المنان
المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...
العربية
المؤلف | عايد القزلان التميمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
علينا أن نَشْكَرَ الله على هذه النعم التي أنعم الله بها علينا من الأمن والأمان واتحاد الكلمة ووحدة الصف وَرَغَدِ العيش والاستقرار، وهي نِعَمٌ جليلة، لا يَقدِرها حقّ قدْرِها إلا من حُرم منها، فهي كالصحةِ تاجٌ على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرْضَى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوةً، وألَّف بين قلوبهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فيا عباد الله: إن الله أمرنا بالاجتماع ونهانا عن الفُرْقَةِ والاختلاف فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران:102-103]، وقَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[المائدة:14].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فَمَتَى تَرَكَ النَّاسُ بَعْضَ مَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ، وَإِذَا تَفَرَّقَ الْقَوْمُ فَسَدُوا وَهَلَكُوا، وَإِذَا اجْتَمَعُوا صَلَحُوا وَمَلَكُوا فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةَ عَذَابٌ"(مجموع الفتاوى: ٢/٤٢٢).
أيها المؤمنون: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا؛ فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةِ المالِ"؛ فقرن هنا بين وحدة المعتقد على توحيد الله ووحدة الجماعة على الاعتصام بحبل الله.
عباد الله: ومن نِعَم الله العظيمة علينا في المملكة العربية السعودية اجتماع الكلمة ووحدة الصف بعد أن كانوا قبائل متفرقة, أصبحوا -بِفَضْلٍ من الله, بعد توحيد هذه البلاد- إخوة متآلفين يتناصرون ويتناصحون كما أمرهم الله -سبحانه وتعالى-.
ودولتنا -أعزها الله بالإسلام- تَبْذُلُ جهوداً كبيرة وكثيرة في سبيل جَمْعِ كلمة المسلمين، وتوحيد صفهم على مستوى الدول؛ أما داخل الدولة فجُهودها واضحةً جليّة في احتواء الخلافات بين الأفراد، والأسر، والقبائل، وما تكوين مجالس لإصلاح ذات البين فـي إمـارات المناطق، ولجـان المناصحة إلا شاهداً على هذا الأمر.
عباد الله: علينا أن نَشْكَرَ الله على هذه النعم التي أنعم الله بها علينا من الأمن والأمان واتحاد الكلمة ووحدة الصف وَرَغَدِ العيش والاستقرار، وهي نِعَمٌ جليلة، لا يَقدِرها حقّ قدْرِها إلا من حُرم منها، فهي كالصحةِ تاجٌ على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرْضَى، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًا فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمٍ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِها".
وإن هذه النعمة تستوجب علينا شُكْرَ المولى -سبحانه وتعالى- الذي وَعَدَ بالمزيد للشَّاكِرين فقال: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]، وفي السنن عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ"، فَشَكَرَ اللهُ لولاة أمرنا ولعلمائنا ولجميع المسؤولين، ونسأل الله لهم العون على حَمْلِ هذه الأمانات.
أَقُولُ مَا قَدْ سِمِعتُم، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام، وأكرمَنَا بالإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعدُ: فيا عباد الله: اعلموا أن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- شدَّدَ على مَن انتمى لغَيرِ هذا الدين العظيم، أو رفع شعارات أو انتماءات يَتَحَزَّبُ لها ويُوالي ويُعادي عليها؛ فهذا كلُّه من أعمال الجاهلية وعاداتها التي أُمِرْنَا بتركها والكَفّ عنها؛ ففي الحديث عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: "كُنَّا في غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ، -أي: ضربه بيده أو برجله-؛ فَقالَ الأنْصَارِيُّ: يا لَلْأَنْصَارِ، وقالَ المُهَاجِرِيُّ: يا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذلكَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: "ما بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ"؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ: "دَعُوهَا فإنَّهَا مُنْتِنَةٌ"(أخرجه البخاري ومسلم).
فَعَدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الانتماءات وهذه الدعاوى من أمور الجاهلية ووصفها بالقُبْحِ والخُبْث مع أنهم انتسبوا -رضي الله عنهم- إلى أعمال صالحة ومَفَاخِر عظيمة في دين الله: الهجرة والنصرة فسماها -عليه الصلاة والسلام-: "دعوى جاهلية".
فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ- وَقِفُوا صَفًّا واحِدًا فِي وَجْهِ كُلِّ مُرْجِفٍ، وَتَنَبَّهُوا واحذروا من كُلِّ مُفْسِدٍ وحاسدٍ وحاقدٍ على بلاد التوحيد.
أيها المؤمنون: إنَّ أَغلَى مَا يَملِكُ المَرءُ بعد دِينِهِ هُو الوَطَنُ, فاغْرِسُوا فِي أَبنَائِكُمْ حُبَّ الوَطَنِ وَالاعتِزَازَ بِإِنْجَازَاتِهِ الحَاضِرَةِ وتاريخه المجيد، حَتَّى يُحَقِّقُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَعْنَى المُوَاطن الصَّالِح الذي يحارب الفساد، ويسعى للمحافظة على عقيدته وأمنه وأمانه، ويسعى لرُقيّه وتقدُّمه.
هَذَا، وَصَلُّوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى الْهَادِي الْبَشِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ- قَوْلاً كَرِيمًا: (إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].