البحث

عبارات مقترحة:

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

كيف تفوز بالشفاعة؟ (9) شفاعة القرآن

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم النعيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. شفاعة القرآن يوم القيامة .
  2. بيان لمن سيشفع لهم القرآن.
  3. حال الناس مع القرآن في زماننا .
  4. من فضائل القرآن الكريم .
  5. فضل سورة الملك .
  6. الحث على حفظ سورة الملك. .

اقتباس

إنها فرصة لمن خاف عذاب القبر، ولمن طمع في شفاعة القرآن، ورغب في وساطةٍ تكون له في يومٍ سيفر فيه المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه، أنْ يحفظ هذه السورة السهلة، التي لا تزيد آياتها على ثلاثين آية لينال شفاعتها...

الْخُطبَةُ الْأُولَى:

الحمدُ لله رب العالمين, خالقِ الخلق أجمعين, وجامعِ الناس ليوم لا ريب فيه, أعز أهلَ طاعته, وأذل أهل معصيته, وجعل الجنةَ للمتقين، والنارَ دار الكافرين, نحمدُه ونشكره, ومن كل ذنب نستغفره, وأشهد أن لا إلهَ الا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

عباد الله: الشفاعة مدرسة إيمانية عظيمة, من أراد دخولها والتخرج منها ونيل شهادتها؛ لزمه العمل بأعمال صالحة, أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها، ولزمه ترك أعمال نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها؛ إذ الشفاعة لا تنال بالأماني والأحلام، وإنما بالاستجابة وإتباع سيد الأنام.

كنا نعيش في سلسلة من الخطب التي تحدثت عن أهمية الشفاعة, وأنواع شفاعات النبي -صلى الله عليه وسلم-, وكيف نفوز بها؟، وعن الشفعاء الآخرين الذين ستكون لهم شفاعة ومكانة يوم القيامة, وكيف نحظى بشفاعتهم؟، واليوم سنتحدث بمشيئة الله -تعالى- عن شفيع آخر سيكون له صولة وجولة يوم القيامة؛ إنه القرآن.

اعلموا -رحمكم الله تعالى- بأن القرآن, وبعض سور القرآن؛ كالبقرة وآل عمران وتبارك، سيأتون ليشفعوا يوم القيامة لأصحابهم من المؤمنين, الذين عملوا بالكتاب وأقاموا حدوده؛ فعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"(رواه مسلم)؛ قال الملا علي القاري: "معنى "اقرأوا القرآن" أي: اغتنموا قراءته، وداوموا على تلاوته" اهـ, وإذا كان القرآن سيأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، فمن هم أصحاب القرآن؟.

اختلف العلماء في معنى صاحب القرآن؛ هل هو حافظ القرآن؟ أم هو الملازم له بالتلاوة من المصحف؟ قال العراقي: "قال القاضي عياض: معنى صاحب القرآن أي: الذي أَلِفَهُ، والمصاحبة: المؤالفة، ومنه صاحب فلان, وأصحاب الجنة, وأصحاب النار, وأصحاب الحديث, وأصحاب الرأي, وأصحاب الصُفَّة, وأصحاب إبل وغنم, وصاحب كبر, وصاحب عبادة.

وقوله: "الذي أَلِفَهُ" يصدق بأن يَأْلف تلاوته في المصحف مع كونه غير حافظ له، ولكن الظاهر أنَّ المراد بصاحب القرآن حافظه، ويدل لذلك الزيادة التي أخرجها مسلم وغيره من حديث موسى بن عقبة: "وإذا لم يقم به نسيه"، ولولا هذه الزيادة لأمكن دخول تلك الصورة في الحديث ما دام مستمراً على ذلك, يُذلِ لسانه به, ويسهل عليه قراءته، فإذا هجر ذلك ثقل عليه, وصار في القراءة عليه شاقاً، وقد صرح أبو العباس القرطبي باعتبار الحفظ في ذلك، فقال: "وصاحب القرآن هو الحافظ له, والمشتغل به, الملازم بتلاوته" أهـ كلام العراقي.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَجِيءُ صاحب الْقُرْآن يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَيَقُولُ القرآن: يَا رَبِّ! حَلِّهِ -أي ألبسه الحلية-؛  فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثم يقول: يا رب! زده، يا رب! ارض عنه؛ فيرضى عنه، ويقال له: اقره وارقه، ويزاد بكل آية حسنة"(رواه الترمذي والحاكم). ‌

وفي رواية لأبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "اقرؤوا الْقُرْآنَ؛ فإنه نِعْمَ الشَّفِيعُ يوم الْقِيَامَةِ، إنه يقول يوم الْقِيَامَةِ: يا رَبِّ! حَلِّهِ حِلْيَةَ الْكَرَامَةِ؛ فَيُحَلَّى حِلْيَةَ الْكَرَامَةِ، يا رَبِّ! اكْسُهُ كِسْوَةَ الْكَرَامَةِ؛ فَيُكْسَى كِسْوَةَ الْكَرَامَةِ، يا رَبِّ! البسه تَاجَ الْكَرَامَةِ، يا رَبِّ أرض عنه؛ فَلَيْسَ بَعْدَ رِضَاكَ شَيْءٌ"(رواه الدارمي وحسنه الوادعي).

فحاسب نفسك بنفسك، وتساءل بصدق: ما مكانة كتاب الله من قلبك ووقتك؟, هل تعتقد أنك من أصحاب القرآن؟, أم أنك من المقصرين والهاجرين له؟, فلو اعتبرنا القول الأيسر في صاحب القرآن أنه غير الحافظ؛ فإن المصاحبة لا تتأتى إلا بالملازمة، وهذه لا تتأتى إلا بالمودة والألفة مع القرآن، فيكون القرآن ملازمك في بيتك وسيارتك وفي خلوتك، ولا أقصد ذات المصحف، وإنما الإكثار من قراءته، واستذكاره، فكيف لو كان الراجح من الأقوال أنَّ صاحب القرآن هو الحافظ له؟ وهو كذلك, والعلم عند الله.

إنَّ بعض الناس يَدَّعي أنه من أصحاب القرآن، ولو صَدَقَ مع نفسه، لعلم أنه لا يعرف القرآن سوى دقائق معدودة في المسجد قبيل بعض الصلوات أو يوم الجمعة أو في رمضان فقط، أو اكتفى بوضعه في سيارته، أو في غرفته، أو على مكتبه؛، تبركاً به ليس إلا ذلك, بينما تجده في المقابل يصاحب الأفلام ولعب الورق ونحو ذلك من الملهيات, ويسهر مع رفاقه على غير طاعةٍ الساعات الطوال كل يوم، فهل هذا هو صاحب القرآن حقيقة يا ترى؟! أم هو صاحب لهو؟! فتنبه لذلك -يرعاك الله-، ولا تخدعنَّ نفسك.

اعلم -يا عبد الله- أنَّ من أخطر الشفعاء يوم القيامة على الإطلاق -فيما أعلم- القرآن الكريم؛ لأنه إما أنْ يكون شافعاً لك، أو شاهداً ضدك، فهو حجة لك أو عليك، ولا مناص من أحدهما؛ فقد روى أبو مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الطهور شطر الإيمان, والحمد لله تملأ الميزان, وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو؛ فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها"(رواه مسلم).

وروى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "القرآن شافع مُشَفَّع، وماحل -أي خصم مجادل- مُصَدَّق، فمن جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار"(رواه الطبراني وابن حبان)؛ أي: "من شهد عليه القرآن بالتقصير فهو في النار"، قاله المناوي.

وقال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- الذي اشتهر بحسن صوته وتجويده للقرآن، حتى أنصت له النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له  مادحاً: "لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ؛ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ"(متفق عليه)، هذا الصحابي الجليل قدم نصيحة للمسلمين تجاه القرآن فقال: "إنَّ هذا القرآن كائنٌ لكم أجراً، وكائنٌ عليكم وزراً، فاتبَّعوا القرآن ولا يتَّبِعُكم القرآن؛ فإنه من اتَّبع القرآن، هبط به على رياض الجنة، ومن تبعه القرآنُ؛ زُخَّ في قفاه فقذفه في النار"(رواه أبو نعيم في الحلية).

فلنلزم كتاب الله وليصحبنا في حلنا وترحالنا ولا نهجره، ومن أراد أن يزداد محبة لله ورسوله  فليقرأ من المصحف, وليمتع ناظريه برؤية كلام الله, وليمتع سمعه بسماع كلام الله؛ فقد روى عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سره أن يحب الله ورسوله؛ فليقرأ من المصحف"(رواه البيهقي وحسنه الألباني).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخظبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ الذي نور القلوبَ بالقرآن، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز بيان، وجعله شافعاً مشفعاً لعباد الرحمن، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ له الملك الديان، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خاتمُ رسل الله وحبيبُ الرحمن، المبعوث رحمة لجميع الأنام، صلى الله عليه وعلى آل بيته وصحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان إلى آخر الزمان.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى واجعلوا للقرآن نصيباً من أوقاتكم؛ فهو الشافع المشفع يوم القيامة، وقد سمعنا بعض الأحاديث الدالة على شفاعة القرآن يوم القيامة، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض السور التي سيكون لها شفاعات خاصة لأصحابها, ولمن حفظها وكان من أهلها, والتي منها سورة تبارك، تلك السورة العظيمة.

روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ سورة من القرآن ثلاثون آية, شفعت لرجل حتى غفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك"(رواه أحمد وأبو داود والترمذي), وعنه أيضاً  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية, شفعت لرجل؛ فأخرجته من النار, وأدخلته الجنة"(رواه الحاكم), وروى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية, خاصمت عن صاحبها؛ حتى أدخلته الجنة, وهي تبارك"(رواه الطبراني في الأوسط).

كما أن من فضائل هذه السورة أنها تنجي صاحبها من عذاب القبر، حيث روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر"(صحيح الجامع)، وكيف ستمنع من عذاب القبر؟؛ جاء ذلك مفصلاً عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "يؤتى الرجل في قبره، فتؤتى رجلاه فتقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل؛ كان يقرأ سورة الملك، ثم يؤتى من قبل صدره أو قال: بطنه، فيقول: ليس لكم على ما قِبَلي سبيل؛ كان يقرأ في سورة الملك، ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل؛ كان يقرأ في سورة الملك؛ فهي المانعة تمنع عذاب القبر"(رواه الحاكم وحسنه الألباني).

إنها فرصة لمن خاف عذاب القبر، ولمن طمع في شفاعة القرآن، ورغب في وساطةٍ تكون له في يومٍ سيفر فيه المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه، أنْ يحفظ هذه السورة السهلة، التي لا تزيد آياتها على ثلاثين آية لينال شفاعتها.

إننا لنعجب من بعض الناس حين نراهم قد حفظوا عشرات القصائد, وتراهم يرددونها في معظم مجالسهم، ولكنهم يعجزون أو قُل: يكسلون عن حفظ بعض سور القرآن التي ستنفعهم يوم القيامة كسورة تبارك, روى عكرمة أنه قال لرجل: ألا أطرفك بحديث تفرح به؟ اقرأ: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)، احفظها، وعلمها ولدك وجيران بيتك؛ فإنها المنجية والمجادلة، تجادل وتخاصم يوم القيامة ربها، وتطلب إليه أنْ تنجيه من النار إذا كانت في جوفه، وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر.

وكان من حرص رسول الله  على سورة تبارك أنه كان يقرأها كل ليلة قبل أن ينام؛ حيث روى جابر  أن رسول الله  كان لا ينام حتى يقرأ: (الم * تَنْزِيلُ) السجدة, و(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)"(رواه الترمذي، والبخاري في الأدب المفرد), وقال عبد الله بن مسعود : "من قرأ: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) كل ليلة؛ منعه الله -عز وجل- بها من عذاب القبر, وكنا في عهد رسول الله نسميها المانعة"(رواه الحاكم).

إني لأتمنى لمن لم يحفظ سورة (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) حتى الآن، أو حفظها ونسيها، أن يعزم على حفظها ومراجعتها، وأن لا يأتي عليه الجمعة القادمة إلا وهي في صدره؛ كي لا يخسر هذا الثواب العظيم الذي اختصت به دون سور القرآن.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نُسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل والنهار على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم اجعل القرآن شافعا لنا لا علينا، اللهم ألبسنا به الحُلل وأسكنا به الظلل، للهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات.