والتمكين، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55].
وشتَّان بين مُوحِّدٍ يُدافِعُ عن كتابٍ وسُنَّة، وبين من اتَّخذَ إلهَه هواه وأضلَّه الله!
فاعرِفوا نعمةَ ربِّكم عليكم بما هداكم، والزَموا الطريقَ الذي حباكم، وازدلِفوا إليه بالعمل الصالح، وتجافَوا عن الذنوب والمعاصِي، خصوصًا ما كان منها ظاهرًا شاهِرًا؛ فهي جالِبةُ الذلِّ والمآسِي.
فإن من أسباب الذِّلَّة التي يضربُها الله على المُسلمين، وإن نأَت بهم الديار، وتباعَدَت الأقطار: ما يُشهِرُه بعضُهم من مُنكرات، ويدعُون لها بلا مُنكِر عليهم أو ناصِح. وهذا للأسف في بلاد المُسلمين كثير، وبه يطُولُ ليلُ الذلِّ على المُسلمين، وتتأخَّرُ نُصرةُ ربِّ العالمين، ويرفعُ الله عنا ألطافَه وأفضالَه.
وفي الحديث الصحيح: «إن الناسَ إذا رأَوا المُنكرَ ولم يُغيِّروه أوشكَ الله أن يعُمَّهم بعذابٍ من عنده». (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 20، 21].
فالله لا مُغالِبَ له، وقد قهَرَ العبادَ وأخذَ بنواصِيهم، فلا يتحرَّكُ شيءٌ في الكون إلا بإذنه، ولا يسكُنُ إلا بإذنه، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا)[الفرقان: 58].
اللهم إنا نبرأُ من حولِنا وقوتِنا إلى حولِك وقوتِك، (عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس: 85، 86].
والوصيةُ لعامَّة المُسلمين: بالالتِفافِ حول وُلاة الأمر من الأمراء والعلماء، اليوم هو يوم اجتماع الكلمة، ووحدة الصفِّ، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].
الوحدةُ والتماسُك في نسيجِ المُجتمع الواحِد، وبين الشعوبِ المُسلِمة. يجبُ أن نترفَّع عن كل الخلافات، وأن نتَّحِدَ على ما نحن بصدَدِه، وأن نحذَرَ كل ما يُؤدِّي إلى الخلاف والتضعضُع، وتفتيتِ الداخِل.
أجِّلُوا خلافاتكم، وتناسَوا خصومَاتكم .. كفَى تخوينًا لبعضِكم بعضًا على رأيٍ أو آراء .. كل فردٍ منكم هو رجُلُ أمنٍ وعلى ثغر.
والحذَرَ ثم الحذَرَ من الإشاعات والأخبار المُلفَّقة، لا تدفعَنَّكم شهوةُ السبق في نقل الأخبار إلى الإشاعة دون تثبُّت. فكم من خبرٍ مصدرُه العدوُّ، تبرَّع الضحايا في إذاعته بينهم ليفُتَّ في عضُدِهم.
أنتم الرِّدءُ لجنودكم .. ادعُوا لهم وثبِّتُوهم .. أسعِدوا وأيِّدوا الجنودَ الذين هم في الرِّباط وعلى حدود البلاد، واخلُفُوهم في أهلهم خيرًا.
كما يجبُ استِحضار أُخُوَّة الشعب اليمَنيِّ المُبتلَى بهذه الأحداث، وأن هذه المعركة ليست حربًا على اليمَن؛ بل هي حربٌ لأجل اليمَن ولأجل اليمانيِّين. وإن اليمانيِّين المُقيمين بين أظهُرنا أو في بلادِهم هم إخوتُنا، وإن عدوَّنا وعدوَّهم مُشترَك، ومصلحتنا ومصلحتُهم مُشترَكة.
فإياكم والمُنتهِزين بإثارة النَّعَرات! فاليوم كلُّنا يمَن.
كما يجِبُ على الجميع عامَّة وفي مثلِ هذه الظروف خاصَّة: اللُّجوء إلى الله بالدعاء، والازدِلاف بالعمل الصالح؛ فالقلوبُ الصادقةُ، والأدعيةُ الصالِحةُ هي العسكرُ الذي لا يُغلَب، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران: 126].
بارَك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، نصرَ عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزمَ الأحزابَ وحده، الحمدُ لله الذي هدانا لتوحيده، وعرَّفَنا معالِم دينِه، وأنعمَ علينا باتباع سُنَّة نبيِّه، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه ومن والاه.
أما بعد:
فإيمانًا من هذه البلاد وحلفائِها بمقصِدهم الشريف في تحقيق الأمن لبلاد اليمَن العزيز، ودَحر عُدوان المُعتَدين، وإزالة الخطَر المُحدِق بالأمة المُسلِمة ومُقدَّساتها. وحيثُ تحقَّق المُراد فلا طمعَ إلى مزيدِ حربٍ أو قِتالٍ. وقد بدأَت إعادةُ الأمل للشعب اليمَنيِّ الكريم. بارَكَ الله الجهود، وحقَّق الأماني، والحمدُ لله رب العالمين.
وفي هذا يظهرُ شرفُ مبادِئ المملكة في إنهاءِ عاصِفةٍ حقَّقَت مُرادَها في أقلَّ من شهر، وأوقفَت العصفَ عند تحقُّق المُراد. ولقد كشفَت الأحداثُ زيفَ المُبطِلين، وأظهرَت عوارَ المُفسِدين. فالحمدُ لله رب العالمين.
ويا خادمَ الحرمين الشريفين:
يا أيها الملكُ الذي | لنداء صنعاء انتهَض |
من بعدُ ما طالَ البلا | ءُ وهدَّ جنبَيها المرض |
وشكَت عروبةُ أهلها | عجَمًا أرادُوها غرض |
لم يُدرِكوا أن الشريفَ | هناك يرفُضُ من رفَض |
فوثبتَ تنقُضُ غزلَهم | حتى تهلَّل وانتَقَض |
وأنختَ كل مطيَّةٍ | لعداتِه حتى ربَض |
ما كان يحسَبُ أمةً | تصحُو فتنقُضَ ما افترَض |
هذه الشآمُ جريحةٌ | وجهُ الحياة بها امتَعَض |
ترنُو إليك وتشتَكِي | وترى بوثبَتِك العِوَض |
فهناك حُكمٌ جائرٌ | لم يرعَ عِرضًا أو عرَض |
ذبَحَت عصابةُ غدرِه | شعبًا تحامَلَ وانتفَض |
غاضَ التراحُمُ منهمُ | حتى تضاءَلَ وانقرَض |
فتهجَّرَت من أرضِها | أُسَرٌ وراحَت في مضَض |
والموتُ أشهرَ سيفَه | في كل ناحيةٍ عرَض |
والجُوعُ أشرعَ نابَه | لحواصِلِ الأطفال عضّ |
فلربما بعزيمةٍ تجلُو | عن الشام الحرَض |
والوجهُ بعد شُحوبِه | يرتدُّ مسرورًا وغَض |
والله فوق الناسِ يعـ | ـلمُ من أجابَ أو اعترَض |
سبحانه ملكُ المُلوك | وما لنجدتِه عِوَض |
أما أنتم يا جنودَنا البواسِل، من المُقاتلين والمُرابِطين في الثُّغور: فلقد كفَفتُم الشرَّ عن بلاد المُسلمين، ورفعتُم رايةَ الحق والعدل، وبلغتُم ذروَة المجد والشرَف. وإنا لنرجُو أن يكون عملُكم جِهادًا، ونصرُكم فتحًا، وموتُ من ماتَ منكم شهادة.
احتسِبُوا واصبِروا (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]، فإن أزهار أمل الأمة تفتَّحَت بإقدامِكم، وأمانيُّها القديمةُ بُعِثَت بحزمِكم. عسَى أن تُستردَّ بهذه العَزمة الحقوق، وتُستدرَك الأمجاد.
ولا يأخذنَّكم الزهُوُّ والاستِعلاء؛ فقد حاسَبَ الله خيرَ مُجاهدين، لما أُعجِبوا بكثرتهم، ولم يشفَع لهم وجودُ نبيِّهم بينهم - صلى الله عليه وسلم -، (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا)[التوبة: 25]. كان الله معكم.
ودعاءٌ لكل رجال الأمن في الداخل وعلى الثُّغور: حرسَكم الله ورعاكم، وأيَّدكم بنصره وبالخير جازاكم، وكتبَ لكم أجر المُجاهدين المُرابِطين، وأتمَّ الله علينا وعلى أمة الإسلام النصرَ والعافية.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله: محمدِ بن عبد الله. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم ارضَ عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيِّك أجمعين، وعنا معهم يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدة والمُفسِدين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشد، يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر يا رب العالمين.
اللهم من أرادَنا وبلادَنا وأرادَ الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحره، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك في فلسطين، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم حرِّر المسجد الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم الطُف بإخواننا في سوريا، وفي العراق، واليمَن، وفي بورما، وإفريقيا الوسطى، وفي كل مكانٍ، اللهم ارفع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين.
اللهم انشُر الأمن والرخاء في بلادنا وبلاد المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 147].
اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا.
اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم، اللهم ارحمهم كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فمتِّعه بالصحة والعافية على طاعتِك، ومن كان منهم ميتًا فتغمَّده برحمتِك، ونوِّر له في قبره، ووسِّع له فيه، واجعَله روضةً من رياض الجنة، واجمعنا به في دار كرامته. ربنا اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذريَّاتهم، وأزواجنا وذريَّاتنا، إنك سميع الدعاء.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم ونتوبُ إليه، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضار، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.
اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق.
ربَّنا تقبَل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم.